أفعى لولبية من نجران، تقابلها أفاع مشابهة من مواقع في الإمارات العربية المتحدة. ثقافة و فنون محمود الزيباوي يكتب عن: أفعى نجران اللولبية المتمتعة بقوى سحرية by admin 5 يناير، 2024 written by admin 5 يناير، 2024 121 تثير الأسئلة حول وظيفتها ودلالاتها الشرق الاوسط / محمود الزيباوي يحتفظ المتحف الوطني في الرياض بقطعة أثرية من الصلصال، يزينها نقش ناتئ يمثّل أفعى تلتف حول نفسها في شكل لولبي. تبدو هذه القطعة في الظاهر متواضعة فنيّاً، غير أنها تتميّز بتكوينها التشكيلي الذي يعيد إلى الذاكرة صورة الأفعى اللولبية التي تظهر على أوانٍ فخارية في نواحٍ عدة من جنوب شرقي الجزيرة العربية، كما أنها تثير كثيراً من الأسئلة حول وظيفتها ودلالاتها. صُنعت هذه القطعة من صلصال رملي أحمر، وهي على شكل أكرة دائرية يبلغ طول قطرها 21 سنتيمتراً، وسُمكها 7 سنتيمترات، وتمثّل ثعباناً يلتفّ حول نفسه مشكّلاً ثلاث حلقات حلزونية ناتئة متلاصقة، ترافقها كتابة من ستة أحرف بالقلم المسندي، حُفرت على وسط الحلقة الكبرى. عُرضت هذه الأكرة ضمن معرض «طرق الجزيرة العربية» الذي انطلق من باريس في صيف عام 2010، مع تعريف مقتضب غاب عنه أي تحديد لتاريخها وللكتابة المحفورة عليها. وفق هذا التعريف؛ عُثر على هذه القطعة في منطقة نجران، جنوب غربي المملكة العربية السعودية، وهي «مخصصة على ما يبدو لوضعها تقدمة في أحد المعابد». جاء هذا المجسّم النذري على شكل أفعى، والمعروف أن هذا الحيوان حمل «قيمة رمزية بالغة الأهمية» في جنوب الجزيرة العربية، حيث كان رمزاً لمعبود يسمّى «ود»، حظي بتكريم واسع في مملكة معين التي سيطرت على تجارة البخور مع الشرق القديم طوال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد. تخطّى حضور المعبود «ود» حدود جنوب الجزيرة، وارتبط ذكره برموز كثيرة؛ منها الأفعى، كما أشار كثير من أهل الاختصاص. تستند هذه القراءة إلى عدد من الشواهد الأثرية تُظهر هذا الارتباط، غير أن هذه الشواهد تتبنى أشكالاً متعددة تغيب عنها الأفعى اللولبية التي تظهر على أكرة نجران. تبدو هذه القطعة الأثرية فريدة من نوعها في هذا الموقع الجغرافي، غير أن تكوينها التشكيلي يعيد إلى الذاكرة صورة انتشرت في نواحٍ عدة من جنوب شرقي الجزيرة العربية. ظهرت هذه الصورة على أوان خزفية متعددة الأحجام تعود إلى العصر الحديدي؛ منها قطع عُثر عليها في موقع الرميلة بمدينة العين، بإمارة أبوظبي، وقطع مشابهة عُثر عليها في موقع «مسافي» الذي يتبع إمارة الفجيرة، كما يحتفظ متحف أبوظبي بكسر من الطراز نفسه مصدره موقع الغمر في الحمراء؛ في المحافظة الداخلية. في كل هذه الشواهد، تتكرّر صورة الأفعى اللولبية المزينة بدوائر ونقاط نُقشت بواسطة قصبة مفرغة. في الواقع؛ تحضر الأفعى في أشكال متعددة في نواحٍ متفرّقة ومتقاربة من جنوب شرقي الجزيرة العربية؛ منها موقع ساروق الحديد الأثري، حيث يظهر الثعبان على أوان فخارية، كما يظهر في مجسمات برونزية مستقلة. في قراءة تحليلية لهذه اللقى؛ رأى الباحث الأردني رافع محيميد حراحشة أن الأفعى تظهر على أوان «كانت تُحفظ فيها مواد خاصة، ربما استخدمت في