الأحد, نوفمبر 24, 2024
الأحد, نوفمبر 24, 2024
Home » من ربيع عربي إلى آخر

من ربيع عربي إلى آخر

by admin

مجلة رمان الثقافية / جلبير الأشقر – أكاديمي وباحث لبناني

تكشّفت أزمة المرحلة النيوليبرالية في الرأسمالية بصورة فاقعة أمام أعيننا خلال الأشهر الأخيرة، مثيرةً اضطرابات اجتماعية متعاظمة في عدد من المناطق متزايد باطّراد (*). ولا شك في أن أحداث المنطقة العربية تندرج ضمن هذه الأزمة العالمية، بيد أن للمنطقة خصوصيتها. فقد حصلت التحوّلات النيوليبرالية في المنطقة العربية في سياق رأسمالية من نوع خاص: رأسمالية تحددها الطبيعة الخاصة لمنظومة دول المنطقة التي تتميّز بمزيج متفاوت النِسَب من الريعية والميراثية أو النيوميراثية. إن الوجه الأهم لخصوصية المنطقة العربية هو التركّز العالي داخلها للدول الميراثية بصورة كاملة، وهو تركّز لا مثيل له في أي منطقة أخرى من مناطق العالم. تعني الميراثية أن ثمة عائلات حاكمة تملك الدولة بكل معاني المُلك، أي أنها تملك أجهزة الدولة ومواردها سواء أكان ذلك شرعاً في إطار سلطة مطلقة، أم عملياً فقط كأمر واقع. فتنظر العائلات الحاكمة هذه إلى القطاع العام وكأنه ملكها الخاص وتتعامل مع القوات المسلحة – لاسيما قوات النخبة – وكأنها حرسها الخاص. هذه السمات هي سبب خروج السياسات النيوليبرالية في المنطقة العربية بأسوأ نتائجها الاقتصادية في العالم. فقد أفضت التغييرات التي جرى تنفيذها بوحي من النيوليبرالية في المنطقة إلى أدنى معدلات نمو اقتصادي لأي منطقة من المناطق النامية، وبالتالي إلى أعلى نِسَب البطالة، وبطالة الشباب بوجه خاص.

أما سبب ذلك الرئيسي، فهو أن العقيدة النيوليبرالية تستند إلى أولوية القطاع الخاص، أي الفكرة القائلة إن القطاع الخاص يجب أن يشكّل القوة الدافعة للتنمية فيما ينبغي تقليص أدوار الدولة في المجالين الاجتماعي والاقتصادي. “طبّقوا سياسات تقشّفية، قلّصوا مساحة الدولة، خفّضوا الإنفاق الاجتماعي، بيعوا المؤسسات العامة للقطاع الخاص واتركوا الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام الرأسمال الخاص والتجارة الحرّة، فستتحقق المعجزات”، هذا ما تقوله العقيدة. لكن في سياق يفتقد إلى مقدمات الرأسمالية النموذجية المثالية بدءاً من سيادة القانون وإمكانية التخمين اللتين لا استثمار خاص طويل الأمد بدونهما، فإن الأموال الخاصة تميل إلى السعي وراء الربح السريع والمضاربات، في العقارات والإعمار على الأخص، بدل التوجّه نحو الصناعات التحويلية والزراعة، وهما القطاعان المنتجان الرئيسيان.

نجم عن ذلك انسداد بنيوي في التنمية. هكذا، فإن الأزمة العامة للنظام النيوليبرالي العالمي تتعدّى في المنطقة العربية أزمة النيوليبرالية لتستحيل أزمةً بنيوية للنمط الرأسمالي الخصوصي السائد في المنطقة. وعليه، لا يمكن الخروج من هذه الأزمة في المنطقة بمجرّد إحداث تغيير في السياسات الاقتصادية في إطار استمرار نمط الدول القائمة. لا غنى عن تغيير جذري في البنية الاجتماعية والسياسية برمّتها، أما دون ذلك فلن تكون هناك نهاية للأزمة الاجتماعية ـ الاقتصادية الحادة ولحالة انعدام الاستقرار اللتين تتحكّمان بالمنطقة بأسرها.

هذا ما تسبّب بتلك الموجة الثورية العارمة التي أطلق عليها اسم “الربيع العربي” والتي خضّت المنطقة برمّتها في عام ٢٠١١. فقد كانت موجة أهم بكثير من جملة احتجاجات جماهيرية متناثرة، إذ كان منظورها ثورياً حقاً، والناس تهتف: “الشعب يريد إسقاط النظام”، وهو شعار غدا منتشراً في كافة أرجاء المنطقة منذ عام ٢٠١١.  وقد خضّت الموجة الثورية الأولى في تلك السنة منظومة دول المنطقة خضّاً قوياً، كاشفةً دخولها في طور الاحتضار. فشهدت معظم البلدان الناطقة بالعربية صعوداً كبيراً في الاحتجاجات الاجتماعية خلال ذلك “الربيع العربي” في عام ٢٠١١. كما شهدت ستة من هذه البلدان – أي أكثر من ربع مجموعها – انتفاضات شعبية عارمة في ذلك العام. وبالرغم من ذلك كله، فإن “الدرس” الذي استخلصه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، الساهران على النظام النيوليبرالي العالمي، هو أن كل ذلك جرى بسبب عدم تطبيق وصفاتهما النيوليبرالية بالصرامة الكافية. فالأزمة، كما يدّعيان، نجمت عن القصور في تفكيك بقايا اقتصاديات رأسمالية الدولة التي كانت قائمة في الأمس. والحلّ، كما يزعمان، يكمن في انهاء كافة أشكال الإعانة الاجتماعية وبطريقة حاسمة أكثر مما جرى حتى الآن.

