أندريه مالرو (1901 – 1976) (الموسوعة البريطانية) ثقافة و فنون مالرو يختم حياته الروائية قبل ثلث قرن من رحيله برواية كبيرة by admin 28 فبراير، 2024 written by admin 28 فبراير، 2024 161 الكاتب الفرنسي يصور في “غرقى الألتنبرغ” نهاية عالم الإنسان من خلال رحلة الأب والابن المكوكية بين حربين وزمنين اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب قبل ذلك بـ10 سنوات كان أندريه مالرو قد فاز بجائزة غونكور المعتبرة دائماً أرفع جائزة أدبية تمنح في فرنسا. كان ذلك عن روايته الكبرى “الشرط الإنساني” التي كتبها عن تجربته الصينية والحراك الثوري في تلك المنطقة من العالم، لتحقق نجاحاً هائلاً عدا عن تلك الجائزة التي وضعته في مصاف كبار روائيي النصف الأول من القرن العشرين. ومع ذلك في عام 1943 وبعد الصدور المتواضع لرواية جديدة له هي “غرقى الألتنبرغ” اتخذ قراراً لم يرجع عنه أبداً وفحواه أن يتوقف عن كتابة الرواية نهائياً. وهو بالطبع لم يرجع عن قراره رغم مواصلته الكتابة طوال 33 عاماً تالية. لكنه لم يكتب سوى الدراسات الجمالية والسيكولوجية وكتب النقد والكتب السياسية والمذكرات في وقته الذي كرسه كله على أي حال لمساندة الجنرال ديغول سياسياً وفكرياً حتى بات في الفترة الأخيرة من حياته وزيراً للثقافة الفرنسية. ويقيناً أنه في هذا المجال العملي لم يلق الإجماع الذي كان حققه في كتاباته، روائية كانت أم فكرية وجمالية. ومع ذلك لم يفصح مالرو أبداً عما دفعه إلى التخلي بذلك القدر عما برع فيه وجعل له مكانته. آفاق مسدودة المهم في الأمر، إذن، أن مالرو عاش ثلث قرن من الزمن دون أن يروي تلك الحكايات التي يمكننا القول إنها في معظمها إنما كانت مستمدة من تجاربه وغالباً خارج فرنسا: في الصين كما أشرنا بالنسبة إلى “الشرط الإنساني”، وبخاصة في إسبانيا انطلاقاً من مشاركته في حربها الأهلية ضد فاشيي فرانكو، في “الأمل”. أما روايته الأخيرة التي اعتزل الكتابة الروائية من بعدها فهي “غرقى الألتنبرغ” كما قلنا. ولقد رأى كثر من النقاد يومها أن تلك الرواية عمل كبير يفتح أمام كاتبها آفاقاً جديدة، لا سيما أنها أتت وفي بعد سيكولوجي، بل فلسفي، لم يغب أبداً عن كتابات مالرو، بما في ذلك كتاباته الجمالية والفكرية، وليس فقط كتاباته الروائية، مستقاة من رصده لما عايشه ورأى الآخرون يعيشونه خلال تعمقه في تفكير وتصوير تجاربه كمناضل عالمي مبدع حقيقي. ومن هنا لم يكن غريباً أن يصور مالرو في تلك الرواية ما يدنو كثيراً من تجربة عاشها بنفسه. وربما نسبها أيضاً إلى شخصية والد بطل هذه الرواية التي تخيلها أو رويت له في تفاصيلها، بحيث ربما يصح القول إنه هو نفسه وشخصية سيلفان برجيه من ثم شخصية والد هذا الأخير، فنسان باتوا شخصية واحدة في نهاية الأمر. لكن ذلك كله يمر من خلال شخصية سيلفان الأسير لدى القوات الألمانية النازية في معسكر الاعتقال بمدينة شارتر عند بدايات الحرب العالمية الثانية ومباشرة إثر الهزيمة الساحقة التي حلت بالفرنسيين ومكنت أولئك النازيين من احتلال فرنسا وفرار الجنرال ديغول إلى منفاه اللندني ليقود المقاومة. غلاف الرواية (أمازون) تأملات مقاتل في حرب المدرعات في ذلك الإطار جعل مالرو إذن منطلق روايته وبالتحديد من يوم 21 يونيو (حزيران) الذي قبع فيه بطله سيلفان في انتظار المصير الذي سيكون له على يد الألمان. وهو لكي يتغلب ولو في قلق على فترة الانتظار الطويلة، راح يدون ما حفظه في ذاكرته من ملاحظات واعتبارات تدور جميعها من حول ما رصده كمحارب خاض القتال قبل أسره لا سيما من خلال مشاركته في حرب المدرعات التي كانت من الجديد