photo: AlMajalla ثقافة و فنون مرصد الأفلام… جولة على أحدث عروض السينما العربية والعالمية by admin 5 فبراير، 2025 written by admin 5 فبراير، 2025 15 المجلة / أريج جمال نتعرف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إنتاجات السينما العربية والعالمية، ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطلّ كلّ أسبوعين، دليلا يجمع بين العرض والنقد لجديد الشاشة الكبيرة، على أن تتناول الأفلام الجماهيرية والفنية، من الأنواع كافة، بالإضافة إلى إعادة تقديم فيلم من ذاكرة السينما الكلاسيكية. عنوان الفيلم: نوسفيراتو Nosferatu 2024 سيناريو وإخراج: روبرت إيغرز بلد الإنتاج: الولايات المتحدة الأميركية يبدأ الفيلم بمشهد لابتهالات وصلوات شابة مكلومة إلين (لي لي روز ديب)، لكن من يستجيب لها، ليس الله، إنما نوسفيراتو. قوى الشر، التي تفتح الأبواب، وتُرسي السُفن، وتجلب الطاعون “إنه الموت نفسه”، ما يُمثله هذا الكائن الشيطاني المشوّه، كما يقولون حين يكتشفون وجوده. مُخرج الفيلم، المُغرم بالفيلم الكلاسيكي الشهير بالعنوان نفسه من التعبيرية الألمانية، يُضيف إلى القصة القديمة، المُستعيرة بدورها من (دراكولا) بنسختها الشهيرة من كتابة برام ستوكر، بعض ثوابت صناعة فيلم الرعب الأميركي التقليدية: مشاهد تلبس قوى الشر بأبدان البشر، التي تتخشب أمام الكاميرا في أصوات وحركات مؤثرة، وحضور مَنْ يعرفون بواطن الأمور الخفية ويتولون تفسيرها إلينا، كأهل الكنيسة وكذلك دكتور فرانز (ويليم دافو، في أداء طريف وحيوي)، العالِم المُتخصص في الغيبيات الذي يؤمن بأن العلم “أعمى بصيرتنا”. ولا يكتفي بهذا، بل يُضيف كذلك الصفقة الفاوستية للإنسان الذي يبيع روحه إلى الشيطان، وأفكار التضحية والفداء، مسيحية الطابع، والحاضرة كذلك في النسخة الأصلية. كما يحاول، بقدر ما تسمح إعادة تقديم لفيلم كلاسيكي، أن يطرح أسئلة فلسفية حول الشر، مثل: هل يأتي من داخلنا أم من خارجنا؟ وما نفعل إزاء حزننا وعارنا كي لا يتحولا إلى كيان شرير خاطف لبهجتنا، وبهجات الآخرين، كحال نوسفيراتو في حياة البطلة إلين؟ هل يأتي الشر من داخلنا أم من خارجنا؟ وما نفعل إزاء حزننا وعارنا كي لا يتحولا إلى كيان شرير خاطف لبهجتنا، وبهجات الآخرين؟ مع ذلك، فإن الأسئلة هنا لا تحمل جديدا حقيقيا، ولا الإجابات عنها، إذ تظل النسخة الجديدة محكومة بفلسفة العمل الأصلي. برغم أن روبرت إيغرز يكرس نفسه لإشباع التفاصيل وثغر السرد التي فاتها الفيلم في نسخته القديمة. إذ يؤسس أكثر للشخصيات وتاريخها، ويربط الأحداث المتشرذمة بعضها ببعض. “نوسفيراتو” الجديد هو وعد بالأسى وحكم بالموت على إيلين التي تقودها غرائزها الحيوانية، حسب وصف الطبيب فرنز، إنه أيضا عقابها على استغراقها الآثم في الحزن، الذي لا نعرف أسبابه إلا لماما. وبرغم التمزق الواضح بين الطموح لصناعة فيلم فني، لكن أيضا تجاري، وفيلم جديد، لكن من دون التحرر من القديم. يبقى “نوسفيراتو” الجديد جذابا للفرجة، ربما لحالة التأمل التي يصنعها للعمل الأصلي، لسؤال جوهري كيف تغيرت السينما بعد قرن وعامين؟ جماليا يستبقي الجديد من القديم تصميما لبعض المناظر، مع استعراض الظلال للشخصيات الإنسانية، ولنوسفيراتو نفسه بالطبع، الذي يبدو ظله رسول موت وفقدان. في الأخير، إن كان في وسع النسخة الجديدة أن تقنعنا بشيء، فبسحر الفيلم الأصلي الصامت لعام 1922. ملصق فيلم “نوسفيراتو” عنوان الفيلم: كونت مونت كريستو Le Compte de Monte Cristo سيناريو وإخراج: ألكسندر دو لاباتليير – ماتيو دولابورتيه بلد الإنتاج: فرنسا أحد أنجح الأفلام في فرنسا مؤخرا، والمرشح حاليا في أربع عشرة فئة ضمن جوائز “سيزار”. لا تحتاج رواية ألكسندر دوما “كونت دو مونت كريستو” عادة إلى تعريف، إنها القصة الشهيرة التي يُحال إليها، حين الحديث عن ثيمة الانتقام الدرامية. الثيمة التي اشتغلت عليها أفلام من كل الجنسيات، أميركية وأوروبية وحتى عربية، من دون أن تنفد. لذا لا يمكن تفادي السؤال المنطقي: ما الجديد الذي يمكن أن يقدمه فيلم، لا يستند فقط إلى ثيمة الانتقام، إنما يتشبث بتقديم الرواية التي تحظى بمكانة مهمة في الثقافة الفرنسية، وهي المكونة من ألفي صفحة في لغتها الأصلية؟ يمكن القول إجمالا إن الفيلم يطمح إلى تقديم صورة مشرفة عن السينما الفرنسية، التي تريد أن تثبت استطاعتها منافسة هوليوود في صناعة فيلم كبير على مستوى التصوير والأكشن والمعارك، وعلى مستوى اللجوء إلى قصور وجزر في فرنسا تتصل بأحداث الرواية من جهة، وتصلح دعاية سياحية لفرنسا من جهة ثانية. في لحظة من التغييرات السياسية المتلاحقة التي شهدتها فرنسا مطلع القرن التاسع عشر، تكشف الطبقات العليا والبورجوازية عن وجهها القبيح، يدس الأب السم لطفله غير الشرعي، وتوافق الأم على هذه الفعلة التي تناقض الغريزة، من أجل مصلحتها المشتركة مع عشيقها. تآمرت المجموعة نفسها على ابن الطبقة الفقيرة، البحّار الشريف إدموند دونتيس (بيار نينيه)، فاستبعدوه إلى سجن في قاع بئر، وسط جزيرة معزولة. فقد إدموند حبيبته مرسيديس (آنييس ديموستييه)، ومستقبله الواعد، وكاد يفقد حياته…. على نحو ما يموت إدموند، وتظهر إلى الوجود شخصية الكونت كريستو، كانتقام حتمي من الظلم، وحيلة لإرساء عدل ما، في زمن ليس فيه أي عدل. يطمح الفيلم إلى تقديم صورة مشرفة عن السينما الفرنسية، التي تريد أن تثبت استطاعتها منافسة هوليوود في صناعة فيلم كبير إن الجديد الذي يقدمه صُناع هذا الفيلم، هو التجربة البصرية الممتعة، ربما أكثر حتى من الدراما، وترتكز أساسا على ما توصلت إليه صناعة السينما من تطور في تقديم الحيل البصرية، علاوة على قوة التصوير، واللجوء إلى الديكور الطبيعي، والاشتغال اللافت على الإضاءة والحضور الجمالي الرمزي لعنصر النار. على رأس قائمة التميز في هذا الفيلم، يأتي خصوصا المكياج الذي يخدم حاجة الكونت إلى التخفي والتقنع لأداء لعبته. أما السؤال الدرامي المنشغل به العمل، فيمكن صوغه على هذا النحو: إلى أي مدى يمكن أن يصل الانتقام؟ وأي أهداف يمكن أن يحققها للباحث عنه، أو باختصار: هل ثمة حياة في الانتقام؟ الإجابات ليست سهلة، ولا مباشرة. في النهاية، يبدو “كونت مونت كريستو” فيلما كلاسيكيا مصنوعا بأدوات حديثة. ملصق فيلم “كونت مونت كريستو” عنوان الفيلم: 6 أيام (وعملت إيه فينا السنين) تأليف وإخراج: وائل حمدي – كريم شعبان بلد الإنتاج: مصر أحد الأفلام المصرية التي لفتت الأنظار في الآونة الأخيرة. درامي رومنسي، لا يلجأ إلى الكوميديا كي يبرر نوعه، أو يستقطب جمهورا مضمونا أكثر. يرصد سيناريو وائل حمدي التغيرات التي يعيشها كلٌّ من عالية برهان (آية سماحة)، ويوسف رحمي (أحمد مالك)، على مدى سنوات، انطلاقا من تزاملهما في المرحلة الثانوية، وارتباطهما النفسي الذي وقع في منطقة وسطى بين الصداقة والحب، ثم فراقهما إثر المأساة العائلية عند عالية، والقطيعة القهرية التي حدثت بينهما. على مدار ستة أيام، مقسمة على أعوام متباعدة، يلتقيان، ومن هذه اللقاءات المتناثرة يتشكل متن الفيلم. يقع اللقاء الأول بمحض المصادفة، بين صديقَي الماضي، فيتكلمان، يتأملان في علاقتهما، أو ما تبقى منها، ويتعاهدان على تكرار اللقاء من عام إلى عام. ما الذي يجري إذن، خلال هذه الاجتماعات؟ مكاشفة ومصارحة، لأحدهما أمام الآخر، لكن أيضا لأحدهما أمام نفسه… وماذا في شأن قصة الحب، أو المودة القديمة، هل ستتطور أم فات الأوان؟ إن “6 أيام”، فيلم حواري في الأساس، وما من طريقة أخرى لتقصي أثر عالية ويوسف إلا بالإصغاء إلى كلامهما، إنما كذلك إلى لغة الجسد لديهما، واستنطاق ما لا يُقال. كلما التقيا، رأينا أحدهما في الكفة الراجحة من ميزان الحياة، والآخر في الأخرى الهابطة. هذا التفاوت هو الذي يجعل اللقاء مستحيلا، حتى حين يلتقيان. ثمة ماض ثقيل وسوء اختيار، مما يذكّرنا بفيلم It ends with us، تحديدا في مسألة الصدمة العابرة للأجيال، وقدرة الحب الأول ببراءته وصفائه على تخلصينا من أزماتنا في الحاضر. من ضمن ما يقدمه الفيلم إلى مشاهديه هو حالة النوستالجيا لمفردات الحياة في القاهرة، في العقد الأول من الألفية الثانية من ضمن ما يقدمه الفيلم إلى مشاهديه هو حالة النوستالجيا لمفردات الحياة في القاهرة، في العقد الأول من الألفية الثانية، شرائط الكاسيت، الذوق السائد في الأفلام، والوقت المقضي بلا صخب السوشيال ميديا. هذه نقطة قوة في فيلم، ربما يخاطب مواليد الثمانينات وأوائل التسعينات، أكثر من الجيل “زد”. مثله في ذلك، مثل فيلم “الهوى سلطان”، الذي عرض منذ أواخر العام الماضي، وأعرب عن حنين وربما ثبات في الزمن عند الأجيال نفسها. على العموم، كان يمكن فيلم “6 أيام”، أن يتوسع أكثر في الشخصيات، أو أن يخرج قليلا من عزلته مع بطليه الرئيسين، لكنه على هذا الحال، لا يزال مقبولا أيضا. ملصق فيلم “6 أيام” عنوان الفيلم: شهد النعجة The Lamb تأليف وإخراج: جو روجرز – آشلي آفيس بلد الإنتاج: المملكة العربية السعودية يستمد هذا الفيلم العائلي روحه إلى حد ما من القصة الفرنسية الشهيرة “الأمير الصغير” لأنطوان دو سانت أكزوبري. هنا أيضا نخوض الرحلة بالعينين الصافيتين للطفل فيصل (عبد العزيز قحطاني)، ويحملنا معه إلى منطقة عذبة ورقيقة من إنسانيتنا، تتصدى