جان – سيباستيان باخ الحداثة تطل على تنويعاته البديعة (غيتي) ثقافة و فنون ما حكاية تحفة الألماني باخ المعروفة بـ”تنويعات غولدبرغ”؟ by admin 16 أغسطس، 2023 written by admin 16 أغسطس، 2023 176 كتبها كي يعرف السفير الروسي ساعات نوم هادئة فنال عنها كرماً وصداقة مع الإمبراطور اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب قد تعد مقطوعات الموسيقي الألماني جان – سيباستيان باخ المعروفة تحت عنوان “تنويعات غولدبرغ” من أشهر أعماله، بل من أكثرها “حداثة” حين يستمع إليها الهواة المعاصرون لنا معزوفة في تسجيل لا ينسى حققه العازف الشهير غلين غولد على آلة بيانو حديثة صنعت لتكون الأكثر شبهاً بآلة “الكلافيسان” المعتبرة سلف البيانو، ولكن على رغم شهرة هذا العمل الكبير لباخ، من المؤكد أن قلة من المستمعين فقط تتوقف ذات لحظة لتسأل نفسها من أين جاء العنوان الذي تحمله تلك التنويعات، إذ لا شك أنه رسخ في أذهان معظم هؤلاء أن الاسم إنما يشير إلى مدينة أو منطقة ألمانية استوحى منها باخ هذا العمل الفذ، بالتالي التساؤل عما يمكن أن يكون وراء الاسم العلم الذي تحمله. غير أن الحقيقة تكمن في مكان آخر تماماً. ولعل خير مدخل يقودنا إلى هذه الحقيقة هو الذي يؤكد لنا أن باخ لم يضع هذا العنوان أصلاً لعمله، بل كتب على المخطوط الذي يتضمن نوتاته أنه “لحن ذو تنويعات متعددة ومختلفة”، ناهيك بأن الموسيقي لم يفته أن يعلن دائماً حين كان يسأل عن الاسم أنه مجرد اسم لعازف بيانو بالكاد كان هو يعرفه ومن المستحيل أن يكون قد كتب التنويعات له فإن فعل، من المستحيل أن يكون قد سماها باسمه. فما الحكاية إذاً؟ الحكاية كانت على أية حال معروفة في زمن باخ نفسه، حتى وإن كان كثر قد نسوها بعد ذلك على رغم بقاء اسم غولدنغ لاصقاً بذلك العمل الموسيقي. سفير روسي متنور تروي لنا الحكاية أنه كان ثمة في زمن باخ سفير لروسيا في ألمانيا، متنور وذواقة للفنون ومحب بالتالي لموسيقى باخ. ولقد حدث ذات مرة لهذا السفير المدعو كونت دي كايسرلنغ الذي عرف بثرائه الكبير وتتبعه حركة الموسيقى الألمانية بشكل عام وما كان ينتج منها في لايبتسغ نفسها بشكل خاص، أي المدينة التي كان باخ يعمل ويعيش فيها، حدث له أن التقى هذا الأخير وارتبط معه بنوع من صداقة لطيفة أخبره فيها أنه يحدث له في ليال كثيرة أن يستبد به أرق يدوم طوال الليل ويمنعه من الخلود إلى النوم. فنصحه باخ هنا بأن يكثر من الاستماع إلى الموسيقى “فهي الترياق الشافي من كل ضروب الأرق والباعث على صفاء الروح”. وهنا بادره السفير الثري سائلاً إياه كتابة ألحان هادئة وأنيقة توصله إلى وداعة ونوم بات الدهر يضن بهما عليه. وقدم له عازفه المدعو غولدبرغ الذي كان يرافقه أنى توجه، ويوجهه في ذوقه الموسيقي ويعرفه على مشاهير الملحنين والعازفين. وهنا، وبالفعل، لم يضع باخ لا وقته ولا وقت الكونت الذي يقيم عادة في جوار بلاط ملك مقاطعة ساكس في بروسيا ومقرب جداً من إمبراطورها فردريك الثاني المعروف حينها بتنويريته وحبه للفنون والآداب وشؤون الفكر بصورة عامة. لم يضع الموسيقي وقته إذاً، بل دون تلك المقطوعات البديعة التي ستعيش بيننا حتى اليوم، وتعد من أشهر نتاجات ذلك المبدع. ستندال: تعرف دقيق لنوع موسيقي صارم (غيتي) … ونام السفير أخيراً ودون أن نعرف ما إذا كان باخ قد اشتغل على تلك الألحان مع العازف غولدبرغ، أو حتى اهتم بأن تحمل التنويعات اسم هذا الأخير، نعرف أن المفعول المتوخى منها قد تحقق وراح العازف يقدمها كل ليلة بعد ليلة لسيده الذي كان من الرضا والسرور عنها أن أغدق على باخ من كرمه ما أراح هذا الأخير، بل إن كرم الكونت دب كايسرلنغ كان متنوعاً. فهو من ناحية نقد الموسيقي 100 قطعة نقدية من فئة لويس ذهبية بعث بها إليه محمولة في علبة ذهبية بدورها، لكنه من ناحية أخرى أوصى به الإمبراطور الصديق الذي جعله تحت حمايته وراح يطلب منه كتابة أعمال خاصة به. وفي غمرة سرور باخ بهذه النتائج غير المتوقعة نسي أنه كان عليه أن يمهر التنويعات بتوقيعه أو أن يعطيها عنواناً من بنات