الخميس, ديسمبر 26, 2024
الخميس, ديسمبر 26, 2024
Home » مهى سلطان تكتب عن: ” أجزاء من متاهة” للفنان راشد آل خليفة

مهى سلطان تكتب عن: ” أجزاء من متاهة” للفنان راشد آل خليفة

by admin

حمل تجهيز “أجزاء من متاهة” أسرار هذا السحر الكامن في جوهر العلاقة بين الدائرة والمربع، من خلال التوغل في سفر التاريخ كمعنى حقيقي للأزمنة العابرة في صروح الرياضيات الفرعونية وطلاسمها التي تتمثل في خارطة متاهة “قصر التيه” امام هرم “امنحوتب الثالث”.

 النهار العربي / مهى سلطان

يشارك الفنان البحريني راشد آل خليفة في معرض الفن المعاصر “الأبد هو الآن”، الذي يُقام (حتى 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023) على سفح صحراء أهرامات الجيزة في القاهرة، من تنظيم مؤسسة “أرت دي إيجبت”، وهو يهدف الى خلق منصّة حوار بين الماضي والحاضر، والمزج بين التراث الأثري العريق والفن البصري بمؤداه المعاصر، فضلاً عن تسليطه الضوء على أهمية تراث مصر القديمة كونه مصدراً للإلهام والخيال والابداع.

يتضمن هذا المعرض الدولي في دورته الثالثة الذي ترعاه منظمة اليونيسكو ووزارة السياحة والآثار المصرية، مجموعة من 14 منصّة تجهيزية منجزة على “تيمة” الإهرامات والمعابد المصرية تتوزع على شكل “نصف قوس” حول الاهرامات، أنجزها عدد من كبار الفنانين العرب (من مصر والسعودية والامارات العربية والبحرين) الى جانب 13 فناناً عالمياً (من الولايات المتحدة وبلجيكا وهولندا وبريطانيا وفرنسا واليونان والبرازيل والأرجنتين).

يتفرّد تجهيز الفنان آل خليفة الذي يحمل عنوان: “أجزاء من متاهة: الواقع لا زمن له “عن بقية الاعمال المشاركة في تحقيق ما يمكن تسميته بالحقب المتتابعة لزمن الأسطورة، فهو في جدارياته (12 مجسماً من الألمنيوم بعلو يتراوح بين مترين وخمسة أمتار) يتتبع رؤى عالِم آثار في الكشف عن سرّ من الأسرار المقدّسة، التي كان يحتفظ بها الكهنة في أشكال رسوماتهم الهندسية وكتابات أحرازهم المحفوظة في خزائن معابدهم. حقب متتابعة تركّز على أشكال رسومات المتاهة المصرية المفقودة وأبعاد ظلالها الممتدة فوق رمال الصحراء.

عمل تجهيزي للفنان البلجيكي ايرينه كوينز

 

الهرم لغة التاريخ الأبدي في الفن المعاصر

اعتمد راشد آل خليفة في تصميمه على الأشكال المستطيلة التي جعلها تتموضع كسطوح مائلة بزوايا مختلفة، تنبثق من رمال الصحراء تبدو كأنّها خرجت للتّو من باطن الاسطورة، ولم يتفاعل مع سطوة الشكل الخارجي للهرم الذي هيمن على العديد من الاعمال النصبية للفنانين المشاركين، على سبيل المثل التجهيز الأفقي الذي يحمل عنوان “كنوز” للفنانة الإماراتية عزة القبيسي، وتجهيز “المعبد الشبح” للنحات المصري– البريطاني سام شندي الذي كشف من خلاله انّ الهندسة المعمارية المصرية القديمة هي الأكثر تقدّماً في التاريخ، وكذلك تجهيز الفنان المصري محمد بناوي “الهرم الشفاف” الذي يبني شكل الاهرام من خديعة حركات لأشكال زهور بيضاء، في مجسّم بصري متحرّك، يتراءى من البعيد على أنّه الشكل الحلميّ للهرم، وتجهيز “الهرم المقطوع” للفنان السعودي راشد الشعشعي.

