هنا تبدأ مرحلة جديدة مليئة بالتحديات التي تتراوح بين محاولة الحفاظ على سرية الماضي واستكشاف مسارات مهنية جديدة (أ ف ب) منوعات مقعد في حديقة الأسرار… ماذا يفعل الجواسيس المتقاعدون؟ by admin 3 فبراير، 2025 written by admin 3 فبراير، 2025 16 يستثمرون خبراتهم في شركات الأمن والإعلام والأكاديميات مع الالتزام الصارم بقواعد سرية تفرضها الدول لحماية أمنها القومي اندبندنت عربية / فدى مكداشي صحافية @FidaMikdashi الجاسوسية، تلك المهنة التي طالما ارتبطت بعالم الظلال والأسرار، ليست مجرد عمل استخباراتي يهدف إلى جمع المعلومات وتحليلها لمصلحة الدول أو المؤسسات، بل هي فن يتداخل فيه الذكاء، والتخفي، والقدرة على التكيف مع أخطر المواقف. عبر التاريخ، شكلت الجاسوسية أحد أقدم أدوات الصراع بين الدول، سواء في الحروب الباردة أو النزاعات الساخنة، واستطاعت تغيير مسارات أحداث كبرى، وصناعة أبطال كتبوا أسماءهم في صفحات لا تُقرأ علناً. تُعرّف الجاسوسية في اللغة العربية بأنها مهنة تهدف إلى جمع الأخبار والمعلومات وتحليلها ونقلها إلى جهة معينة، أما في اللغة الأجنبية، وبحسب قاموس “ويبستر”، فهي تشير إلى عملية جمع معلومات سرية حول حكومات أو شركات لاستخدامها لمصلحة جهات محددة. والشخص الذي يمارس هذه المهنة يُطلق عليه “الجاسوس”، ويعمل بسرية تامة لجمع المعلومات وتمريرها للجهة التي كلفته بالمهمة. مع ذلك، فإن حياة الجاسوس لا تنتهي بانتهاء خدمته. فهنا تبدأ مرحلة جديدة مليئة بالتحديات النفسية والاجتماعية التي تتراوح بين محاولة الحفاظ على سرية الماضي، واستكشاف مسارات مهنية مختلفة في القطاع الخاص أو الأكاديمي أو حتى الإعلام. وكما يقول العميد المتقاعد أحمد علّو، فإن “تقاعد الجواسيس لا يعني نهاية دورهم بل يشكل محطة لبدء مسارات جديدة تتطلب مهارات مختلفة، لكنها تظل مشروطة بالسرية التامة والتزامهم بقواعد الأمن القومي”. في هذا السياق، تتجلى أبعاد متعددة لتجربة الجواسيس بعد التقاعد، وتتراوح بين استثمار خبراتهم في مجالات استشارية أو أمنية، وبين صراعات داخلية يتوجب عليهم مواجهتها، مما يجعل هذا العالم الغامض مليئاً بالدروس والعبر التي تستحق استكشافها. ما بعد الخدمة يؤكد علّو لـ”اندبندنت عربية”، أن “أول ما يسعى إليه الجاسوس بعد انتهاء مهامه هو إخفاء أي دليل أو صلة تشير إلى ماضيه التجسسي. ويتضمن ذلك التخلص من الأدوات التقنية مثل أجهزة الاتصال والتجسس والحواسيب التي قد تحتوي على معلومات خطرة. كما يعمل الجاسوس على قطع صلته بأي نشاط يمكن أن يربطه بعمله السابق، لضمان سرية المعلومات وحماية نفسه وعائلته”. بدوره، أوضح اللواء محمد الشهاوي، رئيس أركان الحرب الكيماوية السابق وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية لـ”اندبندنت عربية”، أن “مستقبل الجواسيس بعد استقالتهم يتباين بناءً على خياراتهم المهنية والشخصية، مع وجود قيود صارمة تفرضها الدول لضمان الأمن القومي”. وأشار إلى أن “عديداً من الجواسيس يتجهون إلى العمل في الاستشارات الأمنية، حيث يقدمون خدمات استشارية للأعمال والمنظمات الحكومية، إضافة إلى تدريب الكوادر في مجال الاستخبارات والمشاركة