بيد أن السبب الذي جعل حكومات المنطقة تقصّر بعض الشيء في تنفيذ توصيات المؤسسات المالية الدولية إنما هو تخوّفها من التداعيات السياسية لتنفيذ تلك التوصيات. وقد كانت على حق في تخوّفها، ذلك أن شعوب المنطقة العربية – خلافاً لشعوب أوروبا الشرقية بعد سقوط جدار برلين، عندما قبلت على مضض بالتغييرات النيوليبرالية الجذرية على أمل أنها سوف تجلب لها رخاءً رأسمالياً – شعوب المنطقة العربية إذاً، لا استعداد لديها للقبول بمثل تلك التغييرات الجذرية إذ ليس لديها أي وهم في أن بلدانها سوف تصبح شبيهة ببلدان أوروبا الغربية كما توهّمت شعوب أوروبا الشرقية أو أوهمت. وعليه، فلأجل فرض إجراءات نيوليبرالية جديدة على الشعب، لا بدّ من استخدام القوة في معظم بلدان المنطقة.

ذلك أن التطبيق الكامل للنيوليبرالية لا يترافق مع الديمقراطية الليبرالية كما كان فوكوياما يؤكد في أطروحته الخرقاء عن “نهاية التاريخ” قبل نحو ثلاثين عاماً. والحال أن أول تطبيق جذري للوصفات النيوليبرالية حصل في التشيلي في ظلّ حكم الجنرال بينوشيه إثر انقلاب دموي في عام ١٩٧٣. ويجري حالياً مثل ذلك التطبيق في مصر في ظلّ عودة النظام القديم بحلّة دكتاتورية فظّة بعد ٢٠١٣ بقيادة عبد الفتّاح السيسي – ونظامه اسوأ ما شهدته مصر منذ عقود من حيث فظاظة القمع. وقد ذهب نظام السيسي إلى أبعد حد في تنفيذ كامل طيف توصيات صندوق النقد الدولي النيوليبرالية وبكلفة عالية جداً تمّ فرضها على الشعب مع ازدياد حاد في كلفة المعيشة وأسعار المواد الغذائية والمواصلات، الخ. فقد حلّت كارثة كبرى بالشعب المصري. أما السبب الرئيسي الذي حال دون انفجار الغضب الشعبي مرة أخرى على نطاق واسع في ساحات مصر، فهو الردع الذي مصدره إرهاب الدولة. غير أن التطبيق الكامل لتوصيات صندوق النقد الدولي النيوليبرالية لم يحقق معجزة اقتصادية، ولن يحقق معجزة في المستقبل. فالتوتر يتراكم وعاجلاً أو آجلاً سينفجر الغضب الشعبي من جديد.

لكن وللأسف، الحركة العمالية واليسار المصري كلاهما في حالة يُرثى لها. فقد تعرّضا لهزيمة قاسية – ليس بنتيجة العودة الوحشية للدولة القمعية وحسب، بل أيضاً بنتيجة التناقضات والأوهام الخاصة بهما.  فقد تبع القسم الأكبر من اليسار المصري مساراً سياسياً تائهاً، منتقلاً من تحالف خاطئ الى آخر: من التحالف مع الإخوان المسلمين الى التحالف مع العسكر. ففي عام ٢٠١٣، دعم معظم اليسار والحركة العمالية المستقلة الانقلاب الذي قاده السيسي وذلك بقِصر نظر شديد، متوهمين بأن الجيش سوف يعيد الديمقراطية الى مسارها السليم. لقد ظنّوا أن إسقاط مرسي والإخوان المسلمين، بعد سنة من وجودهم في السلطة، سيفتح الطريق من جديد أمام تطوير العملية الثورية بالرغم من أن العسكر هم الذين أطاحوا بمرسي.

