الأحد, مايو 25, 2025
الأحد, مايو 25, 2025
Home » مراسلات الأربعة الكبار في الأدب الأميركي اللاتيني

مراسلات الأربعة الكبار في الأدب الأميركي اللاتيني

by admin

 

فوينتس وكورتاثار وماركيز ويوسا الذين فرقتهم السياسة وجمعهم الأدب

المجلة / إسماعيل غزالي

تزخر الرسائل المتبادلة بين كارلوس فوينتس وخوليو كورتاثار وغابرييل غارثيا ماركيز وماريو فارغاس يوسا، بشهادات لافتة وعلامات غائرة تؤرخ لطفرة السرد الأميركو- لاتيني، في نزوعه الكوني، بالاحتكام إلى فضيلة الصداقة، وفلسفة الحوار بين الأقطاب الروائيين، فكرا طليعيا، تنظيرا جماليا، ومجمل الرؤى والمواقف ذات الحمولة المتعددة، سياسيا وثقافيا وتاريخيا وأدبيا.

207 رسائل

جمعت هذه المراسلات في كتاب تحت عنوان “رسائل البووم”، صدر عن دار “ألفاغوارا” عام 2023، بتحرير من كارلوس أغيري وجيرالد مارتن وخافيير مونجويا وأوغستو وونغ كامبوس، وقد اكتنز متنها 207 رسالة على مدار سنوات راسخة، ما بين عامي 1955 و2012.

ليست وتيرة الصداقة في منحاها النبيل والمتناغم ما تحفظه الرسائل وحسب، بل تشمل وتيرة التوترات والخلافات والملاسنات والنقد اللاذع في ما بينهم، تتأرجح بين ما هو شخصي محض، وما هو موضوعي. ما تتفرد به الرسائل أكثر، هو الإفصاح عن بدايات تشكّل الطفرة الروائية والقصصية لتغدو أسطورة في ما بعد، ولعل أنشطهم في المبادرة والحرص على التواصل الدائم هو كارلوس فوينتس، فيما تسجل المراسلات مبادرة غارثيا ماركيز الأولى في الكتابة إلى فارغاس يوسا، وقد جمعت الكتاب الأربعة في الموازاة لقاءات وأسفار يظل أشهرها على الإطلاق، الصحبة الاستثنائية على متن قطار من باريس إلى براغ حيث أبهر خوليو كورتاثار غارثيا ماركيز وكارلوس فوينتس عندما سأل هذا الأخير كورتاثار: كيف دخلت آلة البيانو في أوركسترا الجاز؟ وما أن شرع في الرد، حتى أدهشهم بمعرفته الموسوعية، إذ سافر بهم ضمن تاريخ حافل، متشعب الخرائط، بدءا من فجر انطلاق الجاز حتى هوميروس جاز القرن العشرين، تيلونيوس مونك، وهذا ما دونه غارثيا ماركيز في شهادة على حدة، عن صاحب رواية “لعبة الحجلة”، تحت عنوان “الأرجنتيني الذي أحبه الجميع”.

بين النزوع الذاتي والوعي الجمالي الجماعي المشترك

بحسب أرشفة الرسائل، كتب كارلوس فوينتس من المكسيك إلى خوليو كورتاثار طالبا منه مقالة لمجلة الأدب المكسيكية Revista Mexicana de Literatura وكان ذلك بمثابة الشرارة الأولى لعلاقة ستشمل لاحقا غارثيا ماركيز وفارغاس يوسا، لتشكل نسيجا إنسانيا رباعيا لم يكن في حسبانه، أنه في صدد تدشين ما سيسمى لاحقا بـ”البووم الأميركو- لاتيني.

تتأرجح الرسائل بين ما هو شخصي محض، وما هو موضوعي، وما تتفرد به هو الإفصاح عن بدايات تشكّل الطفرة الروائية والقصصية لتغدو أسطورة في ما بعد

في السنة ذاتها، 1968، أفصح كارلوس فوينتس:  “إن أعمال غارثيا ماركيز لا يمكن فهمها دون أعمال كورتاثار، ولا يمكن فهم أعمال كورتاثار دون أعمال فارغاس يوسا. لقد تخلّقت شبكة أدبية تتمثل واقعا حقيقيا”.