في الدورات التدريبية. كما يلجأ بعضهم إلى الكتابة والتحليل، سواء من خلال المقالات أو العمل كمحلّلين في الشؤون الدولية، فيما ينخرط آخرون في تأسيس شركات أمنية خاصة أو يعملون كمستشارين في مجالات الأمن والسياسة، بخاصة مع انتشار خصخصة الأمن وارتفاع العوائد المادية لهذه المجالات. شكلت الجاسوسية أحد أقدم أدوات الصراع بين الدول سواء في الحروب الباردة أو الساخنة (أ ف ب) ولفت إلى أن “بعض الجواسيس يختارون توثيق تجربتهم من خلال كتابة المذكرات، أو المشاركة في الإعلام عبر المجلات والصحف أو البرامج التلفزيونية، وآخرون يتجهون للتدريس في الجامعات والكليات أو الانخراط في الأعمال الخيرية”. من جهته، كشف اللواء سمير فرج مدير الشؤون المعنوية السابق في القوات المسلحة المصرية، لـ”اندبندنت عربية”، أن “الجواسيس يتبعون استراتيجيات محددة بعد انتهاء مهامهم لضمان الحفاظ على سرية المعلومات التي كانوا يتعاملون معها أثناء خدمتهم”، موضحاً أن “غالبية الجواسيس يفضلون العمل في القطاع الخاص بعيداً من مجالاتهم السابقة لتجنب أي تواصل مع الجهات الحكومية أو العملاء الذين كانوا يتعاملون معهم في الماضي، وهذا يضمن عدم الإفصاح عن أية معلومات سرية، بخاصة إذا كان الجاسوس ضابطاً سابقاً في الجيش، إذ يؤدي تواصله مع زملائه السابقين إلى كشف معلومات حساسة”. وفي ما يتعلق بحقوق الجواسيس بعد استقالتهم، أوضح اللواء محمد الشهاوي أنهم “يحصلون على حماية قانونية ومعاشات أو مكافآت مالية، إضافة إلى رعاية صحية وتأشيرات سفر خاصة”. لكنه أكد أن “هناك قيوداً صارمة تفرض عليهم تشمل الالتزام بالسرية التامة في شأن المعلومات التي تعاملوا معها، وعدم الكشف عن هويتهم الحقيقية، وفرض قيود على سفرهم، فضلاً عن الخضوع لمراقبة مستمرة لمنع استغلالهم من قبل أطراف معادية”. أما بالنسبة إلى الإجراءات التي تتخذها الدولة للحفاظ على أمن المعلومات، فأكد اللواء فرج أن “الدولة تبقي الجواسيس السابقين تحت المراقبة لفترات طويلة، وتشمل مراقبة اتصالاتهم ومراسلاتهم ومن يتواصلون معهم لتفادي استغلالهم من قبل دول معادية. كما تعمل الدولة على تأمين مستقبلهم لتجنب لجوئهم إلى جهات معادية بغرض بيع المعلومات مقابل أموال”. استثمار الشركات الأمنية وفق العميد المتقاعد أحمد علّو، فقد “أصبح من المألوف في الوقت الحالي رؤية عديد من رجال الأمن وأفراد أجهزة الاستخبارات، سواء كانوا شخصيات غير معروفة للعامة أو حتى رؤساء أجهزة استخبارات دولية كبرى، يتوجهون بعد انتهاء خدمتهم الرسمية إلى العمل في القطاع الخاص. وهؤلاء يستثمرون خبراتهم الطويلة في إنشاء شركات أمنية خاصة أو شركات تقدم استشارات أمنية واقتصادية للشركات الكبرى والبنوك. كما يعمل بعضهم مستشارين لرجال أعمال ووزراء ورؤساء دول وملوك وأمراء، بخاصة مع الاتجاه العالمي المتزايد نحو خصخصة الأمن واعتماد مبدأ (تعهيد الحروب) أو Outsourcing War الذي يضمن لهم عوائد مالية كبيرة”. وأشار علّو إلى أن “هذا الاتجاه دفع ببعض القادة العسكريين في دول كبرى مثل الولايات المتحدة إلى ترك الخدمة الفعلية وتأسيس شركات أمنية خاصة تستقطب الكفاءات ذات المهارات العسكرية أو