إن هذا الخطأ العظيم الذي ارتكبه اليسار والحركة العمالية قد أفقدها المصداقية. ونتيجة لذلك، باتت المعارضة اليسارية اليوم بالغة الضعف والتهميش في مصر. وهذا سببٌ هام آخر لعدم انطلاق تحركات جماهيرية واسعة ضد الهجمة النيوليبرالية الجديدة. فعندما لا يكون هناك بديل ذات مصداقية، يميل الشعب نحو تقبّل خطاب النظام الذي يقول: “إما أنا أو الفوضى. إما أنا أو مأساة على الطريقة السورية. عليكم قبول قبضتي الحديدية. ستكون قاسية، لكنّكم ستجدون الرخاء في نهاية المطاف.” في الحقيقة، معظم المصريين لا يصدقون هذا الوعد الأخير، أي وعد الرخاء، لكنّ الخوف من الانزلاق الى وضع أكثر سوءاً مما هم فيه لا يزال يشلّهم.

ترتبط بما سبق خاصية أخرى من خاصيات السيرورة الثورية الإقليمية، تشهد سوريا عليها بمأساوية قصوى. فقد خَبُر العالم العربي خلال عدة عقود تطور تيار إسلامي أصولي رجعي دعمته الولايات المتحدة بالتعاون مع المملكة السعودية، حليفها الأقدم في المنطقة. وقد رعت واشنطن الأصولية الإسلامية خلال الحرب الباردة باستخدامها كترياق ضد الشيوعية والتيار القومي اليساري في العالم الإسلامي. وخلال السبعينات، رأينا كافة الحكومات العربية تقريباً تعطي الضوء الأخضر للأصولية الإسلامية كقوة مضادة للتجذّر اليساري الذي كان جارياً في أوساط الشباب. ومع انحسار الموجة اليسارية لاحقاً، باتت الأصولية الإسلامية أبرز قوة في المعارضة، جرى السماح لها بالنشاط في بعض البلدان كمصر والأردن وتم قمعها بشراسة في بلدان أخرى كسوريا وتونس. لكنّ الأصوليين تواجدوا في كل مكان بالرغم من ذلك.

وعندما انطلقت انتفاضات عام ٢٠١١، قفزت فروع الإخوان المسلمين على العربة الثورية وحاولت اختطافها لخدمة أهدافها السياسية. لقد كانوا اقوى بكثير من أي قوى يسارية متبقية في المنطقة، إذ إن الأخيرة كانت قد ضعفت بشكل كبير إثر انهيار الاتحاد السوفييتي، بينما تمتّع الأصوليون بدعم مالي وإعلامي من الدول النفطية الخليجية. ونتيجة لذلك فإن ما تطوّر في المنطقة ليس الثنائية التقليدية بين الثورة والثورة المضادة، بل مثلّث نجد فيه، من جهة، قطباً تقدمياً – تلك الجماعات والأحزاب والشبكات التي كانت هي المبادرة بالانتفاضة وتمثّل طموحاتها الغالبة. هذا القطب كان ضعيفاً على الصعيد التنظيمي، ما عدا حالة تونس حيث عوّضت حركة عمالية قوية عن ضعف اليسار التنظيمي وسمحت للانتفاضة هناك بإحراز أول انتصار في إسقاط رئيس بما أطلق الموجة الثورية الإقليمية. ومن جهة أخرى، كان ثمة قطبان مضادان للثورة بالغا الرجعية: الأنظمة القديمة التي شكّلت أهم قوة مضادة للثورة كالعادة، ولكن أيضاً قوى الأصولية الإسلامية التي تنافست مع الأنظمة القديمة في سعي وراء انتزاع السلطة.  في هذه المنافسة المثلّثة، سريعاً ما تم تهميش القطب التقدمي، التيار الثوري – ليس نتيجة ضعفه التنظيمي والمادي وحسب، بل أيضاً وبصورة رئيسية نتيجة ضعفه السياسي وافتقاده إلى رؤية إستراتيجية.

ومع ذلك، فإن جيلاً ثورياً جديداً دخل على نطاق جماهيري حلبة الصراع في المنطقة، جيلٌ نضج من خلال الربيع العربي لعام ٢٠١١ وبعده. ويصبوا القسم الأكبر من هذا الجيل نحو تغيير تقدمي جذري. إنهم يتطلعون إلى شروط اجتماعية أفضل وإلى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة، بما في ذلك التحرّر الجندري. يرفضون السياسات النيوليبرالية ويحلمون بمجتمع على نقيض تصوّرات وبرامج القوى الأصولية الإسلامية التي اختطفت أو حاولت اختطاف الانتفاضات لتوجيهها نحو أهدفها الخاصة.

لقد عادت هذه الطاقة التقدمية العظيمة إلى الصدارة في الموجة الثورية الثانية التي انطلقت في شهر كانون أول/ ديسمبر ٢٠١٨ مع الانتفاضة السودانية، ثم تبعتها في شباط/ فبراير ٢٠١٩ الانتفاضة الجزائرية، ولحقتها منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي احتجاجات جماهيرية ضخمة في كل من العراق ولبنان. وما يزال السودان والجزائر والعراق ولبنان في حالة غليان، بينما تقف سائر دول المنطقة على حافة الانفجار. لا شك في أن وباء كوفيد-١٩ قد أدّى الى تعليق السيرورة الثورية لفترة – وقد أنهى التظاهرات الجماهيرية الأسبوعية في الجزائر وشتى أشكال الاحتجاج في العراق ولبنان – لكنّه سوف يفاقم الشروط التي أدّت إلى اندلاع الانتفاضة بالأصل.

