مشهد من "مسيو أزنافور": فن نخبوي لجمهور عريض "موقع الفيلم" ثقافة و فنون “مسيو أزنافور”… المغني الأرمني الراحل في فيلم فرنسي بنكهة عربية by admin 25 فبراير، 2025 written by admin 25 فبراير، 2025 12 كان يعلن حباً لبيروت وحلب والإسكندرية وهو من مواليد عام 1924 في سان جيرمان الباريسية اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب هي ثلاثة أفلام أقل ما يقال فيها إنها لافتة عرضت، خلال الأشهر السابقة، في عديد من المدن والمناسبات السينمائية لتعيد إلى واجهة الأحداث الثقافية الفنية، وعلى المستوى العالمي على أية حال، اهتمام السينما بفن الغناء. واحد من هذه الأفلام هو ذاك الذي أنتج في فرنسا عن واحد من كبار مغنيها وهو شارل أزنافور الراحل حديثاً عما يقارب 100 عام ومئات الأغاني وعدد من الأفلام، كما عن تاريخ حافل في مجال كتابة الأغاني وتلحينها، وبالطبع غناؤها كظاهرة ربما تكون فريدة من نوعها في الفن الفرنسي، تأتي من خارج فرنسا بمعنيين سنتناولهما بعد سطور. والفيلم الثاني هو ذاك المنتظر بل المتوقع بشكل حتمي منذ أعوام طويلة، ثم خصوصاً منذ عرض الفيلم الذي حقق عن السيدة الأولى الأميركية السابقة جاكلين كينيدي التي تحولت آخر حياتها، وبعد أعوام طويلة من مقتل زوجها الكبير جون كينيدي إلى “السيدة أوناسيس” زوجة الملياردير اليوناني أوناسيس. وذلك بالتحديد لأن مخرج الفيلم الذي يتناول اليوم، حياة ماريا كالاس في ثاني أفلام هذه الثلاثية، هو الأرجنتيني بابلو لاراين نفسه الذي حقق الفيلم عن “جاكي” كينيدي أوناسيس. أما الفيلم الثالث فهو الشريط اللافت عن بوب ديلن مغني “الفولك” و”الروك” الأميركي الشهير الذي لا يحبه كثر، وربما من بين هؤلاء الكثر هو نفسه، كونه كذلك فائزاً بجائزة “نوبل” أدبية غير متوقعة منذ أعوام. وهو أمر لا يركز عليه كثيراً الفيلم الذي حققه عنه الأميركي جيمس مانغولد، بعد أعوام من التحفة التي حققها عن المغني نفسه مارتن سكورسيزي والعمل الكبير الذي حققه عن الفنان نفسه تود هينز. ولئن كنا سنعود لاحقاً إلى كل من فيلمي ماريا كالاس وبوب ديلن، نتوقف هنا عند فيلم شارل أزنافور لمجرد أنه، من ناحية أو أخرى، يبدو بين الأفلام الثلاثة، العمل الأكثر قرباً من ذائقة المتفرج – المستمع العربي. شارل أزنافور (1924 – 2018): حصة عربية (أ ف ب) أزنافور في بيروت المار في شارع مار إلياس وسط العاصمة اللبنانية بيروت لن يفوته حين يصل إلى نقطة موازية لمبنى “البطريركية” أن يكتشف على الواجهة الزجاجية لمحل حلاق رجالي في الشارع الرئيس، صوراً عدة للمغني الفرنسي من أصل أرمني شارل أزنافور معلقة على الواجهة. في الحقيقة إن هذا الاكتشاف لا يبدو مثيراً لدهشة الذين يعرفون أن المحل كان لحلاق بيروتي أرمني اشتهر في الستينيات ويدعى سيروب، ورثه عنه ابنه جو، ومن الطبيعي لحلاق محب للفن وتشرب أغاني أزنافور في أعوام الـ60، أن يعلق صور مغنيه المفضل. غير أن الاكتشاف الأكثر طرافة ودلالة، فيكمن في مكان آخر: في أن الصور ملتقطة في المحل نفسه وتحديداً في أواخر أعوام الـ60، وأن الرجل الذي يقص شعر المغني الكبير ليس سوى سيروب نفسه. وما تلك الصور، في نهاية الأمر، سوى دليل قاطع آخر على أن صاحب “البوهيمية” و”كم هي حزينة فينيسيا”، مر في الستينيات في بيروت وقص شعره عند سيروب. 