AFP / الكاتب المكسيكي كارلوس فوينتس

 

بالرغم من استقلالية كل من هؤلاء الكتاب الأربعة، وتفرد كل واحد منهم بمنجزه السردي، ومشروعه التخييلي، تجنح الرسائل إلى الكشف عن وعي جماعي مشترك بينهم، يؤسس لظاهرة أدبية كبرى، ستطبق شهرتها الآفاق.

ما تسجله المراسلات أيضا، هو تقليد المخطوطات التي كانوا يبعثون بها بعضهم الى بعض، ويتبادلون وفق ذلك الانطباعات، والملاحظات والنقد، كما تحفل بشهادات التقدير، والاعراب عن الفرح بنجاحاتهم، بلا مواربة.

بقدر ما تمثله الرسائل من خطابات شخصية، ذات منحى ذاتي، تترجم أيضا الاهتمامات السياسية لهؤلاء الأربعة، فضلا عن الاهتمامات الجمالية.

AFP / الكاتب البيروفي والحائز نوبل للآداب 2010، ماريو فارغاس يوسا

 

وضمن المنحى الشخصي الموسوم بالطرافة، كتب ماركيز إلى فوينتس طالبا منه أن يرسل سكائر إلى فارغاس يوسا، الذي يعاني حسب توصيفه، بل هو يائس تماما في لندن، والسبب افتقاده لتبغ أميركا اللاتينية. في المقابل يفصح خوليو كورتاثار عن يومياته ومغامراته في شقة فارغاس يوسا ذاتها في لندن، وخاصة خططه في مواجهة قسوة البرد. محض جانب حميم من سيرتهم يصدح بعمق الاشتباك الإنساني في ما بينهم، ويكسر أسطورة العزلة التي يسوّر بها الكثير حيوات الكتاب.

الاختلاف السياسي الحاد

أما الشرخ الذي سيشظي بلور هذه العلاقات الصلدة، فهو الاختلاف السياسي الحاد، الجذري، وما كان يبدو تناغما في المواقف حول الثورة الكوبية، سيتضح بأنه منذور لفوارق، وتناقضات، وعدم تماه، لأسباب أيديولوجية، خاصة مع قضية اعتقال الشاعر هيبيرتو باديا عام 1971، الذي أجبر على تقديم نقد ذاتي علني، وفي الوقت الذي أدان فارغاس يوسا وفوينتس الحادثة بشكل لاذع وحاد، تحفظ كل من ماركيز وكورتاثار، في ما يشبه تخاذلا.

وغير الخلافات السياسية ستزداد وتيرة التوترات الشخصية، وبلغت الذروة في الحادث الشهير عام 1976، حين وجه فارغاس يوسا لكمة إلى غارثيا ماركيز في إحدى قاعات السينما في المكسيك، فأسدلت الستارة على تاريخ حافل للصداقة بينهما.

أعمال غارثيا ماركيز لا يمكن فهمها دون أعمال كورتاثار، ولا يمكن فهم أعمال كورتاثار دون أعمال فارغاس يوسا – كارلوس فوينتس

تظل هذه المراسلات إرثا لمغامرة أدبية محلية، ذات نزوع كوني، تدخر مشتركا مضيئا من الأفكار الثورية، والرؤى الطليعية، لنشوء الطفرة الهائلة، للرواية الأميركو-لاتينية، ومستقبلها، وهذا ما تبادلوه بوضوح. مثلا، كتب فوينتس إلى فارغاس يوسا:  “إن مستقبل الرواية في أميركا اللاتينية، حيث لا يزال كل شيء بحاجة إلى أن يُقال ويُسمّى، وحيث ينبع الأدب من الحاجة، من ذاته بالأحرى، وليس من السوق أو الإملاءات السياسية”.

هذا لا يعني تنكرا للقضايا بمضمونها الاجتماعي والسياسي، أو انصرافا عن الواقع، بل يعني انتصارا لها، لكن بالرهان على الجمالي، والفني، والروائي الخالص.