إن السيرورات الثورية طويلة الأمد كالتي تتكشف في المنطقة العربية منذ عام ٢٠١١ هي سيرورات تراكمية من حيث الخبرات والمعرفة العملية، تتبع منحنى تعلّم. فالشعوب تتعلّم والحركات الجماهيرية تتعلّم والثوريون يتعلّمون، والرجعيون يتعلّمون أيضاً بالتأكيد: الكل يتعلّمون. فالسيرورة الثورية طويلة الأمد عبارة عن موجات متتابعة من الانتفاضات والردّات المضادة للثورة – غير أن هذه الموجات ليست مجرّد تكرار بالمثل. فالسيرورة ليست دائرية: إما أن تتقدم أو تنحطّ. فيستوعب الناس دروس التجارب السابقة ويسعون جهدهم لعدم تكرار الأخطاء نفسها أو الوقوع في الفخاخ ذاتها. هذا واضح تماماً ليس في حالة السودان فقط، بل أيضاً في حالات الجزائر والعراق ولبنان.

إن السودان والجزائر، بالإضافة إلى مصر، هي الدول الثلاث في المنطقة التي تشكّل فيها القوات المسلّحة مؤسسة الحكم السياسي المركزية. طبعاً، تشكّل الأجهزة المسلّحة عمود الدول الفقري بوجه عام، لكن ما يميّز هذه الدول الثلاث في المنطقة العربية هو تحكّم العسكر المباشر بالسلطة السياسية. فليست هذه الأنظمة ميراثية، وليس فيها عائلة تمتلك الدولة إلى حدّ أن أفرادها يستطيعون أن يفعلوا بها ما يشاؤون. بدل ذلك، تهيمن القيادة العسكرية العليا على الدولة بصورة جماعية. إنها أنظمة “نيوميراثية”، أي إن تفضيل ذوي القربى والمحسوبية والفساد مستشرية فيها، لكن دون ان تنفرد عائلة واحدة بالتحكّم الكامل بالدولة، وتبقى الدولة كمؤسسة منفصلة عن الأشخاص الحاكمين. وهذا يفسّر لماذا انتهى الأمر بالجيش إلى أنه تخلّص من الرئيس وحاشيته لأجل المحافظة على النظام. هذا ما حصل في مصر عام ٢٠١١ عند تنحية مبارك، وكذلك في الجزائر في العام الماضي مع تنحية بوتفليقة، وقد تبعتها تنحية البشير في السودان، وجميعها عمليات نفذّها العسكر. وعندما حدث ذلك في مصر، كانت هناك أوهام عظيمة حول الجيش في صفوف الشعب، وقد تجدّدت في عام ٢٠١٣ عندما خلع الجيش الرئيس الإخواني مرسي. هذه الأوهام لم تتكرّر في السودان والجزائر في عام ٢٠١٩. على العكس، نجد أن الحركة الشعبية في البلدين كانت على درجة عليا من الوعي بأن القوات المسلّحة تشكّل العمود الأساس للنظام الذي ترغب الخلاص منه.

بيد أن هناك فارقاً آخر يفعل في الحالة السودانية. هناك أيضاً قيادة جسّدت الإدراك الناجم عن الدروس المستفادة من كافة التجارب الإقليمية السابقة. وهذا الفارق يتمثل في دور “تجمّع المهنيين السودانيين” الذي هو شبكة غير شرعية أسّسها عام ٢٠١٦ معلمون وصحافيون وأطباء وغيرهم من المهنيين. وما أن انطلقت الانتفاضة في كانون الأول/ ديسمبر ٢٠١٨ حتى تطوّر التجمّع الى شبكة أوسع فأوسع، شملت نقابات عمالية من كافة القطاعات الرئيسية. وقد لعب التجمّع وما يزال الدور المركزي في الأحداث فيما يتعلّق بالحركة الشعبية، وكان له أيضاً دورٌ رئيسي في تشكيل ائتلاف سياسي عريض ضمّ العديد من الأحزاب والجماعات تحت تسمية “قوى إعلان الحرية والتغيير”. هذه القوى داخلة في صراع على السلطة مع العسكر، وقد اتفق الطرفان على تسوية مؤقتة أرست ما يمكن وصفه بأنه حالة من ازدواجية السلطة، على غرار ما عرفته روسيا بعد ثورة شباط/ فبراير ١٩١٧.  يحكم البلد مجلسٌ تتمثل فيه قيادة الحركة الشعبية إلى جانب القيادة العسكرية. هذه المرحلة الانتقالية هشّة، لن تستطيع أن تستمر طويلاً. عاجلاً ام آجلاً، سيتغلب أحد الطرفين على الآخر، وسوف يمرّ هذا بالضرورة عبر شقّ صفوف الطرف الآخر.

