أ.ف.ب / رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري خلال مؤتمر صحافي في المغرب X FILEعرب وعالم محمد أبي سمرا يكتب عن: الاغتيالات والحرب في لبنان… نظام إقليمي للقتل والاخضاع by admin 14 فبراير، 2025 written by admin 14 فبراير، 2025 29 حصدت موجة الاغتيالات بين عامي 2005-2013 شخصيات عامة تجاوز عددها 15 شخصية المجلة / محمد أبي سمرا تحلّ الذكرى العشرون لاغتيال رفيق الحريري الذي أدانت محكمة دولية أحد رجال “حزب الله” بالمشاركة في تدبير اغتياله. أما حسن نصرالله فسيدفنه حزبه بعد أيام، بعدما قتلته/اغتالته إسرائيل في 27 سبتمبر/أيلول 2024، أثناء حربها الدموية المدمرة على “حزبه” ومناطق بيئته، ردا منها عليه بعد حربه عليها “إسنادا” منه لغزة، عقب عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها “حماس” ضد إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. ولربما تصعب مقاربة سلاسل الاغتيالات في لبنان، من دون إدراجها في السياقات “السياسية” التي تلابسها، وفي طليعتها الحروب الأهلية الإقليمية التي عرفها وخبرها اللبنانيون الذين سبقوا سواهم من أهالي بلدان عربية أخرى في خوضهم فيها. وهي حروب يتقاطع الداخلي والإقليمي فيها ويتلابسان، واستمرت طوال 15 سنة (1975-1990)، وتوقفت بتسوية إقليمية انجلت عن تنصيب النظام الأمني السوري الإقليمي وليا على شؤون الدولة اللبنانية وجماعاتها، بعد ضلوعه في تلك الحروب وإدارتها بين تلك الجماعات. وهذا ما أدى، بعد توقفها- كما في بلدان عربية أخرى لاحقا- إلى تكريس عوامل الحرب وأشكال الصراعات فيها والعلاقات بين قواها وجماعاتها… نظاما سياسيا، كانت فاتحته قانون عفو عام، برَّأ الجماعات اللبنانية ومنظماتها العسكرية من جرائم الحرب ومآسيها، وكانت الاغتيالات “السياسية” وجها من وجوهها، واستعادت زخمها في زمن “السلم الأهلي البارد”، منذ عام 2005. أشكال الاغتيال الكثيرة ومن الظواهر التي لابست الاغتيالات في زمن الحرب الأهلية الإقليمية في لبنان، أن اغتيال بعض زعماء الجماعات اللبنانية حملها على الثأر لهم في ثاراتٍ طائفية- قبلية إجرامية: أغار مسلحو الجماعة التي اغتيل زعيمها على ديار جيرانهم الأعداء، فأعدموا منهم مئاتٍ في بيوتهم وساحات بلداتهم إعداما ميدانيا. وهذا على الرغم من يقين من أقدموا على ذلك أن ليس جيرانهم الأعداء من اغتالوا زعماءهم، على ما ظهر جليا في حالتين على الأقل: حين اغتال النظام السوري الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، أغار المسلحون الدروز من أنصاره على بلدات مسيحية مسالمة في الشوف وقتلوا كثرة من أهلها. حين اغتيل زعيم “القوات اللبنانية” المسيحية المنتخب رئيسا للجمهورية بشير الجميل، أغار رهط من أتباعه على مخيمات فلسطينية تحاصرها القوات الإسرائيلية، وارتكبوا مجزرة صبرا وشاتيلا الشهيرة. غداة اغتيال رفيق الحريري واتهام المنتفضين النظامَ السوري باغتياله، نظم “حزب الله” تظاهرة حاشدة لجمهوره المرصوص، المدرب والمطواع، شعارها “شكرا سوريا”، أي شكرا نظام الأسد وفي وجه من وجوهه كان ما ضلعت به ميليشيات الحروب- إقدام المسلحين على خطف المدنيين العابرين المجهولين، وقنصهم وقتلهم في الشوارع عشوائيا حسب الهوية الطائفية، وإقدامهم على قصف سكان الأحياء المدنيين قصفا مدفعيا عشوائيا، وعلى تفجيرهم بسيارات مفخخة في أحياء وبنايات