سارع بنشر ستة كتب خلال العام الأخير من حياته لشعوره باقتراب الأجل (صفحة الشاعر على _فيس بوك) ثقافة و فنون محمد السيد إسماعيل… ثقل إبداعي خفيف الوقع by admin 22 مايو، 2025 written by admin 22 مايو، 2025 10 ترك إرثاً ثقافياً متنوعاً جمع بين الفن والتأصيل النظري مقدماً نموذجاً للمثقف العضوي الذي ظل وفياً لقضاياه حتى وفاته اندبندنت عربية / عبد الكريم الحجراوي شهد العام الأخير من حياة الشاعر والناقد المصري محمد السيد إسماعيل (1962-2025)، الذي رحل عنا أمس الثلاثاء، حرصاً استثنائياً على دفع جملة من مؤلفاته إلى آلة النشر، مدفوعاً بإحساس داخلي بقرب الرحيل، بعد معاناة طويلة مع المرض الذي أرهق جسده وأثقل روحه. وانعكس هذا الحرص في سعيه لاستكمال مشروعه الفكري والإبداعي الذي بدأه منذ عام 1982، شاعراً ينتمي إلى جيل الثمانينيات. تميز مشروع إسماعيل وهو أحد كتاب اندبندنت عربية في قسم الثقافة، بتنوع لافت بين النقد الأدبي والإبداع الشعري والمسرحي، فضلاً عن اهتمامه بالقضايا الفكرية والاجتماعية المعاصرة. وخلال مسيرته ترك إسماعيل إرثاً ثرياً يقارب الـ30 كتاباً منشوراً، يتصدرها مشروعه النقدي المتعدد الأبعاد، الذي انشغل فيه بتحليل وتفكيك بنى السرد الروائي والقصصي، إلى جانب اهتمامه بنقد الشعر واتجاهاته. أما في مجاله الإبداعي، فقد تجلت موهبته في سبعة دواوين شعرية تميزت بالارتباط الوثيق بقضايا المجتمع، إضافة إلى أربع مسرحيات عبر فيها عن رؤيته تجاه الحياة وعلاقة المثقف بالسلطة. ويضاف إلى هذا الرصيد ثلاثة كتب فكرية تناول ضمنها قضايا معاصرة تشغل الرأي العام، وعكست موقفه التنويري الداعي إلى عقلنة الخطاب الثقافي والديني وتحريره من أسر التقليد والرجعية. وبهذه الغزارة وهذا التنوع أسس إسماعيل مشروعه المتكامل إلى حد بعيد، جاعلاً الشأن العام في القلب من مشاريعه الثلاثة النقدية والفكرية والإبداعية، مقدماً نموذجاً استثنائياً للمثقف العضوي، إذ ظل وفياً لقلمه حتى آخر لحظات حياته، لا يتخلف عن دعوة داعٍ لمناقشة أعماله سواء كانت شعراً أم رواية أم قصة أو كتاباً نقدياً. نقد الشعر دشن إسماعيل مشروعه النقدي عبر بوابة نقد الشعر، فكانت البداية مع رسالته للماجستير عام 1991 في كلية دار العلوم جامعة القاهرة، وتناولت موضوع “الحداثة الشعرية في مصر: مفهومها وظواهرها الفنية والموضوعية من 1945 إلى 1973″، وفيها رصد التحولات التي شهدها الشعر المصري، منطلقاً من فهم الحداثة بوصفها موقفاً جمالياً ومعرفياً مرتبطاً بتحولات الواقع الاجتماعي والسياسي. وفي كتابه “الحداثة الشعرية في مصر: من المفهوم النظري إلى التشكلات الجمالية” (“قصور الثقافة”، 2008) حلل نماذج بارزة من شعراء التفعيلة المصريين مثل صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي، ومحمد إبراهيم أبو سنة ومحمد مهران السيد، وتوقف عند عام 1973 باعتباره “علامة فاصلة لبداية مرحلة شعرية جديدة”. وقدم في كتابيه “العابر والمقيم: قراءات تطبيقية في القراءة الحديثة” و”رؤية التشكيل: قراءات تطبيقية في القصيدة الحديثة” جملة من دراساته التي كتبها حول دواوين شعرية معاصرة، مقدماً قراءات تتجاوز الانطباع إلى التأصيل النقدي. وتميزت هذه الكتب باتساعها الزمني، إذ عالج فيها نماذج شعرية من لويس عوض وصولاً إلى أحدث جيل من الشعراء، مركزاً على تحليل البنية التشكيلية لكل نص وإبراز خصوصيته الجمالية. أحد دواوينه (دار أكوان) وفي كتابه “التراث والحداثة: قراءة في القصيدة العربية المعاصرة”، انشغل إسماعيل بالتحولات الشعرية لدى شعراء السبعينيات من جيل ما بعد صلاح عبدالصبور، محاولاً فهم علاقة هؤلاء بالتراث الشعري والحداثة معاً. أما خامس كتبه في نقد الشعر فقد خصصه لإعادة قراءة تراث