الخميس, نوفمبر 28, 2024
الخميس, نوفمبر 28, 2024
Home » مهى سلطان تكتب عن: الحقبة الذهبية لانطلاق الفن الحديث… في معرض فريد طراد

مهى سلطان تكتب عن: الحقبة الذهبية لانطلاق الفن الحديث… في معرض فريد طراد

by admin

 

توفّر الأعمال الفنية نظرة ثاقبة لرحلة كل فنان في بداية الحداثة، كما تعكس التحوّلات الفنية والاجتماعية التي شهدتها تلك الحقبة الممتدة من الثلاثينات إلى ستينات القرن العشرين.

 بيروت- النهار العربي \ مهى سلطان

يكشف المعرض التذكاري الذي يُقام في غاليري صالح بركات (حتى 23 أيلول/ سبتمبر) لمقتنيات المهندس المعماري المعروف فريد طراد، عن ملامحٍ ساطعة من نهوض الحداثة التشكيلية في بيروت. 

لوحات ومنحوتات لبعض مشاهير الفن في لبنان يُكشف عنها النقاب للمرّة الأولى، بعدما كانت مغمورة منذ العام 1969 تاريخ وفاة طراد الذي كان له تأثير كبير على إطلالة بيروت الحضرية والمعمارية، من خلال المنشآت والأبنية والجسور والتخطيطات العمرانية التي رسمها لمدينة متوسطية كوزموبوليتية، سرعان ما أضحت ملتقى الشرق والغرب.

يأتي هذا المعرض ليكرّم فريد طراد كشخصية استثنائية تنويرية، سواءً في أسلوبه المعماري الحداثي ذي الطراز العالمي، أم في ذوقه الفني، الذي يعكس عمق الصداقات التي عقدها مع فناني ذلك الزمن الفتي لحقبة لبنان في عصره الأوج. فقد وُلد طراد (العام 1905) في العهد العثماني وتلقّى تعليمه أثناء الانتداب الفرنسي في لبنان وفرنسا، ولعب دوراً حيوياً في بناء الجمهورية اللبنانية.

فهو خرّيج المدرسة المركزية للفنون والصناعات في باريس العام 1926، نقابيّ ووزير لبناني سابق العام 1956، حائز على وسام الأرز.

كان أحد الأعضاء المؤسسين للأكاديمية اللبنانية (ألبا) العام 1943 مع ألكسي بطرس، تولّى فيها التدريس في قسم العمارة كما تولّى رئاستها لمدة عام، شغل بعدها مناصب ومسؤوليات إدارية عدة، فكان من بين مؤسسي نقابة المهندسين، التي عمل فيها على تنظيم حقل مزاولة المهنة في أُطر وشروط قانونية، لاسيما أثناء تولّيه رئاستها (ما بين 1959- 1960).

حفل زفاف العروس للفنان بول غيراغوسيان-لوحة زيتية العام 1958- 1959

 

رائد العمارة الحديثة

لئن كان فريد طراد وجهاً مضيئاً من تاريخ لبنان الحضري المُشرق، فهو أيضاً يمثل أنموذجاً من مكونات الذوقية الحداثية بمعناها الثقافي الأعمق، حيث لا تنفصل فيها الفنون بعضها عن بعض، وهو في آن واحد شاهدٌ ومُساهم ومؤثّر على جيل من المعماريين في مرحلة التحوّل الكبير من العمارة الكولونيالية التي سادت خلال عقدين من الزمن (1920 – 1940)، إلى ما سُمّي بالعمارةِ الحديثة، التي ظهرت أولى محطاتها بُعيد الاستقلال العام 1943. وفي لبنان كما في سائر البلدان العربية، كانت “العمارة الحديثة”، هي عِمارة الطراز الدولي (style international)، الذي تمَّ تعريفُه في معرض نيويورك، وضمَّ أعمالَ المعماريين روَّاد الحداثة خلال عقد من الزمن (1922- 1933). وُضِعت بعدَ المعرضِ القواعدُ الناظمةُ لعِمارة الطراز الدولي الحديث، مأخوذةً عن النقاطِ الخمس المعروفة، التي صاغَها المِعمار الفرنسي لوكوربوزييه (le corbusier).

