فالتر بنجامين: أسئلة من دون أجوبة حول مخطوط ضائع (غيتي) ثقافة و فنون ما هو سر محفظة فالتر بنجامين الضائعة عند انتحاره؟ by admin 25 سبتمبر، 2024 written by admin 25 سبتمبر، 2024 56 حكايات وألغاز معظمها يتعلق باحتوائها مخطوطاً لآخر ما كتبه الفيلسوف الألماني اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب هي حكاية لعل من الأفضل الانطلاق فيها من جانبها الأكثر غموضاً، بل كذلك الأكثر نأياً عن بعدها المعرفي الذي يمكن أن يكون مرتبطاً بقيمة صاحبها الفيلسوف الألماني فالتر بنجامين وصولاً إلى ما تلا انتحاره في عام 1940 عند الحدود الفرنسية– الإسبانية وهو يسعى إلى الهرب من براثن النازيين وحلفائهم من الفرنسيين. ولعل من الأفضل بدء الحكاية من عند تلك الحدود وتحديداً كما دونتها هاربة ألمانية مثله تدعى ليزا فيتكو كانت متطوعة هناك لتهريب مقاومي النازية. فهي وبعد سنوات من ذلك التاريخ أصدرت كتاباً بعنوان “دروب البيرينيه” تروي فيه ما قامت به عند تلك المرحلة الصعبة. وهي إذ تصل في حديثها إلى حكاية بنجامين تكتب: “لقد لاحظت أنه يحمل محفظة أوراق لا تفارقه أبداً. بدت لي ثقيلة عليه فسألته إذا كان يريد مني أن أساعده في حملها فقال: “إن فيها مخطوط آخر كتاباتي!”. سألته لماذا تحملها معك إذاً؟ أجابني: “تعرفين بالتأكيد أن هذه المحفظة هي أثمن ما أملكه. ولا يحق لي أن أضيعها أبداً. يجب علي أن أنقذ هذا المخطوط مهما كلفني الأمر. إنه أكبر أهمية بالنسبة إلي من حياتي نفسها”. ومن هنا “أدركت، تكتب فيتكو، أن رحلتنا لن تكون سهلة على الإطلاق مع بنجامين وهواجسه ونزواته. ويا له من شخصية غريبة رحت أدمدم في داخلي. إنه شخص ذو فكر صاف كالبلور وذو قوة في داخله لا يمكن ترويضها. اليوم إذ بت أعرف أن بنجامين معترف به في عالم الفكر بوصفه مفكراً كبيراً وناقداً أدبياً لا يضاهيه أحد في زماننا اسأل نفسي بين الحين والآخر: ترى ما الذي قاله لي بصدد مخطوطه خلال تلك الرحلة الجبلية؟ هل تراه أسرّ لي بشيء يتعلق بمحتواه؟ يا إله السماوات، أنا كانت مهمتي أن أقود تلك المجموعة من الناس إلى قمة جبال البيرينيه… وكانت تلك المهمة تكفيني، أما الفلسفة فكان يمكنها أن تنتظر. كانت المسألة تتعلق بمجرد إنقاذ بعض الكائنات البشرية من الوقوع بين أيدي النازيين. لكني كنت في الوقت نفسه في رفقة ذلك المكتهل الغريب الأطوار الذي لا يمكن لأية قوة في العالم أن تقنعه بالانفصال ولو لحظة عن محفظته الجلدية السوداء… ومن هنا كان علي أن أعاونه بين الحين والآخر على جر حمله الثقيل بين الصخور والأكمات”… مجرد هارب من النازيين كما تفيدنا ليزا فيتكو في كتابها إذاً، لم يكن بنجامين بالنسبة إليها سوى “مناضل هارب من النازيين” عليها إنقاذه. لكننا نعرف أنها إن لم تكن قد فشلت في مهمتها تماماً بالنظر إلى أن بنجامين ومجموعته سيعودون على أعقابهم من جراء صعوبات يقيمها رجال الحدود الفرنسيون ثم الإسبان في وجههم، فإنها لم تتمكن من إنقاذ حياته حين بعد عودتهم خشي من الوقوع حقاً في يد النازيين وأعوانهم فأقدم على الإنتحار في وقت لم يعرف فيه أحد مصير تلك المحفظة. ولم تعرف فيتكو حينها أن تلك المحفظة الجلدية السوداء سوف تصبح من حينها أسطورة من أساطير الحياة الأدبية عند أواسط القرن العشرين. لعل سؤالاً أساسياً جعل لتلك الأسطورة مكانتها حتى اليوم: ما هو المخطوط الذي كانت تحتويه واعتبره بنجامين أغلى من حياته لكنه حين انتحر لم يترك أثراً يدل عليه؟ وللإجابة على هذا السؤال الذي يمكن أن يكون غير مهم تماماً بالنسبة إلى راوية الحكاية التي بها بدأنا كلامنا هنا، اشتغل عشرات الباحثين والمؤرخين ويبدو أنهم لا يزالون يفعلون حتى اليوم. لماذا؟ بكل بساطة لأنهم جميعاً يعرفون أنه كان من المستحيل على بنجامين أن يكتفي بنسخة واحدة من أي مخطوط ينجزه. كان من عادته أن يطبع عدة نسخ من كل ما يكتب موزعاً تلك النسخ على أقرب رفاقه إليه بدءاً من الفيلسوفة الألمانية الأميركية حنة آرندت وصولاً إلى المفكر صديقه ومراسله الأقرب إليه غرشوم شالوم مروراً بالمفكر الفرنسي جورج باتاي الذي كان من أقرب المقربين إليه في باريس بل ساعده في ترجمته من الفرنسية إلى الألمانية لبعض كتابات بودلير وبلزاك وبروست وكان من أكبر مشجعيه على صياغة سفره الأكبر “باريس عاصمة القرن التاسع عشر” وعلى استكمال مشروعه الأهم حول “ممرات باريس”. غير أن أياً من هؤلاء لم يكشف عن أن صديقهم المشترك قد أودع لديهم نسخاً من مخطوط جديد له في ذلك الحين. ناهيك بأن حرص بنجامين المرضي على إنقاذ المحفظة والمخطوط الذي تضمه يدل على أن خشيته تتعلق بنسخة لا منسوخات أخرى لها. فما الحكاية؟ حنة آرندت: جهود كبيرة والنتيجة صفر (غيتي) سؤال المليون دولار ذلكم هو السؤال الذي يمكننا وصفه بـ”سؤال المليون دولار” أي السؤال الذي لا يمكن الإجابة عليه. وهو لا يزال عصياً عليها حتى اليوم. أما الحكاية نفسها والتي لا شك أنها باتت معروفة على نطاق واسع اليوم ومنذ أدى نشر معظم مؤلفات فالتر بنجامين إلى تفاقم شهرته، بعد رحيله المأساوي بعناية أصدقائه ومحبيه من الذين كانوا يعرفون قيمة كتابات ذلك الفيلسوف والناقد الكبير على الأقل منذ صدر كتابه عن صديقه برتولت لريخت فحدد منذ وقت مبكر مكانة كبيرة لبنجامين ناهيك عن مكانته لدى الفرنسيين الذي اهتم بمؤلفيهم في مرحلة مبكرة من شبابه. والحكاية التي نعنيها هي على أية حال تلك التي تعيدنا إليها ليزا فيتكو التي حين واجهتها للمرة الأولى لم تكن تعرف شيئاً عن بنجامين أو سمعت باسمه من قبل. هي التي اختارت ميداناً لنشاطها بعيداً من عالم الفكر والأدب ومن هنا حين كلفت خلال شهر سبتمبر (أيلول) عام 1940 بتيسير عبور عدد من المناضلين الألمان الذين يطاردهم النازيون وعدد من المجموعات اليمينية الفرنسية المتطرفة، الحدود الفرنسية– الإسبانية في الجانب الشرقي من جبال البيرينيه اعتبرت الأمر واجباً تقدمياً وراحت تعتني عناية خاصة بذلك الكهل الخمسيني الذي لفتها تمسكه القوي بمحفظته الجلدية كما ستخبرنا بعد ذلك بما يقرب من نصف قرن. خطأ قاتل كانوا حينها أربعة يتقدمون بكل صعوبة على الدروب التي تكللها أشجار العنب وتقود إلى المناطق الإسبانية. ومنذ البداية لاحظت ليزا أن الكهل الخمسيني الألماني يبدو أكثرهم تعباً قبل أن تعرف أنه يعاني من تعب في القلب. المهم وصلت المجموعة في رفقة ليزا إلى قرية إسبانية صغيرة تدعى بوت بو. وهناك أخبرتهم السلطات الحدودية بأن ثمة تعليمات جديدة تقضي بإعادة المتسللين إلى المناطق الفرنسية فرجال الجمارك هنا لا يعترفون بالسمات التي كانت تعطى في مرسيليا لتمكن الفارين من النازية من متابعة سفرهم إلى إنجلترا وربما إلى الولايات المتحدة. ومن المؤكد هنا أن والتر بنجامين شعر بأن الكماشة راحت تضيق عليه أكثر وأكثر وأخيراً حين استبد به اليأس المطلق، كما سبق أن روينا في غير مناسبة، أقدم على الإنتحار يوم 26 من ذلك الشهر نفسه من دون أن يدري ما الذي سيكون عليه مصير المحفظة ومخطوطها الثمين. وتتذكر ليزا بعد عقود عديدة أن أحداً في ذلك الحين لم يخبرها شيئاً بشأن حقيبة جلدية أو أي أمر يتعلق بالمنتحر الكهل. كان كل ما عرفته حينها أن الرجل كان غير موفق في انتحاره وغير محق في يأسه. فلقد تبين بسرعة أن معلومات رجال الجمارك لم تكن دقيقة بحيث أن بقية أفراد المجموعة سيتابعون رحلتهم كما كان مخططاً لها… باستثناء الكهل الألماني الذي كان قد أضحى جثة هامدة! ومهما يكن فإن حنة آرندت ستشير إلى تلك الواقعة لاحقاً بكثير من المرارة مؤكدة أن بنجامين لو عبر قبل يوم واحد كان سينجو كما كان سينجو لو تأخر يوماً. لكن الخطأ كان في ذلك اليوم وكأن الأقدار تجمعت ضده. فماذا عن حوائج بنجامين؟ منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) التالي توجه الفيلسوف الألماني ماكس هوركهايمر إلى السلطات الفرنسية مستفسراً فقيل له أن متعلقات بنجامين قد أودعت القضاء في فيغويراس وكانت تحتوي بين حوائج أخرى بضع صفحات من كتابات لم تتبين ماهيتها. ويبدو أن الحكاية توقفت هنا من دون الإجابة على تساؤلات لا تزال قائمة حتى اليوم وعجز كتاب ليزا فيتكو عن الإجابة عليها على رغم آمال كبيرة علقت عليه منذ أعلنت الكاتبة عن قرب صدوره. المزيد عن: فالتر بنجامينانتحارألمانيا النازيةحنة آرندت 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post من هو إبراهيم قبيسي الذي اغتالته إسرائيل؟ next post بول شاوول يكتب عن: إلياس خوري عاشق فلسطين You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024