الأربعاء, مايو 21, 2025
الأربعاء, مايو 21, 2025
Home » مع قرب افتتاحه… هل خسرت مصر معركة سد النهضة إلى الأبد؟

مع قرب افتتاحه… هل خسرت مصر معركة سد النهضة إلى الأبد؟

by admin

 

مراقبون يرون أن القاهرة تتجه إلى مرحلة “إدارة ضرر السد بدلاً من منعه” ويطالبون بضرورة نسج شبكة مصالح تنموية واقتصادية في منطقة القرن الأفريقي بشكل عاجل

اندبندنت عربية / بهاء الدين عياد صحافي

في ظل قرب افتتاح سد النهضة رسمياً هذا العام، واصلت إثيوبيا حشد الدعم الأفريقي، بخاصة دول حوض النيل والقرن الأفريقي بشرق القارة، لمشروعها الضخم على النيل الأزرق، في مواجهة تحركات دبلوماسية مصرية مكثفة لتطوير علاقاتها بهذه البلدان بعدما تمكنت خلال الفترة الأخيرة من تعزيز حضورها في الصومال وجيبوتي وإريتريا.

وفي خطوة هي الأولى من نوعها، زار رؤساء أجهزة الاستخبارات والأمن بدول شرق أفريقيا موقع سد النهضة الإثيوبي، وبينما لم تصدر مصر أو السودان تعليقاً على الزيارة، أكدت مصادر مطلعة أن الخطوة أثارت اهتمام دوائر صنع القرار المعنية بالنزاع المائي والدبلوماسي حول المشروع الإثيوبي، إذ عدت الخطوة بمثابة مسعى إثيوبي إلى إضفاء طابع أمني إقليمي داعم لموقفها في سبيل مواصلة خطواتها “الأحادية”، وتجنب التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول تشغيل السد الضخم الذي بنته على النيل الأزرق الرافد الرئيس لمياه نهر النيل. فكيف يمكن قراءة تلك الزيارة؟ وهل من خيارات مصرية جديدة في هذا الملف خصوصاً بعد مضي أعوام من التفاوض من دون جدوى؟

وقال نائب مدير سد النهضة، المهندس أفرايم هيلي ميكيل، خلال زيارة رؤساء الاستخبارات الأفارقة، إن سد النهضة بات مكتملاً من الناحية الهيكلية، ودخل مرحلة الإنتاج الفعلي، إذ ينتج حالياً نحو 1800 ميغاواط من الكهرباء، متوقعاً أن ترتفع القدرة الإنتاجية إلى 2600 ميغاواط خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، بعدما بدأت إثيوبيا فبراير (شباط) 2022 توليد الكهرباء من مشروع السد بنسب ضئيلة، معلنة أنه يتوقع عند اكتماله وتشغيله بكامل طاقته أن يولد أكثر من 5 آلاف ميغاواط من الطاقة، مما سيجعله أكبر سد كهرومائي في أفريقيا.

وبينما وصف ميكيل امتلاء بحيرة السد بأنه يشكل بنكاً للمياه واحتياطاً مائياً استراتيجياً، يمكن الاعتماد عليه لتعويض أي عجز مائي محتمل خلال فترات الجفاف، قال نائب رئيس جهاز الأمن الإثيوبي، تازر قبري قيزابيهير، إن زيارة رؤساء أجهزة الأمن والاستخبارات الأفريقية سد النهضة تأتي في إطار جهود الحكومة الإثيوبية لـ”عرض الحقائق المتعلقة بالمشروع”، وتفنيد ما وصفها بالإشاعات والحملات الإعلامية المضللة التي تروج معلومات غير دقيقة حول أهداف السد، إذ يعتقد بعض خبراء الموارد المائية والمتخصصين في ملف مياه النيل أن هدف السد الهيمنة على النيل الأزق، فعند الانتهاء من سد النهضة العملاق وافتتاحه رسمياً في غضون الأشهر المقبلة، ستصبح لإثيوبيا اليد العليا في قرار تدفق المياه إلى دولتي المصب مصر والسودان.