هكذا غابت المدينة الأفقية، وازدهرت العِمارة العاموديَّةُ في لبنان، ودخلت عِمارةُ الطرازِ الدولي، مع تعاظُم دور بيروت الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. كبُرتِ المدينة واحتكرت كلَّ شيء: الثقافة والسياسة والتعليم والترفيه والتجارة والصناعة وفرص العمل، حتى أصبح الزحف إلى بيروت السّمةَ الأساس للتكوينِ السكاني للبنان الاستقلال، بحيثُ لم يكد يكتمِلُ العقد الخامس من القرن العشرين، حتى أضحت بيروت مرتسمة في العيون كمدينة مزدهرة وعامرة، الى أن اندلعت الحرب.

في هذا السياق الاستعادي، تتجلّى أهمية فريد طراد في كونه مصمماً لعددٍ كبير من المباني التي طبعت تاريخ العمارة في لبنان والمنطقة، وكان بعضها سبّاقاً  في كثير من النواحي، يذكر منها: مبنى قصر الأونيسكو الذي شُيّد في العام 1947، كأول صرح ثقافي ضخم تشهده العاصمة اللبنانية غداة الاستقلال، وقد جاء بمثابة إنجاز معماري وترفيهي وتثقيفيّ، بعد رواج فندق السان جورج الذي شهد أبرز المعارض التي أُقيمت في أواخر مرحلة الانتداب الفرنسي. انطلق قصر الأونيسكو في العام 1948 لاستضافة المؤتمر الدولي الثالث لمنظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة، وهو المؤتمر الذي وُصف في ذلك الوقت بأنّه إطلالة أولى للجمهورية اللبنانية الفتية على الساحة الدولية. منذ ذلك الحين، أصبح القصر مكاناً مركزياً لاستضافة مؤتمرات واحتفالات رسمية وأنشطة محلية وعالمية، فضلاً عن المعارض، وأبرزها تقليد معرض الربيع السنوي.

من إنجازاته ايضاً مبنى قصر العدل العام 1959، وأوتيل ريجنت على الطرف الشمالي الغربي لساحة البرج (على مدخل شارع ويغان قرب مبنى الريفولي) في الخمسينات، وكان يتمتع بأعلى مواصفات الفنادق العالمية في تلك الأيام، فضلاً عن تشييده صالة سينما أمبير، وكانت أكبر صالة عرض في بيروت، اتسعت لـ 500 مقعد، وكذلك سينما دنيا العام 1945 في ساحة دباس التي انفردت ببلكونها المدهش الذي يتسع لـ 750 مقعداً، كما حملت توقيعه فيللا الليدي كوكرن في شارع عبد الله اليافي وسواها من الأبنية والمعالم، لاسيما هنغارات المطار الضخمة ذات الأطواق الخرسانية. بعض الأبنية التي حملت توقيعه دمّرتها الحرب وأزالتها من الوجود وبعضها الآخر دمّرها الجشع التجاري.

لوحة تجريدية للفنان ميشال المير 1961

 

 

الفنانون الأصدقاء

كان يُعرَف باسم “المهندس” بين أصدقائه الفنانين رسامين ونحاتين من مختلف الأجيال، الذين جمعهم الهاجس الحداثي في التعبير الفني بمختلف الأساليب التي تتراوح بين الواقعية والرمزية والتعبيرية والتجريد.

توفّر الأعمال الفنية نظرة ثاقبة لرحلة كل فنان في بداية الحداثة، كما تعكس التحوّلات الفنية والاجتماعية التي شهدتها تلك الحقبة الممتدة من الثلاثينات إلى ستينات القرن العشرين. وبالرغم من انّ مقتنياته تعود في غالبيتها إلى فنانين لبنانيين، ولكن يتضح مدى امتداد حبل هذه الصداقات، من وفرة الأعمال التي اشتراها طراد لفنانين عرب وأجانب، بعضهم معروفون وآخرون مغمورون، تعكس مدى رهافة ذوقه وتقييمه لجودة العمل الفني.

