الإثنين, يناير 20, 2025
الإثنين, يناير 20, 2025
Home » مهى سلطان تكتب عن: عبدالرحمن قطناني يفتح “أبواب الحكاية” على فلسطين

مهى سلطان تكتب عن: عبدالرحمن قطناني يفتح “أبواب الحكاية” على فلسطين

by admin

 

فن التطريز بوصفه خطاباً بصرياً وتراثاً متصلاً بمكونات الهوية

اندبندنت عربية / مهى سلطان

 يستخدم الفنان الفلسطيني عبدالرحمن قطناني في معرضه المقام في غاليري صالح بركات – بيروت حتى منتصف فبراير (شباط)، معرفته بالمواد الصناعية لتطوير تقنيات مستحدثة، من أجل تنفيذ سلسلة من تسعة منسوجات ضخمة مصنوعة من صفائح معدنية وأسلاك شائكة، مستوحاة من فن التطريز الفلسطيني التقليدي. تبدو المطرزات المعدنية كأنها معلقات ملونة من زخرف وذهب وفضة. وثمة ما هو معروف بالغرزة الفلسطينية وهي عبارة عن خطين متصالبين (إشارة الإكس)، هي من أبرز الموتيفات التي دخلت في سياق تكراري لتكوين شكل هندسي يشير عادة إلى رموز نباتية، استخلصها قطناني في إحدى جدارياته فجعلها تتراءى منفردة كمشغولات نحتية أو حليّ من جدائل الأسلاك الشائكة المضفورة بالضوء والمصحوبة بالظلال.

ارتبط اسم قطناني (أو عبدول – على الطريقة الأجنبية) منذ أكثر من 10 أعوام بالأعمال التجهيزية المنفّذة بصفائح التول وبراميل النفط المستعملة وبالأسلاك الشائكة، التي طوَّعها كي يصنع منها فرح الطفولة الضائع وطائرات الورق والعصافير وباقات الورود ومتاهات الأمكنة والدوامات والأعاصير، بلغة مبسطة وتحريضية هادفة تدعو إلى التفكّر والنقاش، وهي تتحدى المتوقع وتقوض الشائع، في التعبير عن القضايا التي يعانيها الشعب الفلسطيني بعيداً من الدرامية المباشرة. هذه الأعمال بسماتها التجريبية المتحررة من القيود، لاقت مكانها في مشهدية المعاصرة، وفي المزادات والمنصات الدولية، كما دخلت في مقتنيات بعض المتاحف الأوروبية والعربية خصوصاً بعد تجاربه التي عرضها في باريس وجنيف.

منعطفات الحكاية

متدلية من تطريز على المعدن (خدمة الغاليري)

بدأت الحكاية من بحث الفنان عن جذور فن التطريز الفلسطيني، بوصفه خطاباً بصرياً وتراثاً متصلاً بمكونات الهوية. فأخذ يلاحق سردية فلسطين، بماضيها وحاضرها، لمعرفة اختلاف الموتيف الزخرفي نفسه من مدينة إلى أخرى. فالتطريز الفلسطيني هندسي بطبيعته، وهو يدين بحضوره واستمراره للنساء. لذا جاءت الأعمال الخمسة الأولى التي أنجزها قطناني قبيل أكثر من عام من أحداث غزة التي وقعت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لتراعي السيمترية في التكوين الهندسي والزخرفي في التطريز. ثم ما لبث أن غير مسار الإبرة والخيط الذي نسجته أنامل الزمن عبر التاريخ، ليحيك سردية أخرى من زخارف الماضي وأوشام الحاضر وحروقه ومدافنه وخرابه. بدأ يفتح أبواب الحكاية على أحداث ومنعطفات جديدة، ترسم خريطة الصراع الوجودي، على سطح معتم مثل الأرض المحروقة في غزة.

على الصفائح الساخنة المدهوسة ذهب إلى إطاحة النظم من خلال زعزعة الأشكال وتفكيك الزخارف وتشتيتها في مختلف الجهات تعبيراً عن النزوح وانمحاء الأمكنة والحدود، ومناظر الدمار في حرب الإبادة الجماعية. يقول الفنان “في ظل الهزيمة الجذور لا تختفي، بل يُعاد تشكيلها. وإعادة تشكيل الجذور هي جزء من بحثي في الأعمال الأخيرة. وهذا مناقض لفكرة العولمة، عن حدود مفتوحة وشخص بلا جذور”. هكذا أخذ السرد يتطور من الزخرفي إلى الوجداني العميق بما يعكس التحولات الشخصية والإقليمية.

قطناني أمام زخرف التطريز الفلسطيني المصنوع من أسلاك شائكة (خدمة الغاليري)

تترافق سردية الفنان مع معرض ثانٍ عن المنسوجات القماشية التقليدية، تم بالتعاون مع جمعية إنعاش، وهي جمعية مقرها لبنان مكرسة للحفاظ على التطريز الفلسطيني، عبارة عن 10 مفروشات مطرزة (من مجموعة متحف DAF)، سبعة منها بعنوان “الجليل”، المشتق من “بوابات الجليل”. كانت هذه المنسوجات التقليدية تُستخدم في الماضي كمعلقات زخرفية بدلاً من الأبواب في المنازل الفلسطينية القديمة، مما كان يدعو الزوار إلى دخول المنزل بصورة مبهجة. وهي متجذرة بعمق في الثقافة الفلسطينية، وترمز إلى حسن الضيافة والحرفية والتراث المجتمعي.