زيارة مثيرة

يقول أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي “إثيوبيا تضع برنامج زيارة سد النهضة في أولوية الأماكن السياحية والمشروعات القومية ضمن زيارات كبار الوفود الزائرة للبلاد، والترويج بأنه مشروع قومي وإقليمي يمثل قدرة المواطن الإثيوبي الأفريقي من وجهة نظرهم، وسبق أن جرى ذلك في برنامج زيارة بعض المسؤولين إثيوبيا آخرهم وزراء المياه والري عند اجتماعهم في أديس أبابا لمناسبة يوم المياه واعترض في ذلك اليوم وزير الموارد المائية والري المصري على وضع السد في برنامج الزيارات، لذا فزيارة رؤساء أجهزة الأمن والاستخبارات في شرق أفريقيا لسد النهضة تأتي من جانب الفخر بانتهاء مشروع كبير”.

وفي فبراير الماضي اعترضت مصر على زيارة وزراء المياه في دول حوض النيل سد النهضة الإثيوبي بعيد مشاركتهم في اجتماع وزاري عقد في أديس أبابا، وأعرب وزير الري المصري هاني سويلم عن اعتراض مصر على إدراج زيارة إلى مشروع السد الإثيوبي “الخلافي” ضمن برنامج احتفالية يوم النيل، مؤكداً أن إدراج مثل هذه الزيارات “يحدث خلافات بين دول مبادرة حوض النيل”، ومشيراً إلى حرص مصر على إبقاء الخلاف بين مصر والسودان وإثيوبيا من دون نقله إلى دول الحوض.

ومن جهتها، رأت الباحثة المتخصصة في الدراسات الأفريقية، شيماء البكش، أن الخطوة الأخيرة تعمل من خلالها إثيوبيا على الترويج لمشروع السد باعتباره مشروعاً للتنمية والتكامل الإقليمي، سواء في ما يتعلق بالمياه التي تسعى إلى تسليعها أو مشاريع الربط الكهربي، مما يؤكد حال الاستقطاب الإقليمي المتصاعد، وتوظيف مشاريع التنمية كأطر للاستقطاب لا للتعاون.

عمّال يلوحون بالعلم الإثيوبي احتفالاً بتوليد الكهرباء في موقع سد النهضة الإثيوبي (أ ف ب)​​​​​​​

 

ويضاف إلى ذلك المشهد تلك الزيارات الإثيوبية الإسرائيلية المتكررة على مدى الأشهر القليلة الماضية، منها تلك الزيارة التي شهدتها العاصمة أديس أبابا، في الخامس من فبراير الماضي، مع توقيع وزير الطاقة والبنية التحتية، عضو المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر، إيلي كوهين، اتفاقاً مع نظيره الإثيوبي، أهابتامو إيتيفا جيليتا، يهدف إلى تعزيز العلاقة بين الجانبين في مجالات الطاقة، تحديداً الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية والمياه.

ووفقاً للباحثة “تكررت تلك الزيارات في مارس (آذار) الماضي ومايو (أيار) الجاري، الذي شهد انعقاد المنتدى التجاري الإثيوبي الإسرائيلي في العاصمة أديس أبابا، بمشاركة وزير الخارجية الإسرائيلي ونظيره الإثيوبي جيدون طيموتيوس، ووزير الري والمناطق المنخفضة أبراهام بيلاي، وكانت قضايا المياه والزراعة حاضرة على جدول أعمال المنتدى، على نحو يعكس التقارب المتنامي في مجالات المياه والزراعة بين الطرفين.”