وشوارع- كان هذا كله شكلا من أشكال الإجرام والإعدام الميداني والاغتيال المفاجئ للعابرين في الشوارع والمنزوين في بيوتهم خائفين، أكثر منه عملا عسكريا ضد المنظمات العسكرية المتحاربة. الزعماء وجمهورهم وبعد 15 سنة على إقرار نواب البرلمان “اتفاق الطائف” الذي أوقف الحروب في عام 1989، أدمن اللبنانيون المحتجون على نظامهم السياسي وممارساته، تلاوة كلمات البراءة منه بلا أي ندم أو مراجعة. وهذا ما فعلوه في “انتفاضة/ثورة الأرز” وشعارها “حرية.. سيادة.. استقلال”، غداة اغتيال رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005: اتهموا النظام السوري، الوصي على نظامهم السياسي والأمني، باغتياله. لكن من دون أي إشارة إلى ضلوع الحريري في تكريس نظام الوصاية مرغما، ثم متململا، قبل أن يقدم أخيرا على خطوات بطيئة مترددة للخروج منه، سلميا وبالانتخابات النيابية، فجاء اغتياله ردا حاسما على ذلك. وفي النهار التاريخي المشهود والكبير من تلك الانتفاضة، نهار 14 مارس/آذار، احتشد أكثر من مليون لبناني في ساحة الشهداء ووسط بيروت، حيث دفن الحريري، فتقدمهم خليط من زعمائهم الذين كانوا معارضين و”وسطاء” وموالي نظام الوصاية السوري، فاعتلوا منبر الخطابة في حشودهم. أ.ف.ب / رفيق الحريري وشقيقته بهية يتحدث إلى أنصاره من شرفة منزله في بيروت في 9 مايو 1994 وصبر اللبنانيون صبرا مديدا على الفساد السياسي والمالي والإداري الذي يشكل ركن نظامهم السياسي، ويعيل شبكات واسعة من جماعاتهم الأهلية والطائفية. وحين انتفضوا على هذا النظام في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، جاءت انتفاضتهم بعد نضوب الريوع التي كان النظام وزعماؤه يوزعونها على شبكات مواليهم ومحاسيبهم الواسعة في جماعاتهم. ثم راح المنتفضون يتبرأون من زعمائهم، من دون أي ندم على ولائهم لهم. بل إن بعضهم أخذ يقول للزعماء “جوّعتونا موتونا فقرتونا”، كأنما هم غاضبون منهم غضبا عائليا ويعاتبونهم عتب الأبناء على آبائهم الذين توقفوا عن إعالتهم، بعد نضوب ريوعهم، وليس احتجاجا على نظام الإعالة الفاسد والمُفسد. ووصف اللبنانيون الناقمون على الطبقة أو المنظومة السياسية الحاكمة وزعاماتها في بلدهم بأنها “فاسدة” و”مجرمة”. وأضاف بعضهم إلى صفاتها الكثيرة المماثلة، مفهوما جديدا: “تحالف المافيا والميليشيا”. وهم برّأوا أنفسهم من هذا كله، على الرغم من إدراكهم واختبارهم في حياتهم اليومية أن الفساد والنهب والمافيا والإجرام والميليشيا والاغتيالات، ليست سوى أفعال بنيوية في نظام سياسي-اجتماعي عميق الحضور والجذور، ويستقطب شبكات واسعة من الجماعات الأهلية والطائفية. وغداة اغتيال رفيق الحريري واتهام المنتفضين النظامَ السوري باغتياله، نظم “حزب الله” تظاهرة حاشدة لجمهوره المرصوص، المدرب والمطواع، شعارها “شكرا سوريا”، أي شكرا نظام الأسد. وفي “سوريا الأسد- الأبد” ليس من شعب سوري أصلا، بل بشرٌ مكتومون تستعبدهم أجهزة أمنية في سجن كبير. وقال أحد اللبنانيين من مداحي نظام حافظ الأسد مرة: “أسد والناس تحتك عدد”. شملت قائمة ضحايا الاغتيالات زعماء جماعات طائفية وحزبية ومنظمات عسكرية، ورئيسي جمهورية، ورئيسي حكومة، ورجال دين، ووزراء، ونوابا، وضباطا كبارا، ومستشارين سياسيين، وصحافيين، ومثقفين وكتابا حزبيين وبلغ الولاء الأهلي المذهبي لـ”حزب الله” وزعيمه، حالا خلاصية أخروية بعد حرب