المعبد، وقد يُفسَّر وجود زخرفة الثعابين، على جرار التخزين، كنوع من الممارسة السحرية لحماية محتويات الجرار من الآفات والقوارض». في المقابل، صُنعت الثعابين البرونزية صغيرة الحجم لتوضع «بالدرجة الأولى في الجرار وبين الحبوب لغرض الحماية، وربّما أيضاً في مخازن المحاصيل الزراعية». في هذا السياق، يضيف الباحث: «يشير تمثيل الأفعى على الآنية الفخارية من جرار كبيرة وصغيرة، وعلى أغطية الجرار والأشكال البرونزية المجسمة، وفي زخرفة مقابض الخناجر وزخرفة المباخر، إلى أنه كان للأفعى في مواقع عصر الحديد في جنوب شرقي الجزيرة العربية، نوع من القدسية، وأنها كانت تتمتع بقوى سحرية على أفراد المجتمع، فهي رمز للحياة ورمز لقوى الخصوبة، تجدّد حياتها بتغيير جلدها، وهي قاتلة من جهة؛ وواهبة الحياة من جهة أخرى، ومن المحتمل أنه كانت تقام طقوس في المعابد، من شعائرها تقديم تماثيلها البرونزية، والأواني التي تحمل زخارفها، كهدايا نذرية، أو توضع كمرفقات جنائزية في المدافن مع المتوفين». عرف الشرق القديم هذا التقليد منذ زمن طويل. في العالم السومري، ارتبطت صورة الأفعى رمزياً بمعبود عُرف باسم «نينجيشزيدا». بعدها؛ ظهرت الأفعى أمام أبواب معبد «إيساكيلا»؛ الهيكل الرئيسي المخصّص للمعبود «مردوخ» في مدينة بابل. وفي موقع تيبي غاورا؛ أي التل الكبير، بالقرب من مدينة الموصل في شمال العراق، عُثر على مجموعة كبيرة من الثعابين البرونزية الطقوسية. في بلاد كنعان، قبل وصول العبرانيين، ظهرت العبادات المتعلّقة بالأفعى في نواحٍ كثيرة؛ منها تل مجدو في شمال فلسطين، وتل الجزر على حافة سلسلة الجبال الممتدة بين القدس والساحل، وتل شكيم في الطرف الشرقي لمدينة نابلس. يتكرر صدى هذه التقاليد في روايتين وردتا في التوراة. تقول الأولى إن العبرانيين عند خروجهم من مصر تاهوا في الصحراء حيث «لا خبز ولا ماء»، فتململوا؛ «فأرسل الرب على الشعب الحيات المحرقة، فلدغت الشعب، فمات قوم كثيرون من إسرائيل. فأتى الشعب إلى موسى وقالوا: قد أخطأنا إذ تكلمنا على الرب وعليك، فَصَلّ إلى الرب ليرفع عنا الحيات». فصلّى موسى لأجل الشعب. فقال الرب لموسى: «اصنع لك حية محرقة وضعها على راية، فكل من لدغ ونظر إليها يحيا. فصنع موسى حية من نحاس ووضعها على الراية، فكان متى لدغت حية إنساناً ونظر إلى حية النحاس يحيا» (سفر العدد 21: 5 – 21). أما الرواية الثانية؛ فتعود إلى عهد هوشع بن أيلة؛ الملك التاسع عشر من ملوك إسرائيل، وتؤكد أن هذا الملك التّقي «سحق حية النحاس التي عملها موسى؛ لأن بني إسرائيل كانوا إلى تلك الأيام يوقدون لها، ودعوها نحشتان» (سفر الملوك الثاني 18: 3 – 4)، و«نحشتان» اسم عبري معناه «قطعة نحاس»؛ ممّا يعني أن الأفعى التي حملت هذا الاسم ليست إلهاً؛ بل مجرد قطعة من نحاس، وقد عدّها اليهود صنماً مقدساً؛ لا رمزاً لقوة الله الحي فقط، فسحقها هوشع بن أيلة. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post شوقي بزيع يكتب عن: الحب بلغة الحرب ومنظورها وأدواتها next post عام 2023 يحمل “مفاجأة” في عدد سكان مصر You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024