واستكملت البكش “يشير هذا الواقع إلى أن مشاريع المياه والزراعة والتنمية في الأقاليم الفرعية الأفريقية سواء حوض النيل أو شرق أفريقيا باتت محل توظيف واستقطاب سياسي، تجعل منها إثيوبيا إلى جانب الحلفاء المناوئين للسياسة المصرية مرتكزاً يجري في إطاره استقطاب الحلفاء بعيداً من الدائرة المصرية.”

ويبدو أن أديس أبابا ترسخ سرديتها من خلال خطواتها الترويجية لفوائد السد على المستوى الأفريقي. ويرى المتخصص في الدراسات الأفريقية بمركز رع للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، محمد فؤاد رشوان، أن الدلالات السياسية والاستراتيجية لزيارة رؤساء أجهزة الاستخبارات الأفريقية موقع مشروع سد النهضة تعكس ترسيخ رواية “المشروع الأفريقي المشترك”، إذ تستهدف إثيوبيا تقديم سد النهضة باعتباره مشروعاً أفريقياً يهدف إلى دعم التنمية، لا مصدر تهديد، ومن ثم تسعى إلى كسب الدعم السياسي والأمني من دول الجوار، من خلال إشراكها رمزياً في المشروع.

لا يقتصر التحرك الإثيوبي الأخير على الجانب الدعائي والترويجي للمشروع، بل وبحسب رشوان تسعى أديس أبابا لخلق اصطفاف استخباراتي – أمني داعم، من خلال دعوة رؤساء أجهزة الاستخبارات مما يمثل توظيفاً مباشراً للقنوات الأمنية، لتثبيت الدعم الإقليمي، وهو تحرك غير تقليدي يشير إلى أن أديس أبابا “لم تعد تكتفي بالمسارات الدبلوماسية، بل تسعى إلى خلق اصطفاف استخباراتي يدعم موقفها تجاه ملف السد”، ويحصنها من الضغط المصري، وهو محاولة لعزل مصر إقليمياً، فإثيوبيا تسعى إلى إبراز أن معارضتها تأتي فقط من مصر والسودان، بينما باقي دول المنطقة تتفهم موقفها وتدعم مشاريعها.

كما تبعث الخطوة، في رأي رشوان، رسالة ضمنية في شأن الأمن المائي الإقليمي، من خلال إدخال أجهزة الاستخبارات في المشهد، “قد تسعى إثيوبيا لتوجيه رسالة بأنها قادرة على ضمان الأمن والاستقرار في منطقة السد، لذا فلا حاجة إلى تدويل الملف أو القلق المصري، مع العمل على تحييد دول الجوار عن الموقف المصري، فبعض الدول كانت تظهر تفهماً للموقف المصري، ومن ثم تسعى إثيوبيا بهذه الزيارة إلى تقويض أي احتمال لدعم استخباراتي أو أمني من هذه الدول لمصر.”

وفي ما يتعلق بتأثير هذه الخطوة في مصر، اعتبر المتخصص في الدراسات الأفريقية، محمد فؤاد رشوان، أنها تؤدي إلى مزيد من الضغط السياسي على القاهرة، فإذا نجحت إثيوبيا في حشد دعم إقليمي، فسيضعف ذلك موقف مصر التفاوضي، ويعزز من الموقف الإثيوبي في أي تحرك قاري (ضمن الاتحاد الأفريقي مثلاً) أو دولي، كما تشمل تهديداً لتوازنات الأمن القومي المصري، فإشراك أجهزة استخبارات دول مجاورة لمصر قد يؤدي إلى تغيير في طبيعة التنسيق الأمني والاستخباراتي في المنطقة، بما لا يخدم المصالح المصرية، فضلاً عن تقويض الجهود المصرية في بناء تحالفات مضادة، فمصر كانت تبني خلال الأعوام الماضية شبكة تحالفات استخباراتية مع بعض دول شرق أفريقيا، والزيارة الإثيوبية قد تهدف إلى تعطيل هذه المسارات أو إحداث اختراق فيها.