يوليو/تموز 2006 التي تحوّل ما أنزلته إسرائيل من تدمير وقتل بـ”حزب الله” وبيئته الاجتماعية “نصرا إلهيا” وفداء لزعيمه الخلاصي. وأمعن “حزب النصر الإلهي” في استقوائه بذلك “النصر” على الجماعات اللبنانية الأخرى. فاستعادت الاغتيالات السياسية زخمها وبلغت ذروتها بعد 15 سنة على توقف الحروب الأهلية الإقليمية في لبنان وتكريس نظام الوصاية السورية عليه. وحصدت موجة الاغتيالات بين عامي 2005-2013 سلسلة متنوعة من شخصيات عامة تجاوز عددها 15 شخصية. وكان الجامع المشترك بينها انتماءها إلى “حركة 14 آذار، الاستقلالية والسيادية” التي أخرجت احتجاجاتها السلمية والضغط الدولي قواتَ النظام السوري من لبنان، بعد اغتيال الحريري. أ.ف.ب / لبنانيون يحملون أعلام لبنان وصور رفيق الحريري للاحتفال بفوزة بالانتخابات النيابية، بيروت في 2 سبتمبر 1996 ولم يكتفِ “حزب الله” بشكر النظام السوري في عام 2005، بل إن قواته العسكرية اجتازت الحدود اللبنانية إلى سوريا سنة 2012، وأمعنت في الانتقام من شعبها الذي لم يعد “عددا” وثار على نظامه. فاحتلت قوات “حزب الله” بلدات سورية كثيرة، بعدما قتلت وشردت أهلها، وأحلّت مكانهم سكانا آخرين. أما الدولة اللبنانية فحوّلها “الحزب” إياه دولة متصدعة ومفلسة، وجعلها ذيلا ملحقا بمشروعه الإقليمي في المشرق. اغتيال زعماء ورجال دين ومنذ بدايات حروب لبنان الأهلية والإقليمية سنة 1975، ارتسمت الاغتيالات وجها بارزا من وجوهها. وقد شملت قائمة أسماء ضحاياها الطويلة زعماء جماعات طائفية وحزبية ومنظمات عسكرية، ورئيسي جمهورية، ورئيسي حكومة، ورجال دين، ووزراء، ونوابا، وضباطا كبارا عسكريين وأمنيين، ومستشارين سياسيين، وصحافيين، ومثقفين وكتابا حزبيين. وكما لم يكن وجه الحروب الداخلي في لبنان لينفصل عن وجهها الإقليمي، كانت الاغتيالات بدورها وليدة وجهي الحروب هذين. بل إن وجهها الإقليمي يتفوق على وجهها الداخلي، وخصوصا تلك الاغتيالات الكبرى البارزة التي انعطفت بالحرب وبالحياة السياسية في البلاد منعطفات جديدة كبرى. وهي الاغتيالات التي أدت إلى تغييب زعماء جماعات وأحزاب ورجال دين غلب دورهم السياسي على الديني في جماعاتهم، وأرادوا أو طمحوا أن تكون توجهاتهم السياسية مستقلة عن القوى الإقليمية النافذة أو تقوم بينهم وبينها مسافة ما، لا سيما عن النظام السوري. وهذا ما تبينه قائمة هؤلاء الذين اغتيلوا في زمن الحروب وبعدها، وظروف اغتيالهم، وما أدى إليه غيابهم: كمال جنبلاط (1917-16 مارس/آذار 1977) الزعيم الدرزي وزعيم “الحركة الوطنية اللبنانية”. وتُجمع الدلائل والمعطيات على أن النظام السوري اغتاله، بعدما أصر على حلفه مع حركة المقاومة الفلسطينبة بزعامة ياسر عرفات، وعلى هزيمة المسيحيين وميليشياتهم، وعارض دخول الجيش السوري إلى لبنان في حرب السنتين (1975-1976). وأدى اغتيال جنبلاط إلى انكفاء أحزاب “الحركة الوطنية” وتشرذمها، وإلى تحول زعامة وريثه وليد جنبلاط إلى زعامة درزية خالصة موالية للنظام السوري حتى اغتيال الحريري، وتهديده جنبلاط بالاغتيال. موسى الصدر (1928-31 أغسطس/آب 1978) رجل الدين الشيعي ومؤسس “حركة أمل” الشيعية. وقد أدى اختطافه وتغييبه إلى التحاق الحركة بزعامة نبيه بري التحاقا تاما بالنظام السوري، وخوضها مع “حزب الله” حربا وحملة اغتيالات ضد الشيوعيين والبعثيين العراقيين داخل الجماعة الشيعية وخارجها. ومن ثم خوض “حركة أمل” منفردة حربا على المخيمات الفلسطينية بإمرة النظام السوري. الاغتيالات لصيقة بالأعمال العسكرية وتستكملها في أزمنة الحروب الأهلية الإقليمية، وتنعطف بمساراتها وبالجماعات المتحاربة منعطفات جديدة بشير الجميل (1947-14 سبتمبر/أيلول 1982) زعيم “القوات اللبنانية” المسيحية التي خاضت حروبا ضد القوات السورية والفلسطينية في لبنان، متحالفة مع إسرائيل بعد حرب السنتين. ومن ثم انتخب الجميل رئيسا للجمهورية بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي لبنان صيف 1982، فأدى اغتياله إلى ما سُمي “الإحباط المسيحي”، وشقاق “القوات اللبنانية” واحترابها، وتراجع دورها في المجتمع المسيحي. رشيد كرامي (1921-1 يونيو/حزيران 1987) زعيم طرابلس ورئيس الحكومة. اتهم قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع بتدبير عملية اغتياله، فسُجن حتى عام 2005، ما أدى إلى حظر “القوات” وقيام “النظام الأمني السوري-اللبناني” بمطاردة أعضائها واعتقالهم. حسن خالد (1921- 16 مايو/أيار 1989) مفتي الجمهورية اللبنانية. وكان حضوره السياسي وازنا وأساسيا في الجماعة السنية بلبنان، بعد تغييب زعمائها السياسيين (اغتيال كرامي، حمل النظام السوري صائب سلام وتقي الدين الصلح على مغادرة لبنان). واغتيل المفتي خالد في سيارة مفخخة بعد شبهة اعتراضه على النظام السوري، أثناء خوض جيشه حربا مع الجيش اللبناني بقيادة ميشال عون، رئيس الحكومة العسكرية. أ.ف.ب / من اليسار إلى اليمين: رئيس الوزراء اللبناني صائب سلام، والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، والزعيم المسيحي بيار الجميل، والزعيم الدرزي كمال جنبلاط، خلال حفل رسمي في بيروت، (صورة أرشيفية غير مؤرخة تعود إلى أوائل سبعينيات القرن العشرين) رينه معوض (1925- 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1989) نائب زغرتا في البرلمان. اغتيل في عيد استقلال لبنان، بعد انتخابه رئيسا للجمهورية عقب “اتفاق الطائف”. وتتقاطع روايات واستنتاجات كثيرة في أن اغتياله جاء على خلفية رفضه قرار النظام السوري بطرد رئيس الحكومة الانتقالية ميشال عون وجيشه من القصر الجمهوري ومحيطه بالقوة العسكرية. عباس الموسوي (1952- 16 فبراير/شباط 1992)، الأمين العام الثاني لـ”حزب الله”. وقد اغتالته إسرائيل مع زوجته بطائرة حربية مروحية قصفت سيارته في طريق عودته من الجنوب. ومقارنة بسلسلة الاغتيالات هذه، جاء اغتيال الموسوي خاليا من الشبهات وواضحا في إطار مقاومة حزبه احتلال إسرائيل مناطق من جنوب لبنان. أما أثر اغتياله فاقتصر على “حزب الله” الذي انتخب حسن نصرالله خلفا له. رفيق الحريري (1944- 14 فبراير/شباط 2005)، رئيس حكومات ما بعد “اتفاق الطائف”. وصاحب مشاريع الإعمار والنهوض الاقتصادي ما بعد الحرب. وهو من أعاد لبنان إلى الخريطة السياسية العربية والدولية. وقد اغتيل فيما كان يحاول الخروج السياسي على “وصاية” النظام السوري. حسن نصرالله (1960- 27 سبتمبر/أيلول 2024)، زعيم “حزب الله” وأمينه العام الثالث، وصاحب الشخصية الكاريزمية، الخلاصية والأخروية وشبه “المقدسة” في حزبه وفي بيئته الشيعية. وهذا بعدما حقق حزبه في عهده تحرير شريط القرى الحدودية جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي. وحقق أيضا “النصر الإلهي” في حرب يوليو/تموز 2006. وأصبح “الحزب الحاكم” في