الإثنين, نوفمبر 18, 2024
الإثنين, نوفمبر 18, 2024
Home » محمد شوقي الزين : ما بعد الكورونا أو النموذج العالمي الرابع

محمد شوقي الزين : ما بعد الكورونا أو النموذج العالمي الرابع

by admin

موقع كوة / في مقال قصير عنوانه «ما الذي سيَنتُج عن الكورونا؟»[1]، بحدس مستقبلي لكن برؤية نقدية تراجعية، قدَّم المفكر جاك أتالي (ولد بالجزائر سنة 1943) انطباعه حول حالة العالم في شقَّين رئيسين؛ هما الصحَّة/المرض والاقتصاد. يُخيَّل إليَّ أن فكرة أتالي نتشوية في جوهرها، لأن منذ نهاية القرن التاسع عشر، عصر الأزمات السياسية والثورات والأوبئة أيضاً، قطع نتشه مع النموذج المهيمن منذ 2500 سنة وهو الصدق/الكذب في الإطار الحصري للرؤية المنطقية للعالم منذ أرسطو، ليعوّضه بنموذج جديد هو الصحة/المرض، وأن معيار الحقيقة يصبُّ في عنصر بديهي، لكنه مبهم وملغز هو الجسد العليل. بيَّن أتالي كيف أن الأوبئة خلال الألف سنة الأخيرة هي التي صنعت الخريطة السياسية والأمنية لأوروبا الناشئة وقتها؛ أوروبا التي كانت ترزح تحت «النموذج الأول» الذي كان يتحدَّد في الباراديغم الديني/اللاهوتي، كانت فيه حصة الأسد للكنيسة الكاثوليكية في سياسة قمعية لا هوادة فيها تُجاه الشقيقة العاقة «الكاثارية» إلى غاية إفنائها نهائياً، ثم تُجاه الضرَّة المشاغبة «البروتستانتية» لاحقاً.

جاء وباء الطاعون في القرن الرابع عشر، ليُزعزع الثقة تُجاه السلطة البابوية المطلقة، فكان أن حلَّ الشُّرطي محل القس؛ أي الولوج في الدولة الحديثة أو ما سمَّيناه «النموذج الثاني»، وهو الباراديغم السياسي/الأخلاقي الذي هيَّأته فلسفات الحق الطبيعي والحقوق المدنية منذ فولتير وروسو ولوك. لم يكن الانتقال من النموذج الأول إلى النموذج الثاني على صعيد «الفكرة» أو الأيديولوجيا فحسب، بجعل الأنوار مضادَّة لروح العصر الوسيط الكهنوتي، بل كانت على صعيد «الحياة» بأن عوَّض شخص الطبيب شخص الشُّرطي في سياسة الحياة والحفاظ عليها، حيث شهد القرن التاسع عشر أوج التَّمظهر الكوني للحياة (داروين وأصل الأنواع، نتشه ومعيار الحقيقة في الصحة والمرض، دلتاي ورؤية العالم والحياة).

يُلخِّص أتالي الانتقالات من السيادة القائمة على الاعتقاد في «النموذج الأول» إلى السيادة القائمة على احترام القوة، ثم احترام سيادة دولة الحق والقانون في «النموذج الثاني». يتحدَّث أتالي عن انزياح على مستوى «صورة الفاعل» (القس، ثم الشُّرطي، ثم الطبيب)، وحبَّذتُ إجراءً آخر على مستوى «النموذج الفاعل» من وجهة نظر كُلاَّنية (holisme) لا تتنكَّر للأنطولوجيات المحليَّة والجزئية، لأن صورة الفاعلين الآخرين ليست أقل أهمِّية في سياسة الحقيقة أظهرها ميشيل فوكو منذ «ميلاد العيادة» (1963) وإلى غاية «الحراسة والعقاب» (1975)، مثل صورة «رجل القانون». هو أن نظام الخطاب اختلف باختلاف الأشخاص التي عاتقها سياسة الحقيقة في الميادين الميكروفيزيائية للسلطة، سواء أتعلَّق الأمر بالعيادة أم بالسجن أم بالمؤسسة التَّربوية.