السد مشروع إقليمي

وتعتقد الباحثة نورهان كمال أن هناك محاولة إثيوبية متعمدة ومتقدمة جداً لنقل السد من كونه مشروعاً إثيوبياً خالصاً إلى “مشروع أفريقي مشترك”، وتهدف تلك المحاولة إلى كسر العزلة السياسية لإثيوبيا، وتعويض فقدان دعم السودان، وتحييد دول حوض النيل الشرقي تجاه قضية سد النهضة، وخلق غطاء سياسي – أمني يجعل أي تصعيد مصري يبدو مرفوضاً إقليمياً، إذ تستضيف إثيوبيا وفوداً أمنية واستخباراتية رفيعة من شرق أفريقيا لزيارة السد، وليس مجرد وفود فنية أو دبلوماسية، هذا يعطي صورة موحية بأن السد يخدم “الأمن الإقليمي” لا فقط التنمية الإثيوبية. كذلك فإن تكرار استخدام تعبيرات مثل “بنك المياه الإقليمي” يهدف إلى تسويق السد مصدراً للتكامل لا للصراع، كذلك تحاول إثيوبيا ملء الفراغ عبر دول شرق أفريقيا، مثل كينيا وأوغندا وتنزانيا بعد انسحاب السودان فعلياً من خط المواجهة (بسبب الحرب الأهلية)، إذ إن الدول المشاركة في الزيارة هي دول ليست مباشرة في النزاع المائي مع مصر، لكنها منضوية في مبادرة “حوض النيل الشرقي”، لذا تستخدم الآن كورقة سياسية.

نقلت أديس أبابا السد من كونه مشروعاً إثيوبياً خالصاً إلى مشروع أفريقي مشترك (أ ف ب)

 

وتعمل إثيوبيا على التدويل “الإقليمي” بدلاً من التصعيد “الدولي”، فقد حاولت مصر تدويل القضية عبر مجلس الأمن ولم تأت المحاولة بثمارها المرجوة، وترد إثيوبيا بتدويل من نوع آخر: تدويل “إقليمي أفريقي”، يهدف إلى عزل مصر عن محيطها الأفريقي وتكوين جبهة تأييد جديدة لمشروع سد النهضة. ومن خلال هذه الخطوة تتبنى إثيوبيا التكتيك البديل عن الاتفاق، بالسعي إلى خلق موازين قوة إقليمية جديدة، تجعل التفاوض معها صعباً ومكلفاً، بدلاً من تقديم تنازلات لمصر، وبهذا الأسلوب، لا تتعامل مع القاهرة كـ”طرف متضرر” بل كمجرد “طرف إقليمي آخر”، وتضعف الحجة المصرية بأن مياه النيل الأزرق مسألة وجودية لها.

واعتبر وزير الموارد المائية المصري السابق، محمد نصر الدين علام، أن تعريف إثيوبيا للسد كمشروع أفريقي أو غيره من التعريفات، “يمثل تصريحات إثيوبية جوفاء لا قيمة لها، ولا تمثل أي واقع، و⁠محاولات إثيوبيا لإدخال دول شرق أفريقيا ودول الهضبة الاستوائية كشركاء معها، محاولات مستمرة منذ القدم وآخرها محاولات اتفاقية عنتيبي، لكنها محاولات إعلامية ولا تستند إلى واقع أو أسس يتحركون رسمياً عليها، والزعم الإثيوبي بأن سد النهضة هدفه توليد الطاقة، واضح للجميع أنه زعم تضليلي، والدليل أن محطات التوليد حتى الآن متعثرة وبصورة يعلمها الجميع، والهيمنة الإثيوبية على مياه النيل الأزرق حلم أميركي – إثيوبي منذ بدايات الستينيات من القرن الماضي، والمحاولات المستمرة، لكن التحقيق مستحيل” على حد قوله.

