الأربعاء, يناير 1, 2025
الأربعاء, يناير 1, 2025
Home » مخاض عسير يؤسس لنظام عالمي جديد

مخاض عسير يؤسس لنظام عالمي جديد

by admin

 

احتمال توسع المعارك لتصبح إقليمية ما يعيد رسم الخرائط السياسية في الشرق الأوسط ويفتح مجالاً مغايراً لعالم ما بعد “سايكس بيكو”

  اندبندنت عربية

من هنا يمكن القطع بأن هناك حروباً مغايرة سوف تنشأ وربما هي قائمة بالفعل من حولنا، فمن سيفوز على سبيل المثال في حرب استيطان الفضاء الخارجي، سيرسم ولا شك معالم أخرى لنظام عالمي آخر، ومن يبدع في مجال الاقتصاد والابتكار، سيقود الأسواق العالمية، ومن غير حاجة ماسة إلى بوارج ومدافع نافارون كما هي الحال في زمن الحرب العالمية الثانية.

من بين أشهر الأقوال المنسوبة للقطب الشيوعي الأكبر كارل ماركس قوله “الحروب قابلة التاريخ”، أي إنها مولدة المسارات الإنسانية والديموغرافية الجديدة، من خلال الديالكتيك الذي ينشأ من حولها، فمراحل التاريخ تخلق طبقات من الصراعات، في تفاعلاتها وصراعاتها، لا سيما المسلحة منها، تنشِئ حقائق جديدة على الأرض وتفتح الدروب لعالم مغاير عما سبق.

تبدو هذه الرؤية صادقة بدرجة كبيرة، وعلى غير المصدق أن يولي وجهه شطر 2000 عام خلت، إذ يجد زوال الإمبراطورية المصرية القديمة جراء مواجهتها مع الإمبراطورية الرومانية الصاعدة، ثم تلاشي الأخيرة بسبب قبائل الفندال في منتصف القرن الخامس الميلادي، وهكذا دواليك، وصولاً إلى الإنجليز والفرنسيين والإسبان والبرتغاليين، ومع أوائل القرن الـ20 مهدت الحرب العالمية الأولى لعالم مغاير لم يهنأ طويلاً قبل أن تشتعل الأرض بحرب عالمية ثانية، رسمت حدوداً فاصلة بين فسطاطين، الناتو ووارسو.

مع أواخر ثمانينيات القرن الماضي وأوائل التسعينيات، انهار الاتحاد السوفياتي وأعلنت الولايات المتحدة في زمن بوش الأب ما أطلق عليه النظام العالمي الجديد، أي العالم الأميركي المنفرد بالهيمنة ومقدرات الأمور.

مضت الأمور على هذا النحو قرابة ثلاثة عقود، كان فيها قلب العالم يتحرك قطعاً من الغرب إلى الشرق، من أوروبا إلى آسيا، وجاءت الحرب الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022 لتطرح تساؤلاً هل كان العالم يمر بالفعل بمرحلة حرب باردة؟ ومع تطورات الأزمة بين موسكو وأوكرانيا، تبدو المنازلة الكبرى في الطريق، واحتمالات الحرب الكونية قائمة من دون أدنى شك، مما يعني كتابة فصل جديد من فصول البشرية، ونظام عالمي مغاير عما سبق بمراحل.

السؤال المتقدم يطرح على مائدة النقاش فكرة الربط بين الحروب الجديدة ونشوء وارتقاء نظام عالمي مغاير تشارك في صناعته أطراف قطبية عدة.

لكن في الوقت نفسه، تبقى هناك علامة استفهام أكثر إثارة “هل الحروب وحسب هي من ترسم ملامح ذلك العالم الجديد أم أن هناك في واقع الحال عناصر أخرى فاعلة بدورها، من قبيل الريادة والقيادة الاقتصادية من جهة، ثم التقدم التكنولوجي وعصر الذكاء الاصطناعي، ومسارات الابتكارات، واستيطان الفضاء، والقدرة على تشكيل تحالفات متعددة الأقطاب، ناهيك بأدوار المجموعات غير الدولية، التي باتت بالفعل شريكاً فاعلاً في رسم معالم عالم جديد وملامحه؟ هذا كله إلى جانب القضايا الأيديولوجية الخاصة بأنظمة الحكم، بمعنى الصراع القائم والقادم بين النظم الليبرالية ومنافستها الشمولية التوتاليتارية الاستبدادية، ومن غير إغفال للمد الديني اليميني شرقاً وغرباً.