عندما درس ميشيل دو سارتو «الانقلاب النموذجي»[2] في حدود القرنين 16-17م؛ أي الانتقال من النموذج الأول إلى النموذج الثاني، وكان «عصر الباروك» (Baroque) هو عُقدة أو دسيسة هذا الانتقال، نظراً للرؤية الأخروية والتشاؤمية للعالم وقتها، من جرَّاء الأوبئة وانهيار الوحدة العقائدية للكنيسة في طوائف متناحرة، فإنه لمس نوعاً من الاحتيال أو الثورة المضادَّة على الإصلاح، بعودة النموذج اللاهوتي متلبِّساً في الحكم الملكي المطلق (تواطؤ الأمير والقس). طبعاً، لم يدم شهر العسل طويلاً بين الوحدة العقائدية للكنيسة الكاثوليكية المتآكلة والملكية المطلقة في أوروبا، لأن المقاومة الثقافية والفلسفية في صناعة إنسان العصر كانت على قدمٍ وساق توَّجتها الثورتان الأمريكية (1763م) والفرنسية (1789م) بمستويات مختلفة من التفاؤل السياسي والإرهاب الفكري.

كيف حدث الانتقال من «النموذج الثاني» إلى «النموذج الثالث» الذي يُمثِّله الباراديغم الاقتصادي/المالي؟ لم يشرح أتالي المسألة سوى من باب عُنصرين هما «السوق» و«الديمقراطية» في تعزيز الحقوق الفردية. أميل إلى القول بأن عُنصر «الحياة» كان بمنزلة «الثقاف» الذي يعتمل ضمنياً في الحضارة، وأن «الفكرة» (أو الأيديولوجيا) كانت في مقام «الثقافة». الأشخاص المذكورة من طرف أتالي (القس، الشُرطي، الطبيب) ما هي سوى صور المثقف في مهام محدَّدة، لأن كان على عاتق هذا المثقف أن يُبرهن للمجتمع كيف يحفظ الحياة من الجوائح. فشل القس (دوره هو الحفاظ على اعتقاد جاف وشعائر يتمُّ تأديتها بتفانٍ)، وانحسر دور الشرطي (دوره هو الحفاظ على الأمن القومي في الأوقات العصيبة بما يدرأ الحرب الأهلية)، وتنامى دور الطبيب (دوره هو درأ المرض وجلب الصحَّة بما يردُّ للحياة استحقاقها).

غير أن هؤلاء الأشخاص الذين يُمثِّلون الثقافة لم يعملوا دون ثقافٍ يديرهم ويُوجِّههم من وراء حجابٍ؛ تجلَّى تارةً في النموذج الأول في صورة «الإيمان»، وتارةً أخرى في النموذج الثاني في صورة «القوَّة»، ويتجلَّى في النموذج الثالث في صورة «السِّلعة»، حيث تحتوي السوق رمز البضاعة المتنقِّلة دون حدود جغرافية وجمركية بما يتطلَّبه منطق التجارة العالمية، بل جرى أيضاً «تسليع» الأشكال الرمزية كالفن (اللوحات الزيتية في المزاد العلني) والدين (المواعظ المدفوعة الأجر من لدن دعاة فاعلين مثل بعض الطوائف البروتستانتية) والعلم (الاختراعات التقنية، المدنية منها والعسكرية، مثل المواصلات اللاسلكية كالهواتف الذكيَّة والدرونات أو الطائرات المسيَّرة). لم يكن النموذج الثاني سوى معكوس النموذج الأول، لأن صورة الراعي أو القائد في الأيديولوجيات الشمولية ذات الحزب الواحد (النازية، الستالينية، الفاشية) هي مقلوب صورة القس، وكانت تستعمل الشُرطي في تعزيز عُضو الدولة المهيمنة (الحزب الواحد) بما كان يُسمَّى وقتها بالبوليس السرِّي.

