ثقافة و فنون مهى سلطان تكتب عن: معرضان في الرياض… رحلة في عوالم الفنانَين طه الصبّان ويوسف جاها by admin 1 يوليو، 2024 written by admin 1 يوليو، 2024 93 النهار العربي / مهى سلطان في سياق الحراك الثقافي والازدهار المتسارع الخطى الذي تشهده المملكة العربية السعودية على صعيد تنمية قطاع الفنون، وانطلاقًا من مبدأ حماية الثقافة المحلية بشتى أشكالها، يقوم معهد مسك للفنون (التابع لمؤسسة محمد بن سلمان غير الربحية)، بدور كبير في توثيق الحركة التشكيلية السعودية، لا سيما أعمال الروّاد، حفاظاً على موروثهم الفني، وسعياً لمدّ الجسور بين مختلف أجيال الحركة التشكيلية، من الأوائل وصولاً إلى الأجيال الشابة، فضلاً عن دوره في مواكبة الحراك الفني العالمي وأعمال التدريب والتأهيل، دعماً للإبداع السعودي والطاقات الشابة في المملكة. تحققت الخطوة الأولى من استراتيجية المشروع مع إقامة معرض “من حولهم” الذي جمع 20 فناناً تشكيلياً يمثلون أطيافاً متنوعة الاتجاهات من جيل الستينات الى الثمانينات في تاريخ الحركة التشكيلية السعودية. وامتداداً لهذا التوثيق يقوم معهد مسك للفنون دورياً بتنظيم سلسلة من المعارض الفردية، لنخبة من رواد الفن التشكيلي السعودي الذين كان لهم بالغ الأثر في تشكيل المشهد الفني الحديث في المملكة، تقديراً لدورهم وتكريماً لمنجزاتهم الابداعية. من “عقيلة الخيال”، ومن لحظات “تحرّي المطر”، انطلقت الحلقة الأولى من سلسلة تكريم الرواد، مع افتتاح معرضين فرديين في آن واحد (بتاريخ 26 أيار/ مايو 2024)، للفنانيَن القديرين طه الصبّان ويوسف جاها، في صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون في الرياض (يستمران حتى 19 أيلول/ سبتمبر) يتيحان التعمّق في مسارات وتحولات كل منهما، على ضوء مؤثرات البيئة الشعبية المحلية، وما يجمعهما من قواسم مشتركة (الاثنان من مواليد مكة المكرمة) تبرز على وجه الخصوص في التفاعل مع ذاكرة المكان والطبيعة وعناصر العمارة والمناخات الشرقية والزخرفية، في تأسيس الخطاب البصري لمرحلة الحداثة في امتدادها العربي الأوسع والأعمّ. تلك المرحلة التي شهدت انفتاحاً على أساليب الغرب واتجاهاته ومدارسه، والسعي الدؤوب لإيجاد خصوصية محلية من خلال التمسك بالتراث والهوية العربية. “عقيلة الخيال” المرأة والخيال في معرضه الفردي “عقيلة الخيال”، يستكشف الصبّان دور المرأة وتأثيرها الاجتماعي، متطرّقاً لمواضيع الأمومة، والحضور الفاعل للمرأة في النسيج الاجتماعي والثقافي بأسلوب استعاري- تخيليّ. فهو رسام المرأة بامتياز، كثيراً ما رسمها منفردة بأزيائها الشعبية، ورسمها في طور الجماعة على ضوء مصابيح الليل، أو واقفة على عتبات النهارات المضيئة بالألوان، وهي حارسة النوم والسند العائلي ورمز الحب والإطمئنان. عُرف طه الصبّان رائداً من رواد الحداثة العرب، انبثقت موهبته العصامية من أحضان العتبات الروحانية لمسقط رأسه مكة المكرّمة (مواليد العام 1948)، صادق الفنان الرائد عبد الحليم الرضوي غداة عودته من ايطاليا، ليكمل من بعده مع رفقاء جيله مسار التأسيس للحداثة التشكيلية في المملكة. تبّوأ مناصب رسمية عدة وترأس أكثر من جمعية وأشرف على “أتيليه جدّة”. له مقتنيات في مطارات سعودية ومتاحف عربية عدة، لاسيما في متحف معهد العالم العربي في باريس، ومشاركات في بينالات عربية ودولية. استطاع أن يؤسس لجمالية فنية خاصة به، قائمة على استحضار الموروث التراثي القديم بأسوب تعبيري يقوم على اختصار الأشكال التي تستمد قوتها من جذوة العلاقات اللونية الحارة والباردة، بما ينسجم مع المفاهيم الحداثوية التي تخوض عميقاً في مسائل التجريد اللوني. لا تغيب عن شمس ذاكرته أطياف المدن التراثية القديمة بزخارفها وعقودها وبواباتها المفضية إلى حارات ضيّقة تضج بحبور قاطنيها. فالكينونة بالمعنى الوجودي تتراءى في أعماله من خلال التلازم بين المكاني والإنساني. لذا يفتح طه الصبّان نوافذ الحنين إلى الماضي على الرؤى الآتية من الذاكرة البصرية المتعلقة بمكان الطفولة والمراهقة، يتأمل في تراث منطقة نجد والحجاز، الكامن في مدينة القداسة والألفة ومقصد الحجيج، ومقر العيش الرحيب والعادات والتقاليد العريقة، بكل ما تحمله من الانتماء المحلي السعودي. هذه الروابط شكّلت في أعمال الصبّان عالماً متكاملاً مليئاً بالفرح والبهجة والإشارات والمفردات. فهو لم يتخلّ يوماً عن التشخيص، وإن كانت محاكاته للواقع شبيهة بإغماءة لذيذة او حلم تجريدي في لعبة التأليف، مع النغمية اللونية التي تشغل اللوحة. فاللون يشق مساره إلى ملاعب الطفولة ومجتمع النسوة، ويتغلغل إلى حلقات الرقص ومشاهد الفروسية، وينعقد على البوابات التذكارية للبيوت المشرفة على حركة السوق. ولئن شغلت العمائر التراثية (ذات البنية المخروطية) لوحات الصبّان بقاماتها السامقة وقبابها وروشاناتها، فإن البنية العمودية في تناميها الارتقائي تحمل الكثير من الخصوصية التراثية السعودية وامتداداتها المعاصرة. هذا التماهي بين حضور المرأة ووظائف المكان أوصلت تجاربه إلى اتجاهات جديدة مغايرة لشقيقاتها في أعمال الفنانين العرب المحدثين. المطر والحلم في معرض “تحرّي المطر” للفنان يوسف جاها، نُطلّ من نوافذه على الطبيعة “الحلمية” التي تعكس بيئته وتأملاته في خصائص المكان بما يحمله من تقاطع خطيّ، وألوان وسحابات ضوء وأثلام تراب وهضاب، في ربط غير مباشر لفكرة علاقة الإنسان بالبيئة الطبيعية. اشتهر يوسف جاها بلوحاته التصويرية للمناظر الطبيعية التي تكشف عن رؤى عميقة للتجربة الإنسانية المنبثقة من روحاينة علاقته بمسقط رأسه مكة المكرّمة (من مواليد العام 1954)، أم القرى التي رافقت رسومه الأولى منذ بداياته، حيث رسم أزقتها وحواريها ومبانيها وجبالها ونمط معمارها وجغرافيتها، إلى أن أخذت محاولاته المبكرة تنمو باتجاه تجاوز الوصف المكاني نحو اسكتشاف اللون في مشاهداته للطبيعة الخارجية. استلهم التراث بكل مقوماته تاركاً بصماته في عالم اللوحة الحروفية، غير أنه بقي على تماس مع مفاهيم التجريد المتمثل في التجارب العالمية (لا سيما مدرسة نيويورك). في رحلته مع الفن عمل استاذاً للتربية الفنية، وأقام أول معرض شخصي له في غاليري “روشان” بجدة في عام 1987، شارك في العديد من المعارض التي أقامتها الجمعية السعودية للثقافة والفنون، كما شارك في العديد من المعارض المحلية والدولية. لديه مقتنيات عدة داخل المملكة وخارجها. حصل على جائزة تجميل مكة المكرّمة، فتركت تجربته تأثيراً دائماً على المشهد الفني المحلي. ليست الرؤية الصافية في الطبيعة الخلوية، مبتغى يوسف جاها، بل هي سمات ظاهرة لمعالم المنظر الذي لا يمكن التقاطه بالعين فحسب، بل بخفقان القلب والتأمّل الوجداني والاحتفاء بعناصر الوجود. وهو عالم بسيط متقشف ومتناغم مصعوق بالضوء ومرهون بالنظام على وعي جمالي عميق بجوهر البيئة المحلية التي عرف جاها كيف يختزن كنوزها، مع وعي جمالي بالذوقية الاختزالية لعناصر الطبيعة. إذ يعكس تحرّي الغيث والمطر في أعماله العلاقة بين الأرض والسماء، بين جدب الصحراء وأدعية استجلاب المطر في المخيال الشعبي. يبني جاها لوحته بـ”الأقلي”، بالألوان المُخَفّفة والاختزال الخطوطي لعوالم الأشكال. هذا الاختزال الأقصى الذي يعطي للفراغ اللوني قيمة روحانية تتخطّى خارطة المكان وماهية موجودات الطبيعة إلى ما وراء الطبيعة من عوالم ومشاعر وحدس ولعبة خطوط ومقامات ألوان صماء. إذا تأمّلنا عميقاً في هذا الوجود سنجده هادئاً وسكونياً إلى أبعد الحدود، أقرب إلى عالم الروح منه إلى عالم المادة. من اعمال يوسف جاها ذات الطابع التجريدي- 2022 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الثّقافة والتّقاليد السّعودية في معرضي بكّين وسيول للكتاب… next post الجيل الأدبي… محاولة للفهم أم أداة للإقصاء؟ You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024