من ذاكرة المخيم

لم يعرف قطناني فلسطين سوى وطن بعيد وذاكرة تتناقلها الأجيال، وأرض سليبة محروسة بحكايات الناس وحقول الزيتون والبرتقال، وبطولات شعب وشعراء وفنانين. فقد ولد في مخيم صبرا في لبنان (عام 1983)، من بعد مرور عام على مجزرة صبرا وشاتيلا التي هزت العالم بفظائعها وعنفها. تفتَّح وعيه الأول على لون الأسفلت وشكل المخيم بأزقته المضلِّلة وحوائطه المليئة بالشعارات، وبيوته المغطاة بسقوف من صفائح التول. هذه الصفائح الهشة التي تحيل إلى فكرة الحياة الموقتة، وحق العودة المؤجلة إلى وطن ما زال بلا حدود. في بيئة بسيطة تفتقر إلى كل شيء، ما عدا الفن الذي كان ممكناً، نشأت موهبته في مشغل النجارة الذي يعمل فيه والده، وتمكن من صنع أعمال فنية بأدوات النجارة البسيطة، وبعد حيازته شهادة الماجستير في الفنون الجميلة (من الجامعة اللبنانية) أخذت صفائح التول طريقها إلى فنه برمزيتها ودلالتها الإنسانية، فسيطر اللون الرمادي على مصنوعاته المنبثقة من أجواء التقشف والهشاشة. فصنع منها أسطورته الخاصة، التي أخذت تنمو مع شهرته التي أخذت تكبر، لا سيما في فرنسا حيث عرض مراراً ودخلت أعماله بعض المتاحف الفرنسية منها معهد العالم العربي.

تطريز معدني بعنوان “مدن” (خدمة الغاليري)

جمع قطناني بين ثقافة ما بعد الحداثة والمعاصرة في طريقة تطويع المعادن ودهسها وقصها وتوليفها، مستفيداً من توظيف كل ما هو حطام ومهمل في الكشف عن جماليات دفينة، تخرج كقطع فنية من بين أدوات التلحيم وهدير المطارق وأصوات الآلات. في اشتغاله على المضمون يعتني قطناني في ابتكاراته المادة، التي يتلاعب بها ويمنحها أبعاداً مغايرة لمصطلحاتها المألوفة، لا سيما الشريط الشائك الذي يتلبس لديه معاني وتيمات عدة. في هذا المعرض نرى الشريط الشائك قد تخلى عن فكرة الحدود والحظر ووخز الألم، ليتحول سجاديات لامعة من ألوان الفضة والصدأ، تستقبل واجهاتها طبقة ثانية من الزخارف الملونة المشغولة باليد.

هذه السجاديات أُنتجت بواسطة أدوات طورها الفنان لهذه الغاية، بما في ذلك ألواح خشبية معدلة بمسامير موزعة بالتساوي لتثبيت الأسلاك الشائكة ولفّها، وتكييف أنوال النسيج التقليدية وطرق النسيج مع متطلبات المواد الخام التي يستخدمها. هكذا ابتكر قطناني أنماطاً مطرزة باستخدام خيوط الأسلاك الشائكة بدلاً من خيوط الحرير أو القطن – وهي الطريقة الكلاسيكية والتقليدية – التي نُسج بها التطريز الفلسطيني. فقد أدرج زخارف مستوحاة من التطريز التقليدي الفلسطيني مثل شجرة السرو ونجمة الكنعانيين أو قمر بيت لحم وأشجار النخيل وعيون الجمل والتمائم المثلثة والريش.

على مدى عامين، تجاوز قطناني مفهوم النسيج الزخرفي التراثي ليعمل على إنتاج بوابات معاصرة تروي حكاية الحاضر المأزوم، مستخدماً صفائح براميل النفط وصفائح النحاس والعلب المعدنية الفارغة التي كان يشتريها من سوق الخردة، ثم عمل على قصها وتسويتها كي تستقبل أشكالًا معقدة من الأنماط الحمراء والزرقاء والذهبية والفضية، كزخارف هندسية من التطريز الفلسطيني تبدو مرصَّعة بالضوء الناتج من ثغرات مصدرها الحرق والتثقيب مع آثار فجوات من طلقات الرصاص. لذا فإن خلفيات البوابات بما تحمله من آثار وضوء وظلال لا تنفصل عن المشهدية الأمامية. في بوابة “المدن” غابت الألوان ليحل محلها الرمادي والأسود، فتبدو خرائط الأمكنة مضطربة في انزياحاتها وتكسراتها كأنها مقابر مفتوحة، لتُذكِّر بتاريخ شعب سُرقت منه أرضه وسبل عيشه وذكرياته، حيث لا دمع ولا ضجيج ولا حياة، لأن النار أكلت كل شيء وتركت المدن فارغة ومهدومة إلا من أطلال نوافذها المربعة، فتظهر كمناظر أركيولوجية لمدن مندثرة. “سَأُسميكِ البداية” قالها محمود درويش، هي بداية لسرد متواصل نبضه، بالنسبة إلى عبدالرحمن قطناني، الذي ابتكر من التصدعات والهشاشة جماليات بوابات حكايته المفتوحة على الأمل.

المزيد عن: رسام فلسطينيمعرضبيروتالتطريزالمعدنالقماشمحمود درويشالهويةالبعد البصري

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00