جاء النموذج الثالث ليُفجِّر النموذج الثاني بالتوكيد أن الحرية ضرورية لنقل البضائع وتنقُّل الأشخاص، ومن ثمَّ حركة الأفكار والإبداع وحرية التعبير والاعتقاد (النظام الليبرالي)، ساعدته في ذلك التكنولوجيات الحديثة وعلى رأسها الشبكة (الأنترنت) والعولمة. ربما يكون رجال البورصة والأسهم قد حلُّوا مكان القساوسة بالأمس، فهم المعكوس المادي لما هو رمزي، ما دام الشكل الاقتصادي والمالي يتلبَّس أدوار الشكل الديني (وردت كلمة «تجارة»[3] في القرآن بالمعنيين المادي والرمزي وبشكلٍ من المطابقة الاستعارية)، ولا يمكن سوى تصوُّر ساحة البورصات والأسواق المالية العالمية في الأخذ والرَّد واغتنام الفرص للظفر بالعوائد المالية في حينها كساحات الحج والطواف في الظفر بالأجر. نجد أنفسنا في انتقالات هي في الواقع دوائر متداخلة وأدوار متلبَّسة، وكل نموذج من هذه النماذج لم يُقدِّم القيمة الملائمة للوجود الإنساني في العالم، وجود متأزِّم بما يصادفه من جوائح ومصائب، إن لم تكن أعاصير مدمِّرة من جرَّاء الاحتباس الحراري والتلوُّث البيئي، فمن جرَّاء أوبئة كالتي نشهدها اليوم مع الكورونا (كوفيد 19).

يرى أتالي في التضامن العالمي القيمة الوحيدة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تآكل النماذج التنظيمية، السياسية منها والاقتصادية، بوجود عُنصرين لم يُفلحا في دفع المضرَّة التي تلمُّ بالإنسانية، وهما القوة والاستهلاك. عندما يستحضر أتالي التضامن كقيمة إنسانية من شأنها مجاوزة الانحسار الراهن، فإنه يشير إلى مسألة اختفت في الدراسات الفلسفية منذ دلتاي وماكس شيلر، وهي «التقمُّص الوجداني» (empathie, Einfühlung). تمَّ التخلِّي عن هذا المفهوم الذي دعَّم التحليل النفسي والفينومينولوجيا بقيمة نظرية وعملية زائدة، أقول تمَّ التخلي عنه على أنه من بقايا الفلسفة الذاتية. غير أننا نخطئ إذا اختزلنا التقمُّص الوجداني في سلوك نفساني هو التعاطُف الذي قد يسقط في فخ النرجسية. إذا كان هنالك «نموذج رابع» سيكتسح البشرية هو تنامي هذا السلوك الوجداني الذي سيضع حدًّا للتصوُّر الراهن للعالم القائم على الهوس المفرط في الاستهلاك الذي يُمثّل المأزق الذي وصل إليه النموذج الثالث، ساعدته في ذلك الفردانية الكاسحة، بل والأنانية المستوطنة.

ما هو عمل هذا التقمُّص الوجداني في النموذج الرابع؟ يمكن القول بأن وباء كورونا العالمي سيُعجِّل في توطين هذا النموذج الرابع. سيكون ذلك بتراجع حُمَّى البيع والشراء (النموذج الثالث) والالتفات إلى سمَّاه أتالي «ما هو جوهري أو أساس» (l’essentiel) بالوعي الجماعي بالانتماء الطبيعي للأرض، وبأن لهذا الكوكب حدوداً في الموارد الطبيعية (المائية، النباتية، الحيوانية) وبأن الوعي بهذه الحدود وعقلنة الاستهلاك وترشيد النفقات هي السُّبُل الوحيدة في تجاوز المحن الحالية. إذا أخذنا على محمل الجد التقمُّص الوجداني ونفضنا عنه غُبار الذاتوية، نقول بأنه ينتمي إلى جوهر «البَشَرة» التي هي جوهر البشرية نفسها، اسماً ورسماً. لِمَ البشرة؟ أسمِّي البشرة نمط العلاقة بين البشر بالانتماء الجماعي إلى الأرض.

