ثقافة و فنون مهى سلطان تكتب عن : معرض “وارهول X باسكيا بأربع أيدٍ” في مركز لويس فيتون by admin 28 مايو، 2023 written by admin 28 مايو، 2023 66 في مقابلة مع المخرجة تامرا ديفيس في عام 1986 قال باسكيا “كان آندي يبدأ معظم اللوحات. كان يضع شيئاً مميزاً جداً، عنوان صحيفة أو شعار علامة تجارية، وبطريقة ما كنت أشوّهه. ثم أحاول إعادته، فقد أردته أن يرسم مرة أخرى”، بيروت- النهار العربي\ مهى سلطان يُعدّ معرض “وارهول X باسكيا بأربع أيدٍ” الذي افتتح في باريس (ويستمر حتى 28 آب/ أغسطس)، من أهم المعارض التي تلقي الضوء على التعاون بين وارهول وباسكيا، الذي حمل شعاراً له رمز الـ X إشارة الضرب الرياضيّ، بمعنى التلاقي والتقاطع بين نجم البوب – آرت آندي وارهول (1928-1987)، ونجم الغرافيتي – آرت أو فن الشارع جان – ميشيل باسكيا (1960-1988). هذه الإشارة تصدرت عنوان المعرض وكذلك الملصق الذي ظهر فيه النجمان كمُصارعَين على حلبة الفن. في مؤسسة Louis Vuitton في باريس، تأتي وفود القاصدين يومياً إلى المعرض، يتنقلون في أرجاء هذا المبنى المستقبليّ الفخم الذي صممه فرانك غيري (في غابة بولونيا)، على مساحات كبيرة من أربعة مستويات، حيث تُعرض 70 لوحة من أصل حوالي 160 لوحة فنية أنتجها الفنانان معاً (بأربع أيدٍ) في عامين فقط، من خريف عام 1983 إلى خريف عام 1985. كان هذا التلاقي قد شُجِب في حينه، غير أنه نظراً إلى السمعة السيئة لكليهما، أصبح بمثابة أسطورة، غالباً ما يتم تزيينها بحكايات صغيرة تتعلق بالنميمة أو الترويج الإعلاني. لوحات كبيرة بأحجام جدارية (رسم بالأكريليك والباستيل والكولاج الورقيّ وأعمال طباعية: سيريغرافي)، تكتنفها لغة صُوَرية ودلالات وعلامات، لم تعنِ الكثير وقتئذٍ للعامّة من الناحية النظرية لكنها شبّعت منذ ذلك الحين المخيلة الجماعية، سواء فن وارهول أو باسكيا، اللذين غرسا شيئاً جديداً في الثقافة البصرية. ملصق معرض وارهول وباسكيا في مؤسسة لويس فيتون قصّة اللقاءين نظرة إلى الوراء إلى تلك الفترة من الإبداع المكثف المستعِر بالشعارات وماركات المنتجات الاستهلاكية والعلامات التجارية والكتابات والخربشات العبثية والأقنعة والعبارات البذيئة والدعابات الساخرة، تعيدنا إلى ذكريات مقطوفة من الثقافة الشعبية لحقبة الثمانينات في نيويورك. في مشهدية مطلع الثمانينات نجحت الكتابة على الجدران في التخلص من تقشف عقد من الزمن ساد فيه الفن المفاهيمي والمينمال – آرت (فن الحد الأدنى)، في وقت كان آندي وارهول في ذورة مجده ونضجه وانتشاره، يتمثل للطليعة بوصفه الأب الروحي للجيل الناشئ، ولا يزال مصنعه (860 برودواي) مكاناً حيوياً للمشهد الثقافي للعالم السفلي في وسط مانهاتن. عام 1979، عندما التقى جان ميشيل باسكيا آندي وارهول للمرة الأولى، كان لا يزال مجرد شخصية صاعدة في فن الغرافيتي، بتصفيفة شعره الشبيهة بالتاج، وكانت أنفاق نيويورك وأقبية محطات قطاراتها قد تحولت في سنوات السبعينات إلى ميادين ومنصّات لتعبيرات جيل فني ثائر من أمثال “تاكسي 183″، و”ليدي بينك”، وفي طليعتهم “توكسيك” مؤسس فن الشارع. وكانت الأصوات والصياغات المتقطعة لموسيقى الهيب هوب والراب الوليدة، تستجيب لضربات فرشاة باسكيا الذي