عدد من التساؤلات نحاول مشاغبتها في هذه السطور ومن غير ادعاء بامتلاك الجواب أو الإجابات المطلقة، فقط مشاغبة ومساءلة الأيقونات، وغالباً كما تُعلمنا الفلسفة، تبقى الأسئلة أهم من الإجابات.

أكبر خطر للحرب العسكرية هو عندما يكون لدى الطرفين قدرات عسكرية متقاربة (أ ف ب)

حرب باردة أم انهيار النظام العالمي

لربما لا يمكننا الحديث عن المستقبل، إن لم يكن من الممكن تعريف الوضع الحالي اليوم، وأين يقف عالمنا المعاصر.

“هل نحن على مشارف حرب باردة جديدة أم أننا في طريق انهيار كامل للنظام العالمي المستجد بعد الحرب العالمية الثانية، نظام بريتون وودز”؟.

من أفضل الأصوات التي قدمت لنا جواباً عن السؤال المتقدم، يأتي أستاذ التاريخ في جامعة “تافتس” بولاية ماساشوستس الأميركية، البروفيسور “ديفيد أيكلاد”، بصفته مؤرخاً لمكانة الولايات المتحدة في العالم.

يرى كثير من المراقبين أنه في مواجهة هذه الأوقات العصيبة التي يمر بها عالمنا، بدا من اليسير القياس السهل على عصر ما بعد عام 1945 لشرح الجغرافيا السياسية، وفي مقدمها القول إن حرباً باردة جديدة تنشب أظافرها في الجسد البشري عبر أربع زوايا الأرض.

لكن أيكلاد يرى أن هذه الإشارات إلى الصراع الذي وضع الغرب في معركة أيديولوجية استمرت عقوداً من الزمان مع الاتحاد السوفياتي وحلفائه، والتأثيرات التي خلقتها الحرب الباردة في جميع أنحاء العالم، هي عدسة معيبة لعرض أحداث اليوم بالنسبة إلى العين النافذة، ذلك أن العالم اليوم يبدو أقل شبهاً بالمنافسة المنظمة لتلك الحرب الباردة، وأكثر شبهاً بالانهيار الطاحن للنظام العالمي الذي حدث خلال ثلاثينيات القرن الـ20.

لكن لماذا يبدو المشهد أشد قرباً من الانهيار لا الحرب الباردة؟

ربما بسبب صعود طغمة من الشخصيات القيادية ذات النزعات الاستقلالية، مما يجعل من الحروب أمراً محبوباً ومرغوباً بقوة، شخصيات مثل فيكتور أوربان في المجر، وفلاديمير بوتين في روسيا، وشي جين بينغ في الصين، عطفاً على كيم جونغ أونغ في كوريا الشمالية، هؤلاء الذين يميل أنصار التيار الليبرالي في المعسكر الغربي لوصفهم بالمستبدين في لحظات عدم اليقين.

على أن أحد الأسئلة الجوهرية في سياق تحليل علاقة النظام العالمي الجديد بالحروب يرتبط بالأوضاع الاقتصادية العالمية، فعلى سبيل المثال أدى الكساد الكبير عام 1929 إلى تكثيف مجموعة من الأيديولوجيات الشمولية مثل الفاشية في إيطاليا والشيوعية في روسيا، والعسكرية الإمبراطورية في اليابان، وفوق كل ذلك النازية في ألمانيا.

كانت بعض هذه الأنظمة الشمولية تعاني مظالم سابقة تجاه العالم الذي نشأ بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد فشل النظام العالمي القائم على المبادئ الليبرالية في تحقيق الاستقرار، ولهذا فقد شرعت في إعادة تشكيل العالم بشروطها الخاصة.

هنا تبدو واضحة للعيان أسباب عودة الحروب الواسعة النطاق والتحدي الذي يشكله ذلك للاستقرار العالمي، لا سيما أن الوضع شبيه إلى حد كبير بما جرى خلال فترة الكساد العظيم.

في أوائل الثلاثينيات من القرن الـ20، تحركت دول مثل اليابان لمراجعة النظام العالمي بالقوة، ومن هنا جاء السبب وراء تسمية هذه الدول بـ”المراجعة”، وقد قوبلت محاولة اليابان قطع أجزاء من الصين، وتحديداً منشوريا عام 1931 على نحو لا يختلف كثيراً عن استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014 بعدم الاعتراف من جانب الديمقراطيات الغربية.

هل يدفعنا المشهد للمقاربة مع الحرب التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا، كمحرك لمولد نظام عالمي جديد ولو بالحروب؟

النظام العالمي الدولي مهدد بطريقة لم تشهدها الكرة الأرضية منذ الحرب الباردة (أ ف ب)

روسيا الحازمة وحرب أوكرانيا

في سبتمبر (أيلول) الماضي، نشرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، تقريراً مثيراً عن لقاء جمع مدير الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز، مع نظيره البريطاني السير ريتشارد مور، رئيس جهاز الاستخبارات البريطانية الخارجية “إم أي 6″، وخلصا فيه إلى أن النظام العالمي الدولي مهدد بطريقة لم تشهدها الكرة الأرضية منذ الحرب الباردة.

في اللقاء عينه قال رئيسا الجهازين الاستخباريين الأكبر والأهم حول العالم أن بلديهما يقفان معاً في مقاومة “روسيا الحازمة وحرب العدوان التي يشنها بوتين في أوكرانيا”.

والشاهد أن رئيسَي الجهازين قدما في ما يشبه المقال رؤيتهما عن حرب أوكرانيا ودورها في خلق نظام عالمي جديد يهدد النظام الحالي، وكيف أنهما توقعا الحرب في أوكرانيا، وتمكنا من تحذير المجتمع الدولي جزئياً من خلال رفع السرية عن الأسرار لمساعدة كييف.

وبالتعمق في ما كتب الرجلان، تبدو وجهة نظرهما أن سيد الكرملين، فلاديمير بوتين، يقود عملاً ممنهجاً لتخريب النظام العالمي الحالي عبر حرب أوكرانيا، تلك التي يخشيان أن تنطلق إلى بقية أرجاء القارة الأوروبية.

لم يوفر بيرنز ومور الإشارة إلى بقية ملفات الحروب المنتشرة في مواقع ومواضع مغايرة، وإن لفتا الانتباه إلى أمرين، الأول هو الصراع العربي-الإسرائيلي، الذي انطلق من غزة إلى جنوب لبنان ثم سوريا، وقد يمتد إلى إيران وأطرافها، مما يعني حرباً إقليمية كبرى، تعيد رسم الخرائط السياسية في الشرق الأوسط، وتفتح مجالاً مغايراً لعالم ما بعد “سايكس بيكو”.

والثاني، هو العودة المحتملة للحرب على الإرهاب، تلك التي انطلقت بعد “غزوتي نيويورك وواشنطن” في سبتمبر 2001، لا سيما أن هناك إرهاصات لعودة تنظيمي “القاعدة” و”داعش” مرة جديدة ولو في أثواب مغايرة من قبيل التقية والخديعة العسكرية.

هنا ترى قيادتا الاستخبارات الأميركية والبريطانية أن النظام العالمي الدولي الذي يصفانه بأنه نظام متوازن، أدى إلى السلام والاستقرار بعد سقوط الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثة عقود ونصف العقد، وحقق مستويات معيشية مرتفعة وفرصة ازدهار مؤكدة شرقاً وغرباً، يتعرض اليوم للتهديد بطريقة لم يشهدها أحد منذ الحرب الباردة.

ترى قيادتا الاستخبارات الأميركية والبريطانية أن النظام العالمي الدولي أدى إلى السلام والاستقرار بعد سقوط الاتحاد السوفياتي (أ ف ب)

بدا ويليام بيرنز متشائماً من مستقبل النظام العالمي الحالي، لا سيما بعد ما وصفه بأنه انتصار تكتيكي من جانب بوتين في شبه جزيرة القرم أولاً، وفي أوكرانيا حتى الساعة، لا سيما أنه –على حد قوله- لم ير أي دليل على ضعف قبضة الرئيس الروسي على السلطة، مما يفتح الباب واسعاً لحروب أخرى قادمة في عموم أوروبا، وهو الأمر عينه الذي حذرت منه أجهزة الاستخبارات الألمانية.

هل يمكن للنظام العالمي الحالي أن ينتهي، سياسياً في الأقل، في لحظة من سخونة رؤوس أصحاب القنابل النووية؟

يكاد يكون هذا ما حذر منه رجل الاستخبارات المركزية الأميركية، فقد أشار إلى أنه في عام 2022 كاد العالم يصل إلى لحظة “خطر حقيقي”، جراء الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية التكتيكية من قبل روسيا رداً على النكسات في ساحة المعركة.

أما السير ريتشاد، فيرى بدوره أن “الاستخبارات الروسية أصبحت وحشية بعض الشيء في بعض سلوكياتها”، مما يمكن قراءته على أنه نوع من المقدمات لارتكابها جرائم تقود إلى اتساع دائرة الحرب ومن ثم الدخول في الشتاء النووي العالمي.

ولنا هنا أن نتساءل “هل يتوقف النظام العالمي الجديد على حروب روسيا وحسب، أم أن هناك أخرى غيرها، يمكنها تغيير المسار العالمي الذي قدر له تجاوز فخاخ حرب عالمية ثالثة؟”.

الصين وحروب النظام العالمي الجديد

حديث العلاقة بين النظام العالمي الجديد والحروب القادمة، لا يمكن أن يوفر الدور الذي تقوم به الصين في الوقت الحالي في تشكيل قادم المشهد الجيوسياسي الأممي، لا سيما في ظل شبح الصدام المستمر بين الغرب ومنافسيه وبخاصة الصين.

يقدم لنا الأستاذ الفخري للدراسات الإستراتيجية في مركز أبحاث السياسات في نيودلهي، وزميل أكاديمية روبرت بوس في برلين، البروفيسور براهما تشيلاني، رؤية جدلية عن العلاقة بين الأزمات والحروب والصراعات الدائرة، والنظام الأممي الجديد المنتظر وبخاصة في ضوء التغير العميق الذي طرأ على المشهد الجيوإستراتيجي في الأعوام الأخيرة، إذ أصبحت التنافسات بين القوى العظمى تشكل مرة أخرى أهمية مركزية للعلاقات الدولية، وأنه مع تفاقم الانقسامات العالمية بسبب الحروب في غزة وأوكرانيا، ربما تكون عملية إعادة تشكيل جيوسياسية أكثر عمقاً، بما في ذلك التحول إلى نظام عالمي جديد في طور الإعداد.

يلفت براهما تشيلاتي إلى ما يمكن أن نسميه “الفخ” الذي تقع فيه الولايات المتحدة الأميركية، بوصفها رأس حربة “الناتو”، والذي يضعف من مكانتها الأممية، مما يفتح بالفعل الباب واسعاً أمام نظام عالمي جديد.

من خلال مراقبة وثيقة ولصيقة لدور أميركا في حربي أوكرانيا وغزة، يستنتج أن هناك إمكانية حقيقية لخطر اندلاع حرب ثالثة حول تايوان.

شبح صدام مستمر بين الغرب ومنافسيه (ا ف ب)

وهنا يبدو من الواضح أن الرئيس الصيني ومكتب الحزب الشيوعي، والمؤسسة العسكرية الصينية، تراقب وعن قرب قريب تدفق كميات الذخيرة الأميركية على أوكرانيا من ناحية، وعلى إسرائيل من الناحية الأخرى، مما يعني استنفاداً سريعاً لمخزونات واشنطن العسكرية.

هذا الاستنتاج صحيح إلى درجة كبيرة، بل إن بعضاً من كبار القادة العسكريين الأميركيين، كانوا قد حذروا بالفعل من أخطار هذا النفاد، الذي يمكن أن يغري شي جين بينغ عند نقطة زمنية معينة بتحقيق الهدف الذي لا يفارق أعين الصين، أي دمج تايوان في جمهورية الصين الشعبية، تلك المهمة التي تعد مقدسة وتاريخية، ولهذا فكلما طالت الحرب في أوكرانيا من جهة، وانزلقت واشنطن في فخاخ الشرق الأوسط والخليج العربي على جانب آخر، فإن الأمر يعد تمهيداً لدروب تشكيل عالم مغاير.

هل الحروب الإقليمية تعمل حتماً لمصلحة الصين؟

يمكن أن يكون كذلك على صعيدين، الأول هو أنها تعزز من قوة الشراكة الإستراتيجية مع روسيا الاتحادية، إذ تدرك بكين أن سقوط موسكو في المواجهة مع واشنطن وبروكسل، سيجعلها وحيدة في ميدان الصراع مع الغرب التاريخي.

ثانياً وبما أن واشنطن لا تزال تعمل كشرطي العالم، لذا فإنه عندما يتعلق الأمر بإنشاء نظام عالمي بديل، فإن البيئة العالمية الحالية المليئة بالصراعات قد تعمل لمصلحة الصين، ففي نهاية المطاف، كانت الحرب هي التي أدت إلى نشوء النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة بما في ذلك المؤسسات التي تدعمه، مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والأمم المتحدة، وحتى إصلاح هذه المؤسسات بصورة هادفة أثبت أنه صعب للغاية في زمن السلم.

هل يمكن للصين بنوع خاص أن تلعب دوراً متقدماً في إعادة رسم الخرائط الجيوسياسية الأممية من جديد؟

مؤكد أن ذلك سيحدث من دون أدنى شك، والبداية من عند ملف جزيرة تايوان، هناك تبدو نقاط التماس الملتهبة بين واشنطن وبكين، قابلة للانفجار في أية لحظة، بل إن الكثير من جنرالات البنتاغون، كانوا قد قطعوا بأن الغزو الصيني لتايوان سيحدث لا محالة بحد زمني أقصاه عام 2027.

أما المنعطف الثاني في العلاقة بين الصين وأميركا، فموصول ببحر الصين الجنوبي، ذاك الذي يعد ممراً وشرياناً عالمياً للتجارة، وفيما تقوم بكين ببناء مجموعة من الجزر الصناعية هناك، ترى واشنطن أن ذلك خروج عن القواعد المنظمة للملاحة الدولية، باعتبار بحر الصين الجنوبي مياهاً دولية، بينما الصين تعتبره مياهاً إقليمية ينبغي أن تفرض عليها سيادتها، وكثيراً ما كادت مواجهات مسلحة تنشب بين الجانبين في تلك المنطقة.

أما الساحة الواسعة والشاسعة التي يمكن أن تشهد صراعاً مسلحاً بين الصين وأميركا، فتتمثل في منطقة المحيط الهادئ، وهي من الاتساع لدرجة الرغبة في الهيمنة من الجانبين.

هنا تبدو أستراليا لاعباً متقدماً، لا سيما أنها عضو في تحالف “أوكوس”، ذاك الذي تدرك الصين أنه موجه لحضورها القطبي القادم، بل قد بلغ الأمر حد التهديد بقصفات باليستية وربما نووية لمواقع أسترالية، في حال نشرت الأخيرة غواصاتها النووية الجديدة من طراز فيرجينيا، التي ينتظر أن تسلمها لها الولايات المتحدة الأميركية.

والمعروف أن صواريخ تلك الغواصات تطاول الحواضن الصينية الكبرى، مما يجعل من الحرب الصينية–الأميركية أمراً وراداً وبقوة، وساعتها سيكون التساؤل “كيف سيجب على روسيا حليف الصين أن تتصرف، وبأية أدوات”.

المتغيرات الجيوسياسية في أوقاتنا الحاضرة تنبئ بأن المواجهات العسكرية لن تكون هي المحدد والمعيار الوحيد (أ ف ب)

المرحلة السادسة من النظام العالمي

في كتابه المعنون “مبادئ التعامل مع النظام العالمي” يقدم لنا راي داليو رجل الأعمال الأميركي ومؤسس شركة “بريدج ووتر” للاستثمار وهي من أكبر صناديق التحوط في العالم، رؤية عن تتبع دورات الأنظمة العالمية ويقطع بأننا نقترب من المرحلة السادسة… ما معنى هذا الكلام؟

يخبرنا داليو أن التاريخ يظهر دوماً كيف أن الحركات التي تؤدي إلى حروب أهلية أو دولية تغير النظامين المحلي والعالمي، وأنها تتم عبر سلسلة من المراحل التي تتوالى في دورات كبيرة حدثت لأسباب منطقية عبر التاريخ.

ويوضح داليو في مؤلفه أن لفظة “حروب” واسعة وفضفاضة، ولا يجوز أن نفهمها على مستوى أو منسوب المواجهات العسكرية وحسب.

هناك خمسة أنواع رئيسة من المعارك بين البلدين: الحروب التجارية-الاقتصادية، وحروب التكنولوجيا، وحروب رأس المال، والحروب الجيوسياسية، والحروب العسكرية، وتميل الحروب الأولى في هذه القائمة إلى الظهور قبل الحروب الأخيرة، وتميل جميعها إلى أن تصبح أكثر حدة على نحو متزايد.

هل من ملامح لنظام عالمي جديد بحسب داليو، تتجلى في الأفق في الوقت الحالي؟

يقطع رجل الأعمال الأميركي الشهير، بأن عالمنا بشكله القديم يقترب بالفعل من تغير كبير تشي به المرحلة الحالية التي تستبق اندلاع الحروب العسكرية، إذ تنشب الحروب الاقتصادية العنيفة، التي تحاول فيها الأطراف المختلفة تعطيل بعضها البعض، كما هو حاصل بين الصين وأميركا على وجه التحديد.

قراءة مؤلف داليو تنبئنا كذلك بأمر خطر وهو أن أكبر خطر للحرب العسكرية عندما تكون لدى الطرفين قدرات عسكرية متقاربة تقريباً، هنا تحدث الحروب الشاملة التي معها يضحى البشر على أتم الاستعداد للقتال والموت.

هل تنطبق هذه الشروط على المواجهة الروسية-الأميركية بنوع خاص؟

إلى حد ما، بمعنى أنه في الداخل الأميركي، هناك من يعود إلى النظرة ذاتها التي كانت سائدة خلال أعوام الحرب الباردة، أي اعتبار روسيا نواة معسكر الشر السوفياتي، واليوم يعود المصطلح بصورة عصرانية، عبر الحديث عن “محور الشر الرباعي”، ذاك الذي يتمثل في “روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية”.

هل الجزء الذي نعيشه الآن من هذه الدورة الزمنية، حدث من قبل وبصورة قريبة الشبه؟

حدث ذلك بالفعل في الفترة من 1930 إلى 1945 ، ولهذا السبب ترجح الكثير من الآراء أن الوقت قد حان للتفكير المعمق في الكيفية التي تؤدي بها العلاقات السببية الدورية إلى تقدم الأحداث التي تشكل الدورة الكبرى، وما ينبغي لنا أن نفعله بصورة فردية وجماعية للتعامل مع هذه الحقائق المتقدمة، لا سيما في ظل جاهزية واضحة لعدد من أعواد الثقاب في الكثير من البقاع والأصقاع حول الكرة الأرضية.

البراغماتية الغربية والنظام العالمي

وفي طريق استكشاف ماهية النظام العالمي القادم، وتقاطعاته وكذا تجاذباته مع الحروب، يظل الملف الأوكراني بنوع خاص هو البوصلة والموجه، حيث التساؤلات الدائرة والحائرة عن مستقبل العلاقة بين الغرب التقليدي الذي يود الاحتفاظ مرة وإلى الأبد بسطوته وسيطرته على مقدرات العالم، والشرق الآسيوي البازغ بقوة.

يبدو جلياً أن الغرب لا يستدعي القيم الليبرالية التي يقوم عليها نظام بريتون وودز، ومزايا عالم ما بعد النظام العالمي الجديد لبوش الأب، إلا عندما تكون مصالحه على المحك، بينما يتجاهل انتهاكات النظام الدولي عندما لا تكون كذلك، على سبيل المثال، وطوال الأعوام الأربعة الماضية، كان هناك صراع دموي للغاية في إثيوبيا مما أسفر عن مقتل نحو 600 ألف شخص، ومع ذلك لم يحظ هذا إلا بتغطية إعلامية ضئيلة في وسائل الإعلام الغربية بل لا نغالي إن قلنا إن الحكومات الغربية لم تكن تبالي بما يجري هناك.

الأمر ذاته تبين في استقبال دول أوروبا الغربية للمهجرين واللاجئين من أوكرانيا، وبترحاب كبير، وتقديم مساعدات عاجلة كريمة للغاية، فيما مثل الوجه العدائي الحقيقة المؤكدة للذين فروا من جحيم أفغانستان الذي خلفه الانسحاب الأميركي الفوضوي من هناك، بعد قرار وصفه كثيرون بـ”العشوائي” لإدارة جو بايدن.

باختصار، إن الربط الذي ترسمه الحكومات الغربية بين الحرب في أوكرانيا ومصير النظام الدولي، يثير ردود فعل ساخرة في عدد من البلدان غير الغربية، فهي ترفض افتراض التفوق الأخلاقي من جانب الولايات المتحدة وأوروبا، ولا ترى أي سبب للتضحية بمصالحها من أجل “نظام دولي قائم على القواعد” التي لا معنى له بالنسبة إليها، وهي تدرك أن الحرب كانت لها عواقب مزعزعة للاستقرار على مستوى العالم، ولكنها تلقي باللوم على العقوبات الغربية ضد موسكو بقدر ما تلقي باللوم على هجوم بوتين الذي تسبب بهذه النتائج، فيما النظام الدولي الذي ترغب فيه هو النظام الذي يرى نهاية مبكرة للصراع بغض النظر عمن سيفوز، إلى جانب تأمين سلاسل التوريد الأساسية واستقرار الاقتصاد العالمي.

هل يعني ذلك أن حروب الكبار لم تعد تهم البقية الباقية حول العالم التي باتت ترفض فكرة الثنائية القطبية التقليدية، وترى أنه قد حان الوقت لعالم متعدد الأقطاب لا تدفع البقية الباقية أثمان حروب الكبار من أجل تأمين مصالحهم ولا عزاء للبقية الباقية؟

عالمنا بشكله القديم يقترب بالفعل من تغير كبير تشي به المرحلة الحالية التي تستبق اندلاع الحروب العسكرية (أ ف ب)​​​​​​​

عن القوى المتوسطة في عالم متغير

تبدو الحقيقة المؤكدة في نهاية هذه السطور، هي أن الحروب وإن كانت أحد أهم العوامل المؤثرة في مولد نظام عالمي جديد، فإن المتغيرات الجيوسياسية في أوقاتنا الحاضرة، تنبئ بأن المواجهات العسكرية لن تكون هي المحدد والمعيار الوحيد، لا سيما في ضوء نهوض القوى المتوسطة حول الكرة الأرضية، التي يمكنها في حال اتحادها من بلورة رؤية مغايرة لرؤى القوى القطبية المتنافسة.

يمكن النظر إلى بعض الدول الصاعدة في العالم مثل ألمانيا في أوروبا، وجنوب أفريقيا في القارة السمراء، والبرازيل في أميركا اللاتينية، على أنها مثال للقوى المتوسطة الحجم، التي تشكل رقماً مهماً على الخريطة الدولية، والتي لا تلتزم بالضرورة بحروب الكبار ومصالحهم، بل تسعى إلى تأمين حياة أفضل لمواطنيها عبر حروب أخرى غير عسكرية.

من هنا يمكن القطع بأن هناك حروباً مغايرة سوف تنشأ وربما هي قائمة بالفعل من حولنا، فمن سيفوز على سبيل المثال في حرب استيطان الفضاء الخارجي، سيرسم ولا شك معالم أخرى لنظام عالمي آخر، ومن يبدع في مجال الاقتصاد والابتكار، سيقود الأسواق العالمية، ومن غير حاجة ماسة إلى بوارج ومدافع نافارون كما هي الحال في زمن الحرب العالمية الثانية.

كما أن سباق الذكاء الاصطناعي، سيكون المجال الأهم والأعم الذي سيشكل حال الخليقة على وجه البسيطة في العقود القادمة، مما يعني أن دوائر منافسات أخرى ستحدد خطوط طول وعرض كوكب الأرض شريطة أن ينجو من الحرب النووية التي ستكتب نهاية مؤكدة لأي نظام وتخلق فوضى تجعل الأرض خربة وخالية كما كانت عند البدء.

المزيد عن: الحرب العالمية الثانيةالحرب الباردةكارل ماركسالصراعات العالميةالحرب العالمية الأولىالاتحاد السوفياتيالولايات المتحدةحرب أوكرانياروسياالصينالنظام العالمي الجديداليابانالحرب الإسرائيليةنار وانتظار

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00