كان أغسطين بيرك قد اصطلح على الإقامة في الأرض اسم «المسكونية»4؛ هو أن جوهر البشرية هو القابلية للسكن في الأرض (habitabilité) مع الوعي بهذه المسكونية على مستوى الوعي بحدود الأرض على مستوى الموارد (الطاقة، الماء، النبات، الحيوان). بهذا الوعي يتمُّ توطين التقمُّص الوجداني بناءً على ما اصطلحتُ عليه اسم «الانتماء إلى البشرة». تُوفِّر البشرة أساسيات هذا التقمُّص على مستوى التعاطف والفهم الذي يعني التفاهم وتأويل الوضعيات الإنسانية تأويلاً «بشرياً» (من البشرة). يضمُّ المجال الأرضي (géosphère) الذي نقطنه طبيعياً الغلاف البشري (dermosphère) الذي يجعل ممكناً التواصل الإنساني على المستوى الفكري والثقافي (noosphère). إذا كان التوكيد على المستوى الفكري والروحي والكوكبي أو العولمي قد أنسانا نظام انتمائنا إلى البشرة، وإلى الأصل المتواري فيها، وهو «الأدمة»، فإن مجاوزة المحن الحالية مرهون بفقه سؤال البشرة والمسكونية الأرضية.

يُقدِّم التقمُّص الوجداني من وحي البشرة أساسيات المعنى من وحي المعاناة؛ أي ما نختبره في نقطة التَّماس بين البشرة والعالم. تمرُّ العناية بالعالم بحماية البشرة التي هي جوهر البشرية. كل عناية بالبشرة هي السلوك الوجداني تُجاه البشر بدرء ما يُؤلم هذه البشرة. إنها العناية ببشرة الأرض (البيئة) وببشرة الإنسانية (الصحة). نُدرك بأن الوباء يُوفِّر المنبِّه الأساس للالتفات إلى قيمة البشرة التي كانت بمنزلة اللامفكَّر فيه داخل الاستغلال الفاحش والمفرط لبشرة الأرض باستنفاد مواردها، وداخل الصراع المتعب بين الأيديولوجيات في الطبقة المفكِّرة (noosphère). تُوفِّر لنا البشرة أساسيات التفكير في مستقبل البشرية بوضع الوجدان في صُلب الوجود، هذا الوجدان الذي يتجاوز محض الشعور النفساني بالآخر، والذي قد يميل إلى نوعٍ من الشعور النرجسي والأناني بالتواصل مع الآخر، نحو الاستشعار بالآخر على سبيل التذاوُت.

[1] Les Echos, 20 mars 2020.

[2] Michel de Certeau, L’Écriture de l’histoire, Paris, Gallimard, 1975, coll. «Folio», 2002, chap. III: «L’inversion du pensable. L’histoire religieuse du XVIIe siècle».

[3] «إنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المؤْمِنِينَ أنْفُسَهُمْ وَأمْوَالَهُم بأنَّ لَهُم الجَنَّة» (التوبة، 111)؛ «أولَئِكَ الذِينَ اشْتَرُوا الضَّلَالَةَ بالهُدَى فَمَا رَبحَتْ تِجَارَتُـهُم وَمَا كَانُوا مُهْتَدِين» (البقرة، 16)؛ «إنَّ الذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأقَامُوا الصَّلَاةَ وَأنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُم يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُور» (فاطر، 29)؛ «يَا أيُّهَا الذِينَ آمَنُوا هَلْ أدُلُّكُم عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ ألِيمٍ» (الصفّ، 10)، إلخ.

