لوحة للرسام اللبناني أمين الباشا (صفحة الرسام - فيسبوك) ثقافة و فنون محمد الحجيري يكتب رواية فشل الحياة على هامش المدينة by admin 3 مايو، 2025 written by admin 3 مايو، 2025 11 البطل البوهيمي يقف على “أطلال رأس بيروت” اندبندنت عربية / كاتيا الطويل @katiatawil يختار محمد الحجيري أن يتناول في روايته التي تناهز 157 صفحة منطقة رأس بيروت، وهي منطقة سكنية راقية في بيروت عرفت بتنوع سكانها الطائفي والفكري والثقافي طوال القرن الماضي، وبخاصة قبيل الحرب اللبنانية وحتى ثمانينيات القرن الـ20. واشتهرت هذه المنطقة بمقاهيها ومتاجرها وصالات السينما والمسرح الموجودة فيها، كما اشتهرت بالشخصيات المرموقة التي زارتها وأقامت فيها، وهو ما لا يتوانى الحجيري عن الإشارة إليه في سرده. رجال فن وتمثيل وسياسة عرفوا رأس بيروت، سيدات أنيقات ذهبيات مررن بها أو أقمن بها، لكن ما بقي هو رجل حزين يسير في الشوارع باحثاً عن المقاهي التي عرفها، والوجوه التي عاش معها، وقصة الحب الوحيدة التي لم يستطع أن يكملها ولا أن يكتبها. بطل عالق في أنصاف قصص يكتشف قارئ رواية “أطلال رأس بيروت” أن بطل محمد الحجيري، سمير عواد، رجل يشبه رأس بيروت بانهزاماته ووحدته وعزلته. هو رجل يشبه ما أصبحت عليه شوارع منطقة رأس بيروت ومقاهيها بعد الحروب الكثيرة والانهيارات الكثيرة والخسارات الكثيرة، فشارع بليس لم يعد نفسه، ولا شارع كليمنصو ولا شارع الحمرا. المقاهي أقفلت، المثقفون تناثروا وتشظوا، أما سمير فعالق في الماضي، في أنصاف القصص، ليس سعيداً بماضيه ولا يعيش حاضره ويبدو كطيف رجل لا يعرف القارئ عن حاضره الكثير. محمد الحجيري وروايته (دار رياض الريس) يصف الكاتب بطله منذ الصفحة الأولى للسرد بأنه: “سمير المشاء والمتسكع البوهيمي، هاوي جمع الكتب على رفوف المكتبة وشراء الفواكه على أنواعها وفي مواسمها، وعاشق تصوير البيوت القديمة”. وكما بقيت البيوت القديمة “الأطلال” عالقة تحت غبار الماضي، هكذا حصل مع البطل، فبدلاً من أن يرافقه السرد في واقعه وحاضره ومجريات حياته اليوم، يعود به وبنا للماضي في رجعات إلى الوراء كثيرة وطويلة تسيطر على ما يربو على نصف الرواية. إنما ماضي سمير عواد ليس بأفضل من حاضره، فهذا الرجل “بقي غريباً على رغم معرفته بمئات الأشخاص” (ص: 61). يلتصق بطل “أطلال رأس بيروت” بالمدينة من دون أن يستطيع اختراقها، تماماً كما هي حاله مع الحب. يأتي سمير عواد المدينة من الريف من دون أن ينزع عن نفسه غربته الأولى، يغرم بسارة عواد مصممة الغرافيك ديزاين التي يشعر بالإلفة معها لكونها تحمل الكنية نفسها مثله، لكنه على ذلك يعجز عن بلوغها ويبقى حبه من طرف واحد. تتجلى قصص بطل محمد الحجيري كلها قصصاً ناقصة، حتى قصته مع الكتابة ناقصة ولا تكتمل هو الذي يحاول طوال الوقت أن يكتب رواية، وبدلاً من أن يكتب رواية المدينة يكتب رواية سارة معشوقته بنزقها وتصرفاتها الرعناء وشخصيتها اللعوب. ليذكر العنوان والسرد القائم على العودة للوراء، بتقنية الشعر العربي الكلاسيكي الذي يفتتح فيه الشاعر قصيدته بالبكاء على الأطلال وعلى الآثار الدارسة لديار الحبيبة. وكأن البطل يبكي أطلال رأس بيروت، ويحاول أن يبني نفسه بإعادة بنائها. ويلاحظ القارئ أن السرد يرافق سمير عواد لغاية الصفحة 90 أي نصف الرواية تقريباً، ثم ينتقل ليرافق سارة عواد المرأة التي يحبها سمير وهي متمنعة عنه، ليعود السرد في الفصل الأخير لينهي بسمير. وكأن سميراً مؤطر لقصة سارة وراويها وكأن قصتها هي تحولت إلى جوهر النص وقلبه ومحوره. ينقسم السرد قسمين متساويين تقريباً بين “هو” و”هي” من دون أن يعرف القارئ فعلاً أي من الاثنين هو البطل، أو إن كان أي منهما بطلاً حتى، فسارة نفسها فتاة مصابة باضطرابات داخلية وبتزعزع عاطفي وبحيرة وجودية هي التي تبحث في