الشعر الكلاسيكي من خلال “شعرية شوقي: قراءة في جدل المحافظة والتجديد” (“مؤسسة الانتشار العربي”، بالتعاون مع النادي الأدبي في منطقة الباحة السعودية) مقدماً تحليلاً معمقاً ورصيناً لتجربة أمير الشعراء، وموضحاً كيف تطور شعره من المحافظة إلى التجديد خلال آخر مراحل حياته. واختتم إسماعيل هذا المسار النقدي بكتاب سادس صدر عام 2025 عن هيئة “قصور الثقافة” المصرية بعنوان “انفتاح النص الشعري: الواقع، الأيديولوجيا، النص”، خصص جزءاً منه لدراسة تجربة الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، إذ حلل فيه ملامح التمرد والمقاومة، كاشفاً عن تداخل الشعري بالسياسي والذاتي بالجمعي، في قصائد الشاعر التي حملت طابعاً نضالياً وإنسانياً. وبهذه الكتب قدم إسماعيل مشروعاً نقدياً حافلاً في عقل الشعر، وجمع بين التنظير والتطبيق، وتابع تحولات القصيدة العربية من الكلاسيكية إلى الحداثة ومن المحلية المصرية إلى القضايا القومية العربية. نقد السرد شغل السرد الروائي والقصصي جزءاً مهماً من المشروع النقدي لمحمد السيد إسماعيل، فقدم ضمن هذا الباب ستة كتب تنوعت في موضوعاتها وزوايا معالجتها، وجمعت بين التحليل الجمالي والانشغال بالقضايا العامة، كاشفة عن حس نقدي واعٍ بخصوصية الفن السردي وأدواته. بدأ إسماعيل هذا المسار بأطروحته للدكتوراه التي نالها عام 2002 من كلية “دار العلوم”، وصدرت عن “الهيئة العامة للكتاب” عام 2009 في كتاب بعنوان “الرواية والسلطة: بحث في طبيعة العلاقة الجمالية (1952–1991)”، متناولاً في هذا الكتاب العلاقة الجدلية بين الرواية والسلطة السياسية، ومركزاً على القمع وتزييف الوعي وازدواجية السلطة عبر تحليل مجموعة من القضايا، مثل القضية الفلسطينية في روايتي “أحمد وداود” لفتحي غانم و”شرق النخيل” لبهاء طاهر. وقضية الفتنة الطائفية والحروب الأهلية كما ظهرت في “بيروت بيروت” لصنع الله إبراهيم، و”رائحة اللحظات” لبهيجة حسين. وكذلك ناقش حضور اتفاق “كامب ديفيد” في “وجع البعاد” ليوسف القعيد، و”ليلى والمجهول” لإقبال بركة وفي “غواية السرد” قدم إسماعيل تحليلات لعدد من النصوص السردية، متناولاً عناصر السرد الأساس مثل وضعية الراوي والبنية واللغة والإيقاع والحبكة، والرسالة الروائية وآلية التضمين. وخصص كتاب “بناء المكان في القصة العربية القصيرة” لتحليل عنصر المكان، متتبعاً تحولاته من فضاء القرية إلى المدينة ثم إلى الصحراء فالمكان الحلم، كاشفاً عن الأبعاد الرمزية والجمالية التي ينطوي عليها المكان بوصفه جزءاً من بنية السرد والدلالة. وتابع هذا الخط في كتابه “دلالات المكان السردي: من التمثل الثقافي إلى الاستجابة الجمالية”، متناولاً تطور الفضاء السردي في الرواية العربية عبر 15 رواية، درس فيها تحولات المكان من القرية إلى المدينة، إلى المكان المعولم والافتراضي والعجائبي والديستوبي، ومكان ما بعد الكولونيالية. وقدم في هذا الكتاب تصوراً نقدياً مميزاً لتحليل الفضاء السردي من منظور ثقافي وجمالي. وداخل كتاب “أساليب السرد في الرواية الأفريقية” درس أساليب السرد المختلفة مثل الأسلوب الحجاجي في “الأشياء تتداعى” لتشنوا أتشيبي، والأسلوب الدرامي في “ابنة بيرغر” لنادين غورديمر، وأسلوب السيرة الذاتية في “آكيه… سنوات الطفولة” لوول سوينكا، والبنية العجائبية في “الباب الأزرق” لأندريا برينك، وبنية الأيديولوجية في “يوميات عام سيئ” لج. م. كوتزي، والبنية الواقعية التأريخية في “نصف شمس صفراء” لتشيماندا نغوزي أديتشي. وخلص إلى أن الرواية الأفريقية معنية على نحو واضح بالقضايا المصيرية، وفي مقدمها العنصرية والاستعمار. وفي كتابه السادس والأخير ضمن هذا الباب “الخروج من الظل: قراءة في القصة النسائية القصيرة في مصر”، قدم قراءات