هل خسرت مصر معركتها؟

فشلت المفاوضات بعد ما يزيد على عقد من الجولات التفاوضية، وانتهت إثيوبيا من بناء وتشغيل السد وملء البحيرة، وخرج السودان من معادلة النزاع حتى إشعار آخر، بل ونجحت أديس أبابا في استقطاب جنوب السودان إلى موقفها لتفعيل مبادرة حوض النيل التي تتحفظ مصر والسودان عليها. وعند الانتهاء من سد النهضة العملاق على النيل الأزرق، والمقرر هذا العام، ستصبح لإثيوبيا اليد العليا في قرار تدفق المياه، فهل خسرت مصر معركة سد النهضة إلى الأبد؟

تقول الباحثة المتخصصة في السياسات المائية والدراسات الأفريقية، نورهان كمال، “مصر لم تخسر المعركة بالكامل، لكنها خسرت جولة استراتيجية حاسمة، إذ أصبحت إثيوبيا مصدراً للمياه في منطقة شرق أفريقيا، وهو انقلاب جيوسياسي كبير، لكن ما زالت القاهرة تمتلك كثيراً من أوراق الضغط. فقد أوشكت أديس أبابا على إنهاء مشروع السد بشكل كامل، مع ملء الخزان والتشغيل النهائي خلال 2025، مما يجعل السد “أمراً واقعاً” لا يمكن تجاوزه أو تجاهله”.

أما عن الذي خسرته مصر في ملف النيل، فأوضحت الباحثة أن القاهرة خسرت ورقة “الفيتو المائي” التي كانت تملكها سابقاً منذ اتفاقات 1929 و1959. وخسرت عنصر الوقت والمبادرة، بعدما أصبحت إثيوبيا صاحبة القرار الميداني والفني، كما لم تنجح حتى الآن في تدويل النزاع بصورة ملزمة، على رغم محاولات اللجوء إلى مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي، لكن المعركة لم تنته بعد.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد (أ ف ب)

 

واعتبر الباحث محمد فؤاد رشوان أن هناك قلقاً مشروعاً من القول بخسارة مصر معركة سد النهضة، “لكن التحليل الموضوعي يحتم علينا التفرقة بين ما يمكن اعتباره خسارة تكتيكية وخسارة استراتيجية دائمة. وفي هذا السياق، فإن افتتاح سد النهضة وتوليده للكهرباء بكامل طاقته العام المقبل لا يعني بالضرورة أن مصر قد خسرت معركة السد إلى الأبد، بالفعل نجحت إثيوبيا في فرض أمر واقع جزئي عبر الملء الأحادي لخزانات السد في أربع مراحل من دون اتفاق ملزم مع مصر والسودان، وهو إنجاز سياسي وتقني، كذلك أنجزت البناء على رغم الضغوط الدولية والإقليمية، وبذلك تجاوزت مرحلة التهديد العسكري المباشر، لا سيما مع تحول بعض مواقف الدول الأفريقية لصالحها، كذلك تسعى إلى استغلال السد ورقة ضغط جيوسياسي، تمكنها من تعزيز حضورها في القرن الأفريقي، وكسب نفوذ سياسي واقتصادي على حساب مصر والسودان”.