[4] Augustin Berque, Écoumène. Introduction à l’étude des milieux humains, Paris, Belin, 2000

المزيد عن : لنظام العالمي الرابع /كورونا /محمد شوقي الزين

 

You may also like

35 comments

ปั้มไลค์ 4 يوليو، 2020 - 5:47 ص

Like!! I blog quite often and I genuinely thank you for your information. The article has truly peaked my interest.

Reply
зарубежные сериалы смотреть онлайн 23 مارس، 2024 - 2:48 م

It’s hard to find knowledgeable people on this topic, but you sound like you know what you’re talking about! Thanks

Reply
глаз бога бот 14 أبريل، 2024 - 5:38 ص

I’d like to find out more? I’d like to find out more details.

Reply
глаз бога телеграмм 15 أبريل، 2024 - 1:04 ص

What’s up, all is going perfectly here and ofcourse every one is sharing data, that’s in fact good, keep up writing.

Reply
глаз бога тг 15 أبريل، 2024 - 10:55 ص

Highly energetic article, I liked that a lot. Will there be a part 2?

Reply
steam cs2 skins betting sites 8 مايو، 2024 - 1:02 ص

I have read so many articles or reviews concerning the blogger lovers but this article is in fact a good piece of writing, keep it up.

Reply
F. Skorina Gomel State University 16 مايو، 2024 - 1:54 ص



Reply
гостиничные чеки Санкт Петербург 25 مايو، 2024 - 10:16 ص

Greetings! Very helpful advice within this article! It is the little changes that make the largest changes. Thanks for sharing!

Reply
купить удостоверение тракториста машиниста 31 مايو، 2024 - 1:27 م

It’s remarkable to go to see this web site and reading the views of all friends regarding this piece of writing, while I am also keen of getting experience.

Reply
国产线播放免费人成视频播放 3 يونيو، 2024 - 6:49 م

This is a good tip especially to those new to the blogosphere. Brief but very accurate information Many thanks for sharing this one. A must read article!

Reply
хот фиеста 13 يونيو، 2024 - 6:22 م

You’re so cool! I don’t suppose I have read anything like this before. So nice to find someone with some original thoughts on this topic. Really.. thanks for starting this up. This site is something that is needed on the web, someone with a little originality!

Reply
hot fiesta 14 يونيو، 2024 - 4:35 م

Good answer back in return of this query with real arguments and describing all regarding that.

Reply
Теннис онлайн 28 يونيو، 2024 - 7:26 م

Yes! Finally something about %keyword1%.

Reply
Теннис онлайн 29 يونيو، 2024 - 9:00 ص

Yesterday, while I was at work, my sister stole my iphone and tested to see if it can survive a forty foot drop, just so she can be a youtube sensation. My iPad is now broken and she has 83 views. I know this is entirely off topic but I had to share it with someone!

Reply
Теннис онлайн 29 يونيو، 2024 - 10:16 م

Hi there! This post couldn’t be written any better! Reading this post reminds me of my old room mate! He always kept talking about this. I will forward this post to him. Pretty sure he will have a good read. Thanks for sharing!

Reply
Теннис онлайн 30 يونيو، 2024 - 11:00 ص

Spot on with this write-up, I truly feel this site needs a lot more attention. I’ll probably be back again to read through more, thanks for the information!

Reply
Прогнозы на футбол 1 يوليو، 2024 - 10:39 م

Aw, this was an incredibly nice post. Taking the time and actual effort to produce a top notch article but what can I say I put things off a lot and never seem to get anything done.

Reply
Прогнозы на футбол 2 يوليو، 2024 - 4:09 م

Hello there, You have done a fantastic job. I will definitely digg it and personally recommend to my friends. I am sure they will be benefited from this site.