أفكاره، فتحمل على سبيل المثال اسم السفير الذي دفع كلفتها وهو في غاية السرور من ناحية لأن ثمة عملاً موسيقياً من باخ كتب خصوصاً له، وثانياً لأن هذا العمل مكنه من أن يخلد إلى نوم عميق وهو يحلم، كما سيقول بنفسه لاحقاً بـ”فراديس موسيقية لا تحدها حدود”. وكان الرابح معنوياً من كل ذلك بالطبع، العازف غولدبرغ الذي دخل بفضل أموال السفير الكونت، وعبقرية الموسيقي الكبير، جنة الخلود دون أن يكون قد حلم بذلك من قبل. منافسة مع بيتهوفن مهما يكن سيقول لنا تاريخ الموسيقى دائماً إن هذا العمل الذي كتب “توصاية” سيعد واحداً من أعظم نتاجات هذا النوع (التنويعات على جمل موسيقية تتكرر وتعزفها آلة معينة غالباً ما تكون بيانو) لا تنافسه في هذا التميز سوى مقطوعات تنتمي إلى النوع نفسه من تلحين مواطن باخ، بيتهوفن وتعرف باسم “تنويعات ديابلي”. والعملان يعدان على أية حال قمة ما أنتجه مبدعاهما في هذا النوع الموسيقي المعروف بصعوبة أدائه وتشابك تفاصيله. ولعل التعريف الذي جاء به الكاتب الفرنسي ستندال لهذا النوع من التنويعات، وتحديداً في مجال مقارنته بين منتج باخ ومنتج بيتهوفن، ينفعنا هنا في توضيح ماهية هذا النوع الإبداعي. فالتنويعات كما عرفها صاحب “الأسود والأحمر” هي “شكل موسيقي يسمح بتكرار لانهائي لنفس الجملة الموسيقية دون التسبب في أي ضجر قد يطاول المستمع”. ويستطرد الناقد الفرنسي المعاصر جان – ماري بيال، هذا التعريف قائلاً بصدد تنويعات باخ أن “عبقرية هذا الأخير لا تكمن فقط في التجاوب التام مع تعريف ستندال هذا، بل في تجاوبه ضمن إطار مهيكل يكاد يكون هندسياً من النمط الذي كان من شأن الدنو منه أن يكون قاتلاً لأي موسيقي يخوض التجربة دون أن تؤهله عبقريته لذلك”. ولقد ورد هذا القول لبيال في مجال تعليق كتبه في عام 1980 على ثلاثة تسجيلات صدرت في وقت واحد للتنويعات سيكون تسجيل غلين غولد من أشهرها بالطبع. غير أن بيال يقول لنا إنه يفضل تسجيلاً حققته العازفة الشهيرة روزالين توريك يومها وذلك لسببين “لا بد من التركيز على ترابطهما: أولهما أن العازفة تمكنت من التركيز على تلك الهيكلية الهندسية في أدائها بصرامة قل نظيره. وثانيهما، أن ذلك الأمر تيسر لها من خلال استخدامها في أدائها لـ(التنويعات) آلة كلافيسان على الطراز القديم. صحيح أن أداءها على تلك الآلة جعل للعمل ككل بعض الثقل، لكنه تمكن من أن يؤديه وكأنه يؤدي في زمن باخ وليس في زمننا، حتى وإن كان اللجوء في زمننا الحديث لأداء التنويعات بآلة بيانو حديثة يتبدى ألطف وقعاً… في نهاية الأمر”. ويقيناً أن هذا ما فعله غلين غولد دائماً. عبقرية عازف استثنائي ومهما يكن من أمر لا شك أن ذلك التسجيل الرائع الذي حققه غولد إنما أتى كنوع من الرد على نقاد معاصرين اعترضوا على محاولات هذا العازف الدائبة لمحاكاة آلة الكلافيسان القديمة من طريق آلة بيانو معاصرة، ولكن ثمة من بين النقاد الذين لم يفوتهم إبداء انبهارهم بأداء غلين غولد، من أكد أن تقليد الكلافيسان من طريق البيانو أفضل كثيراً مما فعلته روزالين تروك حين قلدت البيانو من طريق الكلافيسان. أما قوة غولد فتكمن في أن أسلوبه قد أسفر عن “وضوح طبع عزفه لعمل باخ الخالد، وضوحاً يحتاج إليه أداء هذا العمل ولا يمكن الاستغناء عنه بأية حال”. “ففي الحقيقة، كما قال النقاد الذين أحبوا عمل غولد هنا معتبرينه قمة تعامله مع موسيقى باخ، تمكن غولد من أن يعيد إلى تنويعات باخ مناخاً يجعل المستمع إلى عزفها يشعر وكأنه يشارك باخ نفسه متعة الإستماع إليها في صالون قد يكون عتيقاً، لكنه بالتأكيد يبدو مزوداً بتوزيع صوتي يحمل طابع حداثة لا مراء فيها”. المزيد عن: جان – سيباستيان باخالموسيقى الكلاسيكيةالموسيقى الألمانيةلودفيغ فان بيتهوفن 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عبد العزيز بركة ساكن تمرد على سلطة الطيب صالح next post Wildfire threat to Yellowknife ‘serious,’ parts of city on evacuation alert You may also like اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024