اختيار رئيسي الجمهورية والحكومة، وفي القرارات الحكومية بلبنان. وكذلك القوة الإقليمية الإيرانية الأساسية الضاربة في المشرق، وخصوصا في “سوريا الأسد”، قبل مباشرته الحرب المحدودة على إسرائيل بعد عملية “حماس” عليها، “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. ونفذت إسرائيل عملية قتل نصرالله/اغتياله العاصف، في إطار هجماتها الدموية المدمرة على لبنان و”حزب الله” ومناطق الجماعة الشيعية. وفيما تبدو آثار ونتائج حرب “إسناد غزة”- غياب صوت نصرالله وصورته الخلاصيين، والخسائر العسكرية والبشرية الكبرى والقاسمة التي مُني بها “حزب الله”، وانهيار نظام الأسد وزواله في سوريا- مزلزلة للجماعة الشيعية، فإنها تبدو على خلاف ذلك في منظور الجماعات اللبنانية الأخرى: خلّصتها وخلّصت مواقع القرار في الدولة اللبنانية من سلطان “حزب الله” والمحور الإيراني. تشير هذه القائمة بأسماء الشخصيات الأساسية التي حصدتها عمليات الاغتيال وبعض ملابساتها، إلى أن الاغتيالات لصيقة بالأعمال العسكرية وتستكملها في أزمنة الحروب الأهلية الإقليمية، وتنعطف بمساراتها وبالجماعات المتحاربة منعطفات جديدة. البواعث الإقليمية للاغتيالات تتفوق بأشواط على البواعث الداخلية أو المحلية، وتحوم الشبهات في معظمها حول النظام السوري و”حزب الله” الذراع الإيرانية في لبنان أما في أزمنة “السلم البارد” وتعليق الحرب بين الجماعات الأهلية، فتتدخل العوامل والظروف الإقليمية راجحة ووازنة في دوافع الاغتيالات، كاغتيال رفيق الحريري مثلا. لكن هذه الاغتيالات لا تغيب عنها رغبة القوى التي تنفذها في كسر ميزان القوة بين الجماعات الأهلية، والانعطاف بها وبالبلاد منعطفا جديدا، كما في اغتيالات أزمنة الحرب. سلاسل اغتيالات أخرى وهنالك سلاسل وملابسات وظروف أخرى متنوعة للاغتيالات في لبنان. فإلى السلسلة المذكورة أعلاه، نجد أخرى مختلفة في وزن الشخصيات التي طاولتها وأهدافها في زمن الحروب الأهلية الإقليمية. اغتيالات تغلب فيها العوامل الداخلية على الإقليمية، من دون أن يغيب حضور هذه الأخيرة. ومنها: اغتيال النائب الصيداوي معروف سعد في 26 فبراير/شباط 1975. وكان اغتياله مقدمة للحرب الأهلية. وفي 13 أبريل/نيسان 1975 أرتكب مسلحون من حزب “الكتائب اللبنانية” مجزرة/اغتيال ركاب حافلة فلسطينيين (نحو 20 شخصا) عبرت في محلة عين الرمانة المسيحية، فبدأت بذلك أولى جولات الحرب بين الشياح وعين الرمانة. وفي 13 يونيو/حزيران 1978، اغتيل نائب زغرتا طوني فرنجية نجل رئيس الجمهورية سليمان فرنجية. وقد حدث اغتياله في إطار النزاع بين “القوات اللبنانية” بقيادة بشير الجميل والزعامة العائلية العشائرية التي يتصدرها في زغرتا آل فرنجية، بعدما مالت زعامتهم إلى موالاة النظام السوري. وفي 21 سبتمبر/أيلول 1989، اغتيل النائب البقاعي ناظم القادري، وتحوم شبهات اغتياله حول النظام السوري الذي عارض القادري سياساته في لبنان. وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول 1990، اغتيل داني شمعون وريث والده كميل شمعون في رئاسة حزب “الوطنيين الأحرار”. وقد اغتيل مع زوجته وطفليه في منزله، بعدما تمكنت قوات النظام السوري من طرد ميشال عون (كان شمعون في طليعة داعميه) من قصر بعبدا الرئاسي وهزيمة جيشه. وفي 24 يناير/كانون الثاني 2002، اغتيل إيلي حبيقة، قائد “القوات اللبنانية” السابق وموالي النظام السوري، والذي تحوم شبهات كثيرة حول تنفيذه مجزرة صبرا وشاتيلا بالفلسطينيين صيف 1982. أ.