Reply
Прогнозы на футбол 3 يوليو، 2024 - 6:06 ص

Undeniably consider that that you stated. Your favourite justification appeared to be at the internet the simplest thing to be mindful of. I say to you, I definitely get irked at the same time as other folks consider concerns that they plainly do not recognise about. You controlled to hit the nail upon the top as welland also defined out the whole thing with no need side effect , other folks can take a signal. Will likely be back to get more. Thank you

Reply
Прогнозы на футбол 3 يوليو، 2024 - 7:45 م

This is very interesting, You are a very skilled blogger. I have joined your feed and look forward to seeking more of your great post. Also, I have shared your web site in my social networks!

Reply
строительство автомоек под ключ 6 يوليو، 2024 - 7:23 م

Автомойка самообслуживания под ключ – наше предложение для тех, кто ценит эффективность и инновации. С нашей помощью вы войдете в рынок быстро и без проблем.

Reply
строительство автомоек под ключ 7 يوليو، 2024 - 9:03 ص

Выбирая франшизу автомойки, вы получаете готовый бизнес-план, маркетинговую поддержку и постоянное обновление технологий.

Reply
мойка самообслуживания под ключ 9 يوليو، 2024 - 8:21 ص

“Строительство автомоек под ключ” с нашей командой гарантирует использование последних технологий и высочайших стандартов качества.

Reply
Прогнозы на футбол 9 يوليو، 2024 - 7:27 م

I like the valuable information you provide in your articles. I will bookmark your weblog and check again here frequently. I am quite certain I will learn a lot of new stuff right here! Good luck for the next!

Reply
Прогнозы на футбол 11 يوليو، 2024 - 2:33 ص

For most up-to-date news you have to pay a visit web and on web I found this web site as a best site for latest updates.

Reply
Прогнозы на футбол 11 يوليو، 2024 - 3:34 م

I all the time emailed this blog post page to all my associates, because if like to read it after that my friends will too.

Reply
строительство автомойки 15 يوليو، 2024 - 3:07 ص

1Франшиза автомойки от нашей команды – это успешный бизнес с минимальными инвестициями. Давайте станем партнерами!

Reply
мойка самообслуживания под ключ 15 يوليو، 2024 - 11:38 ص

Строительство автомойки — это ответственный процесс. Наша компания гарантирует качество работы на всех этапах строительства.

Reply
строительство автомойки под ключ 15 يوليو، 2024 - 8:12 م

“Строительство автомойки под ключ” включает все от проектирования до ввода в эксплуатацию. Ваш бизнес-проект будет безопасен и эффективен с нами!

Reply
автомойка под ключ 16 يوليو، 2024 - 4:43 ص

“Франшиза автомойки” от нашей сети – это готовое решение для старта вашего бизнеса. Мы предлагаем полную поддержку и профессионализм.

Reply
мойка самообслуживания под ключ 16 يوليو، 2024 - 1:17 م

Мойка самообслуживания под ключ – это отличная бизнес-идея для тех, кто ценит время клиентов. Установим оборудование и обучим персонал.

Reply
мойка самообслуживания под ключ 16 يوليو، 2024 - 10:10 م

1Строительство автомойки – это инвестиция в стабильный бизнес. Мы сотрудничаем только с проверенными поставщиками и используем самые современные технологии.

Reply
автомойка под ключ 17 يوليو، 2024 - 7:12 ص

Автомойка самообслуживания под ключ предоставляет клиентам возможность мыть свой транспорт самостоятельно, используя профессиональное оборудование. Это экономит время и деньги.

Reply
купить JAC 19 أغسطس، 2024 - 5:58 ص

Hey There. I found your blog using msn. This is an extremely well written article. I will be sure to bookmark it and come back to read more of your useful information. Thanks for the post. I will definitely comeback.

Reply
theguardian 25 أغسطس، 2024 - 6:42 ص

Hi! I’ve been following your site for a while now and finally got the bravery to go ahead and give you a shout out from Kingwood Tx! Just wanted to mention keep up the great job!

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00