أما رأس حربة الثورة السودانية الحقيقي، فهو شبكة من “لجان المقاومة” التي تضمّ آلاف النشطاء، غالبيتهم من الشباب وغير المنظمين سياسياً، تنشط في احياء المدن الكبرى والبلدات في شتى أنحاء البلاد. هذه اللجان لا ثقة لها بالأحزاب السياسية القائمة وترفض التزوّد بقيادة مركزية لنشاطها ومواقفها، بل تصرّ على الحفاظ على استقلاليتها المحلّية. تُعارض الحكم العسكري بصورة جذرية مثلما تُعارض الأصولية الإسلامية، خصوصاً وأن كلا الطرفين كانا ممثلين في السلطة تحت رئاسة عمر البشير. وقد قررت لجان المقاومة أن تخوّل “تجمع المهنيين” أن يتكلم باسم الحركة الشعبية، لكنّها تبقيه تحت مراقبة صارمة، كما تمارس ضغطاً نقدياً على العملية السياسية برمّتها.

كان الحراك الشعبي في الجزائر مدهشاً في قدرته على تنظيم تظاهرات حاشدة كل أسبوع على مدى سنة كاملة. وقد أبدى حيوية استثنائية حقاً، لكنّه يفتقد إلى قيادة شرعية معترف بها. فلا أحد يستطيع الادّعاء أنه يتحدّث باسمه، وهذا يشكّل عامل ضعف واضح مقارنة بالحالة السودانية. من الطبيعي أن تختلف أشكال القيادة مع الزمن، لكننا لم ندخل في حقبة “الثورة بلا قيادة” لعصر ما بعد الحداثة، كما يحلو للبعض ان يعتقد. فإن غياب القيادة عائق فعلي وله تبعات خطيرة: لا بدّ من قيادة معترف بها من أجل توجيه قوة الحركة الجماهيرية نحو غاية سياسية. هذا موجود في السودان، مع كل تناقضاته، لكنّه مفقود في الجزائر كما في العراق ولبنان.

إن دور النساء في الموجة الثانية من السيرورة الثورية في المنطقة العربية ظاهرة أخرى بالغة الأهمية، ومؤشر آخر على بلوغ الحركات الشعبية مستوى أعلى من النضج. ففي السودان والجزائر ولبنان، اشتركت النساء بأعداد كبيرة وبشكل بارز جداً في التظاهرات والتجمهرات الجماهيرية كما في قيادتها. في الدول الثلاث، شكّلت النسويات رافداً أساسياً في الجماعات المنخرطة في الانتفاضات. وحتى في العراق، حيث كانت النساء بالكاد مرئيات في المرحلة الأولى من الاحتجاجات، أخذت مشاركتهن تزداد مع الوقت، لاسيما مع انضمام طلبة الجامعات إلى التحركات.

إن السؤال الكبير اليوم في الجزائر والعراق ولبنان هو بكل وضوح: في وضع يحدده، من جهة، إصرار التحركات الجماهيرية على المواصلة، ومن جهة أخرى، الفرص الجديدة لتدخل الدولة القمعي الناشئة عن وباء كوفيد-١٩، هل سوف تفلح الحركة الشعبية في إيجاد سبل للتنظيم على غرار ما جرى في السودان، وذلك من أجل مضاعفة فاعلية كفاحها وتأثيره وإنجاز خطوات هامة على درب تحقيق أهدافها؟ أم أن الطبقات الحاكمة ستنجح في قمع كل من هذه الانتفاضات الثلاث وإخمادها؟ سيكون لمصير الثورة السودانية تأثيرٌ كبير على السيرورة الثورية الإقليمية برمّتها. وثمة أساسٌ للأمل، حتى ولو لم يكن كافياً للتفاؤل نظراً لصعوبة التحدّيات الماثلة في الأفق.

 

(*) هذا المقال أعدّ بالأصل لمجلة Radical Philosophy البريطانية ويستند إلى نصّ مقابلة أجرتها مجلة Marxist Left Review الأسترالية قبل أشهر، بعد تعديله وتحديثه. وقد نقله إلى العربية ديغول عديلي وقام جلبير الأشقر بمراجعة الترجمة.

 

 

You may also like

92 comments

Steve 21 يونيو، 2020 - 6:45 م

Hurrah, that’s what I was seeking for, what a material!

present here at this web site, thanks admin of this web site.

my page; g all

Reply
Ethel 22 يونيو، 2020 - 2:31 م

This design is spectacular! You definitely know how to
keep a reader amused. Between your wit and your
videos, I was almost moved to start my own blog (well, almost…HaHa!) Fantastic job.

I really loved what you had to say, and more than that, how
you presented it. Too cool!

Check out my web blog :: g rsacwgxy

Reply
Andre 26 يونيو، 2020 - 4:39 ص

Howdy this is kind of of off topic but I was wanting to know if blogs
use WYSIWYG editors or if you have to manually code with HTML.
I’m starting a blog soon but have no coding experience so I wanted to get advice from
someone with experience. Any help would be enormously appreciated!

My homepage: cbd oil (tinyurl.com)

Reply
Christopher 26 يونيو، 2020 - 4:35 م

Hi, Neat post. There’s an issue together with your site in internet explorer, would check this?
IE nonetheless is the marketplace chief and a huge element of other people will miss your wonderful writing due to this problem.

Here is my blog post … cbd oil [http://tinyurl.com]

Reply
Ezra 26 يونيو، 2020 - 7:06 م

My brother suggested I might like this web site. He was entirely right.
This post actually made my day. You can not imagine simply how much time I had spent for this information! Thanks!

Feel free to visit my web page :: cbd oil; detsad10.by,

Reply
Jodi 16 يوليو، 2020 - 2:09 م

Hi! This is my 1st comment here so I just wanted to give a
quick shout out and say I truly enjoy reading your posts.
Can you recommend any other blogs/websites/forums
that go over the same subjects? Thanks a ton!

Here is my blog best web hosting sites

Reply
Fermin 21 يوليو، 2020 - 8:30 م

What i do not realize is if truth be told how you’re now
not actually much more well-preferred than you might be right now.
You’re very intelligent. You realize therefore considerably in the case
of this subject, made me for my part consider it from a lot of varied angles.
Its like men and women don’t seem to be interested except it is
something to do with Lady gaga! Your individual stuffs outstanding.
Always deal with it up!

Also visit my site … web hosting reviews

Reply
Rickey 25 يوليو، 2020 - 10:01 م

Hello there, You’ve done a fantastic job. I will certainly digg it and personally recommend to
my friends. I am sure they’ll be benefited from this
site.

Visit my blog: website host

Reply
Lovie 27 يوليو، 2020 - 1:46 م

May I just say what a relief to uncover a person that truly understands what they
are discussing on the net. You definitely understand
how to bring an issue cheap flights to orlando florida light and make it important.

More people must read this and understand this side of the
story. I can’t believe you’re not more popular given that you definitely have the
gift.

Reply
Aileen 7 أغسطس، 2020 - 4:13 م

Thank you, I’ve recently been looking for information about this subject for ages and yours is the best hosting I have came upon so far.
But, what concerning the conclusion? Are you certain about the source?

Reply
Barrett 13 أغسطس، 2020 - 8:16 م

What’s Happening i’m new to this, I stumbled upon this I
have found It positively helpful and it has helped
me out loads. I’m hoping to contribute & assist different customers like its aided me.
Great job.

Feel free to surf to my site … best web hosting sites

Reply
Holly 24 أغسطس، 2020 - 12:46 م

Aw, this was an extremely nice post. Taking a few minutes and actual effort to make a very good article… but what
can I say… I hesitate a lot and never seem
to get nearly anything done. y2yxvvfw cheap flights

Reply
George 26 أغسطس، 2020 - 3:29 ص

I am not sure where you’re getting your information, but great topic.
I needs to spend some time learning more or understanding
more. Thanks for great info I was looking for this information for my mission. 3gqLYTc cheap flights

Reply
Sammie 28 أغسطس، 2020 - 12:57 ص

Attractive section of content. I just stumbled upon your
site and in accession capital to assert that I get actually enjoyed account your blog posts.
Anyway I will be subscribing to your augment and even I achievement you access consistently
fast.

my webpage – cheap flights

Reply
Fredrick 30 أغسطس، 2020 - 11:26 م

It’s remarkable to visit this site and reading the views of all colleagues on the topic of this piece of writing, while I am also eager of getting
know-how.

Check out my blog :: black mass

Reply
Dell 5 سبتمبر، 2020 - 10:51 ص

I want to to thank you for this excellent read!!

I definitely loved every bit of it. I have got you book-marked to check out new stuff you post…

Feel free to visit my homepage; hosting services

Reply
WilliamKeego 27 يوليو، 2021 - 11:30 م

completely free dating site
charlie rose and gayle king dating

Reply
KevinPep 6 أغسطس، 2021 - 2:41 م

gay dating sites london
sa gay dating site
gay dating sites review

Reply
KevinPep 9 أغسطس، 2021 - 4:12 م

mature gay dating thousand oaks
misawa gay dating
cub gay dating

Reply
KevinPep 10 أغسطس، 2021 - 3:59 م

free gay dating chat rooms
gay singles dating sites
monogamous gay dating

Reply
KevinPep 13 أغسطس، 2021 - 5:06 م

intergenerational gay dating
tinder gay dating
gay dating

Reply
KevinPep 16 أغسطس، 2021 - 2:49 م

gay dating site for free
gay dating sites in australia
gay dating site denver

Reply
web hosting your 28 أغسطس، 2021 - 3:40 م

bookmarked!!, I really like your blog!