AFP / الكاتب الكولومبي والحائز نوبل للآداب 1982، غابرييل غارثيا ماركيز

 

هي محاورات غير مسبوقة، تتيح الدنو من اهتمامات هؤلاء الأربعة، الشخصية والحميمة، وفي الآن ذاته، الدنو من الطفرة الأدبية الحاسمة في تاريخ أميركا اللاتينية الحديث، ما بين 1959 و1975، كتبت لغير هدف أدبي، وتحولت إلى وثيقة أدبية راسخة، مع التجميع في كتاب، يؤرخ لأصالة العمل الروائي، مغامرة تخييله، وتعقيداته.

مختارات من الرسائل

من غابرييل غارثيا ماركيز إلى ماريو فارغاس يوسا المكسيك، 20 مارس/ آذار 1967:

ماريو العزيز، لا أدري كيف خطر لي أن أكتب إليك بعد أن استلمت رسالة من خوسيه ميغيل أوفييدو، فقد أخبرني أنه رآك في لندن، وتحدث قليلا عن حياتك هناك، وذكر ابنك ألفاريتو، وبكاءه المتواصل، وسهرك عليه كما تفعل الأمهات. وقد أثار هذا الكلام مشاعر زوجتي.

Alamy / الكاتب الأرجنتيني خوليو كورتاثار

 

من كارلوس فوينتس إلى ماريو فارغاس يوسا المكسيك، 2 أكتوبر/ تشرين الأول 1962:

عزيزي ماريو، أتصور أنك عدت إلى باريس. كيف وجدت ‘ليما البشعة’؟ جميع أصدقائك المعجبين بك في المكسيك شعروا بالحزن لأن رحلتك لم تسمح لك بالتوقف هنا. بونويل مجنون بروايتك “المدينة والكلاب”. يقول إنها من أفضل الروايات التي قرأها في حياته، لكنه يرى أن تحويلها إلى فيلم سيكون صعبا للغاية بسبب مشاكل الرقابة”.

من خوليو كورتاثار إلى ماريو فارغاس يوسا: “أنت تمثل أميركا، أميركا الحقيقية، الدراما الحقيقية فيها، وأيضا أملها الحقيقي”.

AFP / الكتّاب (من اليسار إلى اليمين): المكسيكي كارلوس فوينتس، الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز، بليساريو بنتانكور، البرتغالي خوسيه ساراماغو، والأرجنتيني إيلوي مارتينيز

 

من غابرييل غارسيا ماركيز إلى كارلوس فوينتس 26  يناير/ كانون الثاني 1967: “إن الجماعات الأدبية الوحيدة التي أعتبرها مفيدة ومتضامنة، هي تلك التي تنشأ من خلال التواصل الشخصي والمراسلات الخاصة بين الكتّاب الأصدقاء”.

محاورات غير مسبوقة، تتيح الدنو من اهتمامات هؤلاء الأربعة، الشخصية والحميمة، وفي الآن ذاته، الدنو من الطفرة الأدبية الحاسمة في تاريخ أميركا اللاتينية الحديث

من كارلوس فوينتس إلى غابرييل غارثيا ماركيز مارس 2012: “غابرييل العزيز: عيد ميلاد سعيد لمناسبة بلوغك الـ85! من الصعب تصديق أننا التقينا قبل نصف قرن. لا يمكن الفصل في ما بين حياتنا. أشكرك على كتبك العظيمة. صديقك، كارلوس فوينتس”.

وفي معزل عن الرسائل بين الأربع المشار إليها أعلاه، تتفرد رسالة لغابرييل غارثيا ماركيز إلى بلينيو أبوليو ميندوزا مؤرخة في 9 مارس/آذار 1968، توجز بطرافة قيمة المراسلات، ومصيرها الغرائبي: “حدث هذا لي في بوغوتا، في فندق برزيدنتي. تركت مجموعة من طلاب الجامعة في الغرفة بينما نزلت لأجيب على مكالمة صاخبة من المكسيك، ولما عدت أدركت أن رسائل كورتاثار، وفارغاس يوسا، وفوينتس، وغيرهم من ‘أفراد العصابة’ قد اختفت. لم يكن هناك أحد غيرهم يمكنه أخذها. أعتقد أن هذا ما كان يسميه شوبنهاور (المجد)”.

المزيد عن:  يوسا ماريو فارغاس يوسا غابرييل ماركيز الأدب اللاتيني رسائل

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili