الإثنين, أكتوبر 28, 2024
الإثنين, أكتوبر 28, 2024
Home » محنة السّؤال النّقدي في فكر طيب تيزيني (ج1)

محنة السّؤال النّقدي في فكر طيب تيزيني (ج1)

by admin

موقع الاوان / لحسن أوزين 

الملخص

لم يكن طيب تيزيني نبتة بريّة فهو إنسان له عمق تاريخي اجتماعي علمي حضاري عبر مختلف دوائر الانتماء العائلي والمجتمعيّ وعلى مستوى تاريخ وتراث محيطه العربيّ الاسلاميّ. بمعنى أنّ المفكّر جزء من بنيّة فكريّة عامّة في بنيّة اجتماعيّة شاملة لها سياقات تاريخيّة سياسيّة وترابطات مركّبة وجد معقدّة في شروطها التاريخيّة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة،

ونحن نستحضر هنا بشكل خاصّ التّاريخ الحديث والمعاصر، أي انطلاقا من معركة التّحرر من الاستعمار مرورا بمرحلة الصّراعات السياسيّة حول المضامين الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة لأنظمة “الاستقلال الوطنيّة” وصولا إلى الفترة المعاصرة. إنّها سيرورة تحوّلات مترابطة التركيب وشديدة التّعقيد فرضت على المفكّر طيب تيزيني – كغيره من المثقّفين العرب مهما كان نشاطهم الفكري الثّقافي، وحتّى الابداعي الفنّي- أن يكون سياسيا، أو بتعبير أدقّ أن يكون إيديولوجيا، ليس بالمعنى القدحي، أي منشغلا بالصّراع السياسيّ في بعده السّلطوي، وفق مفاهيم تعنى بقضايا التّحرر والثّورة والتّقدم والنّهضة والتّنوير…، في ارتباط بالواقع السياسيّ والاجتماعيّ الاقتصاديّ والثقافيّ. ووفق شروط هذه السّياقات والتّرابطات الاجتماعيّة التاريخيّة،  الّتي لم تكن إلّا إكراهات وتحديات الاستعمار والتّخلف والسّيطرة والهيمنة والاستبداد المحلي…، ولد النّتاج الفكري للفيلسوف طيب تيزيني من خلال أبرز كتبه “مشروع رؤية جديدة للفكر العربيّ في العصر الوسيط” ” من التراث إلى الثورة”…، مسلّحا بخلفيات فلسفيّة ومعرفيّة وإبستمولوجيّة وإيديولوجيّة تنتظم تبعا للمقاربة الماركسيّة في قراءة الواقع والفكر. فكان مفكّرا فاعلا في ميدانه التربويّ، وفي عطائه الفلسفيّ الفكريّ، حيث تتابعت سلسلة مشاريعه الفكريّة الثريّة والغنيّة معرفيا ونقديا من التراث إلى الثّورة، وصولا إلى من التراث إلى النهضة، مع حضور بارز في كلّ كتاباته للفكر الحرّ العقلانيّ والنّقدي الديمقراطيّ راسما أفقا للتّقدم والتّحرر من سيطرة وهيمنة  الإمبرياليّة الغربيّة والصهيونيّة. وهو مسار سيرورة شاقّة وصعبة لا تخلو من عذابات تحمل عبء مسؤوليّة أحلام وخيبات وانكسارات السّؤال النقديّ في محاولة الاستجابة للتّحديات السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة التنويريّة  والنهضويّة المجتمعيّة، إنّها محنة السّؤال النقديّ، – بكلّ ما يحمله مفهوم المحنة في التراث العربيّ الاسلاميّ، وفي الفكر الفلسفيّ الغربيّ من معنى القهر والكبت والإقصاء والاغتيال – الّذي دقّ كلّ جدران الفكر العربيّ في بعديه التراثيّ والتاريخيّ، كما دقّ أسوار الاستعمار والإمبرياليّة والصهيونيّة، وتحديات العولمة وتحوّلاتها على كلّ المستويات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة، وما ارتبط بها من تحوّلات وطنيّة وإقليميّة ودوليّة، دون أن يقوى المفكّر تيزني كغيره من الكثير من المفكّرين العرب على تحرير السّؤال النقدي من محنته بإعطائه فرصة التّفكير في بنى واقعه الدّاخلي، أي في التركيب الاجتماعيّ الاقتصاديّ وما يعتمل في داخله من بنى وصراعات سياسيّة اجتماعيّة، أي بما يسمح له بممارسة مهمّاته بشكل واضح ومسؤول كسؤال نقديّ يسعى إلى تحرير نفسه من الهزائم المتواليّة داخليا على مستوى فشل النّهوض التّنويري الديمقراطيّ الحداثيّ، والتّقدم الاجتماعيّ الاقتصاديّ، وخارجيا على مستوى السّيطرة والهيمنة الأجنبيّة، من ضمنها المشروع الصهيوني. فهل استطاع حقا العطاء الفكري والنّقدي المتنوع والغني ّالمتعدّد للمفكّر طيب تيزيني ممارسة السّؤال النّقدي، أم أنّ سقفا معينّا في مستوى الصّراع السياسيّ غيّب السّؤال النقدي، بل زجّ به في محنة الصّمت المكبوت في دائرة المسكوت عنه، إذ لم تقوى الذّاكرة والعقل النقدي على التّصريح به وممارسته، بسبب “الواقعيّة والتّوازنات ومختلف الحسابات التوافقيّة” الّتي لا تستطيع إلغاء محنة السّؤال النّقدي وهو يصرخ في وجه الكثير من المثقّفين العرب، من ضمنهم طيب تيزيني: لماذا لم تدقّوا فلسفيا وفكريا وسياسيا جدران الخزّان طوال العقود الماضيّة، أي جدران الاستبداد السياسيّ الأبديّ المقنّع بالوطنيّة والممانعة والتقدميّة والاشتراكيّة…؟ لماذا لم تدقّوا جدران “القوقعة” بتعبير مصطفى خليفة لرؤية التّركيب الاجتماعيّ الاقتصاديّ المحلي المانع للحريّة والكرامة والعدالة والديمقراطيّة، والبنى السياسيّة التسلطيّة لأنظمة الشّر الداخليّ وهي تراكم الحطام المأساوي لمناعة الأوطان، وهدر الدولة الأمنيّة للقيمة الإنسانيّة لشعوبها؟

تمهيد:

إنّ البحث والمناقشة لا يتعلّقان بالمفكّر الدكتور طيب تيزيني كفرد معزول أنتج مجموعة من المؤلّفات الفكريّة النقديّة، بل الأمر يتجاوز ذك بكثير إلى استحضار جملة من السياقات التاريخيّة والاجتماعيّة السياسيّة، والرّوابط الفكريّة والعمليات السياسيّة الاجتماعيّة الاقتصاديّة، والتّفاعلات الإيديولوجيّة الثقافيّة الّتي عملت على تكوين البنيّة الفكريّة المعقّدة الّتي شكّلت أسس الفكر النقديّ لدى طيب تيزيني. بمعنى أنّ فكرنا الضّمني أو العميق المؤسّس لرؤيتنا النقديّة ونحن نقرأ ونناقش أعمال طيب تيزيني عليه أن يأخذ بعين الاعتبار تلك السّياقات والعمليات، وبذلك فنحن نبتعد كليا عن موقع الحقيقة المولع بالمحاكمات النقديّة الأقرب إلى العدوانيّة النقديّة الغارقة في مقاربتها لأعمال المفكرين في تاريخ البطولات الفكريّة والعبقريات الاستثنائيّة، لنقترب ما أمكننا ذلك من تلك السّياقات والعمليات والأطر الاجتماعيّة الّتي كوّنت وبلورت وطوّرت البنية الفكريّة الّتي انخرط فيها طيب تيزيني  طالبا ودارسا وباحثا ومفكّرا ومدرّسا…، أي إنّنا إزاء تاريخ بنيات فكريّة في صيرورة لا تهدأ ولا تتوقف حياتها أو موتها على خلفيتنا الإيديولوجيّة الفكريّة، ولا على تفاؤل إرادتنا وتشاؤم عقلنا النّقدي فقط. إننا نحاول ما أمكن التّعامل مع المنجز النّقدي لفكر طيب تيزيني كمسار طويل وديناميّة وحركيّة مخاضات عسيرة، وعمليات تأسيس وإعادة تأسيس إنخرط فيها تيزيني إلى جانب مجموعة من المفكّرين الآخرين بمختلف خلفياتهم الفلسفيّة والمعرفيّة والإيديولوجيّة، مع تنوّع وتعدّد مشاربهم الفكريّة في ظلّ ظروف تاريخيّة وبنى تركيب اجتماعيّ اقتصاديّ وما ميّزه من تحوّلات وصراعات سياسيّة اجتماعيّة داخليّة وخارجيّة تحرريّة من التّسلط والهيمنة والسّيطرة الأجنبيّة. إنّ زاوية منظورنا لأعمال الطيب تيزيني لا تنظر إلى مؤلّفاته وكتبه كنتائج جاهزة ونهائيّة تعبّر عن حصيلة فعله وممارسته النظريّة الفكريّة والسياسيّة، بل مايهمنا بالدرجة الأولى سيرورة المسار الطويل للفعل النقدي الّذي مارسه تيزيني في خلفياته الفلسفيّة الفكريّة والمعرفيّة والإيديولوجيّة، وفي تفاعلات بنائه، وفي أدواته ومفاهيمه، وفي إشكالياته النقديّة ومشاريعه الفكريّة: نقد التراث، الثّورة، النّهضة، التّنوير، الإسلام السياسي، الاستبداد، الديمقراطيّة، العلمانيّة، الوضوح المنهجي، الدولة الأمنيّة…

بمعنى أنّ مختلف المواقف النقديّة الايجابيّة والسلبيّة الّتي تنظر إلى مجهود المفكّر  كحصيلة ونتائج وليس كسيرورة في سياقات تاريخيّة اجتماعيّة سياسيّة وما يكتنفها من تحوّلات وصراعات، أي كعمليات وممارسات في النّقد والنّهضة والتّنوير والتّثوير والعلمنة…، هي مجرّد مواقف لا تخرج عن إطار الانغلاق المعرفيّ والفقر الفلسفيّ، والصنميّة المنهجيّة القطعيّة في النّظر والممارسة، ولا تنتج غير العنف الحركي أو الرّمزي في صورة العدوانيّة النقديّة، وهي نظرة سكونيّة بامتياز كبير، تجعل عمق الجدليات الاختلافيّة المتحكّمة  في جدل التاريخ والتراث والنّقد والنّهضة والتّنوير…، كما فهمه ومارسه بوضوح منهجيّ ماديّ بشكل أو بآخر المفكّر طيب تيزيني معزولا مبتورا عن ارتباطات السّؤال النقدي بالواقع الاجتماعيّ العربيّ الرّاهن في مختلف مستوياته الاقتصاديّة والسياسيّة والايديولوجيّة وما ميّزها من صراعات، وبشكل خاصّ استراتيجيّة التّغيير والثّورة والنّهضة والتّحرر…

نقصد أنّنا إزاء عمليات تأسيس وإعادة تأسيس لا متناهية مواكبة لبعضها البعض تتجاوز المفكّر الفرد، لأنّ فكره تعبير عن تفاعلات بنيّة فكريّة شاملة 1. وانسجاما مع هذا التّصور الفلسفي النّظري نشير إلى” أنّ الفكر ليس فكر إنسان بعينه، إنّه لا يدور في دماغ ولا يجول في خاطر، الفكر عندما اتّخذ بعدا جدليا لم يعد تمثلات  سيكولوجيّة. وحين نتمثّل الفكر كقدرة بشريّة، وهو فكر تاريخي لا يكون وليد لحظة بعينها، ولا يخضع لأهواء الأفراد ومقاصدهم. وقوانين الفكر بما هي قوانين الجدل، هي قوانين الوجود…الفكر مجهول الاسم، فاعل مبني للمجهول يفكّر في الوجود”2 .

هذا هو الإطار المعرفي والمنهجي التّاريخي العام الّذي يمكن من خلاله التّعامل مع فكر طيب تيزيني دون فصله عن البنية الفكريّة التاريخيّة الاجتماعيّة الشّديدة التركيب بسياقاتها المعقّدة الّتي شكّلت التّاريخ العربي الحديث والمعاصر. أمّا المحبّة الكاذبة  والعدوانيّة النقديّة، والمزايدات الظرفيّة الإيديولوجيّة قد تضيف فقط شيئا إلى شعبة المخابرات الفكريّة في الرضا السّلطوي، أو التّشبيح والتّهجم  السياسوي المتّسق مع ثقافة الاستبداد والحطام العربي السّائد.  فمن زاوية النّظر هذه نقرأ طيب تيزيني باعتباره أحد المساهمين في تأسيس الفكر النقدي العربي الحديث والمعاصر بما له وما عليه، وهو ينتظر من محبيه الأوفياء أن يقوموا  بهدم الحقائق وكشف الأوهام وتعريّة الثوابت وتفكيك الميتافيزيقا …، الّتي تنخر جدله التاريخي الثوري والتراثي والنّقدي والنّهضوي والتّنويري …،كمُقاوِمات داخليّة من طبيعة الفكر النّقدي الّذي تؤرّقه محنة السّؤال النقدي في بحثه المستمرّ عن مستحيل تحقّق الثورة، النّهضة، التّنوير، الحريّة والديمقراطيّة…، إنّها محنة سؤال  يصارع، وهو يتغذى من أزمات وانكسارات وخيبات هذه القيم الانسانيّة الّتي يسعى مناضلا مكافحا لتحقيقها، وهي ترتبط في كلّ منعطف مؤلم من تاريخنا الحديث والمعاصر بأزمات استحالة التّحقق.” يؤكّد التاريخ صحة هذا الاقتران، فكلّ الفترات الّتي عرفت محاولات إرساء الديمقراطيّة في مختلف صورها كانت فترات أزمات، وكلّ مساعي التّحرر والانعتاق صوحبت بفترات توتر وصراع وتأزم. وليس مرد ذلك فحسب المقاومات الخارجيّة الّتي تعترض الدمقرطة والتّحرر والتّحديث والانعتاق، وإنّما مرجعه أيضا ربّما أساسا ” طبيعة” الديمقراطيّة والتّحرر والعقلانيّة والتّحديث، فهذه أمور تنطوي على عوائقها الذاتيّة، ليس بمعنى أنّها تعوق ذاتها وتعترض سبيل نفسها، وإنّما بمعنى أنّها تنظر إلى نفسها كمُقاومات، وتعتبر أنّ وجودها نفي وسلب أكثر منه إثباتا وإيجابا. وأنّها تحسّ بالعوز كلمّا ازدادت غنى، وبالظّمأ كلّما ازدادت ارتواء، وبالنّقصان كلّما ازدادت اكتمالا، إنّها لا تتحقّق إلّا عندما يتعذّر تحققها، ولا تكون بالفعل إلّا عندما لا تكون” . بهذا الوعي تجاه الهزائم والخيبات والمآسي يمارس الانسان تفاؤل الإرادة وتشاؤم العقل، وهو يوسّع منظور زاوية الرؤية ليرى كلّ الوجوه المختلفة الّتي تحجبها الانحيازات الضيّقة للحقائق الجاهزة كيف ما كانت طبيعتها ومصدرها. فإلى أي حدّ ساهم طيب تيزيني فكريا ونقديا وسياسيا في خلخلة أزمات استحالة التّحقق للثورة والنّهضة والتّنوير، والتّخلص من الفساد واستبداد الدولة الأمنيّة…؟

وكيف تمثل محنة السّؤال النقدي وتحمل مسؤوليّة خوض غمار حرقة أسئلته:  انطلاقا من التراث إلى الثورة، مرورا ببيان النّهضة والتّنوير العربي، وما رافق ذلك من حوارات، أشبه بالمناظرة مع كلّ من البوطي، وأبو يعرب المرزوقي،  كانت تستهدف زحزحة حقائق ثابتة تلبست رداء المقدس خالقة وهم نفس خالدة تسكننا، وصولا إلى مواجهة الاستبداد في صوره المرعبة: الفساد والقهر السياسي الأمني؟ لكن ما الّذي يجعلنا نعتقد باحتجاج السّؤال النقدي تجاه صمت الفكر النّقدي في أعمال طيب تيزيني، من خلال سيرورة عمليات تشكّله لدى هذا المفكّر إلى درجة وصلت إلى نوع من المحنة في كبت وقهر المقاومات الذاتيّة للفكر النقدي المتعلّقة بالرّغبة  العارمة في ممارسات استحالة التّحقق الّتي أشرنا إليها سابقا وهو يقبل- تيزيني- بأنصاف الحلول الإيديولوجيّة للفساد والدولة الأمنيّة الّتي كان يعتقد ضدّ منطق الفكر النقدي وآلياته المنهجيّة  في “إصلاح تقدميّة” شرّ مأساة صنعتها الدولة الأمنيّة؟ وقبل هذا وذاك كيف نظرت بعض الدّراسات لفكر الّتيزيني؟

أوّلا: الدراسات النقديّة الساّبقة لفكر طيب تيزيني

لم يكن المفكّر طيب تيزيني مثقّفا مجهولا من قبل طلاّب العلم والقرّاء والباحثين المهتمين بشؤون الفكر والثّقافة وبواقع المجتمعات العربيّة وتحوّلاتها، وما يعتمل في داخلها من صراعات، فقد كان إنسانا فاعلا في ميدانه التربويّ العلميّ، ومحاورا لمختلف التّوجهات والأفكار والتّصورات، كما أنّه مؤلّف له مشاريعه النظريّة الفكريّة. لهذا جذبت كتبه قرّاء ومهتمين بمختلف خلفياتهم الفلسفيّة والفكريّة والإيديولوجيّة من الإسلاميين إلى اليساريين بمختلف تيّاراتهم النظريّة والسياسيّة. فكيف قرأ ونظر وتحاور وتفاعل ونقد أو نقض هؤلاء فكر طيب تيزيني؟

وبالموازاة مع عرضنا لدراساتهم سوف نقدم وجهة نظرنا النقديّة حول ما يطرحونه من أفكار وملاحظات نقديّة. كلّ ما نرجوه من القارئ هو الصّبر حتّى تتّضح له استراتيجيّة الكتابة النقديّة الّتي نشتغل وفقها في العرض والتّحليل والنّقد.

  • بوعلي ياسين :منالتراث إلى الثّورةمع طيب تيزيني3

هكذا عنون بوعلي ياسين دراسته الّتي نشرت لأوّل مرة في مجلة “مواقف” البيروتيّة سنة1979، ثمّ ضمن كتاب “الماركسيّة والتراث العربي الاسلامي” سنة1980 . قمنا بضبط تاريخ هذه المعطيات لنشير إلى أنّ اعمال تيزيني خلقت اهتماما ونقاشا نقديا منذ بروز أوّل كتبه “الفكر العربي في العصر الوسيط متبوعا بالجزء الأول من مشروعه” من التراث إلى الثورة”، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنّ أيّ نقد علمي يمكن أن يبيّن قصور وهشاشة الخلفيات الفلسفيّة والمعرفيّة النظريّة والمنهجيّة  الّتي اعتمدها طيب تيزيني في البحث والدراسة والتّحليل النقديّ، سيكون بعيدا عن تهمة غياب الموضوعيّة أو الاسقاط والمغالطات التاريخيّة الّتي قد تحمل مشروعه الفكري ما لا يحتمل في شروطه التاريخيّة الاجتماعيّة والمعرفيّة الإبستمولوجيّة. بمعنى أنّ هناك تقاربا زمنيا بين كتاب تيزيني ودراسة ياسين.

في بداية دراسته هذه الّتي قسمها إلى مجموعة من المحاور، اتّفق بوعلي ياسين مع تيزيني على أنّ مشروعه عبارة عن مغامرة ومهمّة شاقّة محفوفة بالمخاطر والمزالق،  وهو بهذا الإتفاق كما لو وضع أرضيّة حجاجيّة لما سيسجله من ملاحظات نقديّة. ففي تناوله للنّظام الاجتماعيّ الاقتصادي في العصر الوسيط، كما هو مشخّص في فكر تيزيني أشار إلى أنّه- الكاتب- طرح بديلا سمّاه النظريّة الجدليّة التاريخيّة التراثيّة ذات الأساس الماركسيّ، بعد أن بيّن قصور وعجز الاتجّاهات اللاتاريخيّة واللاتراثيّة الّتي تناولت التاريخ والتراث العربي، كما بيّن خطورتها الاجتماعيّة والسياسيّة. ثمّ شرع بوعلي ياسين يناقشه بشكل نقديّ في مسائل معرفيّة ومنهجيّة تحليليّة كثيرة من ضمنها:

  • إنّ دراسة تيزيني للواقع الاجتماعيّ في جانبها المتعلّق بتكوّن المجتمع العربي فيها الكثير من الاختلالات والتّناقضات، ” كان الكاتب- يقصد تيزني- قد بيّن أنّه في مكّة تشكّلت طبقتان متعارضتا المصالح هما التجّار والمرابون وسدنة الكعبة من جانب والعوام والارقاء من جانب آخر، فكيف يقوم هؤلاء العوام والعبيد وهم أعداء التّجار والمرابين بحركة تستجيب لحاجات التجارة المكيّة. من ناحية ثانية قد نؤيّد محاولة فهم الحركة الاسلاميّة في بدايتها من خلال الصّراع الطبقيّ المكيّ لكنّنا لا نظن أنّ هذا الصّراع المحلي كاف لتفسير انحلال المجتمع العربي القبلي في جميع أرجاء الجزيرة العربيّة، حيث قلّما نلتقي بتجار وعبيد بل غالبا ببدو وأحيانا بفلاحين. من ناحية ثالثة لم يفسّر الكاتب انحلال المجتمع القبليّ من خلال عوامل انحلال في داخل هذا المجتمع، أي من خلال عوامل قبليّة، بل من خلال عوامل خارجيّة هي العلاقات الاقطاعيّة والرقيّة والبورجوازيّة.” 4 وفق هذا التّناول النقديّ ناقش – بشكل دقيق وموثّق بالصفحات- بوعلي ياسين دراسة تيزيني للمجتمع العربيّ في تحوّلاته البنيويّة وعلاقة ذلك بالصراع الاجتماعي بين فئاته أو طبقاته الاجتماعيّة على حدّ تعبيرهما ( تيزيني وياسين). كما يؤاخذ عليه عدم  تدقيقه وتوضيحه لمفهوم الاقطاع المنزليّ، والاقطاع المركزي الّذي يستعمله بشكل غامض مشوش”  والتوضيح ضروري لسبب آخر، هو ارتباط مفهوم الاقطاع في أذهاننا بالأرض والزراعة والفلاحين الأقنان، ويصعب ربطه ذهنيا بالاقتصاد المنزلي المعروف الآن بشيوعيته. ثمّ يذكر الكاتب عرضا، أنّ هذا الاقطاع اكتسب أكثر فأكثر طابعا عسكريا. وهنا يزداد القارئ تشوّشا، إذ كيف يربط منزليّة الاقطاع بعسكريته؟”5
  • يلاحظ عدم احترام تيزيني الفهم النظري الماركسي للصّراع داخل المجتمع الّذي هو في نظره صراع بين طبقات وليس بين علاقات اجتماعيّة، مع غياب كامل لتحديد الأطراف الطبقيّة المتصارعة سواء بين الأقنان والاقطاعيين أو بين العلاقات الاقطاعيّة والعلاقات الرأسماليّة.
  • استعمال الكاتب للمصطلحات دونما أدنى تفريق بينها كمفاهيم: الملكيّة، التّملك، التّصرف والحيازة، مخالفا معانيها العلميّة لدى ماركس والألمان عامّة6.
  • أغفل الكاتب في نظر بوعلي ياسين الاستعمال الدقيق لمفاهيم إنجلز وماركس خاصّة نظريته

حول نمط الانتاج الآسيوي، كما أنّه لم يعرض أفكار مستشرقين ماركسيين ” ولم يناقشها، بل أهملها مع أنّها تدخل في نطاق بحثه، والأصحّ أنّها تمثّل أساسا له. وهذا موقف علمي غريب، وخاصّة ممّن يضع نظريّة جدليّة تاريخيّة تراثيّة تجد في الماركسيّة قاعها الاصلي ومصدرها المنهجي.”.7

  • لا يتّفق مع طيب تزيني على أنّ المجتمع العربي في العصر الوسيط كان إقطاعيا، خاصّة وأنّ الأرض كانت تعود للخليفة عكس الإقطاع الأوربيّ. “كتب إنجلز إلى ماركس بتاريخ 6حزيران 1883 يقول:  إنّ غياب الملكيّة العقاريّة هو بالفعل مفتاح الشّرق بأكمله. في هذا يكمن تاريخه السياسي والديني.”8
  • يرى بوعلي ياسين أنّ السّلطة المركزيّة لم تكن لها أيّة علاقة بإرهاصات الرأسماليّة المبكرة عكس ما ذهب إليه تيزيني. وأنّ الوحدة الجامعة كشكل اجتماعي اقتصادي أساسه قبلي” فالطاغية يستمد قوّته من قوّة قبيلته، كما يستمدها باتّحاد السّلطة الدينيّة والدنيويّة في شخصه… وأنّ الرأسماليّة التجارية الربويّة كدّست أموالها بفضل السّلطان ورجاله. وفي الوقت ذاته السّلطان أوّلا ورجاله ثانيا هم الّذين أجهضوا الارهاصات الرأسماليّة التجاريّة المبكرة عن طريق المصادرات والضّرائب الباهظة والابتزاز، وذلك على النّقيض ممّا يراه طيب تيزيني.”9

وهذه أمثلة جزئيّة للملاحظات النقديّة الّتي قدّمها بوعلي في دراسته موضّحا حدود ومحدوديّة النظريّة الجدليّة التاريخيّة التراثيّة الّتي أرادها تيزيني بديلا للنّزعات الاختزاليّة والإيديولوجيّة، لكنّ السّقف المعرفي والتّاريخي النقدي عند تيزيني- كما قدّمه بوعلي في دراسته- في مقاربته للواقع الاجتماعيّ التاريخيّ المكي في تشكيلته الاقتصاديّة الاجتماعيّة، وفي تركيب بنائه الطبقي، ومختلف أشكال الصّراعات، كان بعيدا عن التّماسك النظريّ والمنهجي ومفتقرا للمنهجيّة الماديّة الماركسيّة في تشخيص التّركيب الاجتماعيّ الاقتصاديّ.

كما لاحظ انحياز تيزيني  العروبي الإيديولوجي في تحليله للصراعات الاجتماعيّة الدّائرة داخل المجتمع العربي الاسلامي، إلى درجة تشويه المعطيات والوقائع الاجتماعيّة التاريخيّة، بجعلها صراعات شعوبيّة قوميّة ضدّ العرب، بدل التّعامل معها على أنّها صراعات طبقيّة بالدّرجة الأولى وليست تابعة للصّراع القوميّ. ويستغرب انتصاره للنّزعة السلفيّة العربيّة واعتبارها ردّا إيجابيا على الانهيار الحضاريّ العربيّ الاسلاميّ. مع النّظر بشكل سلبي إلى الحركات الشعبيّة المطالبة بالمساواة” لأنّ طيب تيزيني يؤكّد أنّ أهل التسوية هؤلاء سمّوا أنفسهم بهذا الاسم زيفا”10

وفي هذا السّياق عمل بوعلي ياسين على مناقشة المضمون الفكريّ والآليات المنهجيّة الّتي استعملها تيزيني في تبرير استنتاجاته المتناقضة كليا مع حقيقة الوقائع التاريخيّة. وهذا بالفعل ما أكّدته قراءتنا لكتاب طيب تيزيني، الشّيء الّذي يطرح عشرات الاسئلة حول العلميّة والبعد المعرفي للبحث العلمي الّذي أكّد عليه في مقدمة كتابه، وهو يسجّل ملاحظاته النقديّة حول السّائد الفكري ذي الطّابع التّحيزي الإيديولوجي الغالب على النّتاج الفكري المتعلّق بقراءة التراث العربيّ الاسلاميّ. وفي جانب آخر حسب ملاحظات بوعلي نتساءل مثله كيف أمكن للفكر الماديّ النظريّ والسياسيّ المستند للمنهج الماركسي أن يخلط بشكل عشوائي في استعمال المفاهيم الماركسيّة كما لو أنّها مصطلحات مدرسيّة تقول الشّيء ونقيضه، خاصّة حين يجعل الصّراع الاجتماعي بين اقطاعيتين في دولة واحدة، وأيضا ينتصر تيزيني كفكر كفاحي مادي، كما يصفه هو نفسه في صفحات كثيرة من كتابه، وهو ما نتفق معه في ذلك الوصف، لصالح الظّالم ضدّ المظلوم بدوافع عروبيّة مشوّها حقيقة الصّراع الاجتماعيّ بين الطبقات المظلومة والسّلطة المركزيّة بمختلف انتماءاتها الإثنيّة والعرقيّة واللّغويّة. ونرى أنّ بوعلي قدّم تحليلا اجتماعيا اقتصاديا برؤية سياسيّة تاريخيّة نقديّة لحقيقة الوضع السّائد في المجتمع العربيّ الاسلاميّ الوسيط، كاشفا عن هشاشة ما أراده تيزيني مقدمة نظريّة، أو بديلا جدليا في التّاريخ والتراث معزّزا أفكاره بالحجّة المقنعة” إنّنا نرى أنّ الارستقراطيّة العربيّة والارستقراطيّة غير العربيّة في الدولة الاسلاميّة كانتا طبقة واحدة تخدمان سلطانا واحدا، وتتنافسان على رضى السّلطان وعلى نهب المنتجين. ونجد لدى ابن خلدون مصداقا لرأينا حيث يقول” ألا ترى إلى موالي الأترك في دولة بني العباس وإلى بني برمك من قبلهم  وبني نويخت، كيف أدركوا البيت والشّرف وبنوا المجد والأصالة بالرّسوخ في ولاء الدولة…كان شرفهم من حيث ولايتهم في الدولة واصطناعهم. وما سوى هذا فوهم توسوس به النّفوس الجامحة”.11

والغريب في التّحليل الماديّ للصّراع الطبقيّ والقوميّ الشعوبيّ أن يستثني تيزيني الحركات الثوريّة مثل القرامطة، مختزلا  الصّراع بين ما يسمّيه سلفيّة إسلاميّة عربيّة وسلفيّة مزدكيّة فارسيّة. أو القول بأنّ الصراع كان بين الاقطاع غير العربيّ والاقطاع العربيّ” إنّ هذا القول يفتقد إلى العلميّة في عدّة نقاط أوّلا التّحيز التّام إلى جانب العرب، إذ جعل المؤلّف صراعهم ضدّ الشعوبيّة مشروعا في حين لم يعط هذه المشروعيّة لصراع الشّعوبيين، بالرّغم من أنّ نقطة الانطلاق في هذا الصّراع هي تفضيل العرب بغير حقّ على غيرهم من المسلمين. ثانيا إعطاء الأولويّة للصّراع القوميّ على الصّراع الطبقيّ الأمر الّذي يتناقض مع عامل التّطور الأساسيّ الّذي ذكره المؤلّف وهو الصّراع الطبقي الّذي انتهى بانتصار الإقطاع كما يتناقض مع المنهج الماركسيّ الّذي تبنّاه المؤلّف، ثالثا التّفكير التآمري الّذي يفسّر تحرّكات الطّبقات وأفكارها وتحالفاتها بمفاهيم التآمر والخديعة”.12

هذه مجرّد أمثلة بسيطة لما ناقشه بوعلي ياسين في كتاب تيزيني من التراث إلى الثّورة. وما يهمنا نحن بشكل خاصّ هو مدى إلتزام تيزيني بالمقدمة النظريّة المنهجيّة المستندة إلى المنهج الماركسيّ، ثمّ إلى أيّ حدّ خدم تحليله النقدي في تشخيص الواقع الاجتماعيّ التاريخيّ بكلّ مستوياته البنيويّة أهداف دراسته في طرح مشروع رؤيّة جديدة؟

إنطلاقا من قراءتنا للكتاب وحسب ما أوردناه من دراسة بوعلي ياسين نلاحظ غياب التّماسك والاتّساق الفلسفي النّظري مع الحضور الغالب للتسيّب المنهجيّ في استعمال المفاهيم رغم محاولته تدقيقها أثناء محاولة إنتاجه لمعرفة علميّة حول التاريخ والتراث العربيّ الاسلاميّ، مدعيا قدرتها تلك المعرفة على إنتاج البديل الايجابيّ لكلّ النّزعات والاتجاهات الّتي إنتقدها وكان محقّا في ذلك النّقد لو إلتزم بمضمونه المنهجيّ والمعرفيّ. وهنا كانت محنة السّؤال النقديّ حاضرة بقوّة لأنّه كان ضحيّة التّحيز الإيديولوجّي والابتسار والاختزال النظريّ المعرفيّ، ضاربا عرض الحائض بكلّ الوقائع التاريخيّة الاجتماعيّة في حقيقتها الماديّة وفقا لجدليات التركيب الاجتماعي الاقتصادي، ودون تمحيص نقديّ للمصادر المرتبطة بهذا التاريخ وتراثه الفكريّ المتعلّق بنشوء وسقوط الدّول، أو على مستوى التاريخ المنسيّ المهمّش للحركات الثوريّة الاجتماعيّة الّتي خاضت نضالات ضدّ السّلطة المركزيّة، مخالفا بذلك دعوته الماديّة التاريخيّة الّتي يعتمدها في مشروع رؤيته الجديدة.

وإذا كان بوعلي ياسين قد ناقش تيزيني في الكثير من المنطلقات النظريّة والمنهجيّة تبعا للمنهج الماركسيّ في الدراسة والتّشخيص قصد تملك التّاريخ والتراث العربيّ الاسلاميّ معرفيا، أي إنتاج معرفة ” مغامرة” نظريّة لرؤيّة جديدة للتراث  لتفادي استغلاله من طرف النزعات الضيّقة للفكر السّائد، كما استغرب استعماله غير العلمي للماديّة التاريخيّة والمفاهيم الاجتماعيّة التاريخيّة كالقوميّة حيث قال ” من الخطأ أن نتحدّث بخصوص العصور الوسطى عن صراع قومي (كما يفعل طيب تيزيني ص63). كذلك من الخطأ القول، إنّ الدولة العثمانيّة كانت تحاول تتريك الشّعب العربي(ص74و78). فذلك فعلته تركيا الفتاة، أي الأتراك القوميون لا العثمانيون.”13

فما قول بوعلي ياسين في الاسقاط النظريّ لمفاهيم الماديّة التاريخيّة على الواقع العربيّ الاسلاميّ في تلك القترة من تاريخ العصور الوسطى. كالحديث عن الطبقة الاجتماعيّة بالمعنى الحديث، الصّراع الطبقي، البورجوازيّة، الرأسماليّة المبكرة، التقدميّة، اللبيراليّة، الاشتراكيّة الطوباويّة…،14  حيث لم يكلف لا الكاتب تيزيني ولا النّاقد بوعلي ياسين نفسيهما عناء ومشقة على الأقل ما كان يسمّيه مهدي عامل، دون أن يستطيع هونفسه تحقيقه بالشّكل العلمي المطلوب، إلى حدّ مّا، تمييز النظريّة الجاهزة أو إعادة إنتاج المفاهيم وفق الشروط التاريخيّة الاجتماعيّة للمجتمع قيد الدراسة. فانعكس ذلك الإسقاط من طرفهما معا سلبيا على  محدوديّة  التّشخيص الاجتماعي الاقتصادي الملتبس، ممّا أدى إلى قراءة إيديولوجيّة إنتقائيّة للتاريخ والتراث العربي الاسلامي بمصطلحات الماديّة التاريخيّة والمنهج الماركسي. حيث تمّ صبّ الواقع الحيّ في قوالب جاهزة وناجزة، هكذا يظهر لديهما معا غلبة الهاجس الإيديولوجي على المضمون المعرفي العلمي.15 فهما ينطلقان من مواقع الحقيقة أو الحقائق الماركسيّة المنزلة، ذات الرؤيّة الأحاديّة القطعيّة وفق المنطق الثّنائي (إمّا،أو)، مع أنّ تصنيفا للفلاسفة والمفكّرين وللتيّارات الفكريّة الدينيّة فيه الكثير من التّعسف: بين مادي أو مثالي، تقدمي أو رجعي، هرطقي عقلاني … 16 إنّها رؤيّة، لديهما معا، تفتقر إلى معاودة الانتاج بما يشكّل قيمة مضافة للفكر النقديّ العربيّ الاسلاميّ، وبما يستجيب في بحثه ودراسته في التاريخ والتراث العربيّ الاسلاميّ لمتطلبات السّؤال النقديّ في مقاربة الواقع الرّاهن في تحدياته وإشكالياته الاجتماعيّة والاقتصاديّة والفكريّة الثقافيّة، والسياسيّة بامتياز كبير في صراعات بنى التركيب الاجتماعيّ الاقتصاديّ الداخليّ لمجتمعاتنا الحديثة والمعاصرة.

والتّساؤل النقدي العميق هو كيف استطاع تيزيني تشخيص الواقع العربي الاسلامي في العصر الوسيط دون الاستناد إلى دراسات ومصادر وضعيّة ميدانيّة اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة وثقافيّة؟ هكذا كان تيزيني يتلاعب بمفاهيم ماركسيّة في وصف العلاقات الانتاجيّة والعلاقات الاجتماعيّة، وفي تسمية الطبقات الاجتماعيّة، والصّراعات الدّائرة، دون أن يكلّف نفسه عناء الإحالات العلميّة الّتي تخوّله تلك السّهولة في توزيع المفاهيم يمينا ويسارا، وهو يعرف أنّ المفهوم العلمي له مضامين فلسفيّة معرفيّة نظريّة وتاريخيّة سوسيولوجيّة حتّى يرقى إلى مستوى الأداة البحثيّة. وهذا ما تجنبه إلى حدّ مّا بوعلي ياسين وهو يعتمد على ابن خلدون في نقده للطيب تيزيني، فكان مقنعا في تحليله النّقدي إلى حدّ مّا.

ورغم كلّ ما قلناه فإنّنا ننظر بتقدير واحترام إلى المجهود الفكري الّذي بذله طيب تيزيني ، وهو يعرف ما ينتظر مغامرته النظريّة من مخاطر ومزالق، وهو لا يدّعي الأسبقيّة ولا الكمال في البحث والدراسة.17 كما نثمّن التّحليل النقدي العميق والجريء الّذي أنجزه بوعلي ياسين لـ ” مشروع رؤية جديدة للفكر العربيّ من التراث إلى الثورة” بعد صدوره بسنتين. فقد كشف عن هشاشته النظريّة العلميّة ومغالطاته التاريخيّة المعرفيّة بشأن تاريخيّة التركيب الاجتماعيّ الاقتصادي للمجتمع العربيّ الاسلاميّ في العصر الوسيط،  الشّيء الّذي جعلنا نتساءل عن إصرار طيب تيزيني على عدم إعادة مراجعة مشروعه الفكري نقديا، وهو يعيد إصداره في طبعات غير مزيّدة ولا منقحة، حتّى يكون فعلا بديلا حقيقيا للنزعات الضيّقة الانتقائيّة والإيديولوجيّة الّتي تطاولت مع الزّمن كقدر غيبي محتوم. وهذا ما يجعل نقده ضعيفا وغير مقنع فلسفيا ومعرفيا، للكثير من التيّارات والاتّجاهات الفكريّة الغربيّة بدعوى التّآمر والاستعمار الثّقافي، كالوجوديّة والوضعيّة وغيرهما مثل:  نتشه وشوبنهاور إلى كيكرغارد وهيدجر… 18؟

كما أنّ هناك الكثير من التّخبط بين الصفحة وأختها عندما ناقش فهمه للاشتراكيّة العلميّة وعلاقتها بالجماهير بين الصفحة320و الصفحة324./19

إنّ أكبر خسارة في  مشروع هذه النظريّة الّتي حاول وضعها طيب تيزيني هو التضحية بالسّؤال النقديّ والانتصار لجدل التراث بدلا من جدل الواقع.  حيث يقول تيزيني عكس ماركس” إنّ نقد الأرض يقتضي نقد السّماء، بل ويسبقه أحيانا”.20    وهو يرى أنّ التراث العربي يمتلك حيّزا خطيرا في الحياة الثقافيّة العربيّة المعاصرة، وأنّ هناك تناقضا بين الجماهير الكادحة من جهة والقوى السياسيّة التقدميّة والمفكّرين التقدميين والاشتراكيّة العلميّة من الجهة الأخرى،21    والغريب في الأمر أنّه أعاد إنتاج التّصورات والاعتقادات نفسها، وهو يتكلّم بعد عقود عن الكتلة التاريخيّة في مشروعه حول النّهضة والتّنوير العربيّ بصورة ملتبسة عن مفهوم الأمّة الموسّع أحيانا والمختزل أحيانا أخرى فيما يسمّيه القوى الحيّة، أي القوى النخبويّة.

****

الهوامش

1  مهدي عامل: مقدمات نظريّة، ط3، س1980، ص 28.

2عبد السلام بنعبد العالي: ثقافة الأذن وثقافة العين، دار توبقال، ط2، س2008، ص41.

3 بوعلي ياسين: العرب في مرآة التاريخ، دار المدى للثقافة والنشر، 1995.

4 بوعلي  ياسين: المرجع نفسه ص199و200.