Reply
Patrickwor 1 سبتمبر، 2021 - 2:22 م

gay pixel art eroge -dating
dating sites for gay guys
gay closeted dating a girl

Reply
j.mp 2 سبتمبر، 2021 - 2:20 م

I visited several websites except the audio feature for audio songs existing
at this site is actually excellent.

Reply
Patrickwor 4 سبتمبر، 2021 - 8:06 م

free mobile gay dating sites
dating younger men gay
gay men dating clothes

Reply
j.mp 5 سبتمبر، 2021 - 2:16 ص

It’s appropriate time to make some plans for
the future and it is time to be happy. I’ve read this
publish and if I may I desire to counsel you some interesting things or tips.
Maybe you could write next articles referring to this article.

I desire to read more things approximately it!

Reply
Michaelsig 6 سبتمبر، 2021 - 5:11 م

gay dom sub dating
gay dating in france
i’m dating a gay asian man

Reply
Henrytiz 9 سبتمبر، 2021 - 11:01 م

real jocks gay dating site
gay cam dating
gay man dating a bisexual man

Reply
Henrytiz 14 سبتمبر، 2021 - 2:04 م

free gay singles dating
gay dating radar site
taimey gay dating

Reply
free gay dating sites in india 25 سبتمبر، 2021 - 8:32 ص

gay dating site without nudity https://dating-gaym.com/

Reply
essay paper writing service 28 سبتمبر، 2021 - 9:54 م

high school essay writing https://essaywritercentral.com/

Reply
best essay writing 29 سبتمبر، 2021 - 6:37 ص

pay to write my essay https://essayghostwriter.com/

Reply
GustavoDab 8 أكتوبر، 2021 - 11:06 ص Reply
top write my essay 12 أكتوبر، 2021 - 5:55 ص

write a conclusion for an essay https://essaysnet.com/

Reply
help writing an essay 12 أكتوبر، 2021 - 8:12 ص

writing an essay about yourself https://essaytag.com/

Reply
MatthewElibe 12 أكتوبر، 2021 - 9:31 ص

resume help for veterans
help with research paper

Reply
help writing an essay 14 أكتوبر، 2021 - 12:02 م

writing persuasive essays https://online2casino.com/

Reply
essay writing service cheap 14 أكتوبر، 2021 - 1:15 م

websites that write essays for you https://onlinecasinos4me.com/

Reply
online gambling real money 26 أكتوبر، 2021 - 6:46 م

welcome bonus casino https://onlinecasinoad.com/

Reply
online casino no deposit bonus 2021 27 أكتوبر، 2021 - 2:33 ص

top online casino https://casinosonlinex.com/

Reply
real money no deposit casino 27 أكتوبر، 2021 - 5:33 ص

mobile gambeling https://casinoonlinek.com/

Reply
writing essays for college 29 أكتوبر، 2021 - 7:51 م

mba essay writing service https://essaytodo.com/

Reply
someone write my essay 30 أكتوبر، 2021 - 9:51 م

write a personal essay https://dollaressays.com/

Reply
writing essay introductions 30 أكتوبر، 2021 - 11:04 م

writing a good essay https://buy1essay.com/

Reply
BrandonCeF 2 نوفمبر، 2021 - 2:10 م

how write an essay
writing numbers in essays
write narrative essay

Reply
DonaldKiz 9 نوفمبر، 2021 - 1:32 م

best college essay
college essay example
thesis statement example essay

Reply
french sex games 26 نوفمبر، 2021 - 2:41 م

play adult sex games https://winsexgames.com/

Reply
mind control sex games 26 نوفمبر، 2021 - 11:49 م

sex games shows https://sexgamesx.net/

Reply
Donaldwaimi 27 نوفمبر، 2021 - 1:01 ص

yaoi sex games
iphone sex games
beastality sex games for pc

Reply
sex games hacked 27 نوفمبر، 2021 - 6:32 م

free 3d adult sex games https://sex4games.com/

Reply
RonaldLoato 3 ديسمبر، 2021 - 3:36 م

games for sex
free online non download sex games for teens
trap sex games

Reply
vpn buy l 18 يناير، 2022 - 4:18 ص

best browser vpn
gom vpn
free vpn mac

Reply
essay for college application x 19 يناير، 2022 - 2:27 ص

expository essay
rhetorical analysis essay outline
essay changer

Reply
chat with gay men h 20 يناير، 2022 - 12:34 ص

free chat for gay curius people
gay chat rooms ring central
free gay adult chat

Reply
vpn windows 10 b 21 يناير، 2022 - 12:09 ص

fastest vpn
best chrome vpn free
betternet vpn

Reply
critical thinking in spanish f 23 يناير، 2022 - 6:19 م

critical thinking strategies
critical thinking lesson plan
steps in critical thinking

Reply
college essay tips y 24 يناير، 2022 - 4:34 م

personal essay topics
no essay scholarship
which sentence most likely comes from a narrative essay