تجاه نصوص كاتبات ينتمين لأجيال مختلفة، مركزاً على البعد السياسي في قصص رضوى عاشور وبهيجة حسين، والاجتماعي لدى اعتدال عثمان، والرأسمالي لدى ابتهال سالم، والديني لدى عفاف السيد، والجندري في أعمال منال محمد السيد. وبيَّن الكتاب كيف عبرت الكاتبات عن همومهن بأساليب متباينة، مما يعكس تنوع التجربة النسائية في السرد المصري الحديث. الفكر والإبداع قدم إسماعيل ثلاثة كتب ناقش فيها قضايا اجتماعية، وهي “التراث والحداثة” و”نقد الفكر السلفى” و”تنوير المستقبل”، سعياً إلى تفكيك منظومات فكرية سائدة وإعادة طرح الأسئلة حول العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل. ففي “التراث والحداثة” ناقش إشكالية العلاقة بين الموروث الثقافي والواقع المعاصر، متسائلاً عن كيفية التعامل مع التراث من دون تقديس أعمى أو قطيعة تامة، وساعياً إلى إيجاد صيغة عقلانية تربط بين الأصالة والتحديث. أحد كتبه النقدية (دار النابغة) وفي “نقد الفكر السلفي” قدم أطروحة نقدية لبنية فكرية مغلقة، ولأخطار توظيفها سياسياً. وفي “تنوير المستقبل” رسم ملامح مشروع قائم على حرية التفكير. وهي كتب تظهر توجهه الفكري المؤمن بالحوار والتجديد، وسعيه إلى تشكيل وعي جمعي أكثر انفتاحاً على الآخر، من دون التخلي عن الجذور. ويحتل الشعر موقع الصدارة في مشروع محمد السيد إسماعيل الإبداعي، إذ نشر سبعة دواوين تعد تجليات أساس لرؤيته الجمالية والوجودية، وهي “كائنات في انتظار البعث” و”الكلام الذي يقترب” و”استشراف إقامة ماضية” و”تدريبات يومية”، و”قيامة الماء” و”يد بيضاء في آخر الوقت” و”أكثر من متاهة لكائن وحيد”. وتنوعت موضوعات هذه الدواوين ما بين التأمل الوجودي والانشغال بالهموم السياسية. وقدم إسماعيل للمكتبة المسرحية العربية أربعة نصوص هي “السفينة” و”رقصة الحياة” و”زيارة ابن حزم الأخيرة” و”وجوه التوحيدي”. وتظهر هذه الأعمال تأثره الواضح بمسرح صلاح عبدالصبور في البناء الرمزي والقضايا التي تناولها، وفي مقدمها العلاقة الإشكالية بين المثقف والسلطة. فهل على المثقف أن يكون دائماً في موقع المعارضة أم يمكنه الاقتراب من السلطة من أجل تمرير مشروعه الإصلاحي؟ هذا السؤال شكل محوراً درامياً رئيساً في ثلاثة أعمال مسرحية لإسماعيل، فيما كان العبث حاضراً في مسرحيته “رقصة الحياة”. وفي الأخير، تبقى الإشارة إلى أن الهم السياسي لم يغب عن أي من كتاباته سواء في النقد أو في الإبداع، بل شكل خلفية فكرية حاضرة في معظم أعماله، بما يؤكد وعيه العميق بدور الإبداع في مساءلة الواقع ومقاومة القهر والاستلاب. المزيد عن: مصرالإبداع الشعريشعراء الثمانينياتمحمد السيد إسماعيلالقهر والاستلابالمثقف العضوي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post زيارة عباس للبنان بين “حصرية السلاح” وتوقيت التنفيذ next post “المنحرفون” الفيلم الذي أودى بنجومه إلى نهايات بائسة You may also like “عميل سري” و”صراط”… سينما “كان” المشعة بقلق الوجود 22 مايو، 2025 كيف يستفيد الروائيون العرب من الواقعية السحرية؟ 22 مايو، 2025 “المنحرفون” الفيلم الذي أودى بنجومه إلى نهايات بائسة 22 مايو، 2025 الكاتبة الهندية بانو مشتاق تفوز بجائزة البوكر الأدبية... 21 مايو، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: أفاعي ساروق الحديد 21 مايو، 2025 “سعفة كان” الفخرية تفاجئ دينزل واشنطن: أنا متأثر 21 مايو، 2025 فلسفة “الترانسإنسانية” تعمل على تحسين البشرية عبر العلم... 21 مايو، 2025 فولتير يخلد الصراع بين “هنري” الطيب و”هنري” الشرير... 21 مايو، 2025 هور الحويزة… نبض الأرض “المحمية” يهدد إرث العراقيين 19 مايو، 2025 حضارة الفاو… مجد مدفون ونهاية غامضة حيرت المؤرخين 19 مايو، 2025