بول سيزان وبول غوغان: عندما تتحول الصداقة إلى عداوة (اندبندنت عربية) ثقافة و فنون ما سبب العداوة التي استحكمت بين سيزان وغوغان؟ by admin 15 فبراير، 2025 written by admin 15 فبراير، 2025 29 عاشا في زمن واحد منتميين إلى التيار نفسه واجتمع من حولهما الأصدقاء ذاتهم فما الحكاية؟ اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب إذا صدقنا الصورة التي قدم بها السينمائي الأميركي جوزيف مانكفيتش الفنان بول غوغان من خلال الدور العابر تقريباً الذي أسنده إليه في فيلمه “ظمأ إلى العيش” تحت ملامح أنطوني كوين، سنجدنا أمام شخصية فنان أقرب إلى أن يكون شريراً في تعامله مع زميله فنسان فان غوخ الذي يدور الفيلم أصلاً حول حياته، ولعب دوره في الفيلم الهوليوودي الكبير كيرك دوغلاس بصورة بالغة الروعة. وفي الوقت نفسه لو سألنا الفنان بول سيزان عن رأيه في زميله ومجايله غوغان لأكد لنا من دون تردد السمات التي صوره بها مانكفيتش، مغروراً، متعجرفاً يحب أن يفتعل المشكلات والمناكفات. غير أن الصورة العامة التي يمكننا استخلاصها من عشرات الكتب والدراسات التي وضعت عن غوغان، تؤكد لنا أن حقيقته لم تكن كذلك، بل كان شخصاً واعياً لطيفاً محباً للناس، وفي الأقل منذ بارح أوروبا إلى حيث عاش أكثر سنوات حياته في جزر جنوب المحيط الهادئ، ولا سيما في تاهيتي وجوارها. والحقيقة أننا لئن كان في وسعنا أن نرفض بسهولة الصورة التي اتسم بها غوغان في الفيلم الهوليوودي باعتبار أن للسينما منطقها وللواقع منطقه وتبريره لذلك المنطق، نجد من الصعب في المقابل تخطئة سيزان في حكمه بالنظر إلى أنه يصف الأمور انطلاقاً من تجربة شخصية لا يمكن أن ننكر عليه استذكارها وطوال سنوات طويلة، أي إننا غير قادرين على دحض تلك المشاعر التي لم تكن قائمة حين بدأ الاثنان صديقين، لكنها عادت وترسخت وظل سيزان في الأقل يحملها حتى وفاته. بين الصداقة والعداوة نعم، كان سيزان وغوغان في البداية صديقين منذ اجتمعا للمرة الأولى تحت راية التيار الانطباعي، وتحديداً من حول الكاتب الروائي والناقد الفني إميل زولا الذي عرف كيف يستميل صداقة الاثنين، علماً أن سيزان كان في الأصل صديق طفولة زولا وصباه، حيث ولدا في الجنوب الشرقي الفرنسي، ولسوف يجر زولا سيزان معه من مقرهما في إكس إن بروفانس، يوم ارتحلا إلى باريس ليثبت كل منهما موقعه في الحياة الثقافية الفرنسية ويبدأ التباعد بينهما لمجرد أنه راح يبدو على زولا أنه يفضل فن إدوارد مانيه على فن رفيق عمره، مما أغضب هذا الأخير. ولكن ما دخل غوغان في هذه الحكاية؟ ولماذا تحولت كراهية سيزان من زولا – مانيه إلى غوغان؟ إنه سؤال لا يبدو أن في مقدورنا حقاً أن نجيب عنه، وذلك بالتحديد لأن زولا نفسه، كطرف في القضية، بقي على الدوام عاجزاً عن تفسير السبب، بل إنه حافظ من ناحيته على وده تجاه سيزان دون التخلي عن مانيه وإعجابه به. وهو إعجاب بادله إياه هذا الأخير عبر بورتريه شهير رسمه له، ويعد من أجمل الهدايا التي كان يمكن أن يقدمها فنان لأديب يعرفه. والحقيقة أن ظاهر الأمور يشي بأن ثمة هنا حكايات عدة ومجموعة من العلاقات لا يجمعها جامع، غير أنه إذا كان من الضروري العثور على منطق يشرح لنا الحكاية، لن يكون هناك بد من إيجاد ذلك المنطق وسط دوامة تلك العلاقات المتشابكة. وربما يبدو لنا في السياق أن علينا أن نبدأ من النهاية، لا من البداية، للإمساك بطرف الخيط الذي يحكم تلك الحكاية بأسرها. والنهاية هي ما آلى إليه وضع سيزان (1830 – 1906) منذ بداية القرن الـ20 حين حلت سنوات حياته وعمله الأخيرة لتختم تلك الحياة على مجد كبير بلغه كان قد ظل ضنيناً عليه طوال الثلث الأخير من القرن السابق. والحال أن بلوغ سيزان سدة المجد كان هو ما أعاد إحياء السجالات التي كانت قد أفسدت سنوات بداياته. ونذكر هنا أنه حتى حين انتشرت لوحات لسيزان بين متاحف باريس وبرلين، لم يخلُ الأمر من ناقد قال عن تلك اللوحات إنها جديرة بأن تعد “أكبر مزحة في تاريخ الفن خلال السنوات الـ15 الأخيرة”، فيما قال ناقد آخر ما معناه “إننا إذا كنا متفقين مع مسيو سيزان سيكون علينا أن نشعل النار في متحف اللوفر بأسره”. أنطوني كوين في مشهد من فيلم “ظمأ العيش” (موقع الفيلم) الفنانون معجبون ولكن في مقابل هذين الرأيين يمكننا أن نقول إن عدداً كبيراً من