ثقافة و فنونعربي مناسك الحج كما صوَّرتها رسومات فطرية في مصر by admin 3 يوليو، 2022 written by admin 3 يوليو، 2022 14 مصورة وكاتب أميركيّان واكبا الظاهرة من الأرياف البعيدة حتى المدن ووثقاها اندبندنت عربية \ علي عطا كتاب “رسومات الحج: فن التعبير المصري عن الرحلة المقدسة” Hajj Paintinngs Folk Art of the Great Pilgrimage صدرت طبعته الأصلية عام 1995، وهو من تحرير أفون نيل، وتصوير آن باركر، وتولى ترجمته حسن عبد ربه المصري لحساب المركز القومي للترجمة. ومن عنوانه، يتضح أن الصورة تلعب دوراً أساسياً في تشكيل متنه الذي يشغل 197 صفحة من القطع الكبير. والصور التي يضمها هي لجداريات أبدعها فنانون فطريون، كتعبير تشكيلي عن رحلة الحج، وفق تقليد نشأ أساساً في أرياف مصر، ثم سرعان ما انتقل إلى مدنها وبالذات فوق جدران بيوت ترجع أصول سكانها غالباً إلى الريف ومناطق نائية على ساحل البحر الأحمر وفي صحراء سيناء. والرسالة المبتغاة من كل جدارية تتلخص أساساً في الإعلام بأنه: “يعيش في هذا المكان رجل (أو امرأة) شديد الإيمان قام بأداء فريضة الحج”. في تقديمه للكتاب يقول روبرت إيه ز فيرنا، من جامعة تكساس في ولاية إيستون الأميركية: “لا بد أن نأخذ في الاعتبار من البداية أن رحلة الحج إلى مكة المكرمة تعد من أعظم التجارب في حياة المسلم؛ لأنها تعتبر إنجازاً لشعيرة تحض عليها آيات من القرآن الكريم، بشرط أن لا تترتب عل القيام بها مصاعب أو مضار تنعكس سلباً على أسرة الفرد الذي عزم على القيام بها. لهذا يقوم معظم المسلمين برحلتهم هذه في أواخر سنوات عمرهم، عندما تكون ظروف الأسرة المالية قد أصبجت أكثر يسراً واستقراراً وأمناً. وبالنسبة إلى السيدات عندما يكون الأولاد قد أضحوا أكثر استقلالاً في حياتهم عن أمهاتهم. من هنا يمكن القول إن رحلة الحج تمثل بالإضافة إلى أداء الواجب الديني نوعاً من الأبهة الاجتماعية. إنها تؤكد أن رب الأسرة قادر على تلبية الحاجات الأساسية لأسرته، أو أن هذا الشخص – بمعنى آخر – قد بلغ مرحلة من النجاح في حياته الشخصية تؤهله للقيام بواحدة من التكليفات التي فرضها الله عليه”. كتاب رسومات الحج في الترجمة العربية (المركز القومي للترجمة) وبحسب التقديم نفسه، يؤكد فيرنا أن عالم الإنسانيات فيكتور تيرنر، شرح باستفاضة التغييرات الطبيعية التي تلم بالحاج أو يتعرض لها عقب قيامه بأداء هذه التجربة، وأشار إلى نوعية المشاعر التي تترتب عليها والمكانة الاستثنائية التي يحظى بها الحاج مظهرياً واجتماعياً عبر الزمان والمكان. مناسبة مبهجة أما الأهل والأقارب – يضيف فيرنا – فينظرون إلى رحلة مكة المكرمة باعتبارها مناسبة مبهجة لإبداء المشاركة الوجدانية من جانب أفراد أسرة الحاج أو الحاجة وأصدقائهم، خصوصاً بعد أن استحق العائدون منهم أن ينعموا بالألقاب التشريفية التي تطلق عليهم وتظل لصيقة بهم ما بقى لهم من عمر. وبالنسبة إلى مجتمعاتهم الكبيرة، يتزايد مقدار احترامها لهم؛ لأن تجربة الحج في نظرهم تمنح من أدوها إحساساً متجدداً بمكانتهم على قدر اتساع هذه المجتمعات، وأيضاً على مستوى “الأمة” التي ينتمي إليها المسلمون كلهم. إنه لأمر مهم أن توضع المشاهد التي تعبر عنها الصور التي يتضمنها هذا الكتاب وفق رؤية فنية ذات مغزى؛ لأنها من وجهة نظر مبدعي رسومات الحج – كما تفرضها مفردات الثقافة الشرقية – تعكس عرضاً واقعياً لمدى التغيير الذي لحق بحياة الحجاج من أبناء المجتمع؛ ذلك لأن تقليد إبداع الرسومات التي تعبر عن أروع اللحظات في حياة الأفراد مظهر قديم من مظاهر الحياة في وادي النيل، فمثل هذه الرسومات كانت تشير قديماً إلى معان مهمة ضمن التعبير الجماهيري الذي وضع أصوله ملوك الفراعنة، حين قاموا بعرض مشاهد من انتصاراتهم فوق جدران نُصُب تذكارية قاموا بتشييدها، كما فعل رمسيس الثاني حين أمر بتسجيل انتصاراته فوق لوحات معبد “أبو سمبل” جنوب مصر بالقرب من منطقة النوبة. حياة اجتماعية جديدة من رسوم الحج (من الكتاب) من الصعب الإشارة إلى رسومات الحج التي زيَّنت المنازل ثم زالت سريعاً، لكننا، يقول فيرنا، على ثقة من أن مثل هذه التجارب غير الناجحة هي التي فتحت الباب أمام أخرى ناجحة للمبدعين الذين جاؤوا من بعدهم ودام بعضها لعشرات السنين. ربما يكون التعبير عن تجربة روحية عن طريق رسم مشهد من