الإثنين, نوفمبر 25, 2024
الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Home » متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟

متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟

by admin

 

أسئلة مطروحة بإلحاح في اليوم العالمي لـ”أم العلوم”

اندبندنت عربية / موسى برهومة

لا أزال من المتمسكين بأن العلوم الاجتماعية غير مستقلة عن الوظيفة والدور و”الرسالة”، المشتغلون في هذا الحقل مطالبون بأن يولوا الجدوى الإنسانية أهمية قصوى، فلا وقت للترف في وسط الحرائق.

الفلسفة بصفتها أحد أبرز العلوم الاجتماعية مدعوة إلى ألا تتخلى عن تصوراتها التي تفسر وتؤول، ولكن عليها أن تندفع باتجاه مرتبة أعلى: أن تغير. وباعتبارها “أم العلوم” يتعين أن تكون الفلسفة “محايثة”، لا “مفارقة” للجهد الإنساني، وينبغي أن تنخرط، لامتلاكها سلطة التعقل، في ورشة كونية مفتوحة لتعديل اختلالات العالم، أو في الأقل النظر إلى تلك الاختلالات على أنها عوار في السلوك، وتفريط بالقيم الأخلاقية التي تعد أكثر أجنحة الحقول الفلسفية إلزاماً. وقوة الإلزام تلك مستمدة من تطور فلسفة الواجب والحق، التي بلغت أعلى ذراها على يد الفيلسوف الألماني كانط الذي ينظر إليه على أنه “نبي الأخلاق”.

أما التعاطي مع الفلسفة، والإسهام في تطويرها في حدود الاقتراحات التجريدية، وتوليد المفاهيم، والتفلسف المنفلت من عقاله، والمنبت عن جذوره الأرضية (أو المادية بالمعنى الماركسي)، فذلك يستبطن دعوة إلى إلحاق الفلسفة بالحقل الروحاني المحض، وتحويلها إلى دين سري مقتصر على أتباعه، ومستغلق على الفهم، ولا غاية له إلا التهويم و”الدروشة” ومقاربة ما لا يُفهم ولا يُدرك ولا يُستفاد منه. هذا لا يعني، استدراكاً، هجاء خيارات الفلاسفة وتسفيهها، وإنما ترجيح البدائل التي تدعو إلى ربط الفلسفة بالمعيش، والإصغاء إلى قلق الإنسان وتمزقه واغترابه وانعدام يقينه.

أسئلة مطروحة

الفلسفة معنية بسؤال الحرب والكوارث وتصدع القيم، وكذلك بأسئلة العدالة والحق، وهي مناشَدة باجتراح مقاربة تخترق حجب الواقع التي تغطيها الذرائعية السياسية، وتحجبها البراغماتية المتوحشة. يتم تحميل الفلسفة أعباء كبيرة، ويتكرر في كل منعطف كبير التعويل عليها، باعتبار الفيلسوف رائياً ويمتلك أدوات مفاهيمية في التأويل، والنظر العميق تؤهله لأن يكون له القول الفصل.

من شعارات اليوم العالمي للفلسفة (منظمة يونيسكو)

الفيلسوف، استطراداً، يختلف عن الأديب على رغم أن كليهما يشتغل على اللغة، الأديب في أحد أبرز تمثلاته يعد الخيال ومصادر الإلهام مادته الخام، فيشكلها شعراً وسرداً ومسرحاً، أما الفيلسوف فمادته النظر العقلي المجرد، مع قليل (أحياناً) من الخيال الذي يضفي على التصورات الذهنية رونقاً وطلاوة، فمهما شطح الفيلسوف يبقى متعقلاً، يتوخى المعرفة، ويظل متصلاً بالدائرة المادية للواقع، وإذا اخترقها أصبح شاعراً فلسفياً كما أبدع نيتشه في “هكذا تكلم زرادشت”، وكما تجلى سارتر في مسرحية “الذباب” التي يستلهم فيها أسئلة وجودية من وحي أسطورة إلكترا، مسقطاً هذه الأسئلة على عصره إبان الحرب العالمية الثانية، وسائلاً عن تجسدات الإرادة الحرة، وعلاقة الإنسان بالإنسان، وكأنه يحاكي نبض لحظة لا نزال نئن تحت نير حطامها المرعب.