الفنانين كانوا لا يتوقفون عن إبداء إعجابهم بفن سيزان، ولا سيما خلال السنوات الأخيرة من حياته، ومنهم على سبيل المثال موريس دينيس الذي رسم لوحة عنوانها “تكريم سيزان” كان ثمة إجماع على إمكان، بل حتى ضرورة، عرضها في الصالون الرسمي الشهير، الصالون نفسه الذي كان قد ظل لسنوات طويلة عصياً على سيزان نفسه. والحال أن تلك اللوحة كانت هي ما شجع غوغان نفسه على محاولة التقرب من سيزان من جديد، وقد خيل إليه أن زميله قد بات أكثر مرونة. ولقد كانت حجة غوغان لتحقيق ذلك التقرب أنه من بين الفنانين جميعاً الوحيد الذي يمتلك 12 لوحة من رسم غوغان بينها لوحة طبيعة ميتة تمنع عن بيعها بثمن مرتفع جداً “حتى حين كنت في حاجة ماسة إلى ذلك المبلغ الذي عرض عليَّ”، كما قال وهو يأمل في أن تبلغ الحكاية مسامع سيزان. ولقد بلغته بالفعل، لكنه لم يعلق عليها وبقي على تصلبه تجاه غوغان الذي أعلن مجدداً كنوع من التحبب أنه يفخر بما ذكره النقاد من أنه في مرحلة ما من مراحل عمله، استخدم أسلوب سيزان التلويني، ناهيك بتأثره الدائم بضربات فرشاة هذا الأخير. ونعرف أن مثل هذا التصريح يمكنه أن يذيب الصخر في عالم الفن، غير أن سيزان لم يتخل عن تصلبه وكراهيته لغوغان إلى درجة أنه أعلن للمناسبة أنه يكن له كراهية مطلقة متهماً الفنان الشاب بأنه “سرق أسلوبي ونهب تقنيتي، ثم حمل تلك الأشياء البائسة التي يرسمها على متن المراكب ناقلاً إياها من حقول قصب السكر وبساتين الفاكهة، إلى أراضي الزنوج، ولا أدري ماذا غير ذلك…”. دموع اللحظات الأخيرة لقد كان ذلك الموقف موقفه الذي ظل بول سيزان متمسكاً بهه طوال ما يصل إلى 10 سنوات. وهو لم يتخلَّ عنه إلا في عام 1903 قبل رحيله عن عالمنا بثلاث سنوات. وكانت المناسبة… رحيل غوغان في ذلك العام المبكر، وكان يصغر صديقه – اللدود بنحو من 10 سنوات، ومن هنا يمكن القول إنه مات شاباً، كما يمكن القول إن موته على ذلك النحو وفي تلك السن المبكرة كان الحدث الوحيد الذي قلب سيزان، الذي سيروي أنه ما إن بلغه نبأ موت زميله الشاب، حتى تغاضى عن كل ما بينهما وانصرف وحده إلى بكاء ونشيج سمعه كل الآخرين في غرفة أخرى في المكان الذي وصل إليه فيه الخبر، بل إنهم سمعوه يردد بحسب إحدى الروايات: “لماذا رحلت هكذا باكراً يا صديقي، بل يا أخي، من دون أن تودعني وتعانقني؟”. ولقد ورد في هذه الرواية نفسها، والتي قد يمكن أن نقول إنها تتناقض مع مسار العلاقة الطويلة بين الفنانين، أن سيزان راح بعد ذلك يتجول بين الحاضرين يسألهم وسط دهشتهم، عما إذا لم يكن الراحل قد ترك له رسالة ما قبل أن يموت؟! ولئن كان البعض قد قرر عند ذاك أن ينتهز فرصة ما لطرح مجموعة من الأسئلة على سيزان الذي كان حينها في الـ64 من عمره، تتعلق بالتباعد الذي حصل بينهما قبل سنوات ولم يفهم أحد أسبابه الحقيقية، فلا يبدو أن أحداً قد فعل ذلك حقاً، بالتالي سيرحل سيزان بعد غوغان بثلاث سنوات حاملاً معه إلى الماوراء سر ذلك الشرخ بينه وبين وريث له، ووريث بالمعنى الفني للكلمة. ومن عجائب تاريخ الفن أن التقارب في نطق اسميهما والتقارب في بعض أساليبهما الفنية، يجعلانهما لا يذكران إلا معاً، على رغم كل الممانعة التي كان كبيرهما، سيزان، يبديها قبل موت غوغان… في الأقل. المزيد عن: بول سيزانبول غوغانأنطوني كوينفنسان فان غوخكيرك دوغلاسإميل زولاإدوارد مانيه 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post السينما عندما تكشف أعماق الشر فلسفيا next post “ادخل”.. في قصة وصول “العمال” البريطاني إلى السلطة You may also like محمود الزيباوي يكتب عن: دمية جنائزية من مقبرة... 19 فبراير، 2025 “انعكاس في ألماسة ميتة” يحدث انقلابا في برلين 18 فبراير، 2025 أفضل 27 ممثلا لم ينالوا أي ترشيح لجوائز... 18 فبراير، 2025 ( 100 عام) على ولادة الروبوت في مخيلة... 18 فبراير، 2025 سيرة أميركية جديدة تكشف ألغاز ماري كوري في... 18 فبراير، 2025 دراما جديدة عن موسوليني: “عندما تؤدي الكلمات إلى... 18 فبراير، 2025 حب حسي بين راقص مهاجر وثرية أميركية يثير... 18 فبراير، 2025 فضيحة روسية في الحياة الفنية الفرنسية 18 فبراير، 2025 رحيل هاني السعدي عراب مسلسلات الفانتازيا التاريخية 18 فبراير، 2025 “الرسائل المحترقة” تكشف الوجه الخفي لحياة جين أوستن 18 فبراير، 2025