3 مدن عربية ولم يكن المرء في حاجة إلى دليل على أية حال، فأزنافور نفسه كان يعلن حباً لبيروت يفوق حبه أية مدينة أخرى، هو الذي كان لا يتوقف عن الإشادة بما لا يقل عن ثلاث مدن عربية هي بيروت التي كان يحبها لذاتها، وحلب في سوريا التي قال دائماً إنه لا ينسى كونها من أكثر المدن العربية احتضاناً للأرمن يوم هربوا من المذبحة العثمانية أوائل القرن الـ20، ثم الإسكندرية في مصر التي من جراء استيعابها هجرات ومهاجرين كثراً من شتى أنحاء المتوسط، كانت من أكثر مناطق العالم عولمة بالمعنى الإنساني الحضاري للكلمة. والحقيقة أن من يسهى هذا كله عن باله أو لم يكن يعرفه أصلاً، ستنغلق عليه بالتأكيد الأسباب الكامنة في خلفية ما يشعر به المرء وهو يشاهد الفيلم الفرنسي الجديد “مسيو أزنافور” على الشاشات الفرنسية في الخريف الماضي، من أنه يكاد يشاهد فيلماً عربياً من طراز رفيع المستوى. والحقيقة أنه شعور مبني على واقع حقيقي حتى وإن كان الفيلم فرنسي الإنتاج عربي النكهة. عرب وفرنسيون فيلم “مسيو أزنافور” فيلم فرنسي لكن نكهته عربية. وذلك ببساطة لأن مخرجه ومعظم المشاركين في صناعته عرب من المقيمين في فرنسا، حاملي جنسيتها، لكنهم من الذين يعلنون إلى انتمائهم الفرنسي، انتماء عربياً لا لبس فيه. ومن هنا فإن أول شعور يخامر متفرج الفيلم ما إن تبدأ أسماء العاملين في الفيلم بالتتابع على الشاشة بعد عرضه، هو أن “سينما عربية ما” قد وفت ديناً عليها للفنان الأرمني الكبير ولو بعد حين من رحيله. ويا ليت الأمر تم وهو على قيد الحياة! المهم أن نوعاً من سداد الدين أتى هنا يستكمل ما كان قد قام به فنانون مصريون تجاه أزنافور، مرات عديدة، من قبل، وذلك في مناسبات جمعتهم به في مصر أو خارجها، وقام به في المنامة بالبحرين مثقفون وذواقة بحرينيون حين قصد مسرح عاصمتهم الرائع الكبير بدعوة من الشيخة مي آل خليفة يوم كانت مقاليد الثقافة موكلة إليها، فعرفت كيف تجعل من البحرين عاصمة للثقافة العالمية والعربية. يومها غنى أزنافور ملهباً المشاعر والعواطف وهو يبارح سنواته الـ80 كما لم يفعل فنان قبله. واليوم ها هو فيلم “مسيو أزنافور” يكمل المشوار مفسراً كيف صار ذلك اللاجئ الأرمني الصغير، الذي كان بجسده النحيل ونظراته المملة غير قادر على أن يعد بشيء أو يكشف عن أية موهبة، كيف صار فناناً عالمياً كبيراً يتغنى بألوف الأغنيات كاتباً كلماتها، بنفسه، شعراً أعمق من الشعر، وأكثر ارتباطاً بالحياة وبالقضايا الكبرى في الحياة، مموسقاً، بنفسه، أغنيات تفخر، اليوم، كبرى الأوركسترا العالمية بعزف موسيقاها. أمام تحفة سينمائية؟ الحقيقة أن الحكاية التي يحكيها لنا الفيلم من خلال الأداء الرائع الذي قام به النجم الفرنسي المغربي الأصل طاهر رحيم تحت إدارة مواطنه مهدي إيدير، ليست مجرد حكاية نجاح كما كانت الحال مع أفلام عديدة حققت، في الآونة الأخيرة، عن موسيقيين ومبدعي استعراض من طينة أزنافور، بل حكاية صراع من النوع الذي يتلاءم وأيامنا هذه. فيلم “نضال” يعيدنا إلى نوع سينمائي كان ابتدعه إيليا كازان مع تحفته “أميركا أميركا” سائراً فيه على خطى “مهاجر” شارلي شابلن. فأزنافور هنا ليس مجرد فتى بائس يجابه كفرد وصاحب عزم ظروفه وأقداره في مجتمع لا يرحم، بل هو مهاجر يشبه الملايين الذين يعيشون مطاردين غير آملين بأكثر من لقمة العيش في حدودها الدنيا. إنه واحد من أولئك الذين يتركون جانباً كفرق حساب. مهما يكن من أمر فإن ما يدهش، في هذا الفيلم، أن القائم بدور أزنافور فيه ليس سوى طاهر رحيم الفتى الوسيم، الذي يعامل في أفلامه الأخرى كعاشق لاتيني، تمكن هنا من إقناعنا بأنه إما على افتقاره هو إلى الوسامة، وإما على قصر نظرنا طوال عشرات الأعوام، إلى إدراك الوسامة الحقيقية لذلك المغني الكبير الذي كنا نحبه… كما هو. ولعل هذا يبدو كافياً لفيلم أتى في زمنه تماماً ليقول أكثر بكثير مما كان في وسعه أن يقول، حتى وإن كان من الصعب أن نزعم أننا حقاً أمام تحفة سينمائية تليق بالكبار. وبقي أن نذكر هنا أن شارل أزنافور واسمه الأصلي أزنافوريان، لو عاش ست سنوات أخرى لكان من شأنه أن يحتفل، ونحتفل معه، بالذكرى المئوية لمولده. فالمغني الفرنسي – الأرمني الكبير، والمعد ملك الرومانسية وسيد الغناء العاطفي والعائلي في الحياة الموسيقية الفرنسية، وواحداً من كبار الذين أنشدوا الحب وكل ما هو يومي، وأوصل الأغنية الجماهيرية والشعبية إلى ذرى شديدة الارتفاع، ولد عام 1924 في سان جيرمان الباريسية ليرحل في عام 2018 غير بعيد من باريس نفسها، وهو إلى الغناء وكتابة الشعر وتلحين الأغاني الرائعة، مثَّل في عدد لا بأس به من الأفلام السينمائية، وقدم فنه في شتى مدن العالم وعديد من المدن العربية التي كان من آخرها الكويت والبحرين. المزيد عن: شارل أزنافورفيلم مسيو أزنافورالشيخة مي آل خليفةجاكلين كينيديأميركا أميركا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post تأملات وجودية على سرير المرض في “أوجه عديدة للموت” next post ماذا يحدث عند وفاة البابا؟ You may also like أفكار الإمبراطور الروماني أوريليوس تساعد على عيش العصر 25 فبراير، 2025 نصوص غير منشورة تكشف وجها آخر للشاعر يوسف... 25 فبراير، 2025 جورج سمبران في مواجهة ماض لا يمضي 25 فبراير، 2025 تأملات وجودية على سرير المرض في “أوجه عديدة... 25 فبراير، 2025 مئوية إيتل عدنان… في البدء كان الشعر 25 فبراير، 2025 “كونتيننتال 25” يواجه الأنظمة المعاصرة في برلين 23 فبراير، 2025 ما سر حضور الفيلسوف كيركغارد في الثقافة العربية؟ 23 فبراير، 2025 مهى سلطان تكتب عن: الرسام هنري ماتيس يعود... 23 فبراير، 2025 عندما دخلت “أفلام التحريك” عالم السياسة واللؤم الاجتماعي 23 فبراير، 2025 بول شاوول يكتب عن: “كتابة الأنا” بين الأدب... 22 فبراير، 2025