على خلفية مشهدية الاهرامات في موقع صحراء الجيزة، صمّم العديد من الفنانين المشاركين تنصيباتهم، فقد عملت الفنانة الأميركية كارول فيورمان على تجسيد شخصية “الإلهة حتحور” وهي تضع على رأسها تاجاً مكوناً من دائرة قرص الشمس مع يدين مرفوعتين الى السماء، وهي الإلهة-الأم في الأساطير الفرعونية القديمة التي تقف كامرأة معاصرة  تجمع ما بين سرديات الماضي والزمن الراهن.

أما الفنانة الهولندية سابين مارسيليس فقد قدّمت تجهيزاً عبارة عن دوامة دوائر “الساعة الشمسية” أمام الهرم، على اعتبار انّ الإله “رع” هو الذي قدّم تقويم الشمس هدية مصر إلى العالم. وكذلك استلهم الفنان اليوناني كوستاس فاروتسوس في تجهيزه “تأمّل في ضوء” دوائر القبة السماوية ودورة الحياة امام منظور الغلاف الجوي للاهرام على اعتبار انّ مفاهيم الزمن الدائري في الشكل الهندسي للدائرة مرتبط بالرياضيات الخفية في تشييد الأهرامات.

الهرم المقطوع للفنان السعودي راشد الشعشعي

 

منصّات الضوء في واجهات المعابد القديمة

في “أجزاء من متاهة” يدعونا راشد آل خليفة لاكتشاف جدران معبد معاصر يخرج من بين الرمال، في غياهب ذلك الفضاء القديم الذي نسمّيه الزمن. يدعونا كي نبحث مثله عن محراب الغموض في زخارف بردية “رند” في علم الحساب حيث يتجلّى قرص الشمس “آتون”، هذا القرص الناري الأحمر المتوهج بآلاف الأشعة من خيوط الذهب. في 12 مجسّماً، ينبري كل منها على شكل جدار مضيء مثل برج سماوي، ولكل منها ارتفاع معين، وهي ليست مستقيمة بل مائلة للدلالة على القدم بما يوحي بعدم الاستقرار لكأنّها آيلة للسقوط أو الاندثار بفعل عوامل الزمن، وما يزيد في جمالها انّها متفاوتة الألوان (ثلاث درجات من الطلاء الذهبي) تعبّر عن مرور الزمن،  ومنقوش على كل منها زخارف مستوحاة من الرموز الهيروغليفة.

الواقع انّ الفنان راشد آل خليفة قد استوحى عمله التجهيزي من كتاب “برج بابل” للكاهن والباحث الألماني أثناسيوس كيرشر، الذي كان مهتماً بالحضارات القديمة الزائلة، من خلال الجمع بين قراءته للإنجيل وملاحظات الرحّالة. ويُعدّ  الكتاب توليفة واسعة للعديد من أفكاره حول الهندسة المعمارية واللغة والدين، وتمّ تخصيصه للإمبراطور الروماني ليوبولد الأول في القرن السابع عشر. وفي الكتاب، رسوم وخرائط هندسية لمتاهة مفقودة ذُكرت في صفحات التاريخ الإغريقي القديم، وموقعها في مدينة الفيوم المصرية. والى اليوم لم يتوصل أحد الى اكتشافها.