كان يقوم مع مساعِدِه آل دياز، بتغطية جدران SoHo بالكتابات على الجدران التي وقّع عليها باسم SAMO © وتعني (Same Old Shit نفس القرف القديم). لاحظ باسكيا وارهول جالساً في مطعم، فتمكن من بيعه إحدى البطاقات البريدية المحلية الصنع التي صنعها مع صديق له، فقيل إنه ابتهج لتحقيق هذا العمل الفذّ. في عام 1982، خلال لقائهما الثاني، كان باسكيا ينوي إبهار “بابا فن البوب”، حين اصطحبه تاجر القطع الفنية السويسري “برونو بيشوفبيرغر” Bischofberger في 4 أكتوبر إلى مصنع وارهول، الذي اعتاد على التقاط صورة لضيوفه بواسطة كاميرا “بولارويد” ورسم صورة لهم. فالتقط بيشوفبيرغر صورة لكليهما، فأخذها باسكيا وانزلق بعيداً إلى الشارع، وبعد ساعتين أرسل لوحة قماشية جديدة إلى المصنع، Dos Cabezas، صور فيها نفسه ووارهول بروح الدعابة والمرح، على قدم المساواة وفقاً للقطة الكاميرا. دُهش وارهول من طريقة رسمه مع تصفيفة شعره الأشقر المصبوغ وقال: “أنا غيور، إنه أسرع مني”. هذه اللوحة المرتبطة بقصة اللقاء الثاني بين الفنانين هي من أكثر اللوحات مشاهدة في المعرض. محادثة من نوع موسيقى الجاز الحرّة أصبح السحر الآن متبادلاً ويمكن أن يبدأ تواطؤهما الفني، الذي حدث بفضل صديقهما المشترك برونو بيشوفبيرغر الذي كان يرى بأن وارهول البالغ من العمر 54 عاماً لم يعد باستطاعته أن يذهب الى أبعد، بعدما وصل إلى ذروة إبداعه وشهرته ونجوميته التي سوف تتلاشي، فيما الحرية المطلقة في الإبداع التي يتمتع بها “الطفل المُشِعّ لمانهاتن” البالغ من العمر 22 عاماً يأتي في الوقت المناسب تماماً لتحفيزه على المضي قدماً، لدرجة أن وارهول استأنف بعد انقطاع الرسم بالفراشي والألوان، وسادت إنتاجه أعمال السيريغرافي لصور المشاهير. هذا التعاون هو “نوع من المحادثة الجسدية التي تمرّ عبر الألوان وليس الكلمات”، لخّص صديقهما الفنان كيث هارينغ. من جهة أخرى، يقول جاي شرايفر، مساعد وارهول في ذلك الوقت: “كان هناك جانب من الارتجال من نوع موسيقى الجاز الحرة، عضوي جداً وسائل جداً، ولم يكن مملاً أبداً”. أما ديتر بوخارت القيّم الفني فوصف كما جاء في كتيب المعرض عملهما بأنه “كان مكثفاً، فقد عملا على العديد من اللوحات، وأحياناً على أحجام ضخمة، لأيام كاملة، دون وضع أدنى قاعدة”. في مقابلة مع المخرجة تامرا ديفيس في عام 1986 قال باسكيا “كان آندي يبدأ معظم اللوحات. كان يضع شيئاً مميزاً جداً، عنوان صحيفة أو شعار علامة تجارية، وبطريقة ما كنت أشوّهه. ثم أحاول إعادته، فقد أردته أن يرسم مرة أخرى”، أما وارهول فقد كتب في مذكراته “أعتقد أن اللوحات التي نرسمها معاً هي الأفضل عندما لا يمكنك معرفة من فعل هذا”. لوحة وجوه وأقنعة أفريقية لوارهول وباسكيا بطول 10 أمتار بين السّخرية والغضب في مؤسسة فيتون، تقاطعٌ ودمجٌ بين جماليّتين، لجيلين مختلفين في النشأة والتّوجه والمزاج الفني: غضب باسكيا والتزامه بجعل الشكل الأسود موجوداً بعمق، مع خيال مشبع بالجاذبية، لا يخلو من السخرية والغضب. إذ تتقاطع الدراما وعنف ممارسات الشرطة والعنصرية تجاه السود (باسكيا) مع الجنون الاستهلاكي والثقافة الشعبية وصور المشاهير (وارهول)، وكلها تتشابك مع اللافتات والكتابات والرموز