ف.ب / الدمار الذي خلفه التفجير في موقع اغتيال رفيق الحريري، بيروت 14 فبراير 2005 اغتيالات أقطاب في “حركة 14 آذار”، وتتقاطع عواملها وأهدافها الداخلية مع الإقليمية التي تتغلب على الداخلية. وهي تلت اغتيال رفيق الحريري الذي أدانت محكمة دولية أحد رجال “حزب الله” بالضلوع فيه. وتكثر الشبهات حول ضلوع “الحزب” إياه بسلسلة الاغتيالات هذه بين 14 فبراير/شباط 2005 و4 فبراير/شباط 2021. ويَجمع بين شخصيات هذه السلسلة معارضتها سياسات “حزب الله” والنظام السوري في لبنان، وبينهم نواب وصحافيون ووزراء وكتّاب: باسل فليحان، وزير سابق، واغتيل مع الحريري. وجبران تويني (صحافي، رئيس مجلس إدارة “النهار”، نائب في البرلمان). وسمير قصير، ولقمان سليم (كاتبان وصحافيان). وبيار الجميل، نجل رئيس الجمهورية وحفيد مؤسس حزب “الكتائب اللبنانية”، وأحد أقطاب “حركة 14 آذار”. وجورج حاوي (أمين عام سابق للحزب الشيوعي). ووليد عيدو، وأنطوان غانم (نائبان في البرلمان). ومحمد شطح (وزير سابق). وفرنسوا الحاج، ووسام عيد، ووسام الحسن (ضباط كبار في الجيش والأجهزة الأمنية). اغتيالات حصدت كوادر ومثقفين شيوعيين وبعثيين عراقيين، وزامنت صعود نفوذ ميليشيا “حركة أمل” و”حزب الله” بعدها، في النصف الأول من الثمانينات: الشاعر موسى شعيب (بعثي عراقي)، اغتيل عام 1980 في ضاحية بيروت الجنوبية. والباحث والكاتب وعضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي، حسين مروة، اغتيل في منزله عام 1980، وكان يناهز الثمانين من عمره. وسهيل طويلة وخليل نعوس، من قادة الحزب الشيوعي، واغتيلا سنة 1986. وحسن حمدان (مهدي عامل) كاتب وباحث وأستاذ جامعي في الحزب الشيوعي، واغتيل سنة 1987 في بيروت. كخلاصة أخيرة عامة لعرض هذه السلاسل من الاغتيالات وشذرات عن ملابساتها، لا بد من الإشارة إلى أن بواعثها الإقليمية تتفوق بأشواط على الأخرى الداخلية أو المحلية، وتحوم الشبهات في معظمها حول النظام السوري و”حزب الله” الذراع الإيرانية في لبنان. أما الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل، فواضحة وغالبا ما استهدفت قادة “حزب الله” وكوادره العسكرية والأمنية. المزيد عن: ة رفيق الحريري 14 آذار لبنان حزب الله 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post سقوط نظام الأسد أم المحكمة الدولية… من أنصف رفيق الحريري بعد اغتياله؟ next post الحريري يُعلن عودة تيار المستقبل للعمل السّياسيّ ورسالة للثنائي You may also like الرئيس اللبناني يندد بالهجوم على قافلة اليونيفيل في... 15 فبراير، 2025 تسليم 3 رهائن إسرائيليين في غزة بعد تجنب... 15 فبراير، 2025 مسؤول أمني إسرائيلي يؤكد الاستعداد للانسحاب من لبنان 15 فبراير، 2025 محاصرة “حزب الله” خلف غبار الاشتباكات الحدودية بين... 15 فبراير، 2025 غسان شربل في حوار مع مروان حمادة: حافظ... 15 فبراير، 2025 من هو سعد الحريري، نجل رفيق الحريري ووريثه... 15 فبراير، 2025 خدام: ماهر الأسد خدع رفيق الحريري قبل اغتياله…... 15 فبراير، 2025 هل بدأ انحسار النفوذ الإيراني في العراق؟ 14 فبراير، 2025 سوريا تتسلم من روسيا مبلغا غير معلن بالليرة 14 فبراير، 2025 منير الربيع يكتب عن: اسرائيل “الشرهة” تدفع بترامب... 14 فبراير، 2025