حبيبها عن طيف والدها المتوفى، هي التي ترفض سمير وملحم وكل شاب يتقرب منها، فيصفها السرد بالقول: “كان صعباً أن تكون سارة امرأة واحدة، أو امرأة بظل واحد أو بمرآة واحدة” (ص: 87)، ثم يقول عنها لاحقاً: “في كل شيء تريد إثبات نفسها على رغم شعورها المر بالفشل، انغماسها في الحيرة والتردد والازدواج” (ص: 108). بين الداخل والخارج يلاحظ القارئ صلابة علاقة البطل سمير عواد بمفهوم “المقهى” كمكان اجتماعي وفضاء لشخصيات كثيرة يتحدث عنها ويخلق منها نماذج بشرية، فيقع القارئ على الرسام “شمس”، والشاعر محمد أبو معن، وأيمن الصوانة، وموسى الأستاذ الجامعي، والشاعر داوود الأبيض، وفادي أبي اللمع، وعلي بلس، وغيرهم كثر. يتحول هذا المكان المغلق الداخلي إلى مرآة للعالم، فيقول عنه سمير: المقهى صار “جزءاً من دفتر يومياته وصمته الحزين وبؤسه السعيد” (ص: 25)، ثم يكمل قائلاً: “في المقهى يتضح العالم أمامه، وتظهر تناقضاته كأمر عابر” (ص: 28). يحتل المقهى في هذه الرواية الفضاء الأكبر من السرد، فمعظم الذين يلتقيهم سمير هم في المقهى، ومعظم مجريات قصته تحدث هناك، وحدها سارة عندما يتحول السرد إليها يخرج من فضاء المقهى ليرافقها في مجريات حياتها. يحتل المقهى حيزاً كبيراً من السرد، فيحوله الراوي إلى مصغر عن المجتمع والمدينة، حتى أن البطل أراد أن يكتب رواية قائمة على المقهى وأخباره، فيقول: “كان مقهى الحياة ومقهى الموت، مقهى المدينة ومقهى القرية، مقهى الشبان ومقهى العجائز، مقهى البوهيمية ومقهى النخبة، مقهى الأمن ومقهى السياسة، مقهى الشعر ومقهى التفاهة، مقهى الاعتراف ومقهى الخيانة، مقهى الرثاثة ومقهى الاستعراض، وكان الشارع سجن سمير الاختياري” (ص: 27). تنعكس الآية مع سمير، ليصبح الشارع مكاناً مقفلاً بالنسبة إليه والمقهى المكان المفتوح الواسع الأفق. وكما يفتتح سمير عواد والمقهى السرد، ينتهي السرد بهما بجملة قد تلخص حياة بأسرها، فيقول الراوي في الصفحة الأخيرة: “كان سمير يريد أن يكتب سيرة المقهى، لكنه كتب حكاية سارة والغيرة، وعاش سمير ميله المفرط والمتشائم إلى الرومنطقية والعزلة والقدر، سواء في الحب أو في الكتابة” (ص: 156). “أطلال رأس بيروت” رواية تدخل ضمن سلسلة الروايات اللبنانية المعاصرة التي تروي أبطالاً مهزومين عاجزين عن الإمساك بالحب والمدينة والحياة، أنصاف أبطال، يشعرون بالخواء والوحدة وعدم الرغبة بالمقاومة. قصص الرواية كلها تفضح اليأس والحزن والملل، سواء أكانت قصص حب أو صداقة أو زواج أو طموح، حتى الرغبة بكتابة رواية تفشل، فلا أصدق مما يقوله الراوي بنفسه عن حياته بكل قتامة وسوداورية وميلانكولية: “الحياة حكاية ربما كانت تافهة” (ص: 49). المزيد عن: روائي لبنانيروايةبيروتأطلال المدينةالحياة الفاشلةبطل بوهيميرواية الحربالسردشخصيات 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post هلا شقير تبحث عن النقطة المضيئة في صميم الطبيعة next post القوة الناعمة العُمانية من سلاسة ناسها إلى سلاسل جبالها You may also like القوة الناعمة العُمانية من سلاسة ناسها إلى سلاسل... 3 مايو، 2025 هلا شقير تبحث عن النقطة المضيئة في صميم... 3 مايو، 2025 عندما أراد المفكر الفرنسي بيار بورديو اللجوء إلى... 3 مايو، 2025 «عيون مغلقة على اتساعها»… تحفة كوبريك الأخيرة 2 مايو، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: «سفنكس» عُمان 2 مايو، 2025 دراسة تبحث في «الشعر العُماني في العصر البوسعيدي» 2 مايو، 2025 الكوري كيم يونغ ها يرسم روائيا سيرة قاتل... 29 أبريل، 2025 “لعنة لوكريشيا بورجيا” تصيب دونيزيتي صاحب الأوبرات الـ70 29 أبريل، 2025 موسوليني ينتقل من زعيم فاشي إلى بطل روائي 29 أبريل، 2025 قضايا الأدب والترجمة والتعددية الثقافية تشغل معرض الرباط 29 أبريل، 2025