لكن على رغم كل المكاسب الإثيوبية في ملف السد وتحول رؤيتها إلى أمر واقع، يذهب رشوان إلى أن مصر لم تخسر المعركة، “فلا تزال جولاتها جارية وليست معركة لحظية. السد مشروع طويل الأمد، وتحكمه تطورات تشغيلية وفنية دائمة، لذا فإن إمكان فرض مصر اتفاقاً ملزماً في شأن التشغيل وتبادل البيانات يبقى قائماً، ومصر لديها أوراق دبلوماسية وحقوقية في مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، وإن لم تستخدم بعد بفعالية كاملة، كذلك فإن التحكم الكامل في مياه النيل ليس مضموناً لإثيوبيا، وهي لا تملك حتى الآن القدرات الفنية أو البنية التحتية لتتحكم بشكل محكم في المياه على مدى العام من دون اتفاق أو ضرر لدول المصب، إذ إن تصريف النيل الأزرق، بخاصة في فترة الفيضان خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر سنوياً الذي تتدفق فيه كميات كبيرة من المياه لا يمكن لإثيوبيا حجزها بالكامل، كذلك فإن تأثير مصر الإقليمي والدولي لم ينكسر، فالقاهرة لا تزال قوة إقليمية وازنة، وتحظى بدعم الدول العربية وأوروبا والولايات المتحدة، وكلها تتخوف من اضطراب أمني محتمل بسبب أزمة المياه”.

الحرب تغيب السودان

تصاعدت الأزمة السودانية تزامناً مع انتهاء المفاوضات حول السد الإثيوبي في ديسمبر (كانون الأول) 2023، حينما أعلنت وزارة الموارد المائية والري المصرية انتهاء جولة التفاوض من دون التوصل إلى اتفاق، بعدما جرى إطلاق آخر جولة تفاوضية امتدت أربعة أشهر، بعدما التقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، خلال قمة دول جوار السودان في يوليو (تموز) 2023، واتفقا حينها على استئناف المفاوضات مرة أخرى، بغية التوصل إلى اتفاق قانوني في أقرب وقت ممكن. وقد غيبت الحرب الأهلية في السودان شريك مصر الدبلوماسي المفترض في معركة سد النهضة حتى إشعار آخر.

بدوره اعتبر أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي أن إثيوبيا استغلت جيداً تغير الأحداث السياسية والأمنية في مصر والسودان، بدءاً من تنفيذ وتعديل مواصفات سد النهضة من 11,1 إلى 74 مليار متر مكعب بعد اندلاع ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، وانشغال مصر بعد ذلك لأعوام عدة استطاعت خلالها فرض شروط التفاوض التي لم تصل إلى شيء، وكذلك أحداث السودان بعد ثورة الـ19 من ديسمبر (كانون الأول) 2018 وعزل البشير، وأخيراً الحرب الأهلية المستمرة منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، وتخلل الأعوام السابقة أحداث إثيوبية أيضاً أدت إلى توقف المفاوضات والبطء النسبي في عملية بناء السد إلا أنه لم يتوقف تماماً أثناء الإضرابات في مارس 2018 وتولي آبى أحمد الحكم، ثم الحرب الأهلية التي استمرت عامين من الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، حتى توقيع اتفاقية السلام في الثاني من نوفمبر 2022.

وقال وزير الري والموارد المائية المصري السابق محمد نصر الدين علام إن إثيوبيا استغلت الحرب الأهلية في السودان، نتيجة للتدخلات الخارجية خلال الأعوام الماضية في السودان من جانب دول عدة كان من بينها إثيوبيا، بهدف إشغال السودان لإفساح المجال لإثيوبيا “للتخريب مائياً”، على حد وصفه. موضحاً أنه بغض النظر عن تفاصيل المسار الراهن للأزمة، فإن “مياه النيل بالنسبة إلى مصر تمثل إكسير الحياة لنحو 110 ملايين مصري، ولا يمكن أن تسمح الدولة المصرية تحت أي ظرف كان بالعبث به”، مضيفاً “الدولة المصرية هي من رفضت رسمياً استمرار التفاوض مع الحكومة الإثيوبية الحالية حول سد النهضة لعدم جديتها للتوصل إلى اتفاق حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة كما جرى الاتفاق عليه في إعلان المبادئ الموقع بينهما والسودان”.