الأمنية المطلوبة في القطاع الخاص. وهؤلاء القادة يُغرون بالانقطاع عن الخدمة الرسمية للعمل كمتعاقدين في مؤسساتهم الأمنية الجديدة مقابل عوائد مادية سخية”. وكشف علّو أن “الجواسيس المتقاعدين قد يشكلون خطراً أمنياً على الدولة التي خدموا فيها، إذ يمكن لبعضهم بيع معلومات حساسة لدول أو جهات معادية، أو الإفصاح عن أسرار لمصلحة شركات أو وسائل إعلام مقابل مكاسب مادية”، مشيراً إلى أن “هذا الخطر يرتبط بشخصية الجاسوس ومدى التزامه الوطني والأخلاقي”، لافتاً إلى أن “بعض الدول مثل الولايات المتحدة سنت قوانين تمنع الجواسيس السابقين من العمل مع حكومات أجنبية فور انتهاء خدمتهم، مثل التشريع الصادر عام 2022 الذي يحظر ذلك”. بدوره، أشار اللواء فرج إلى أن “البعض قد يرتكب أخطاء مثل التباهي بمعرفته الواسعة أمام الآخرين أو الدخول في أحاديث عفوية تكشف أسراراً لا ترغب الدولة في الكشف عنها. كما أن العلاقات الاجتماعية خصوصاً النسائية قد تشكل عامل خطر، إذ يستغل البعض هذه العلاقات لإظهار معرفتهم وقدراتهم مما قد يؤدي إلى تسريب معلومات خطرة”. وعن الإجراءات الأمنية التي تعتمدها بعض الدول، أوضح علّو أن “الدول تعمل على مراقبة الجواسيس السابقين بعد انتهاء خدمتهم باستخدام تقنيات متطورة وأنظمة رقابة دقيقة. وتشمل هذه الإجراءات مراقبة الأجهزة الإلكترونية التي استخدموها، وإتلاف أية وثائق أو معلومات قديمة بحوزتهم. كما يُطلب من الجواسيس توقيع تعهدات رسمية بالسرية، مع فرض عقوبات صارمة في حال انتهاكها. وفي بعض الحالات القصوى قد تلجأ أجهزة الاستخبارات إلى تصفية الجاسوس إذا شكلت تصرفاته خطراً على الأمن القومي”. حكاية رأفت الهجان يستعيد اللواء سمير فرج قصة الجاسوس المصري رأفت الهجان، واسمه الحقيقي رفعت الجمال، مشيراً إلى أنه “كان واحداً من أبرز الجواسيس في تاريخ الاستخبارات المصرية. وقد وُلد في دمياط عام 1927 لعائلة متوسطة، ولم يكن أحد يتخيل أن هذا الشاب البسيط سيصبح رمزاً للعمل الاستخباراتي. إذ برع رأفت في التخفي وإتقان اللغات مما لفت انتباه الاستخبارات المصرية التي أعادت تشكيل هويته بالكامل ليصبح (جاك بيتون)، وزُرع في إسرائيل في فترة حاسمة سياسياً وعسكرياً، وتعامل مع معلومات غاية في الحساسية، وأدى مهمته ببراعة جعلته من أهم العملاء الذين غيروا مسار الأحداث”. ويضيف فرج، “بعد نجاح مهمته لم يكن بإمكانه العودة إلى مصر لأسباب أمنية، فعاش في ألمانيا حيث تزوج وعمل في القطاع الخاص بعيداً من عالم الجاسوسية، ملتزماً الحفاظ على السرية حتى في أصعب لحظات حياته حينما واجه مرض السرطان، وترك رسالة دقيقة لزوجته تتضمن تعليمات للتواصل مع جهات معينة بعد وفاته مما يعكس التزامه العميق بمهمته حتى النهاية”. وأنهى فرج حديثه مؤكداً أن قصة رأفت الهجان تُظهر كيف يمكن لفرد واحد أن يغير مجرى التاريخ، وأن الدول قادرة على حماية جواسيسها وضمان أمنهم حتى بعد انتهاء مهامهم، لتظل قصته رمزاً للولاء والتضحية”. في السياق العربي، أشار علّو إلى “اللواء السيد فهمي رئيس مباحث أمن الدولة ووزير الداخلية المصري السابق (1975-1977) الذي سمح له بالسفر للعمل في مؤسسة الاستثمار الكويتية