حمل تجهيز “أجزاء من متاهة” أسرار هذا السحر الكامن في جوهر العلاقة بين الدائرة والمربع، من خلال التوغل في سفر التاريخ كمعنى حقيقي للأزمنة العابرة في صروح الرياضيات الفرعونية وطلاسمها التي تتمثل في خارطة متاهة “قصر التيه” امام هرم “امنحوتب الثالث”. المتاهة التي زارها الرحّالة الإغريقي هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد، ودخلها برفقة أحد الكهنة الذي كان يحمل في يده خارطة، ولولا مساعدة الكاهن لما استطاع الخروج منها. فمن يدخل المتاهة لا يعرف من أين دخل ولا يعرف طريق الخروج من دون مساعدة. وقد وصفها هيرودوت بأنّها مبنى ضخم يضاهي أعظم المباني المقدّسة في العالم وتتكوّن من طابق علوي وطابق سفلي، وتحتوي على 3000 غرفة متداخلة، وممرات ملتوية ومتعرّجة وكثير من الأعمدة. في كل طابق 1500 غرفة، ومعابد بسقوف مزينة بزخارف ورسوم غايةً في الجمال، وساحات وبوابات من اليمين واليسار. والمعروف انّ زيارة هيرودوت اقتصرت على الطابق العلوي، ولم يسمح له الكهنة زيارة الطابق السفلي. ويُعتقد انّه يوجد فيه 12 مدفناً لـ 12 ملكاً من أهم ملوك مصر في تلك الحقبة. كما يُعتقد انّهم من بناة هذه المتاهة الكبرى، وانّ الطابق السفلي عبارة عن مخزن لكثير من الكنوز والآثار من البرديات التي تحتوي على العلوم والمعارف والأسرار لحضارة قدماء المصريين ومن قبلهم، وكيف بنوا الأهرامات وكيف حنّطوا موتاهم.

مجسّمات 12 جزءاً من متاهة الفنان البحريني راشد آل خليفة

 

خارطة المتاهة ونبوءات غبار الشمس الذهبية

على خطى الرحّالة وعلماء الآثار راح راشد آل خليفة يبني معالم 12 مجسّماً جدارياً، من تخيلات “مخزن الكنوز”، والقيام بتجربة فنية غير مسبوقة في دراسة دلالات زخارف (أعياد القبة السماوية) الوثيقة الصلة بـ”خارطة المتاهة”، ليجسّدها في 12 قطعة (عدد شهور السنة) في تقويم مراصد “الحقب التاريخية”، ما هي إلاّ مجسمات متتابعة، في معبد اسطوري يروى تفاصيل لغز التاريخ، كمحاولة لتوثيق حضور الماضي في الحاضر (والجمع بين الواقع والخيال).  في هذه المجسّمات الجدارية تبدو كل الخيالات حيّة لأنّ مصدرها المنظور التوليفي لمخطوطات البردي وشروحات الأشكال الهندسية التي زينت المعابد الفرعونية (معبد ادفو) والتي تستمد حضورها من سرديات ما تبوح به عمليات الحفر والتنقيب التي يقوم بها الفنان، وهو يسجّل علامات ورموزاً شتى من حكاية مفقودة.

ينتهي المشهد فتبدأ العين عملها وهي تختزن ما كان يعتقده المصريون القدامى “انّ العين تسمع”، وهي ترى إشعاعات النور في منصّات الرسوم المحفورة.  هكذا يتجلّى النور كسحر طقسي في محل الصدارة، مزيناً بمدائح قرابين الحضور والغياب في تجسيده لعمليات “وقوف الزمن” وإبصار ما لا يرى من نبوءات غبار الشمس الذهبية وهي تتغلغل في محيطات الرموز الهيروغليفية التي تكتنف واجهات المتاهة التي أضحت كنزاً. تتصف اعمال راشد آل خليفة بطابع الفخامة والغموض، كما تعبّر عن فكر فلسفي عميق وطاقة إبداعية تكمن في ما يقدّمه من ثراء في مغامرة إيقاظ “الأبدية المتثائبة على الرمال” بين ضفاف الخرافة وشموس مواجهة الإنسان لقدره فوق الأرض.

عمل تجهيزي للفنانة الإماراتية عزة القبيسي بعنوان كنوز

 

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00