لأفكار الطمع والاستحواذ، وتنحاز إلى الحلم، وقيم البذل والكرم. يعيش فيصل وعائلته في الصحراء، يملكون مزرعة للمواشي، لكن حياته تصاب باضطراب كبير، حين يفقد أمه وهو في سن الثامنة. يتوحد فيصل الصغير، مع إحدى النعاج، من المزرعة تفقد أمها مثله، فيعتني بها ويتبناها، ويسميها شهد. يرفض الأب (فهد الغامدي)، هذا التعلق ويخبر ابنه أن عليه إعادتها إلى الحظيرة، كي تكبر مثل بقية المواشي الأخرى التي مصيرها جميعا إلى الذبح. يتمسك فيصل أكثر بنعجته، ويتعهد لها بحمايتها، ولو قاده هذا إلى الهرب من البيت والعائلة فرارا من التاجر الذي يريد والده أن يبيعه المواشي فلا يرى في النعجة إلا كل ما يعده بها لحمها الطيّب. ينطلق فيصل صوب الرياض، مدينة الأحلام، التي كانت تهفو لزيارتها نفس أمه الراحلة وتقول له عنها: “أي حلم يصير حقيقة في الرياض”. بالطبع يواجه فيصل العديد من المتاعب، لكنه يُثبت إخلاصا وتماسكا يفوقان بكثير سنه الصغيرة. في الرحلة المتقطعة إلى الرياض، يتعرف فيصل الى الطبيعة الجميلة، والتي تبدي بدورها حنانا أموميا يليق بالصغير اليتيم. نشاهد مع فيصل الصخور الجميلة والرمال بألوانها الذهبية وأرض الملح. كما يحل ضيفا على قبيلة تتعهد بمساعدته في الوصول إلى الرياض، وهناك يجد بعض الصحبة التي تعينه على الاستمرار. وبرغم أن أحداث الفيلم تدور في صحاري الرياض، وتستعرض بعض الاحتفالات الخاصة للأهالي هناك، إلا أن القصة نفسها يمكن أن تحدث في أي مكان. يمكن الكبار أن يتعلموا من الصغار، كما يتعلم الصغار من الكبار، على ما يقول هذا الفيلم يركز الفيلم على حساسية علاقة الأطفال بالحيوانات، وتتجلى علاقة الممثل الصغير الواعد عبد العزيز القحطاني استثنائية بالنعجة الصغيرة، التي لا تكف عن تتبعه ومناداته بأشد طبيعية ممكنة طوال الأحداث. صحيح، يمكن الكبار أن يتعلموا من الصغار، كما يتعلم الصغار من الكبار، على ما يقول هذا الفيلم، وقالت من قبله الرواية الأيقونية، “الأمير الصغير”. ملصق فيلم “شهد النعجة” عنوان الفيلم: من وراء الموج The Sand Castle تأليف وأخراج: ماتي براون وياسمينا كراجا وهند فخرو – ماتي براون. بلد الإنتاج: لبنان أحدث فيلم عربي على شبكة “نتفليكس” وهو يحمل بالإنكليزية عنوان وهو يروي قصة أسرة مكونة من أربعة أفراد: جنى الطفلة (ريمان الرافعي)، شقيقها آدم (زين الرافعي)، والدتهما ياسمين (نادين لبكي)، ووالدهما نبيل (زياد بكري)، وقد عاشوا جميعا فوق جزيرة لها منارة، من المفترض أن يجذب المساعدة إليهم. تنساب الأحداث من منظور الطفلة جنى، التي يبدأ الفيلم معها وينتهي. نحتاج إلى بعض الوقت، كي نستوعب تماما أن هذه العائلة التي تجتمع على طاولة الطعام، في جزيرة جميلة وسط البحر، لا تعيش أوقات رخاء، إنما شدة ستعصف بهدوء أفرادها النفسي، وأن الطعام القليل في الأطباق أمامهم، ليس سوى لأن طعامهم قد نفد منذ مدة، والبحر المحيط بهم والمخيف، ضنين عليهم بما يؤكَل. تقع الجزيرة على مقربة من اليونان، وفي بداية الفيلم تُصغي ياسمين إلى الراديو يذيع الأنباء عن غرق سفن المُهاجرين. لكن المشهد نفسه يتخذ بُعدا آخر مع تقدم أحداث الفيلم، واختلاط الحقيقة بالوهم أولا في عيني الأم ياسمين والأب نبيل جراء طول العزلة والخوف والجوع والعطش. تُذكرنا هذه الحالة شيئا ما بفيلم “المنارة” The Lighthouse الذي صدر عام 2019، ومن إخراج روبرت إيغرز صاحب فيلم “نوسفيراتو”. الإشكالية هنا أن هذه الهلوسة، وتلك الكآبة لا تُصيب الكبار فقط، إنما تمتد إلى الصغيرين، وتُعاني منها أكثر جنى، التي تتذكر فقد شقيقتها الصغرى يارا في مشاهد حرب سابقة، يبدو أن الأسرة نجت منها كي تصل إلى هنا. ينبع الشعور بالذنب من كل شيء في هذا الفيلم. نبيل الذي تصوّر أنه يستطيع الهرب من الماضي، والفرار بعائلته إلى البحر. وجنى التي تتصور ببراءة طفولتها، أنها تخلت عن شقيقتها فتسببت في مقتلها. وكأن الأسرة تحمل عبء الشعور الذي كان على مُشعلي الحروب أن يحملونه، علّه وفر للناس أرواحهم. يتمسك الفيلم بانحيازه إلى خيال الأطفال الذي يعيد من شظايا الحياة تركيب ماضٍ يستأنس به هل هرب نبيل بأسرته إلى الجزيرة مؤقتا على أمل أن يأتي لاحقا من ينقلهم إلى سواحل اليونان؟ أم أن لا جزيرة هناك، وقد قضت الأسرة في عرض البحر، مثل عشرات الضحايا التي ترى جنى في لحظة جثثهم، بين واقع وهلوسة؟ لا يعطينا الفيلم إجابات نهائية. إنه يتمسك فقط بانحيازه إلى خيال الأطفال، الذي يعيد من شظايا الحياة تركيب ماضٍ يستأنس به. فيلم كابوسي، شديد الوطأة، ومحزن أيضا. ملصق فيلم “من وراء الموج” من ذاكرة السينما عنوان الفيلم: نوسفيراتو Nosferatu 1922 سيناريو وإخراج: هنريك غالين – إف. موارنو. بلد الإنتاج: ألمانيا يقال إن ألبين غراو منتج هذا الفيلم، كان مهتما بالسحر، وعضوا في بعض الجمعيات السرية، وإنه لهذا السبب تحمّس لصنع “نوسفيراتو”، غير أنه أضاف الى القصة بعض التعاويذ أو الرسومات التي كان يعرفها بحكم اهتماماته. في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، كانت السينما في بداياتها، ورواية براكم ستوكر “دراكولا”، تحقق نجاحا متواصلا حتى بعد موت مؤلفها، بتقديمها شخصية مصاص الدماء الذي يسكن القلعة، ويتغذى على النساء. ربما وجد غراو في القصة بعض ما كان يطمح إليه. بعض فقط، ذلك أن “نوسفيراتو” في النهاية، كما يظهر في هذا الفيلم الصامت، كائنا مستقلا عن الرواية، إنه شر خالص، لكنه شر طبيعي، أو أحد شرور الطبيعة التي تتنزل على ناس مقاطعة إيسبورغ، كما يتنزل عليهم وباء الطاعون. بسبب هذا الاقتباس الحر من الرواية، ظن غراو أنه يستطيع التصرف في الفيلم من دون الاتفاق في شأن حقوق الملكية الفكرية لصاحب الرواية، سوى أن فلورنس ستوكر، أرملة الروائي، تمكنت من مقاضاة غراو، وصدر الحكم بحرق كل نسخ الفيلم. ولو لم يحدث بعض التحايل على القانون من أشخاص مختلفين، ربما ما وصلتنا قط أي نسخة من الفيلم. “نوسفيراتو” إحدى تحف مدرسة التعبيرية الألمانية، التي رأى روادها ألا تلتزم السينما بالواقع، وأن تفبرك عوالمها على طريقتها من دون أن يشغلها هذا الهاجس. إنها مدرسة تعبر أكثر عن خوف الإنسان وقلقه وتمزقه إزاء