والأرقام. يتمثل ذلك تمثّلاً نموذجياً في لوحة “تاكسي 45 شارع برودواي” وهو عمل باللون الأصفر على خلفية سوداء، حيث تظهر صورة ظلية لرجل مكتوب عليها كلمة “زنجي” وهو في طور استدعاء سيارة أجرة. يتجاهله السائق الأبيض ذو الوجه الأحمر ويمشي أمامه وهو يضحك. وثمة لوحة ضخمة في المعرض يبلغ طولها 10 أمتار، بعنوان “أقنعة أفريقية”، هي مزيج من الأقنعة والأشكال البدائية، اعتبرتها سوزان باجي المديرة الفنية في مركز فيتون: “واحدة من أكثر اللوحات نجاحاً، وعضوية في الاندماج بين أسلوبين دون تمييز”. في هذا الصدد ثمة إنجاز آخر مع لوحة حملت عنواناً ملغّزاً هو رقم 6.99، تبدو مغطاة فعلياً بالندوب. واحدة من اللوحات المفضلة لدى وارهول، تُظهر العلاقة الخاصة بالفنانين التي تمرّ عبر الجسد. لقد تعرّض باسكيا للدهس في طفولته، وأصيب وارهول بالرصاص من قبل فاليري سولاناس في عام 1968. وقد رسم وارهول، عارياً على طريقة الإعلان التجاري في وسط اللوحة القماشية، بينما شقّ باسكيا جلد اللوحة كأنه ليكشف عن جسدها، مضيفاً ندوباً عديدة في أماكن أخرى، رموزاً لجروحهما الشخصية. أما عملهما المشترك المسمى العشاء الأخير، Ten Punching Bags (Last Supper)، الذي لم يظهر أبداً خلال حياتهما، فهو تركيب: على عشرة أكياس ملاكمة، رسم وارهول وجه المسيح بعد العشاء الأخير لليوناردو دافنشي. ألصق باسكيا كلمة “قاضي” على كلِ واحد منهم، كمثلٍ للعديد من الضربات المتكررة، العمل يشير أيضاً إلى الضرب المميت لفنان الغرافيتي الشاب مايكل ستيوارت، الذي قضى نَحْبه على يد ضباط الشرطة في عام 1983، الذين تمت تبرئتهم بعد ذلك بعامين. باسكيا بوقفة دافيد أشهر تمثال لمايكل أنجلو – عمل سيريغرافي لوارهول المعرض الذي وصفته الصحافية الفرنسية لور نارليان بأنه “صراع الجبابرة”، تقول إنه يصعب تصديق أن المعرض الأول المشترك لهما في غاليري توني شفرازي في نيويورك عام 1985 كان فاشلاً، رغم الملصق الدعائي الذي أظهر الفنانين بملابس قتالية، وقفازات الملاكمة متقاطعة على صدريهما. أعلنت هذه اللقطة الشهيرة لمايكل هالسباند، (وهي موجودة في المعرض الحالي)، عن تطابق ضربات فرشاتهما. لكن هذا الصدام بين العمالقة ترك النقاد باردين. لقد اشتبهوا في أن وارهول حاول الوقوف على قدميه مرة أخرى باستخدام دم باسكيا الجديد، الذي كان سيجعله “تعويذته”، كما كتبت فيفيان رينور في مقالة لاذعة في “نيويورك تايمز” بعد بضعة أيام. الواقع أن تعاونهما لم يقاوِم: لسعةٌ وجرح، فقد وضع باسكيا حداً لعملهما المشترك، دون أن يقطع علاقته بآندي وارهول الذي توفي فجأة في 22 فبراير 1987، عن عمر يناهز 58 عاماً بعد عملية جراحية بسيطة في المرارة. تأثر باسكيا بشدة، فأنشأ عملاً تجميعياً من ثلاثة أجزاء كشاهدٍ على قبر وارهول. قبرٌ يحمل العديد من الإشارات التي تدل إلى الأعمال الشهيرة لسلفه الأكبر. بعد عام ونصف، توفي باسكيا أيضاً بجرعة زائدة، عن عمر يناهز 27 عاماً. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post لماذا فاز “تشريح سقوط” الفرنسي بذهبية كان؟ next post توجه لوضع لبنان على اللائحة الرمادية مع مهلة سماح You may also like نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024