في المعرض تماثيل من الحجر والرخام، هي قطع متحفية مدهشة موقعّة باسم النحات يوسف الحويّك من جيل الريادة الأولى، فضلاً عن قطعٍ منتقاة من أعمال رائد فن التجريد النحات ميشال بصبوص، انتقالاً إلى أجمل ما عُرف من تجارب الفنان الفرنسي جورج سير، الذي جاء في ثلاثينات القرن العشرين إلى لبنان في حقبة الانتداب، ليغدو واحداً من أبرز الأساتذة المؤثرين على انطلاق الحداثة كرسام وناقد وأستاذ.

لقد عُرِف بأسلوبه التكعيبي وتلقائيته في التعبير المتحرّر من القيود وألوانه الحارة التي لوّن بها مناظر من منطقة “عين المريّسة” حيث محترفه المطلّ على شاطىء البحر، الذي أصبح موئلاً للجيل الذي تتلمذ عليه، وفي طليعتهم ايلي كنعان.

ثمة الكثير من اللوحات التي اقتناها طراد تكشف بدايات كنعان التي لم نرها من قبل. لوحات تحكي رحلته مع اللون والشكل ومعالم المنظر الطبيعي، الذي أصبح حقل اختباراته وملعباً لريشته التي استمدت منه الجرأة في الاختزال والارتجال والمحو والإدغام، بحثاً عن شاعرية الهنيهات العابرة لمزيج اللون بالنور.

ولئن كان كنعان أكثر الفنانين أوروبية وارتباطاً بحداثية “مدرسة باريس”، فقد كان مقرّباً في آن واحد من مثقفيها وكتّابها وشعرائها، في طليعتهم هنري سيريغ (مؤسس معهد الآثار في بيروت خلال الانتداب الفرنسي) كبير المثقفين الداعمين للفن والمقتنين له، الذي كتب عن كنعان يوماً يقول: “إنّ نجاح إيلي كنعان في خلق توزيع موسيقي رنّان للألوان، لا يعبّر فقط عن موهبته كرسام، بل هو حصيلة أبحاث طويلة موجّهة طوعاً نحو الجمال”. أما الشاعر آلان بوسكيه (كاتب في الفيغارو) فقد كتب يقول: “تنطلق ريشة ايلي كنعان من المطلق وتتجّه نحو الصورة الملموسة، مما يعطي فرصة البقاء معلّقاً حيث كل شيء مستوحى وممكن ومستقبليّ”.

رأس فتاة للنحات يوسف الحويّك

 

 

تشكّل المجموعة العصر الذهبي للتغيير والخروج عن القيود الأكاديمية نحو حرّية التفكيك لعالم الشكل والتحوير والتلاعب بالخط واللون والالتفات للتعبير عن مآسي العالم المحيط بحياة الفنان وظروف معيشته.

نعثر في تجوالنا داخل المعرض على لوحتين من المرحلة المبكرة المجهولة للفنان رفيق شرف التي انطلقت من بعلبك الى أحزمة البؤس في ضواحي بيروت، ولوحة تجريدية بارعة للفنان ميشال المير وأخرى لعاصم ستيتيّه، تعكسان ذروة التجريد الغنائي للحداثة الباريسية، وأعمال اخرى لغوفدير (طبيعة صامتة) وجورج خوري، ولوحات عديدة للثنائي الزوجين أرمينيه وهاروتيان غالينتز، عبارة عن بورتريهات ومناظر طبيعية، أما القطعة المركزية التي تدور حولها كل المجموعة، فهي اللوحة الجدارية التي تنبري بروعتها التعبيرية لمشهد زفاف العروس، للفنان بول غيراغوسيان، الذي أحدث زوبعة في بيروت حين أخرج مكامن البؤس والفقر وذاكرة المجازر الأرمينية من قلب أحياء برج حمّود مقرّ سكنه ومهبط وحيه ومنبع إلهامه وشخصياته ونماذجه وموضوعاته الإنسانية (لاسيما موضوع العائلة)، التي أصبحت مع الوقت بمثابة أيقونات حديثة.

تعكس مقتنيات المهندس فؤاد طراد حقبة نابضة بالحياة ممتدة إلى اكثر من ثلاثين عاماً، وهي وإن كانت مختارات من قطوف مرحلة نهوض الحداثة، لكنها تحمل وهج بريق بيروت قبيل اندلاع الحرب الأهلية في منتصف السبعينات، التي أدّت إلى انكسار قوس الحداثة المتصاعدة على نحو مغاير وفي غير اتجاه.

 

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00