Reply
write my essay for me cheap w 25 يناير، 2022 - 3:01 م

what is an essay outline
title generator for essay
argumentative essay prompts

Reply
gay pnp free chat denver i 26 يناير، 2022 - 1:19 م

asain gay chat phone lines
gay bear chat and personals
senior gay chat lines

Reply
black gay old men dating apps s 27 يناير، 2022 - 8:13 ص

gay dating websites for kids
free gay dating older men
which senior gay dating app has most members lakeland fl

Reply
gay hook up dating site v 28 يناير، 2022 - 12:55 ص

free discreet gay dating site
gay dating upstate new youk
cruise gay dating

Reply
michael dinsmore gay dating v 28 يناير، 2022 - 5:18 م

dating guys when 18 gay
dating gay bear memphis
dad dating simulator gay uncensored

Reply
chicago gay dating hotlines free g 29 يناير، 2022 - 9:03 ص

palm springs ca mature gay bisexual dating
the best gay dating sites
gay dating advice forums

Reply
gay men webcame and chat d 30 يناير، 2022 - 5:57 ص

zoom chat rooms gay chat
japan gay teen boy chat
gay sex cam chat mobile android

Reply
technology essay g 31 يناير، 2022 - 3:12 ص

how to make essay longer
4 paragraph essay
mla essay header

Reply
free keto diet plan d 1 فبراير، 2022 - 12:27 ص

keto diet coke
bodybuilding keto diet
keto diet diabetes

Reply
keto diet overview s 1 فبراير، 2022 - 10:15 م

milk on keto diet
keto diet long term
lazy keto diet plan

Reply
south beach diet keto l 2 فبراير، 2022 - 7:44 م

keto diet heart attack
keto pure diet
keto diet for seizures

Reply
keto diet for seizures t 3 فبراير، 2022 - 4:57 م

keto diet in spanish
keto diet migraines
keto diet long term

Reply
gay mature men dating site k 9 فبراير، 2022 - 1:37 ص

gay dating in kingman az
u.s. justice department gay dating app
adam for adam gay dating site

Reply
best business vpn a 12 فبراير، 2022 - 9:27 م

best free vpn for netflix
free vpn client
windscribe free vpn

Reply
critical thinking clipart g 13 فبراير، 2022 - 8:55 م

critical thinking math
benefits of critical thinking
critical thinking essay topics

Reply
p2p vpn free j 14 فبراير، 2022 - 7:07 م

astrill vpn
avast vpn license file
hotspot vpn free

Reply
buy strong vpn z 15 فبراير، 2022 - 4:32 م

free vpn for firestick
best free vpn for chrome
windows 10 vpn

Reply
vpn network f 16 فبراير، 2022 - 2:39 م

best vpn firestick
kodi vpn
buy vpn with perfect money

Reply
best free vpn pc f 17 فبراير، 2022 - 3:04 م

how to buy a vpn server
best vpn reddit 2022
best completely free vpn

Reply
essay writing examples p 18 فبراير، 2022 - 3:57 م

parts of an essay
100 word essay
how to write a introduction for an essay

Reply
houston junk car buyer 30 أبريل، 2022 - 8:12 م

I have read so many content regarding the blogger
lovers but this paragraph is truly a pleasant piece of writing, keep it
up.

Reply
Evaleeneaot 14 مايو، 2022 - 5:07 ص

dissertation structure
writing a proposal for your dissertation
how to get help with dissertation

Reply
Kirstieaot 19 مايو، 2022 - 12:56 م

doctor of health science no dissertation
doctoral dissertation
need help writing my dissertation

Reply
Charlaeaot 20 مايو، 2022 - 9:25 م

help dissertation
law dissertation writing
dissertation writing process

Reply
Katineeaot 12 يونيو، 2022 - 2:35 ص

best slots to play
cats slots free play
play slots for free

Reply
Perrineeaot 14 يونيو، 2022 - 3:34 م

inferno login slots
free casino games no download
konami slots riches

Reply
Cyndiaeaot 15 يونيو، 2022 - 10:38 م

sim slots free
slots machines
luckyland slots

Reply
Shalnaeaot 18 يونيو، 2022 - 11:39 ص

winning slots on facebook
slots
gold fish casino slots free

Reply
Adrianaeaot 19 يونيو، 2022 - 9:25 ص

free cleopatra slots no download
lincoln slots
free casino slot games with free coins

Reply
Neddaeaot 20 يونيو، 2022 - 6:16 ص

dragon slots
best gambling slots
jackpot magic slots facebook

Reply
Ingunnaeaot 21 يونيو، 2022 - 2:38 ص

fre,slot
slot lounge aftershockcasino
winner casino

Reply
Dennaeaot 24 يونيو، 2022 - 10:54 ص

best online slots no download
slotomania slot machines free games
free slots home 12345

Reply
Kareeeaot 25 يونيو، 2022 - 6:18 ص

bellagio slots guide
igt free slots
murka slots

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00