بأقلامهمعربي محمد السماك: لبنان والدولة الفاشلة: السياسة.. قبل الاقتصاد؟ by admin 11 يناير، 2022 written by admin 11 يناير، 2022 27 يمثّل نظام الزبائنية الكارثيّ، كما تصفه مجلّة الإيكونوميست، الوجه الآخر لنظام المحاصصة الطائفية الذي يضع السلطة بيد أشخاص يمثّلون طوائفهم وليس بيد مؤسسات دستورية عابرة للطوائف. محمد السماك \ اساس ميديا صدر كتاب في الولايات المتحدة عنوانه “لماذا تفشل الأمم؟”. وعلى الرغم من أنّ لبنان لم يكن في حساب المؤلّفَيْن، إلا أنّ الكتاب يقدّم صورة وصفيّة لأسباب فشل لبنان وانهياره. وضع الكتاب عالِمان يتمتّعان بسمعة أكاديمية عالية. الأوّل هو أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفرد جيمس روبنسون، والثاني هو أستاذ الاقتصاد في جامعة MIT الشهيرة، دارون أسيموغلو. يقول الكتاب إنّ “التباين بين الأمم يقوم أساساً وبصورة أوّلية على المؤسسات، فإذا كانت السلطة مؤسساتية، فإنّ حظوظها في النجاح تكون كبيرة جدّاً. أمّا إذا كانت السلطة بيد أشخاص محدّدين فإنّ مصيرها الحتميّ هو الفشل والانهيار”. وفي لبنان، كما هو معروف، تكاد تكون السلطة محصورة ومتداولة بين أشخاص محدّدين “أجداداً وأحفاداً”. من أجل ذلك تقول مجلّة “الإيكونوميست” (عدد آب 2020): “لم يكن التقاتل ولا الاحتلال الأجنبي هما اللذين أدّيا إلى تدمير معظم أجزاء مرفأ بيروت. كان ذلك تعبيراً عن عجز دولة فاسدة ومتفكّكة. لا يُصلح الوضع سوى عمل جريء. فعلى الحكومة أن تلقي جانباً نظام اقتسام الحصص الآن وقبل الغد، وأن تستبدله بنظام أكثر ديموقراطية وأكثر عدالة”. إذا لم يعمل اللبنانيون على تصحيح الخلل في الولاء الوطني والتخلّص من نظام سياسي مبنيّ على الزبائنية والفردية الطائفية والمذهبية، فعبثاً يبحث لبنان عن طريق تُخرجه من هوّة الفشل التي يترنّح فيها الآن وتصف المجلّة أصحاب الحلّ والعقد في لبنان بأنّهم يلعبون بمخاوف وطموحات الجماعات الطائفية. وهي لعبة قد تدفع بالدولة مرّة ثانية إلى أتون العنف. ولاحظت المجلّة أنّ قادة الجماعات المسلّحة خلال الحرب الأهليّة هم الذين يتولّون الآن زمام الحكم في الدولة التي ينهبون خيراتها. وتنقل المجلّة عن البنك الدولي أنّ نظام الزبائنيّة والمحسوبيّات يكلّف الدولة اللبنانية 9 في المئة من الدخل القومي. يمثّل نظام الزبائنية الكارثيّ، كما تصفه مجلّة الإيكونوميست، الوجه الآخر لنظام المحاصصة الطائفية الذي يضع السلطة بيد أشخاص يمثّلون طوائفهم وليس بيد مؤسسات دستورية عابرة للطوائف. نعود إلى كتاب “لماذا تفشل الأمم؟”. فالكتاب الذي لم يذكر أيّ دولة بالاسم، يبدو كما لو أنّه يتحدّث عن الدولة اللبنانية، بشكل أو بآخر. ذلك أنّها تجمع كلّ المواصفات التي يذكر الكتاب أنّها تؤدّي إلى الفشل والانهيار. وأولى هذه المواصفات تقديم الشخصيّ على العامّ، أي على المؤسّسة، وتقديم الطائفي على الوطني. ولعلّ ما هو أسوأ وأشدّ خطراً أن تقدّم الولاء للخارج – والخارج هنا ليس واحداً بل متعدّد – على الولاء للداخل. يقول المؤلّفان في كتابهما الذي تصدّر قائمة المبيعات في الولايات المتحدة، ثمّ تُرجِم إلى لغات أخرى، إنّ “إقامة مؤسسات اقتصادية تتبادل الدعم مع المؤسسات السياسية (بصيغة التنوّع والتعدّد) تساعد على توزيع عادل ومتوازن للسلطة، وتعزّز مركزيّة الدولة لفرض القانون الذي يقوم عليه نظام الحقوق العامّة والفرديّة الخاصّة”. ويؤكّد المؤلّفان أنّ “الدرس الأهمّ الذي يجب استيعابه لتجنّب الوقوع في الفشل والانهيار أنّه لا يمكن لأيّ دولة أن تصحّح أوضاعها الاقتصادية إذا لم تصحّح أوّلاً أوضاعها السياسية”. ويقدّم المؤلّفان أمثلةً على ذلك دولَ أوروبا الشرقية بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي السابق. والدرس الذي يمكن أن يتعلّمه لبنان من هذه التجارب الإنسانية أنّ نظاماً سياسياً فاسداً لا يمكن أن ينجح في تقديم نظام اقتصادي – اجتماعي ناجح. لذلك فإذا لم يعمل اللبنانيون على تصحيح الخلل في الولاء الوطني والتخلّص من نظام سياسي مبنيّ على الزبائنية والفردية الطائفية والمذهبية، فعبثاً يبحث لبنان عن طريق تُخرجه من هوّة الفشل التي يترنّح فيها الآن. وفي الكتاب ضوء ينير النفق المظلم الذي قد تجد أيّ دولة نفسها تائهة فيه. فالفشل ليس مرضاً مستعصياً على الشفاء. لكنّه في الوقت ذاته ليس من الأمراض التي تُعالَج بالمراهم والمسكّنات (حبّات الأسبرو). إنّه يحتاج أوّلاً إلى الاعتراف بالمرض، ثمّ إلى تشخيصه وتحديد أسبابه، وربّما إلى جراحةٍ لاستئصال ورم خبيث اسمه الطائفية السياسية. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ايلي قصيفي: الدوافع اللبنانيّة لتهجّم السيّد على السعوديّة next post جهاد الزين: دروس التغيير من تشيلي إلى لبنان You may also like دلال البزري تكتب عن: العرب في قمّة تهيمن... 6 مارس، 2025 غسان شربل يكتب عن: ليلة القيصر 3 مارس، 2025 حازم صاغية يكتب عن:السؤال الذي يتحاشى الكثيرون طرحه! 3 مارس، 2025 وليد الحسيني يكتب عن: أمة التغيير..”ما فيش فايدة” 3 مارس، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: هل يسير ترمب... 2 مارس، 2025 سكوت أتران – أنخيل غوميز: ما تطلعات أهل... 28 فبراير، 2025 رضوان السيد يكتب عن: «مقاومة»… لكنها لا تقاوم 28 فبراير، 2025 جو معكرون يكتب عن: إضطراب المكوّن الشيعي في... 27 فبراير، 2025 كاميليا انتخابي فرد تكتب عن: التقارب الروسي –... 27 فبراير، 2025 دلال البزري تكتب عن: حزب الله… نصر الله 27 فبراير، 2025 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.