ثقافة و فنونعربي محمد الجنوبي يستعيد فن “العديد” الفرعوني تشكيلياً by admin 9 أكتوبر، 2020 written by admin 9 أكتوبر، 2020 30 “أوراق الفقد والنسيان” معرض يجمع صورا ومواد بصرية تحمل ذكريات الرحيل اندبندنت عربية / ياسر سلطان على جدران إحدى المقابر الفرعونية المنحوتة في الصخر للحاكم “رعموزا” حاكم مدينة طيبة حوالى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، يصور الرسام المصري القديم مشهداً جنائزياً تبدو فيه مجموعة من النساء النائحات وهن يودعن صاحب القبر. تُعد هذه الجدارية واحدة من الرسوم النادرة التي تصور النائحات في العصر الفرعوني، وهن نساء كن يحترفن النواح في الجنازات وعرفن أيضاً بمغنيات الإلهة حاتحور. قد تتشابه تلك المهمة التي كانت تضطلع بها النساء النائحات في العصر الفرعوني مع طقس حديث مرتبط بالجنازات والموت وهو “العديد”. والعديد هو نوع من الشعر المسجوع باللهجة المحلية كان منتشراً في صعيد مصر، وتردده النساء عند وفاة عزيز لديهن. يمكن أن تضطلع بتلك المهمة قريبات المتوفى، غير أن هناك أيضاً نساء مُخصصات لذلك يحترفن “الندب” في الجنازات. يقترب “العديد” لأن يكون فناً شفهياً، لما يحمل من إبداع وتراكيب لغوية، وأقوال تذهب أحياناً مذهب الأمثال والمأثورات في صعيد مصر. هذا الفن الشفهي في طريقه اليوم للاندثار، ويكاد أن يختفي لأسباب عدة مرتبطة بتغير ثقافة المجتمع وتوغل الأفكار الدينية الأكثر تشدداً مع تلك العادات القديمة. من معرض الفنان المصري محمد الجنوبي (اندبندنت عربية) بُذلت جهود كثيره لجمع هذا الموروث الشفهي من فن “العديد” وتناوله بالبحث والدراسة، ومن بين هذه الدراسات ما قدمه الكاتب المصري عبد الحليم حفني في كتابه “المراثي الشعبية” الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، كما تناوله أيضاً الكاتب كرم الأبنودي في كتابه “فن الحزن” بتقديم للروائي الراحل خيري شلبي. وفي دراسته عن أشكال العديد في صعيد مصر يذهب الباحث المصري درويش الأسيوطي إلى أن “العديد” هو أشرف الغناء الشعبي، كما كان الرثاء أشرف أشعار العرب، فعندما سأل الأصمعي الإعرابي: ما بال المراثي أشرف أشعاركم، قال الأعرابي لأننا نقولها وقلوبنا محترقة. أساليب تعبيرية الفنان محمد الجنوبي يقدم معالجة بصرية لفن “العديد” من خلال معرضه في أتيليه القاهرة تحت عنوان “أوراق الفقد والنسيان”. يجمع الجنوبي في هذا المعرض الذي احتل القاعات الأربع لأتيليه القاهرة بين مجموعة من الوسائط وأساليب التعبير المختلفة، من رسوم وتجهيز وكتابة. القاسم المشترك بين هذه العناصر هو الحضور الطاغي لأشعار العديد وتمثيلها كتابة ورسماً على مساحات مختلفة من أقمشة وأوراق رسم. يستدعي الجنوبي هنا فكرة الفقد باستحضاره صور أصدقائه وأقاربه الذين رحلوا أو غابوا أو تقطعت بهم السبل، كما يستحضر فكرة الموت وما ارتبط به من مرض أو معاناة. يبدو المعرض مزدحماً بالعناصر الكثيرة، عشرات من الصور والكتابات والأوراق والرسوم تعكس جميعها مشاعر الفقد والحنين وتلامس مشاعر المشاهد ووجدانه، وقد يكمن هنا سر هذا الشعور بالألفة والدفء الذي يخيم عليها. لوحة النائحات في جدارية رعموزا الفرعونية (موقع المعرض) بين العناصر الكثيرة التي أتى بها الجنوبي نرى عبوات أدوية وضع في داخلها صورة مصغرة لوجهه، وفي ركن آخر نرى صورة شقيقه الذي رحل. بين الأعمال رسوم عدة كانت مهملة في ركن محترفه، وجاء بها الفنان كما هي ليعرضها دون ترتيب، حتى أن بعضها قد حال لونها وبهتت معالمها، فبدت أشبه بلفائف من القماش أو الجلد المغطى بالأصباغ. يبرز الجنوبي أيضاً هنا محاولاته الأولى للتلوين والرسم، كما يملأ أحد الحوائط بأوراقه الخاصة وعشرات من القصاصات المهملة التي تحمل ذكريات شخصية، بينها شهادات الدراسة وكشوف الأطباء وتذكرته الأولى للسينما حين حل في القاهرة لأول مرة. يسكب الجنوبي تجربته الحياتية ورحلته مع الفن على جدران القاعة بنجاحاتها وإحباطاتها، بتفاصيلها الهامشية وأحداثها المحورية التي ربما غير بعضها مساره. ثمة رسومات أخرى غطى بها الفنان أحد جدران القاعة تحمل كل منها “عدودة” كما يطلق عليها أهل الصعيد، تتضمن رثاءً للأب أو الابن أو الابنة. تحمل هذه النصوص الشفهية المتداولة على ألسنة النساء شيئاً من ثقافة المجتمع وقناعات النساء أنفسهن حول مكانة الرجل في المجتمع الصعيدي، أو تشير أخرى إلى عادات متوارثة كالثأر مثلاً. بل يحمل بعضها حتى أقوالاً تتجاوز التقاليد والأعراف السائدة. لكنها على كل حال تمثل سجلاً حافلاً بالحكمة وحاملاً لثقافة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ. المزيد عن: معرض/القاهرة/فن فرعوني/الرثاء الشعبي/مقابر فرعونية/فوتوغرافيا/فن تشكيلي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post سحر حكايا المافيا الذي لا ينقضي next post فضيحة جنسية في مصر بطلها جزار و25 سيدة You may also like رحيل “صائدة المشاهير”…ليلى رستم إعلامية الجيل الذهبي 10 يناير، 2025 سامر أبوهواش يكتب عن: حسام أبو صفية… الرجل... 10 يناير، 2025 كتب يناير الإنجليزية: سيرة هوليوودي واعترافات 3 نساء 9 يناير، 2025 عبده وازن يكتب عن: بثينة العيسى تروي خراب... 9 يناير، 2025 أعظم 20 فيلما في تاريخ سينما الغرب الأميركي 9 يناير، 2025 وليام هوغارث يغزو بيوت لندن بلوحات شكسبيرية 9 يناير، 2025 استعادة الشاعر بول إلويار في الذكرى المئوية للبيان... 9 يناير، 2025 فيلم “ذا اوردر” يواكب صعود التطرف في الغرب 9 يناير، 2025 عندما فقد الروسي غوغول شاعرية “سهرات مزرعة ديكانكا” 9 يناير، 2025 دمشق أقدم مدينة مأهولة… ليست مجرد عاصمة 9 يناير، 2025 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.