بقرار جمهوري في أغسطس (آب) 1977 بعد انتهاء فترة عمله الوزاري”، موضحاً أن “هذا الاتجاه أصبح نمطاً شائعاً في المنطقة، حيث شهدت بعض الدول العربية مثل مصر ولبنان تأسيس ضباط متقاعدين لشركات أمنية خاصة مثل (فالكون) و(كير سيرفيس) و(كوماندوز) في مصر، و(سكيورتي) في لبنان. وعلى رغم أن هذه الشركات لا ترقى إلى مستوى الشركات الأمنية العالمية من حيث الحجم والمهام، فإنها تلعب دوراً محورياً في توفير الحماية والمرافقة لبعض الشخصيات والمرافق الخاصة”. وأضاف علّو، “بعض قادة أجهزة الأمن والاستخبارات في لبنان انتقلوا إلى العمل في مجالات أخرى بعد تقاعدهم، مثل تعيينهم سفراء في الخارج، أو مستشارين لرؤساء الجمهورية، ورؤساء وزراء كما حدث مع اللواء أحمد الحاج، والعميد غابي لحود، والعقيد جوني عبدو، والعميد جورج خوري. كما تم انتخاب آخرين نواباً مثل اللواء جميل السيد، أو تعيينهم وزراء للداخلية مثل اللواء سامي الخطيب، والعميد مروان شربل، والعميد محمد فهمي، أو للعدل مثل اللواء أشرف ريفي”، مشيراً إلى أن “بعض الضباط والمسؤولين الأمنيين السابقين أسسوا مراكز للدراسات والأبحاث العسكرية والأمنية التي تقدم استشارات وخبرات أمنية بمقابل مادي. كما أصبح المجال الإعلامي منصة رحبة لعدد كبير من العسكريين ورجال الأمن المتقاعدين للعمل كمحللين ومعلقين يقدمون رؤى حول القضايا الأمنية الإقليمية والدولية، مما يعكس أهمية استثمار هذه الخبرات في إثراء النقاشات الأمنية”. أمثلة دولية ويضرب علّو أمثلة دولية على ذلك، من بينها داني ياتوم الرئيس السابق لـ”الموساد” (1996-1998)، الذي عمل مستشاراً أمنياً لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك (1999-2001) قبل أن يؤسس شركة للاستشارات الأمنية. وتمير باردو، الذي ترأس “الموساد” بين عامي 2011 و2016، وأسس شركة “إكس أم سايبر”، وتعمل في دول الخليج مثل دبي وأبو ظبي حيث تقدم برامج للأمن السيبراني لحماية البنية التحتية للطاقة والمؤسسات المالية بالتعاون مع شركة “رافاييل” العسكرية الإسرائيلية. كما توسعت أعمال “إكس أم سايبر” في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية لتشمل دولاً مثل بريطانيا وسويسرا وبلجيكا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا. أما في بريطانيا، فأشار علّو إلى “الجنرال ديفيد ريتشاردز رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق للقوات المسلحة البريطانية، الذي عمل مستشاراً لملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة عبر شركة Equilibrium Globa التي يترأسها. وفي الولايات المتحدة، هناك تجربة كيث ألكسندر الرئيس السابق لوكالة الأمن القومي الأميركية، الذي أسس شركة Iron Net للأمن السيبراني، ويعمل معه مستشارون بارزون مثل مايك روجرز الرئيس السابق للجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، ونداف زافرير الرئيس السابق للوحدة 8200 الإسرائيلية”. تتجلى أبعاد متعددة لتجربة الجواسيس بعد التقاعد، وتتراوح بين مجالات استشارية أو أمنية (أ ف ب) كما استعرض علّو تجربة هنري كرمبتون، الذي شغل منصب رئيس عمليات “مركز مكافحة الإرهاب” التابع لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وألف كتاباً بعنوان “فن التجسس”. وبعد تقاعده أسس شركة “كرومبتون غروب” المتخصصة في التحقيقات الخاصة والاستشارات الاستراتيجية. بدوره، ضرب الشهاوي أمثلة لعدد من الجواسيس الذين واصلوا مسيرتهم المهنية بعد استقالتهم مثل جون برينان، الذي شغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) خلال إدارة الرئيس باراك أوباما، وانتقل بعد تقاعده إلى تقديم الاستشارات الأمنية والمشاركة في المؤتمرات الأكاديمية لمناقشة قضايا الأمن والجيوسياسة. وكذلك جيمس كلابر الذي شغل منصب مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية (DNI)، وأصبح بعد تقاعده محللاً إعلامياً يقدم رؤى وتحليلات حول قضايا الأمن القومي والاستخبارات. واستذكر اللواء فرج بعض الأمثلة الدولية، قائلاً “على رغم تراجع نشاط التجسس مقارنة بفترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي لا تزال بعض العمليات قائمة. علاقات إسرائيل وإيران مثال على ذلك، إضافة إلى نشاطات إسرائيل مع الفلسطينيين”. تحديات نفسية واجتماعية التبعات النفسية التي يواجهها الجواسيس بعد استقالتهم أو انتهاء أدوارهم المهنية تُعد شديدة التعقيد ومتعددة الجوانب، حيث تتأثر بتجاربهم في عالم التجسس وبالتحديات المصاحبة لانتقالهم إلى الحياة المدنية. ويعيش الجواسيس غالباً حياة مزدوجة، إذ يحتفظون بهوية سرية أثناء تفاعلهم مع العامة مما يفرض ضغوطاً نفسية هائلة. وبينما قد يجد البعض في عالم التجسس إثارة ومتعة فإن آخرين يرونه عبئاً نفسياً مرهقاً يؤدي إلى مشكلات نفسية مثل القلق والاكتئاب، وقد تتطور الأمور لدى بعض الجواسيس السابقين إلى هلاوس واضطرابات نفسية ناتجة من طبيعة عملهم. وتشمل الهلاوس السمعية والبصرية. وغالباً ما تكون هذه الهلاوس مرتبطة بحالات مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) أو اضطرابات نفسية حادة مثل الفصام. إضافة إلى ذلك قد يعاني البعض من جنون العظمة والضلالات، حيث يعتقدون أنهم مراقبون أو مستهدفون من جهات معينة، وهو ما يزيد من تعقيد حالهم النفسية. هذه الهلاوس والضلالات قد تجعلهم يشعرون بوجود تهديدات غير واقعية مما يؤدي إلى تفاقم قلقهم واضطرابهم النفسي. كما تفرض طبيعة العمل السري شعوراً دائماً بالعزلة لدى الجواسيس. وبعد تركهم لهذا المجال يعاني كثير منهم صعوبة في بناء علاقات صادقة بسبب فقدان الثقة بالآخرين. ويؤدي هذا الشعور بالعزلة إلى تفاقم القلق وقد يسبب هلاوس أو اضطرابات إضافية، حيث تعجز عقولهم عن الفصل بين ماضيهم التجسسي وحاضرهم الجديد. كما يواجه عديد من الجواسيس السابقين مشاعر الذنب والعار حيال أفعالهم السابقة، حيث تظل القرارات الأخلاقية التي اتخذوها أثناء العمل تطاردهم بعد انتهاء خدمتهم. وعندما يواجهون عواقب تلك الأفعال مثل الأذى الذي تسببوا فيه للآخرين، تتفاقم هذه المشاعر مما يؤدي إلى صراعات داخلية شديدة. وقد يزيد ذلك من خيبة أملهم تجاه منظماتهم بخاصة إذا شعروا بعدم التقدير أو التعرض لسوء المعاملة، وهو ما قد يدفع بعضهم إلى الانتقام أو الكشف عن الأسرار. في هذا الإطار، أكد اللواء فرج أن “الحياة التي اعتاد عليها الجواسيس أثناء خدمتهم، والتي تميزت برفاهية واهتمام كبيرين من قبل الدولة، قد تنعكس سلباً على حالهم النفسية بعد تقاعدهم. فمن كانوا يعيشون في ظروف مرفهة ويعاملون باهتمام كبير قد يجدون صعوبة في التأقلم مع حياة ما بعد الخدمة مما يخلق أزمات نفسية حادة”. من ناحيته، لفت العميد علّو إلى أن “التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهها الجواسيس بعد انتهاء خدماتهم تختلف بناء على عوامل عدة منها طبيعة شخصياتهم، وطبيعة المهام التي أدوها، وأعمارهم، وأحوالهم النفسية والمادية”، معتبراً أن “العامل الأكثر تأثيراً في طريقة مواجهة الجاسوس لهذه التحديات يرتبط بتركيبته النفسية ومنظومة القيم التي يؤمن بها”. وأشار علّو إلى أن “الجاسوس الذي انخرط في هذا العمل بدافع شخصي ونفعي مستهدفاً تحقيق مكاسب مادية أو إشباع رغباته الفردية، عادة ما يكون أقل تأثراً نفسياً عند انتهاء خدمته. هؤلاء الجواسيس وخصوصاً من هم في عمر متوسط يميلون إلى استغلال المهارات والعلاقات التي اكتسبوها خلال خدمتهم للبحث عن فرص جديدة تضمن لهم استقراراً مادياً، من دون الالتفات إلى التبعات الأخلاقية لأفعالهم السابقة، حتى وإن كانت قد تسببت في أذى للآخرين أو في سقوط ضحايا”. وأشار علّو إلى أن “الجواسيس الذين قادهم إيمانهم العميق بمنظومة قيم دينية أو سياسية أو وطنية يواجهون مرحلة ما بعد الخدمة بتحديات مختلفة تماماً. وهؤلاء غالباً ما يعيشون حالاً من التوافق الداخلي حيث تشكل قيمهم التي التزموا بها خلال خدمتهم مصدر قوة معنوياً وأخلاقياً، مما يساعدهم على التكيف مع حياتهم الجديدة”. وأضاف أن “الجواسيس الأكبر سناً من هذه الفئة غالباً ما يتجهون إلى العمل في الجمعيات الخيرية أو المؤسسات التعليمية، أو يسهمون بخبراتهم من خلال تقديم محاضرات في الجامعات، أو كتابة مذكراتهم وتجاربهم في عالم الجاسوسية”، لافتاً إلى أن “بعض الذين يختارون توثيق تجاربهم من خلال كتابة روايات بوليسية أو كتب عن عالم الاستخبارات يحاولون التكيف مع تجاربهم السابقة بطريقة إبداعية”. المزيد عن: الجاسوسيةالصراع بين الدولالحروب الباردةالموساد الإسرائيليرأفت الهجانشركات الأمن الخاصة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post بعد ترشيحها للأوسكار… بطلة “إميليا بيريز” تعتذر عن إساءات عنصرية next post فلسفة العفو العام تتحور… المصلحة السياسة أولا ثم العدالة You may also like في سويسرا أيضا… أرواح وأشباح و”وسيط محتال” 31 يناير، 2025 القضاء البريطاني ينظر في أول دعوى اغتصاب بحق... 30 يناير، 2025 “الراب” الليبي… صرخة الطوارق المنغمة 27 يناير، 2025 هل كانت لهتلر عائلة سرية في المملكة المتحدة؟ 24 يناير، 2025 كيف أصبح هدف الـ30 مليون سائح بعيدا في... 24 يناير، 2025 الأزمات الإقليمية تهدد أرزاق 50 ألف عامل في... 23 يناير، 2025 كيف طاردت يونيتي ميتفورد حد الهوس هتلر؟ 22 يناير، 2025 ميلانيا ترمب… قوة ناعمة أم قوة قادمة؟ 21 يناير، 2025 سروال الساق الواحدة يقسم الباريسيين… هل ينجح مثل... 21 يناير، 2025 “سيدات القصر” في لبنان… إنجازات خلف الستارة 20 يناير، 2025