عالم حطمته الحرب، ولم يعد هناك من يقين أو حقيقة ثابتة. مصاص الدماء هنا، على المستوى الفيزيائي، أقرب الى تصور شيطاني منه إلى إنسان مشوه بنابين طويلين، كما ستقدمه هوليوود لاحقا يبدو “نوسفيراتو” في أحد تأويلاته، محاولة لتفسير شيوع وباء الإنفلونزا الإسبانية، والقتلى الذين تركهم وراءه. ولعل فيه ما يمهد، لتصرف الدولة النازية إزاء اليهود، ككبش فداء، يتحمل هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وتدهور الاقتصاد، والبلاء الشامل الذي حل بالبلاد. بعيدا من التأويل، الفيلم فاتن في المعمار القوطي الذي تصوره الكاميرا، وفي حساسية الصورة تجاه الجانب المخيف من الطبيعة، وحتى في السرعة الزائدة للحركة في بعض المشاهد، والتي تتماشى مع الطبيعة الشيطانية المتجاوزة للبشر لرسول الموت نوسفيراتو. إن مصاص الدماء هنا، على المستوى الفيزيائي أقرب الى تصور شيطاني منه إلى إنسان مشوه بنابين طويلين، كما ستقدمه هوليوود لاحقا. لدى “نوسفيراتو” سنّان أماميان كالأطفال، يمتص بهما دم ضحاياه، وأذنان مدببتان تطابقان الوصف الديني لإبليس. وهو هزيل وليس ضخم الجثة كما في الفيلم الجديد، ومع ذلك يتمدد ظله، سارحا في العالم ومسببا للخراب. من المشاهد التي لا تنسى، مشهد جمع نوسفيراتو للتوابيت بمساعدة قوى خفية، كما يراه توماس من شباك القلعة. ومشهد وصول توماس نفسه على متن عربة يجرها حصانان، وباب يُفتح بلا يد إنسانية، إلى قلعة نوسفيراتو. علاوة طبعا على مشهد توماس وهو يقطع الخبز، فيجرح إصبعه مما يثير شهية نوسفيراتو فورا. ينبغي التذكير بأننا نتحدث عن عهد بدايات السينما. في العام 1979، أعاد المخرج الألماني فيرنر هيرتزوغ تقديم “نوسفيراتو” في نسخته الخاصة، مضيفا أبعادا إنسانية إلى شخصية مصاص الدماء، بالأخص حاجته إلى الحب ومعاناته مع الوحدة. النسخة الجديدة من هذا الفيلم، تخبرنا أيضا أن في هذا الفيلم الكلاسيكي نبعا لا ينضب للسينمائيين من أنحاء العالم كافة. المزيد عن: صناع الأفلام السينما أفلام مرصد الأفلام 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post تسريبات استخبارية: إيران تسرّع إنتاج سلاح نووي “بدائي” next post إنذار ترمب لخامنئي: إما تسوية وإما ضربة You may also like “خطيبة للبيع” أوبرا هزلية تشيكية تحولت إلى رمز... 5 فبراير، 2025 شوقي بزيع يكتب عن: =هل الشعر والفن قابلان... 5 فبراير، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: قطع فخارية من موقع... 5 فبراير، 2025 تشيخوف يرسم روائيا دروب انعتاق المجتمع الروسي 5 فبراير، 2025 “نتفليكس” تصدم مشاهديها بقصة مجزرة في الغرب الأميركي 5 فبراير، 2025 عندما اصطاد الإيطالي غولدوني سلفه الفرنسي موليير في... 3 فبراير، 2025 رسائل ميكائيل أنجلو مثل معجزاته الفنية تكشف خفاياه 3 فبراير، 2025 أجواء حزينة تحاصر “غرامي” وأسهم بيونسيه للفوز تتصاعد 3 فبراير، 2025 صرخات النازحين إلى جزيرة لا تصل “من وراء... 3 فبراير، 2025 بعد ترشيحها للأوسكار… بطلة “إميليا بيريز” تعتذر عن... 2 فبراير، 2025