لا تقترح هذه الكتابة وصفة ذات أفضلية على سواها في ما خص النظر الفلسفي، فلكل مشتغل في هذا الحقل المعقد طرائقه، لكن الأهوال التي تكبل روح العالم وقلبه تستدعي أولويات وتستوجب نزول الفلسفة من برجها العاجي والمشي على الأرض وبين الناس.

اليوم العالمي للفلسفة، الذي يُحتفى فيه في هذه الأثناء، يتعين أن يكون صرخة في وجه الخراب، ونداء لإعادة تغليب العقل الأخلاقي، ومنحه قوة ردع، لأن الشر المرتكب الآن صادر عن عقول جاهلة لا تعلم فداحة ما تفعل، أو إرادات ما فوق إنسانية، أو ضمائر تلفظ أنفاسها الأخيرة، وقد تكون الفلسفة خشبة نجاة، لكيلا يغرق الكون في عتمة الموت. في الحرب على غزة وعلى لبنان كان صوت الفلسفة خافتاً، مضى سدنة الحكمة إلى التأمل (ربما حتى تأكل النيران ما تبقى من أجساد الضحايا)، أما مَن نطق فقد قال كفراً بواحاً، وما يورغن هابرماس عن ذلك ببعيد، إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الفيلسوف ميراثه، إن خان معنى أن يكون “فكيف يمكن أن يكون”؟ مع الاعتذار للشاعر السيّاب.

لم يخل فضاء الفلسفة، بالتأكيد، من أصوات شجاعة أعربت، تصريحاً أو تلميحاً، عن هول المآسي التي تحيط بأيامنا، فقبل عام كتب الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين على موقعه الإلكتروني “أعلن علماء من كلية علوم النبات في جامعة تل أبيب، في الأيام الأخيرة، أنهم سجلوا بميكروفونات خاصة حساسة بالموجات فوق الصوتية صرخات الألم التي تصدرها النباتات عند قطعها أو عندما تفتقر إلى الماء، في غزة لا توجد ميكروفونات!”.

وإذا قُيض للمراقب أن يدعو إلى التحقيب الزمني، فإن الأولوية هي للاشتغال على إعادة بناء القيم، وتدشين الإنسان الجديد، وصياغة عقد أخلاقي يحول دون اندفاع البشرية إلى الاقتتال، ومن ثم إلى الانتحار الجماعي، وهذا يتطلب، بالضرورة، “تبْيئة” الفلسفة وجعلها جزءاً من الكيان المعرفي للفرد، من المهد إلى اللحد. وقد يكون للفلسفة الأخلاقية دور يتخطى التقسيمات الدينية والتباينات العقائدية، لأنها تصدر عن روح كونية رشيدة هدفها خير الإنسان ورخاؤه، وتمكينه من إعمار الأرض وتأثيثها بالعدل والحرية.

وربما تتضمن الفكرة السابقة مقداراً عالياً من الرجاء الإنشائي، على المستوى اللغوي، لكنها تتجلى كخطوة لا نريد أن تكون أخيرة، ولا أن تبدو كقرع أجراس في برية مجهولة. التوسل بالإنشاء خير من الصمت على الباطل، وكم من أباطيل مرت تحت جسر الفلسفة فيما الفلاسفة عنها لاهون أو منشغلون بتفتيت المفاهيم وإعادة تركيبها وتشكيلها وتوليدها، وكأن مشكلة العالم تكمن فقط في اللغة وتغضناتها، أو كأن اللغة في حيزها المفاهيمي المغلق والسري تحمل البلسم، وتبشر بالتعافي.

العالم في هذه القنطرة الملتبسة ضرير، وفي حاجة إلى عيون الفلاسفة وقلوبهم، وفي حاجة أيضاً إلى استعادة وهج الكلمات وقدرتها على إحداث فرق والتوق إلى التغيير، الفلاسفة ليسوا كائنات فضائية، أو أنبياء يوحى إليهم، إن هم إلا بشر، لكنهم قادرون على منح البشر الآخرين وهجاً من أمل.

المزيد عن: الفلسفةاليوم العالميأسئلةجوهر التفلسفالبرج العاجيالحروبالكينونةالإنسانالمصير

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00