هل من خيارات متبقية لمصر؟

بينما سعت مصر إلى حشد دعم عربي خلال قمة بغداد العربية الأخيرة لموقفها من سد النهضة، تعتقد الباحثة شيماء البكش أن الوضع الراهن يستدعي ضرورة انتباه السياسة المصرية إلى حضورها في منطقة القرن الأفريقي، فعلى رغم نسج التحالفات المصرية مع كل من الصومال وإريتريا وجيبوتي، فإن الحضور المصري إن لم يكتمل بنسج شبكة مصالح تنموية واقتصادية، ضمن مشاريع تكامل إقليمي وتنموي أبعد من قضايا التعاون الأمني والسياسي، فإن المصالح الحيوية المصرية سواء في مياه النيل أو البحر الأحمر، ستظل في مرمى التهديد الإقليمي، من الخصوم الإقليميين، خصوصاً أن إثيوبيا تعمل على تصدير مسألة مياه النيل ومشاريع السدود، باعتبارها شبكة للتكامل والتنمية الإقليميين، على نحو يجتذب إليها الدول الإقليمية ضمن مشاريع الربط الإقليمي والتنمية، على نحو يفقد الخطاب المصري جاذبيته، ويضع مصالحها في موضع تنافسي مع مصالح دول حوض النيل، بخلاف ما تؤكده السياسة المصرية من تكامل وتعاون.

وبينما صرح وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي عشية انعقاد القمة العربية التي استضافها العراق السبت الماضي، بأن إعلان قمة بغداد سيتضمن قراراً في شأن سد النهضة، وأن اجتماعات القمة على المستوى الوزاري أقرت إعادة تأكيد التضامن العربي مع مصر في ملفها الحيوي المتعلق بالموارد المائية، فإن البيان الختامي الصادر عن القمة أكد موقفاً عاماً في شأن الحقوق المائية للدول العربية من دون ذكر لسد النهضة الإثيوبي نصاً على “أن الأمن المائي يشكل ركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي العربي”.

بعد أعوام من المناقشات انتهت مفاوضات سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان من دون اتفاق (أ ف ب)​​​​​​​

 

وأشارت الباحثة نورهان كمال إلى أن هناك أوراقاً لا تزال بيد مصر، أولاها ورقة القانون الدولي، إذ يمكن لمصر أن تواصل الضغط في المحافل الدولية لكسب اعتراف قانوني بمبدأ “عدم الإضرار، مع إمكان التعويل على التحالفات الإقليمية الجديدة، حيث تنسج القاهرة حالياً علاقات مع دول الخليج، بخاصة السعودية والإمارات، لمحاولة خلق موازنة مع النفوذ الإثيوبي المتصاعد، فضلاً عن ورقة الضغط الاقتصادي والتنموي، إذ تستطيع القاهرة استخدام علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والمانحين الدوليين للضغط على إثيوبيا لتقديم تنازلات في إدارة السد”.

واعتبر محمد فؤاد رشوان أنه إذا جرى تشغيل السد بالكامل من دون اتفاق قانوني ملزم، فإن ذلك يعني تحقيق إثيوبيا مكسباً سياسياً كبيراً، لكن ليس نصراً مطلقاً، في مقابل دخول مصر في مرحلة “إدارة الضرر” بدلاً من “منع الضرر”، مما يتطلب تعزيز سياساتها المائية والزراعية والدبلوماسية، مشيراً إلى أن خيارات مصر حال تشغيل السد كاملاً، تشمل تعزيز التحالفات الإقليمية كما حدث مع نيجيريا والكونغو والسنغال، ومواصلة الضغط القانوني والدولي لإثبات الضرر وطلب التعويض، والتحرك نحو تحلية المياه وتقليل الفجوة المائية والتحول الكامل للري بالطرق الحديثة بدلاً من الري بالغمر، وإبقاء خيار الردع قائماً من دون اللجوء إليه إلا في حال الضرر الجسيم.

المزيد عن: مصرإثيوبياالسودانسد النهضةالرئيس المصري عبد الفتاح السيسيرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمدالحرب السودانيةعبد الفتاح البرهان

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili