العذراء تحضن اطفال غزة بريشة الفنان القبرصي جورجو غابرييل ثقافة و فنون مهى سلطان تكتب عن: غزّة في عيون فناني العالم by admin 22 نوفمبر، 2023 written by admin 22 نوفمبر، 2023 258 ما لا يمكن نسيانه وخارج كل التوقعات هي القيمة الفنية الاستثنائية التي تحملها لوحات الفنان الفلسطيني سليمان منصور على مر السنين، لكأنها تصيب في الصميم لبّ معضلة النزوح والهجرة والمقاومة، لا سيما لوحة “جبل المحامل” التي تستعاد يومياً على مواقع تجمعات الفنانين الفلسطينيين، بيروت- النهار العربي – مهى سلطان لا أعرف كيف يمرّ التاريخ في درب الدمع، درب الإبادة، لكنه يمرّ كالبرق وهو يبحث عن وجه الرأفة الإنسانية في الإنسان، في طرق غزة المدمرة، في كل خرائبها، في مقابرها الجماعية. هذا زمن الموت، زمن الحزن، الزمن الزاحف صوب الأكفان. أتساءل دوماً حين تحلّ بنا النكبات: لماذا لا تنبثق من صواعقها وصدماتها وشراراتها أعمال فنية راقية ومدوّية على مستوى الحدث الجلل كما يحدث في الغرب؟ هذا السؤال راودني مع فاجعة انفجار مرفأ بيروت عام 2020، وأعود وأطرحه الآن إزاء المشاهد المروّعة لزهق الأرواح بالمئات في مشهدية الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة؟ لِأعترف سريعاً بأن “الفن الرقمي” Digital art هو الأسرع إلى المبادرة في التعبير ليكون الأكثر تداولاً وتناقلاً وانتشاراً، ما يجعله ميزة من ميزات هذا العصر الموصوف بعصر “النت” وشبكات التواصل الاجتماعي، في العالم الافتراضي الذي يتيح مساحة أكبر من الحرية للتعبير عن الرأي. مع العلم أن الأكثر تداولاً على مختلف المواقع الإلكترونية، هي لوحات فناني الحداثة الفلسطينيين لا فناني المعاصرة، رغم أن بعضهم قد تبوّأ مكانة عالمية. كأن الصدمة الأولى للحرب على غزة قد روضت العقول والعيون على مشاهد القتل التي أخذت تتكرر يومياً من دون أن يحرك العالم ساكناً، بل الكل يتفرج على ما يحدث وكأنه شيء عادي، حتى خطابات التنديد والاستنكار على المستوى الفني في عالمنا العربي لا تعدو كونها كلاماً لتسجيل موقف لا أكثر؟! لا ندري كيف ومتى تشتعل الحرب ومتى تنطفئ وكيف يكون الانجرار إليها عملاً يتخطى قدرة وطن إزء مصالح الأمم؟ ومهما قيل إن عملية طوفان الأقصى قد أيقظت العالم على قضية مأساة الشعب الفلسطيني المحروم من حقوقه وأرضه منذ أكثر من سبعين عاماً، لا يقاس أمام حجم الخسارات الهائلة التي يتلقاها الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة الذي أضحى أمثولة للصمود والمقاومة والصبر وتحدي الموت الذي يحصد الآلاف من الأبرياء، لا سيما الأطفال. أكثر ما يدمي القلب القنابل الفوسفورية الحارقة التي تفتك بالبشر فلا يبقى غير اللحم والدم ومشاهد الجرافات التي تقوم بجرف تلال من الجثث والأشلاء كي تدفن في مقابر جماعية. وإن لم يكن بالجرافة فعلى ظهر مركبة يجرها حمار وفقاً للضرورة في ظل الحصار الإسرائيلي على غزة وحرمانها من الوقود والماء والكهرباء وشبكات الاتصالات والمساعدات الإنسانية. نعم إنها العودة إلى العصر البدائي، إلى عربة الحمار كوسيلة وحيدة لنقل الأمتعة وجثث الأموات والجرحى إلى المستشفيات والشيوخ والعجز في عصر الذكاء الاصطناعي والتفوق الرقمي. إسماعيل شموط الأرض الأم درب النزوح درب الجلجلة في هذه العودة بالتاريخ إلى الوراء يحضرني مشهد دخول السيد المسيح على الحمار إلى أورشليم القدس في الأيقونات المسيحية بحلّتها الذهبية والتصاوير الزجاجية الملونة في الكنائس ولوحات جليلة من عصر النهضة. ومع أحداث غزة، بدأ فنانون من حول العالم ينشرون على مواقع التواصل الاجتماعي لوحات تستعيد إطلالة أيقونة العذراء “الأم والطفل”، والعذراء التي تنحني على جسد المسيح، ولكنها لوحات محوّرة بصيغة معاصرة كي تتلاءم فنياً في مفرداتها ودراميتها مع الواقع الفلسطيني المستجدّ. تحولت العذراء المنتحبة إلى “أم الشهيد”، إذ لا فرق بين الماضي والحاضر، فحزن الأم نفسه منذ ألفي عام، والأرض نفسها، والوجع نفسه مستمر بكل قدسيته وآلامه. في هذا السياق تتراءى العذراء ملتحفة الكوفية الفلسطينية برمزيتها الفائقة في الدلالة إلى الهوية (رسوم الفنان وديع خالد)، ولعل أكثر اللوحات التي تم تداولها على موقع تجمع فناني فلسطين “المهجر” صورة العذراء بطبيعتها الأيقونية وهي تحضن أبناء غزة وسط الأنقاض للفنان القبرصيّ جورجو غابرييل. وتردد كذلك في الأيام الأولى للعدوان على غزة صورة رقمية مدهشة للفنان حازم بيطار، تصوّر سحابات الدخان الرمادية الهائلة التي تغطي أنقاض شارع مهدوم في غزة، وقد تشكلت على هيئة غيوم لأم تحضن أطفالها، كما راجت صورة رقمية أخرى عن أم تعانق طفلها في تكوين يرتفع مثل برجٍ فوق خرائب بيوت غزة. وتتجلى صورة الشهيد في أروع حلتها في عمل تجهيزي نفّذه من وحي فاجعة غزة الفنان الفلسطيني المعاصر عبد الرحمن قطناني، بصفائح التول، في تركيب مستوحى من تيمة “الإنزال عن الصليب” التي توقظ الذاكرة على عذابات السيد المسيح، في وطن السلام المفقود، على درب الجلجلة المستمرة. تحت عنوان “طار الحمام”، ظهرت عشرات الصور الرقمية التي تجسد أطفال غزة كملائكة يطيرون في السماء كحمائم السلام. وفي سياق الخيال الافتراضي، لوحة الصعود إلى السماء للفنان موفّق السيد، وهي عبارة عن مجموعة أكفان ترتفع لتبلغ قبة سماوية منصوبة فوق الأنقاض، بما يذكّر بعبارة محمود درويش “أيها الأحياء تحت الأرض عودوا فإن الناس فوق الأرض قد ماتوا”. أكثر ما لفت بين التجارب العالمية هي أعمال رسام الغرافيتي الشهير بانكسي Banksy المعروف بأنه من أبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية، من بينها السلسلة التي تحولت شريط فيديو يصور أطفال غزة وهم يحملون البالونات الملونة ويطيرون بها بينما تصعد أرواحهم إلى السماء، وتم تداول لوحة رقمية للفنان عمر خليل وهي تصوّر وقفة رجل فلسطيني بلباسه التقليدي في مواجهة الجيش الإسرائيلي، وفي الخلفية مشهدية قيامية تجسد رعب اصطدام الكواكب وحرائقها كأنها بداية نهاية العالم. أما لوحات الفنان اللبناني محمد عزيزة فهي تسجل منذ بداية طوفان الأقصى يوماً بيوم أحداث غزة وفواجعها بتعبيرية درامية ملتهبة ومشاعر تفيض بالألم. تضامناً مع غزة كثر هم الفنانون الذين عبّروا عن غضبهم وانفعالاتهم من خلال الرسوم الحبرية على الورق، من بين هذه الرسوم برز العمل المدوّي للفنانة العراقية هناء مال الله التي رسمت رصاصة مستقرة داخل جمجمة وقد كتبت في وسطها عبارة هدنة بالإنكليزية Truce، في إشارة إلى الموقف المتعنّت البغيض لإسرائيل لرفضها عدم إعطاء هدنة لأهل غزة ولو لبضع ساعات. ومن أكثر الرسوم التي تم تناقلها على المستوى العربي (من موقع نيويورك – الفن التجريدي المعاصر) سلسلة رسوم الفنانة الأميركية فرحانة ياسمين (من أصول بنغلاديشية) بصيغتها الاتهامية التي حمَلت دلالات التواطؤ الأميركي مع إسرائيل في قصف غزة بالصواريخ التي يتلقاها شعبها بعيون مفتوحة. وأيضاً لوحات الفنان ألفريدو مولينا (سلسلة بعنوان: قتل غزة) التي تعبّر عن أنقاض مدينة غزة وشوارعها الخاوية والأبنية التي هوت على قاطنيها. واللافت أن النحات السوري مصطفى علي الذي يعتبر من أبرز المعاصرين الذين انغمسوا في التعبير عن أهوال المجازر والعنف في سوريا قد أنجز من وحي تأثره بمذبحة غزة، منحوتة تجسد امراة فلسطينية صريعة من جراء قنبلة فوسفورية حارقة جوّفت عظامها وشوّهت معالمها. الرسوم التي ينشرها الفنانون يومياً على صفحاتهم من أنحاء العالم العربي لا تعد ولا تحصى، وكذلك فنانو الغرافيتي من أنحاء العالم وكم هي كثيرة اللوحات والملصقات التي يقوم فنانو الإمارات العربية بنشرها. وفضلاً عن الرسوم التي ينشرها فنانو الجمعية الكويتية تضامناً مع غزة وحباً بالقدس، فإن الفنانة الكويتية مي النّوري، قد نشرت على حسابها سلسلة لوحات حملت عنوان النزوح من عام 1948 إلى الآن. من يستطيع أن ينسى المشهد المأساوي لنزوح العائلات الغزاوية مشياً على الأقدام من الشمال إلى الجنوب، ما يعيد إلى الذاكرة مشهدية نكبة فلسطين عام 1948، التي تتراءى في أعمال رائد الحداثة الفنان الفلسطيني إسماعيل شموط الذي شهد بفنه على تلك النكبة وذلك العطش على طريق التيه، وذلك المسير المضني في ذاكرته المعذبة. يستعيده الجيل الجديد يومياً على أكثر من موقع إلكتروني، من خلال تداول لوحاته التي رسمها من وحي الاقتلاع القهريّ ومن صميم معاناة الفلسطينيين مع الكيان الاحتلالي، وهو المعروف بأسلوبه المحلميّ التعبيري الأخّاذ، الذي وثّق الكثير من الأحداث في لوحات بانورامية تليق بالذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني بأفراحه وأتراحه، رسم عرس المقاومة بفرح اللون وأهازيج الأطفال والعجائز. رسم شخصية الفدائي الذي يودع حبيبته ويحمل بندقيته متأهباً للموت، ورسم الحلم بالحياة على صورة امرأة جميلة بالثوب الفلسطيني المشغول صدره بحنان الأيدي بالإبرة والخيطان الملونة بألوان الأرض والدم، بعدما أصبح جسدها وطناً ملجأ وأرضاً هي خريطة فلسطين. تستعيد الكثير من المواقع صوراً فوتوغرافية قديمة لعائلات فلسطينية ما زالت تحتفظ بمفاتيح بيوتها. ذهبت البيوت وراحت الأرض إلى غير مكان وظلت المفاتيح شاهدة على ذلك الخروج وحلم العودة. وكلما ضاق الأفق في وجه أهل فلسطين، يعود الناس ليستذكروا رسوم ناجي العلي أيام الحصار في بيروت، ولطالما حضنت بيروت الفن الفلسطيني واستضافت معارضه وتآخت مع جراحه وتضامنت مع قضيته، لا سيما أن أبرز أعلام الحداثة كانوا مقيمين في أرجاء بيروت وكانوا جزءاً من محاور مثقفيها ورواد مقاهيها ومشاركين في منعطفات اتجاهاتها الفنية وتحولاتها. ما لا يمكن نسيانه وخارج كل التوقعات هي القيمة الفنية الاستثنائية التي تحملها لوحات الفنان الفلسطيني سليمان منصور على مر السنين، لكأنها تصيب في الصميم لبّ معضلة النزوح والهجرة والمقاومة، لا سيما لوحة “جبل المحامل” التي تستعاد يومياً على مواقع تجمعات الفنانين الفلسطينيين، كونها تعتبر أيقونة الفن الحديث والمعاصر على السواء، ليس في المزادات الدولية فحسب، بل في قلوب الفلسطينيين الذين مهما طال بهم الزمن وتفرقت بهم السبل، سيظلون يحملون وطنهم الممثل بالمسجد الأقصى (أقدس مقدساتهم)، كما يحملون متاعهم على ظهورهم أينما رحلوا. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post جهاد الزين يكتب عن: لا شركاء في الوطن بل أُجَراء في الوطنية next post حازم صاغية يكتب عن: إنّها حرب قاسية جدّاً وليست خوارق ومعجزات… You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024