مشاهدها فوق جدار منزل أحدهم أمراً غريباً عند أبناء الحضارة الغربية لكن علينا أن نتذكر – كما ورد في التقديم للكتاب – أن طلاء سيارة المتزوجين حديثاً في أميركا بالكيفية المتعارف عليها، هو أيضاً تعبير عن الحياة الجديدة التي سيعيشونها، يعكس رغبة أصحاب كلتا التجربتين في إشعار أصدقائهم والأغراب عنهم، بحياتهم الاجتماعية الجديدة. في رأينا – والكلام لفيرنا – أن هاتين الحالتين تربطان بين تجربة خاصة جداً وبين متغيرات أساسية ستطرأ على الحياة الاجتماعية للفرد، تشيران إلى أن هذا الفرد بعد مروره بتجربته هذه أو تلك لن يكون هو الشخص نفسه الذي كان قبلهما. وفي خلاصة التقديم: “هذه الرسومات تعكس عمق الإخلاص الديني لدى الذين رٌسمت من أجلهم من ناحية، كما توضح مقدار الموهبة التي يتمتع بها الفنانون الفطريون الذين رسموها من ناحية أخرى”. ويلاحظ أفون نيل، محرر الكتاب، أنه على الرغم من أن رسومات الحج في منشئها تعد تقليداً ريفياً، فقد انتقلت إلى حوائط بنايات المدن مع هجرة أبناء القرى إلى المناطق الحضرية. وذكرت المصورة آن باركر في مستهل الكتاب أن شغفها برسومات الحج بدأ عندما كانت مسافرة بالقطار من القاهرة إلى أسوان عام 1985، حين لمحت عبر النافذة رسماً من هذه النوعية، فجابت من أجل تصويرها، العديد من المدن والقرى وحتى المجمعات الزراعية المعزولة على امتداد النيل وعبر أراضي الدلتا وعلى ساحل البحر الأحمر وداخل صحراء سيناء. وتقول: “بعدما تعرفتُ على القوة الدافعة وراء هذه الرسومات، لم أقدر على مقاومة نداء تعريف العالم الخارجي بها. لقد اقتنعتُ بأنها فن شعبي له تاريخ استثنائي”. خيالات شخصية رسمة الحج على جدار (من الكتاب) مجموعة الرسومات التي صورتها آن باركر الحائزة على جوائز عدة، وعرضت أعمالها في الولايات المتحدة الأميركية وأميركا اللاتينية وأوروبا، تعكس الإخلاص الديني لدى الذين رُسِمَت من أجلهم، كما أنها توضح موهبة الفنانين الفطريين الذين رسموها، وهي تتحلى غالباً بتصورات أكثر التصاقاً بالخيالات الشخصية. لقد حرص كل من المصورة والمحرر على فحص المعاني المختفية وراء رسم وحدات متكررة، وعلى مقارنة الأسلوب الإقليمي في الرسم، وعلى التعريف بأساتذة فن رسومات الحج المعاصرين. لكن من سوء الحظ أن هذه الزهور المبعثرة في أرياف مصر ومدنها وصحرائها، من دون أن تتوافر لها الحماية ضد أشعة الشمس الحارقة والرياح الرملية والأمطار الموسمية، تعاني من تحلل ألوانها وضياع معالمها، ولا أحد يهتم بأنها غير قابلة للإصلاح أو الاستنساخ. وجدير بالذكر أن هذا الكتاب يعد الدراسة الوحيدة الموسعة التي تتضمن سجلاً باقياً لهذا الفن سريع الزوال، والذي يعد من أهم الفنون الشعبية الدينية. وبغرض التوثيق، تضمن الكتاب كشافاً بأسماء الفنانين الذين أبدعوا هذه الرسومات وعددها 193 رسماً، ومنهم أحمد الطيب محمد النجار من القرنة في محافظة الأقصر، وصلاح حسن مبارك من السويس، ومحمد عمر من أسوان. وكما يقول محرر الكتاب أفون نيل فإن رسامي بيوت الحجاج غالباً ما يكونون مبجلين بين أبناء المجتمعات التي يعيشون بينها، وإذا ما تحققت لهم السمعة الطيبة يتعاقد معهم الكثيرون لتنفيذ رسومات متنوعة بكلمة ينطقها اللسان. ويضيف أن من الأمور التي استقر عليها الرأي أن الدين كما نفخ روحه في كثير من فنون العالم العظيمة، منحها للفنانين الشعبيين حول العالم، مشيراً إلى أنه من هنا نقول إن الإيمان – كما حدده الدين الإسلامي – هو الذي يحمل مسؤولية فكرة الرسومات التي تزين بيوت الحجاج في مصر بشكل مباشر وغير مباشر. وتعد هذه الرسومات البسيطة المساهمة المصرية الأكثر بروزاً في ميدان الفن الشعبي العالمي المعاصر، فبعد أن مضت سنوات القرن العشرين من دون أن يسمع بها أحد، ها هو العالم يعترف بها واحدة من أعظم موروثات الفن الشعبي. هذه الرسومات البسيطة تعكس التقدير والعرفان الذي تعنيه الرحلة الإيمانية بالنسبة للشخص وعائلته ومجتمعه. المزيد عن: مناسك الحج\رسوم\الريف المصري\مدن مصرية\ثقافة شعبية\تراث\تقاليد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post تصميم نباتات مقاومة لموجات الحر تنجو من أزمة المناخ next post لماذا لم تنجح أي معالجة درامية لـ “عشيق ليدي تشاترلي” حتى الآن؟ You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024