5 بوعلي ياسين: ص201.

6بوعلي ياسين: ص 203.

7 بوعلي ياسين: المرجع نفسه ص204.

8  بوعلي ياسين: ص 207.

9 بوعلي ياسين:  ص 209.

10 بوعلي ياسين: المرجع نفسه، ص 2012.

11 بوعلي ياسين: ص 215.

12 بوعلي ياسين: ص 216.

13 بوعلي ياسين: المرجع نفسه ص 223.

14 طيب تيزيني: من التراث إلى الثورة، دار ابن خلدون، ط2، س1978، ص355.

15 وهذا يتناقض مع المقدمات النظريّة والمنهجيّة الّتي كررّها طيب تيزيني في كلّ كتبه.

16 بوعلي ياسين: ص 241.

17طيب تيزيني: ص 14.

18 طيب تيزيني: من التراث إلى الثورة ص 186.

19 طيب تيزيني: من الصفحة 320 إلى الصفحة 324.

20و21 طيب تيزيني: ص 265.

 

 

You may also like

93 comments

Velia Youmans 7 يوليو، 2020 - 2:51 م

I simply want to tell you that I am all new to weblog and honestly enjoyed this web-site. Very likely I’m planning to bookmark your blog post . You definitely come with awesome articles and reviews. Cheers for sharing with us your web-site.

http://www.withapackofpizzaz.com

Reply
places to buy viagra 9 يوليو، 2020 - 3:00 ص

This web site is actually a walk-through for all of the details you desired regarding this and didn?t recognize who to ask. Glimpse right here, and you?ll definitely find it.

https://judpharmacy.com/

Reply
cbd for anxiety 9 يوليو، 2020 - 3:35 ص

Found this on MSN and I’m happy I did. Well written article.

http://learning.terrafirmaresources.ca/safety/screen-shot-2016-05-27-at-2-32-08-pm/

Reply
John Deere Repair Manuals 10 يوليو، 2020 - 7:35 ص

I would like to thank you for the efforts you’ve put in writing this web site. I am hoping the same high-grade blog post from you in the upcoming also. In fact your creative writing skills has encouraged me to get my own blog now. Actually the blogging is spreading its wings rapidly. Your write up is a good example of it.

http://partscatalog.sellload.com

Reply
security screens cost 10 يوليو، 2020 - 10:48 ص

I absolutely love your blog and find nearly all of your post’s to be exactly what I’m looking for. Does one offer guest writers to write content for you personally? I wouldn’t mind producing a post or elaborating on a lot of the subjects you write with regards to here. Again, awesome web log!

https://vegasinc.lasvegassun.com/business/2020/jun/29/when-it-comes-to-security-everything-is-fine-until/

Reply
security screens with doggie doors 10 يوليو، 2020 - 1:20 م

Hi there! I know this is kinda off topic but I’d figured I’d ask. Would you be interested in trading links or maybe guest authoring a blog article or vice-versa? My website addresses a lot of the same topics as yours and I feel we could greatly benefit from each other. If you happen to be interested feel free to shoot me an e-mail. I look forward to hearing from you! Wonderful blog by the way!

https://www.youtube.com/watch?v=f4Sa8t2b-H8

Reply
link 12 يوليو، 2020 - 6:27 م

Aw, this was an actually great blog post. In suggestion I would love to put in creating like this additionally? taking some time and actual effort to make a great write-up? yet what can I claim? I hesitate alot as well as by no means appear to obtain something done.

https://judproducts.com/

Reply
John Deere Repair Manuals 14 يوليو، 2020 - 1:42 م

Undeniably imagine that that you stated. Your favorite reason seemed to be on the internet the simplest factor to bear in mind of. I say to you, I definitely get irked whilst people consider worries that they just don’t recognise about. You managed to hit the nail upon the top and defined out the whole thing without having side-effects , people can take a signal. Will likely be back to get more. Thanks!

http://partscatalog.sellload.com

Reply
35 mg of cbd oil for dogs for seizures 15 يوليو، 2020 - 10:11 م

An interesting conversation is worth comment. I assume that you ought to compose a lot more on this topic, it may not be a frowned on subject but normally people are not enough to talk on such subjects. To the following. Thanks

https://wfieldsforpets.com/

Reply
purest cbd for dogs 16 يوليو، 2020 - 10:54 م

Can I simply claim what an alleviation to discover a person that actually recognizes what theyre talking about on the web. You certainly know just how to bring an issue to light and make it essential. Even more people require to read this and recognize this side of the tale. I cant think youre not more prominent because you certainly have the gift.

https://cannabidioloilfordogs.com/

Reply
concentrated cbd oil capsules 19 يوليو، 2020 - 3:33 ص

There are absolutely a great deal of details like that to consider. That is an excellent point to bring up. I offer the ideas over as general ideas yet clearly there are concerns like the one you bring up where one of the most vital point will be working in sincere good faith. I don?t recognize if finest methods have emerged around points like that, however I make certain that your work is plainly recognized as an up for grabs. Both children as well as girls feel the influence of simply a moment?s enjoyment, for the rest of their lives.

https://cbdpillsforsale.org/

Reply
click this 21 يوليو، 2020 - 4:17 ص

This truly answered my issue, thank you!

https://judproducts.com/generic/tamiflu_prices.htm

Reply
Google 21 يوليو، 2020 - 8:35 ص

I’m impressed, I have to admit. Rarely do I come across a blog that’s both equally educative and engaging, and without a doubt, you’ve hit the nail on the head. The problem is something that too few men and women are speaking intelligently about. I’m very happy I came across this in my search for something regarding this.

https://google.com

Reply
Cecil Buecher 21 يوليو، 2020 - 1:41 م

There is visibly a package to find out about this. I think you made certain great points in features likewise.

http://vfdvui.ru/

Reply
Homepage 25 يوليو، 2020 - 1:18 ص

extremely good message, i certainly love this site, keep on it

http://avtohh.ru/top-guide-of-mattress/

Reply
at bing 28 يوليو، 2020 - 3:57 م

There are some interesting times in this article yet I don?t understand if I see every one of them center to heart. There is some legitimacy however I will certainly hold viewpoint till I explore it even more. Good short article, many thanks and we want much more! Included in FeedBurner as well

http://razstore.ru/top-mattress-reviews/

Reply
have a peek at these guys 30 يوليو، 2020 - 7:46 ص

You need to take part in a contest for among the best blog sites on the web. I will certainly recommend this site!

http://vitalbonus.ru/

Reply
Google 31 يوليو، 2020 - 1:07 ص

I’m pretty pleased to find this great site. I wanted to thank you for ones time for this particularly wonderful read!! I definitely enjoyed every bit of it and i also have you saved as a favorite to check out new information on your web site.

https://google.com

Reply
안전 메이저사이트 31 يوليو، 2020 - 5:59 ص

Best view in the town !

https://kizi-2.org

Reply
have a peek at this web-site 31 يوليو، 2020 - 7:45 م

Spot on with this write-up, I absolutely assume this internet site requires far more factor to consider. I?ll possibly be again to check out a lot more, many thanks for that info.

http://voozie.ru/

Reply
안전놀이터 31 يوليو، 2020 - 9:09 م Reply
cock sucking phone sex 1 أغسطس، 2020 - 6:30 ص

wonderful publish, very informative. I wonder why the opposite experts of this sector do not notice this. You should proceed your writing. I’m sure, you have a great readers’ base already!

https://www.landpage.co/c9ad11cc-c83c-11ea-8c4c-def777a16ebd

Reply
Cale Proctor 1 أغسطس، 2020 - 12:38 م Reply
moved here 2 أغسطس، 2020 - 2:57 ص

I uncovered your blog site on google and examine a few of your very early articles. Continue to maintain the excellent run. I just added up your RSS feed to my MSN News Viewers. Looking for forward to finding out more from you later on!?

http://iphonefashion.ru/how-can-i-stop-paying-too-much-for-my-drugs-cbd-crystals-crypto-currency/

Reply
안전해외사이트 2 أغسطس، 2020 - 5:41 ص

Best view in the town !

https://warrantnavi.net

Reply
안전놀이터 2 أغسطس، 2020 - 5:27 م

Love watching movies !

https://tripleshottuesday.com

Reply
안전 메이저사이트 3 أغسطس، 2020 - 6:24 ص

Love watching movies !

https://kizi-2.org

Reply
안전사이트 3 أغسطس، 2020 - 7:00 ص

Best view in the town !

https://www.tranquilkneads.org

Reply
Huey Trevigne 4 أغسطس، 2020 - 2:43 ص Reply
Hailey 4 أغسطس، 2020 - 5:20 ص

I loved as much as you will receive carried out right here. The sketch is tasteful, your authored material stylish. nonetheless, you command get got an impatience over that you wish be delivering the following. unwell unquestionably come more formerly again since exactly the same nearly a lot often inside case you shield this increase.

http://www.costumesbypattijo.com/lily-collins/

Reply
this link 5 أغسطس، 2020 - 10:22 م

There is visibly a package to understand about this. I presume you made sure good points in features additionally.

http://rodonit-v-sochi.ru/what-can-i-do-to-help-with-erectile-dysfunction/

Reply
buy cbd online in north dakota 6 أغسطس، 2020 - 9:41 م

Aw, this was a truly great blog post. In idea I want to place in creating similar to this in addition? taking time as well as real effort to make a very good short article? however what can I state? I procrastinate alot and by no means appear to get something done.

https://cbdoilcompanies.com/

Reply
cbd infised edibles 8 أغسطس، 2020 - 8:52 ص

Would certainly you be fascinated in exchanging web links?

https://cbdediblescandy.com/

Reply
most effective cbd oil 9 أغسطس، 2020 - 8:07 ص

Aw, this was a truly nice message. In suggestion I wish to place in composing similar to this furthermore? requiring time and also real initiative to make a very good write-up? however what can I say? I procrastinate alot and by no means appear to get something done.

https://blurpalicious.com/

Reply
does viagra stop you coming 14 أغسطس، 2020 - 5:27 م

I am typically to blogging and also i actually appreciate your web content. The write-up has truly peaks my rate of interest. I am going to bookmark your website and maintain checking for new information.

https://judpharmacy.com/

Reply
how was viagra discovered 15 أغسطس، 2020 - 9:35 م

The following time I review a blog, I really hope that it doesn’t disappoint me as long as this. I mean, I recognize it was my option to check out, however I really believed youd have something interesting to state. All I hear is a number of whining regarding something that you might fix if you werent also active looking for focus.

https://judpharmacy.com/

Reply
can old viagra hurt you 17 أغسطس، 2020 - 12:01 م

This actually answered my problem, thanks!

https://judshop.com/

Reply
Google 17 أغسطس، 2020 - 3:30 م

I was pretty pleased to find this great site. I wanted to thank you for your time for this particularly fantastic read!! I definitely liked every bit of it and I have you bookmarked to check out new information in your blog.

https://google.com

Reply
can you take viagra with heart condition 18 أغسطس، 2020 - 12:54 م

extremely good post, i absolutely enjoy this website, keep on it

https://jud10.org/

Reply
different names for viagra 19 أغسطس، 2020 - 7:10 ص

A remarkable share, I just given this onto a coworker who was doing a little evaluation on this. And he in fact purchased me morning meal because I located it for him. smile. So let me rephrase that: Thnx for the reward! Yet yeah Thnkx for investing the time to discuss this, I really feel highly concerning it and like learning more on this subject. If possible, as you become experience, would you mind upgrading your blog with even more information? It is very handy for me. Large thumb up for this blog post!

https://viagrawithoutadoctorprescription.com/

Reply
how to stay hard without viagra 20 أغسطس، 2020 - 4:59 ص

You ought to participate in a contest for among the best blog sites on the web. I will suggest this site!

https://judpharm.com/

Reply
viagra does not work 20 أغسطس، 2020 - 10:52 م

Place on with this write-up, I truly think this site requires much more consideration. I?ll possibly be again to read far more, thanks for that details.

https://noprescriptionproducts.com/

Reply
Lowell Nahari 22 أغسطس، 2020 - 8:34 ص

You’ve made some really good points there. I checked on the web for more info about the issue and found most individuals will go along with your views on this site.

https://conwaydavis17kqdaq.wixsite.com/burnette

Reply
is it safe to take lisinipril and cbd oil 26 أغسطس، 2020 - 4:35 ص

I?d need to get in touch with you below. Which is not something I usually do! I take pleasure in reviewing a message that will certainly make individuals think. Also, many thanks for enabling me to comment!

https://blurpalicious.com/

Reply
ctraindication for cbd oil and synthroid 27 أغسطس، 2020 - 12:22 م

I?m pleased, I should say. Actually seldom do I experience a blog that?s both enlightening and also amusing, and also let me tell you, you have actually hit the nail on the head. Your idea is impressive; the issue is something that inadequate people are talking smartly about. I am very satisfied that I stumbled across this in my search for something connecting to this.

http://cbdoil4u.org/

Reply
does cbd oil raise heart rate 28 أغسطس، 2020 - 5:52 م

This is the best blog for anybody who wishes to discover this subject. You recognize a lot its virtually tough to suggest with you (not that I really would want?HaHa). You definitely put a new spin on a subject thats been written about for many years. Terrific things, simply excellent!

https://cannabiseducationcentre.com/

Reply
the original source 30 أغسطس، 2020 - 8:28 م

I?d need to talk to you here. Which is not something I generally do! I appreciate reading an article that will make individuals assume. Additionally, thanks for allowing me to comment!

http://cvetocniy-biznes.ru/5-questions-about-buying-medicaments-from-foreign-service-endovex-male-enhancement/

Reply
Mia Overcash 4 سبتمبر، 2020 - 1:00 ص

I?d have to consult you below. Which is not something I normally do! I delight in reading a post that will certainly make individuals assume. Additionally, many thanks for enabling me to comment!

http://eduhistory.ru/

Reply
cbd oil 5 سبتمبر، 2020 - 5:54 م Reply
cialis commercial actor 8 سبتمبر، 2020 - 10:15 ص

Aw, this was a really great message. In idea I would love to place in creating like this additionally? taking some time and also real initiative to make a very good short article? however what can I say? I procrastinate alot as well as never appear to get something done.

https://cheapgenericpharmacy.org/

Reply
buy cialis 60 mg online 9 سبتمبر، 2020 - 4:28 ص

I?d need to talk to you here. Which is not something I normally do! I appreciate checking out a blog post that will certainly make people think. Likewise, thanks for allowing me to comment!

https://chrxproducts.com/

Reply
is sildenafil safe to take with prostate cancer 11 سبتمبر، 2020 - 1:58 م

This is the ideal blog for any individual that wishes to find out about this subject. You realize a lot its practically difficult to suggest with you (not that I actually would want?HaHa). You certainly put a new spin on a topic thats been blogged about for several years. Terrific things, simply terrific!

https://stablepharmacy.com/

Reply
sildenafil research chemical 14 سبتمبر، 2020 - 4:59 م

Area on with this article, I genuinely assume this site requires much more consideration. I?ll possibly be again to check out a lot more, thanks for that info.

https://fortunegraphite.com/

Reply
sildenafil as a generic 15 سبتمبر، 2020 - 6:55 ص

Good article. I discover something a lot more challenging on different blogs day-to-day. It will certainly constantly be stimulating to read web content from other authors and exercise a something from their store. I?d choose to make use of some with the material on my blog site whether you don?t mind. Natually I?ll provide you a web link on your internet blog site. Many thanks for sharing.

https://tevaviagra.com/

Reply
black gay sildenafil cumdump 16 سبتمبر، 2020 - 1:28 م

Place on with this review, I absolutely assume this site requires much more consideration. I?ll possibly be once again to read far more, thanks for that details.

https://upharmacy24.com/

Reply
how to make sildenafil citrate at home 17 سبتمبر، 2020 - 2:23 م

There are some interesting moments in this article however I don?t understand if I see every one of them center to heart. There is some credibility however I will hold opinion till I check into it further. Great post, thanks and we desire a lot more! Added to FeedBurner as well

https://cheapgenericpills.com/

Reply
ed meds online without doctor 18 سبتمبر، 2020 - 12:17 ص

This truly addressed my problem, thanks!

https://pharmacywithoutdoctorprescription.com/

Reply
processing sale of cbd online 21 سبتمبر، 2020 - 2:33 م

you have a fantastic blog right here! would certainly you such as to make some invite posts on my blog site?

https://cbdhempoilsale.us/

Reply
Jeanetta Bershadsky 27 سبتمبر، 2020 - 11:51 م

It?s hard to find knowledgeable individuals on this subject, however you sound like you recognize what you?re discussing! Thanks

http://collectiveedgecoaching.com/

Reply
Deandre Gomoll 28 سبتمبر، 2020 - 6:44 م

Can I simply state what an alleviation to discover a person who actually understands what theyre speaking about on the internet. You most definitely know how to bring a problem to light as well as make it crucial. More people require to read this and also comprehend this side of the story. I cant think youre not extra preferred since you absolutely have the present.

http://auto-zhilye.ru/

Reply
reliable cbd oil for sale 30 سبتمبر، 2020 - 2:44 م

A fascinating conversation is worth comment. I think that you must write much more on this topic, it might not be a forbidden topic yet typically people are inadequate to speak on such topics. To the following. Cheers

https://cannabidioloilsale.com/

Reply
Boyd Whaite 7 أكتوبر، 2020 - 1:11 ص

Hi, just discovered your own blog through Search engines, and found to ensure that it’s really educational. I’m gonna remain attuned for this tool. Cheers!

https://www.goodreads.com/user/show/103520322-rebeca-demark

Reply
Genevive Cramm 7 أكتوبر، 2020 - 3:46 م

Any person several opportune pieces, it comes surely, as well as you bring in crave of various the many other types of hikers close to you with hard part your question. pre owned awnings

https://www.pearltrees.com/fusebed1971/item289687509

Reply
Chantay Arturo 8 أكتوبر، 2020 - 12:25 ص

Glad to be one of several visitants on this awful website : D.

https://www.pearltrees.com/gayleglass0501/item282701284

Reply
Pearly Rintharamy 8 أكتوبر، 2020 - 5:00 م Reply
extra strength cbd dog treats 15 أكتوبر، 2020 - 11:37 م

This web site is truly a walk-through for every one of the information you desired concerning this as well as didn?t know that to ask. Glance here, and you?ll most definitely discover it.

https://cannabidioloilfordogs.com/

Reply
best cbd oil for pain 17 أكتوبر، 2020 - 4:35 ص

Can I simply state what an alleviation to discover someone who actually knows what theyre discussing on the web. You absolutely recognize how to bring a problem to light as well as make it vital. More individuals require to read this and also understand this side of the story. I angle believe youre not much more preferred because you certainly have the present.

https://cannabidioloilforpain.com/

Reply
Renate Dowda 27 أكتوبر، 2020 - 3:52 م

I uncovered your blog website on google and check a few of your early blog posts. Continue to keep up the excellent run. I just additional up your RSS feed to my MSN Information Viewers. Looking for forward to reading more from you later!?

http://mcgrating.ru/

Reply
Soledad Ancalade 28 أكتوبر، 2020 - 4:41 م

Youre so amazing! I don’t expect Ive review anything similar to this before. So wonderful to discover somebody with some initial thoughts on this subject. realy thank you for beginning this up. this website is something that is needed on the web, a person with a little originality. valuable task for bringing something brand-new to the internet!

https://cbdediblescandy.com/

Reply
cinger root tea and cbd oil 9 نوفمبر، 2020 - 9:50 ص

It?s tough to discover knowledgeable individuals on this topic, yet you sound like you recognize what you?re talking about! Thanks

https://todohemp.com/

Reply
canadian pharmacy 12 نوفمبر، 2020 - 9:24 م

canadian pharmacy organic naturals

http://supermarketpharmacysummit.com/

Reply
canadian drug pharmacy 11 ديسمبر، 2020 - 7:00 م

I am commonly to blog writing and also i truly appreciate your material. The write-up has actually peaks my passion. I am going to bookmark your site as well as keep checking for brand-new information.

https://supermarketpharmacysummit.com/

Reply
can my doctor prescribe female viagra 15 ديسمبر، 2020 - 7:56 م

The next time I check out a blog, I really hope that it does not dissatisfy me as much as this set. I mean, I know it was my selection to read, however I really assumed youd have something fascinating to state. All I listen to is a number of whining regarding something that you might repair if you werent as well busy seeking focus.

https://judshop.com/

Reply
how do i get viagra without seeing a doctor 16 ديسمبر، 2020 - 2:56 م

I?m impressed, I should claim. Really seldom do I come across a blog site that?s both informative and also enjoyable, as well as let me inform you, you have hit the nail on the head. Your concept is superior; the issue is something that not nearly enough people are speaking intelligently around. I am really delighted that I came across this in my look for something connecting to this.

https://jud10.org/

Reply
cbd oil max knee pain 17 ديسمبر، 2020 - 7:07 م

A fascinating discussion is worth remark. I think that you need to create much more on this topic, it may not be a forbidden subject however generally individuals are insufficient to talk on such topics. To the following. Thanks

https://cannabisoil24.com/

Reply
is cialis off patent yet 19 ديسمبر، 2020 - 11:48 ص

Good article. I learn something a lot more challenging on different blog sites day-to-day. It will certainly always be boosting to review content from other writers as well as exercise a something from their store. I?d favor to make use of some with the web content on my blog site whether you don?t mind. Natually I?ll offer you a link on your web blog. Thanks for sharing.

http://cialispharm.com/

Reply
cost of cialis 5mg 19 ديسمبر، 2020 - 11:16 م

It?s hard to locate educated people on this topic, however you sound like you recognize what you?re talking about! Thanks

https://chrxproducts.com/

Reply
cialis and high blood pressure 21 ديسمبر، 2020 - 12:00 م

This is the right blog site for any person that intends to find out about this subject. You recognize so much its nearly hard to say with you (not that I really would want?HaHa). You certainly placed a new spin on a subject thats been discussed for several years. Wonderful things, just wonderful!

http://cheapgenericpharmacy.org/

Reply
eosinophila and prednisone use 22 ديسمبر، 2020 - 11:18 ص

Hello! I simply would like to provide a huge thumbs up for the excellent info you have right here on this message. I will be coming back to your blog for more soon.

https://judpharma.com/zz240480.htm

Reply
tadalafil 20 mg buy online 23 ديسمبر، 2020 - 9:55 ص

You made some suitable factors there. I looked on the net for the concern and discovered most people will certainly go along with with your website.

https://usorganicpharmacy.com/

Reply
can you die of viagra 24 ديسمبر، 2020 - 3:31 م

I discovered your blog site on google as well as examine a few of your early blog posts. Remain to maintain the very good operate. I just added up your RSS feed to my MSN Information Reader. Seeking ahead to learning more from you later!?

https://judproducts.com/

Reply
viagra femdom chastity caption 25 ديسمبر، 2020 - 9:03 ص

Youre so cool! I don’t intend Ive check out anything such as this prior to. So wonderful to locate someone with some original thoughts on this subject. realy thanks for starting this up. this site is something that is needed on the web, a person with a little creativity. helpful job for bringing something new to the net!

https://judpharmacy.com/

Reply
viagra samples walgreens 26 ديسمبر، 2020 - 2:37 ص

very wonderful article, i certainly enjoy this internet site, go on it

https://judrxstore.com/

Reply
sildenafil herbal alternative 27 ديسمبر، 2020 - 8:15 ص

You made some respectable points there. I looked on the net for the concern as well as discovered most individuals will support with your website.

https://fortunegraphite.com/

Reply
sildenafil dose in newborn 29 ديسمبر، 2020 - 11:21 ص

Place on with this article, I absolutely believe this web site needs much more factor to consider. I?ll most likely be once more to review much more, many thanks for that information.

https://upharmacy24.com/

Reply
sildenafil marcas comerciales 31 ديسمبر، 2020 - 6:37 ص

When I initially commented I clicked the -Notify me when brand-new comments are added- checkbox as well as currently each time a comment is added I obtain four e-mails with the very same remark. Exists any way you can eliminate me from that service? Many thanks!

https://cheapgenericpills.com/

Reply
Laraine Kolp 9 مارس، 2021 - 10:26 م

Whoa! This blog looks exactly like my old one! It’s on a entirely different subject but it has pretty much the same layout and design. Excellent choice of colors!

http://freeurlredirect.com/cheapphonesex807866

Reply
what does hydroxychloroquine do 17 سبتمبر، 2021 - 1:11 م Reply
side effects of accutane 24 سبتمبر، 2021 - 10:30 ص

accutane medication accutane coupon

Reply
prednisolonedosage 24 سبتمبر، 2021 - 10:36 ص Reply
buymodalertreddit 24 سبتمبر، 2021 - 10:47 ص

https://getmodafinilnow.com/ modafinil over the counter

Reply
bactrim ds dosage 24 سبتمبر، 2021 - 10:52 ص

co trimoxazole bactrim sulfamethoxazole rash

Reply
Dinszeds 1 أكتوبر، 2021 - 11:55 ص

methyl prednisolone what is prednisone used for

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00