مشهد من معرض متحف نابوعن ملصقات الحروب (خدمة المتحف) ثقافة و فنون مهى سلطان تكتب عن: متحف نابو يوثق ذاكرة المقاومة الشعبية منذ حرب فيتنام by admin 8 مايو، 2025 written by admin 8 مايو، 2025 13 تمثيلات بصرية ضد العنف وأدوات تواجه عسكرة العالم وتطبيع الحرب اندبندنت عربية / مهى سلطان ما عجز فن الرسم والنحت عن قوله في تاريخه الطويل المقاوم للحروب وحملات القتل والتدمير، يقوله فن الملصق في شهادته الحية على تحولات العصر. فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، شهد العالم ثورات فنية واسعة النطاق في مجال تصميم الملصقات، تمرداً على كل قيد يفرض على حرية التعبير الفني. أسهم هذا التوجه التحرري في ترسيخ مفهوم جديد للشعور الجمعي، منحته الثورات طابعاً إنسانياً عميقاً، يؤمن بأن الحزن والفجر كليهما في متناول الشعوب التي تقاوم، وتسعى إلى الحرية والأمن والسلام، باعتبارها قيماً إنسانية مطلقة. وفي هذا الإطار، يقدم “متحف نابو” Nabu (الهري– شمال لبنان)، احتفالاً بانضمامه إلى خريطة المتاحف العربية والدولية، معرضاً فنياً ضخماً يلقي من خلاله نظرة تاريخية شاملة على أبرز الاتجاهات التي عرفها فن الملصق، بعد أكثر من ستة عقود على حرب فيتنام، ويكشف في الوقت نفسه عن تنويعات التأليف الفني في الملصق، كما تجلت في اثنتين من أبرز العواصم الفنية: أمستردام، بصفتها عاصمة الثقافة الأوروبية، وبيروت” بوصفها حاضنة للثقافة العربية. ملصق يجسد حركة المتمردين الهيبيز على الحرب الأميركية على فيتنام في حفلة وودستوك (خدمة المعرض) ويأتي هذا الحدث أيضاً مع تداعيات حرب غزة، وليحيي ذكرى مرور 50 عاماً على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، خصوصاً بعدما اقتنى المتحف “بوسطة عين الرمانة” الشهيرة، التي تحولت إلى قطعة خردة من زمن العنف، لكنها لا تزال أيقونة شاهدة على الحرب. يستعيد متحف نابو في عام 2025 شعاراً أطلقته الثورة الثقافية المضادة للحروب في الستينيات، “من أجل السلام والموسيقى: لا للقنابل”، هذا الشعار، الذي يتجسد اليوم في مجموعة من الملصقات النادرة التي اقتناها المتحف من مزادات دولية، فضلاً عن مجموعات خاصة، ليس مجرد صدى لماض مؤلم، بل هو ناقوس خطر يقرع مجدداً في زمن باتت فيه البشرية على أعتاب تكرار الأخطاء ذاتها. من بين تلك المقتنيات يتبدى الملصق الذي يجسد تظاهرة احتجاجية ضد الحرب الأميركية على فيتنام، تقودها حركة المتمردين “الهيبيز” المنتفضين ضد النظام، الذين تدفقوا لحضور حفل وودستوك الشهير قرب بيتيل قرب نيويورك “1- 18 أغسطس (آب) 1969 فتجاوز عددهم الـ400 ألف شخص. صدر عن الحفل فيلم وثائقي عام 1970 بعنوان “الحفل ثلاثة أيام من السلام: الموسيقى والحب”. الملصق أداة نقد ملصق للفنان بول غيراغوسيان (خدمة المعرض) يهدف معرض “شعوب ضد الحروب والقنابل والحكومات” (يستمر حتى 31 أغسطس إلى إحياء روح الاحتجاج السلمي، وإثارة النقاش حول سرديات متصلة بتداعيات قراءة الماضي في الحاضر، حيث تتحول الجدران إلى منصة تصرخ برفض العنف، وتسلط الضوء على نضال الشعوب ضد الحروب والقنابل وسياسات الحكومات التي تهدد الأمن القومي.. “إنه دعوة إلى الجميع، لا سيما للأحزاب اللبنانية، إلى تبني لغة الحوار والتسامح بدلاً من الصراعات المدمرة.” بحسب ما جاء في مقدمة المعرض. فالملصقات التي يعرضها متحف نابو ليست مجرد أعمال فنية، بل هي تمثيلات بصرية لفلسفة اللاعنف، وأدوات نقدية تواجه عسكرة العالم وتطبيع الحرب، بحسب تعبير كوميسير المعرض الناقد والفنان فيصل سلطان، “إنها جزء من تراث الحركات المناهضة للحروب التي سعت، عبر الفن والموسيقى، إلى استبدال لغة القنابل بلغة الحوار. ملصق آنا ويسلر والدة الرسام الأميركي جيمس ماكنيل ويسلر (خدمة المعرض) . والفن في هذا المقام هو دعوة لإعادة التفكير في العلاقة بين القوة والدمار، بين السلطة والعنف، بين الإنسان وقدرته على صنع مستقبله أو إفنائه. فكثيراً ما كان التاريخ مرآة للوعي الجمعي، حيث يعيد الماضي تشكيل الحاضر، ويضعنا أمام أسئلة وجودية: هل تعلمنا شيئاً من هيروشيما؟ هل السلام خيار حقيقي، أم مجرد هدنة موقتة في حروب لا تنتهي”؟ يضم المعرض قرابة 160 ملصقاً من أنحاء العالم من بينها ملصقات نادرة، صممها فنانون وناشطون، تحمل بعضها توقيعات مشاهير الفنانين، تعود إلى ستينيات القرن الـ20 إلى يومنا هذا. إذ يجسد كل ملصق رسالة احتجاج قوية ضد العنف والتسلح النووي وسلطة المال والديكتاتوريات ويدعو إلى السلام والتضامن الاجتماعي. من أبرزها ملصق يصور لوحة آنا ويسلر Anna Whistler والدة الرسام الأميركي جيمس ماكنيل ويسلر (1834- 1903) التي رسمها في عام 1871، وهي حالياً محفوظة في متحف أورسيه في باريس. لقبت اللوحة بـ”موناليزا العصر الفكتوري” بعدما أصدر في عام 1934 مكتب البريد الأميركي طابعاً في “ذكرى أمهات أميركا” يحمل صورة لوحة والدة الرسام ويسلر، التي أصبحت منذ ذلك التاريخ رمزاً وطنياً مصاحباً لاحتفالات عيد الأم. الملصق المعروض صممه فنان مجهول للدفاع عن حقوق الأمهات بعدما حول بطلة اللوحة من حاملة منديل أبيض إلى حاملة سلاح رشاش ملصق محكمة راسل- سارتر 1966 (خدمة المتحف) يتبدى الأسلوب الكاريكاتيري في ملصق للفنان فريتز بيهريندت (1925- 2008) يعود لعام 1979، ينتقد بسخرية الدور الذي تلعبه منظمة العفو الدولية في هولندا، حيث أكبر فروع المنظمة، ويظهر أسماء البلدان التي تتعرض لانتهاكات حقوق الإنسان. ومن أبرز أعمال الكولاج التي ظهرت في فن الملصق، الرسم الذي يصور لقاء جمع أدولف هتلر (الرايخ الألماني)، بفرانشيسكو فرانكو في عام 1940 على الحدود الإسبانية، وفي القطاع الأسفل رسم مقتبس من الفنان الإسباني غويا حول اجتياح فرنسا لإسبانيا في عام 1807. ومن وحي لوحة دولاكروا الشهيرة “الحرية تقود الشعوب”، يظهر الملصق الذي يجسد المحكمة الدولية لجرائم الحرب حول حقوق الإنسان، والمعروفة بمحكمة “راسل- سارتر”، التي نظمها الفيلسوف البريطاني برتراند راسل عام 1966، للتحقيق في سياسة أميركا الخارجية وتدخلها العسكري في فيتنام (1976) واستضافها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر وسيمون دوبوفوار، ضمن مسابقة ملصقات راسل، مابورغ- ألمانيا 1978. ملصق للفنان العراقي ضياء العزّاوي (خدمة المتحف) الزائر لمعرض الملصقات يدرك أن الشرق والغرب لم يعد ممكناً فصلهما، في ظل نكبات الحروب التي تشكل تاريخ الدول بما يشبه حوار الجبهات (أو صراع الحضارات) مع تفاقم الخطر من حرب نووية مدمرة، مما يذكر بفلسفة “سرعة الدمار” التي تحدث عنها بول فيريليو Virillio الذي رأى أن كل تطور تقني في مجال الحرب يجعل الدمار أكثر سرعة واستعجالاً. فقد كان فيريليو قلقاً من أن التكنولوجيا النووية يمكن أن تؤدي إلى إبادة شاملة بضغط زر، من دون أي فرصة للتراجع. بيكاسو وايلوار في أجنحة الملصقات الأجنبية يلقي المعرض بعض الأضواء على مراحل تاريخية شهدتها المدن الأوروبية في حروب وثورات وانتفاضات خلال القرن الـ20، عبر ثلاثة عناوين: 1-القنبلة النووية والحروب. 2- حكومات، ثورات، سياسة، استعمار. 3- ثقافة، فن، سخرية، النسوية. يعيدنا تاريخ الملصق العالمي بالذاكرة إلى الأوضاع الثورية التي نمت ما بعد عام 1945 إثر إلقاء قنبلتي هيروشيما وناغازاكي التي أسهمت في قتل وإبادة نحو 140 ألف شخص في هيروشيما و80 ألف شخص في ناغازاكي. بعد أربعة أعوام من تداعيات هذه الكارثة الإنسانية التي حدثت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عقد المؤتمر العالمي للمثقفين من أجل السلام في فروتسواف –بولندا في الفترة ما بين 25 -28 أغسطس عام 1948، حضره عدد من الفنانين والشعراء والكتاب كان أبرزهم بابلو بيكاسو والشاعر الفرنسي بول إيلوار والمخرج المسرحي الألماني برتولت برشت الذي أطلق عبارته الشهيرة “الفن ليس مرآة للحقيقة بل مطرقة يمكن بها تشكيل الحقيقة”. صمم ملصق المؤتمر من وحي لوحة “غرنيكا” لبيكاسو، بوصفها تمثل أبعاد تلك المأساة اللاإنسانية حين ألقى الطيران الألماني في عام 1936 القنابل على القرية الإسبانية غرنيكا فدمرت على آخرها وقتلت 2000 من مواطنيها المدنيين. زار بيكاسو وإيلوار هذه القرية وكتب الأخير قصيدته الشهيرة التي أصبحت سيناريو لفيلم وثائقي قصير بعنوان “غرنيكا” اعتمد أساساً على رسوم لوحة بيكاسو، وعرض للمرة الأولى خلال مؤتمر السلام في بولندا. منذ ذلك التاريخ أصبحت لوحة غرنيكا أيقونة للفن وتعبير صارخ عن الحرب والسلام معاً. رسمها بيكاسو عام 1937 وعرضها في المعرض الدولي الذي أقيم في العام ذاته في باريس وعدها صرخة إنسانية في وجه الظلم ودعوة عالمية تنادي بالسلام في كل زمان ومكان. أما ملصقات الأجنحة العربية في متحف نابو، فتظهر خريطة التقسيم التي رسمتها اتفاقية سايكس-بيكو، ووعد بلفور، إلى جانب ملصقات “يوم الأرض” من أجل فلسطين، وملصقات تدعو إلى عراق موحد ومستقل، من تصميم ضياء العزاوي. ومن محترفات فناني الغرافيك العرب، يبرز ملصق “الحلم الأميركي” للفنان السوداني حسن موسى، إلى جانب ملصق آخر بريشة حلمي التوني، تحت شعار “السلام الأميركي– الإسرائيلي في لبنان”، وقد زينه بألوان وردية وعصافير ترمز إلى الحرية. وتتجلى في بعض الملصقات بصمات الحرب الأهلية اللبنانية، ووقائعها، وتداعياتها على السلم الأهلي، كما يظهر في رمزية البطل الشعبي في عمل رفيق شرف، أو في مشاهد خراب المدن وذكريات المجازر في ملصق لأسادور، أو من خلال شعار “لبنان يعيش” في ملصق صممته فاتن صفي الدين بمناسبة ذكرى انطلاقة المقاومة الوطنية اللبنانية. واللافت أيضاً، ملصق الحزب الشيوعي اللبناني الذي رسمه بول غيراغوسيان عام 1983، من وحي معركة قلعة الشقيف التي خاضتها منظمة التحرير الفلسطينية وحلفاؤها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان. ويبرز المعرض موضوع شهداء الحرب كإشكالية محورية توقف عندها فيصل سلطان في عمل مفاهيمي يتكون من 15 ملصقاً، تمثل مجمل أعلام الأحزاب اللبنانية، تتوسطها جميعاً صورة رمزية لشهيد، مأخوذة من تمثال الشهداء (للنحات الإيطالي مازاكوراتي) في وسط بيروت. وقد التقط الفنان هذه الصورة بعدسته بعيد انتهاء حرب السنتين، عام 1977. وتعد ملصقات الشهداء بمثابة دعوة مفتوحة إلى الأحزاب اللبنانية لفتح حوار جدي حول ضغائن الحروب، واستبدال الصراعات المدمرة بثقافة التسامح. كما يشمل المعرض لمحة توثيقية عن “النازية الجديدة” التي مرت بجنوب لبنان، من خلال عرض مجموعة من الصور الوثائقية لمدينة شمع الجنوبية، المعروفة بأوديتها وأحراجها ومبانيها التراثية، والتي شكلت دائماً هدفاً للأطماع الإسرائيلية. وقد تعرضت المدينة، خلال اجتياح عام 2024، لتدمير شبه كامل. يدعونا معرض الملصقات في متحف نابو إلى إعادة النظر في أهمية الدور الذي يلعبه الملصق، فهو ليس مجرد ذاكرة للنسيان، بل هو خطاب بصري يحمل نبض الشعوب وتحولاتها، ويعيد صياغة الذاكرة الجمعية بأسلوب فني شديد التأثير، قد يكون أكثر نبوءة في قراءة التاريخ، ونقد الحاضر. المزيد عن: فن الملصقملصقات عالميةالحروبالنزاعات السياسيةحرب فيتناممتحف نابوالعنفالسلام 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post هاملت: من شخصية مسرحية إلى مادة لشتى الدراسات next post القطار الأخير إلى الحرية: حكاية الخادمة تكتب فصلها الختامي You may also like القطار الأخير إلى الحرية: حكاية الخادمة تكتب فصلها... 8 مايو، 2025 هاملت: من شخصية مسرحية إلى مادة لشتى الدراسات 8 مايو، 2025 رحيل محمد الشوبي الفنان المغربي الأكثر إثارة للجدل 8 مايو، 2025 لماذا سمى بودلير ديوانه «أزهار الشر»؟ 8 مايو، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: سرير أميرة ثاج 8 مايو، 2025 لماذا يخطئ المثقفون؟… دور التنوير في مجتمعات ملتهبة 7 مايو، 2025 رحلة مع روبرت ماكفارلين عبر الأنهار 7 مايو، 2025 بيرليوز يستلهم صائغا نهضويا في أوبرا مشاكسة 7 مايو، 2025 مرصد الأفلام… جولة على أحدث عروض السينما العربية... 7 مايو، 2025 الأوروبيون أضفوا طابعا أسطوريا على فرقة “الحشاشين” 4 مايو، 2025