الأجد في يوميات تلك الحرب. وهو يكتب على أي حال أن أهم ما التقى به خلال تلك المعارك من طريق المدرعات إنما كان “الإنسان” وتحديداً في الشراكة العنيفة التي كان يقيمها الآن مع آلة الحرب المتطورة تلك. غير أن الأهم من ذلك إنما كان أن تأملات سيلفان وملاحظاته كانت هي ما فتح ذاكرته تحديداً على ما كان يعرفه عن الأب فنسان الذي كان من مثقفي زمنه الكبار وخدم في ألمانيا مباشرة قبيل الحرب العالمية الأولى كمستشار منتدب من الحكومة الألمانية لدى حكومة تركيا الفتاة التي كانت قائمة في ذلك الحين. ولعلنا لا نعدو الحقيقة هنا إن نحن أشرنا إلى أن الأهم في حكاية الأب هو ما يستخلصه الابن من خلال استعادة ذكراه من قول فحواه إن “الإنسان ليس في جوهره سوى ما يحرص دائماً على أن يخفيه وتحديداً أنه مجرد كومة بائسة من الأسرار”. باعتبار أن ذلك ما يستخلصه الابن مما يتذكره من سيرة أبيه. ومهما يكن هنا لا بد أن نذكر أن تلك الرواية تبقى نهايتها مفتوحة متوقفة عند ذلك الاستنتاج. ولم يكن ذلك من منطلق أسلوبي واضح، ولكن من منطلق أن تلك الرواية التي صدرت للمرة الأولى في لوزان عام 1943 في طبعة محدودة عدد النسخ، كان كاتبها قد خطط لها في الأصل لتكون جزءاً أولاً من رباعية روائية عنوانها “الصراع ضد الملاك” بيد أن مالرو سيكتفي بأن يجعل عنوان “الرباعية” هذا عنواناً للجزء الوحيد الذي سيصدر منها، من هنا ما نلاحظه من أن الطبعة اللوزانية الأولى حملت ذلك العنوان الإجمالي، فيما ستحمل الطبعة الفرنسية التالية التي ستصدر بعد ذلك بعقد ونصف العقد من السنين، في عام 1958، تحديداً عنوانها الذي ستحمله على الدوام، “غرقى الألتنبرغ”، في وقت أعلن فيه مالرو أن سيكتفي بذلك الجزء معتبراً إياه تلك الخاتمة المعلنة لنشاطه الروائي، والبداية الحقيقية لنشاطه الأدبي والفكري البعيد من فن الرواية. من الرواية إلى التأمل والحقيقة أن قراءة نص “غرقى الألتنبرغ ” تضعنا على تماس مع تلك الرغبة التي أبداها الكاتب. فنحن هنا لسنا أمام رواية حقيقية، إذ على عكس ما يحدث في “الأمل” كما في “الشرط الإنساني” وغيرهما من روايات مالرو الكبرى، ليس ثمة في هذه الرواية الأخيرة حبكة وليس ثمة صراعات ومواجهات. هناك فقط رحلة مكوكية بين الابن والأب يسودها بحث مشترك يتنقل بين هذا وذاك سعياً وراء العثور على جواب عن سؤال مشترك هو ببساطة “ما هو الإنسان؟”. ولم يكن غريباً أن يتعثر الاثنان في الوصول إلى جواب قاطع من خلال حربين يخوض كل منهما جحيمها وبشكل أكثر وضوحاً: الأول من خلال مجابهته مع الغاز القاتل الذي استخدم بوفرة في تلك الحرب، حين يرسل في مهام قتالية في معارك الفستول في عام 1915، والثاني من خلال كونه من أوائل المقاتلين الذين يخوضون معارك المدرعات خلال الحرب العالمية الثانية. والحقيقة أن ما يقوله لنا مارلو هنا أن تينك الحلقتين من حلقات الحروب الجديدة في القرن العشرين كانتا ما نقل الحروب من مجابهات سياسية وفكرية تكاد تكون فردية إلى حروب جديدة تفقد الحياة، كل حياة معانيها بل حتى قيمها الإنسانية كالشجاعة والبطولة والتعاطف. فتضحى حروباً دون حياة وربما حروب تصبح فيها قيمة الإنسان أقل من قيمة حفنة من غاز الخردل وبرغي من براغي المدرعة، بمعنى أن القتل الجماعي من طريق ذلك الغاز من جهة، والقتل الأكثر جماعية من طريق المدرعات كما يصفه لنا مالرو من خلال وصفه البديع والرهيب لما سمي حينها “ليلة المدرعات”، يضعنا على تجابه مع كل ما يمكننا أن نجابهه في الحروب الجديدة ما عدا الإنسان. ففي وصف أندريه مالرو هنا، يبدو من الواضح أن الكاتب يفترض أن العالم خرج من حقبة “الإنسان” الممتدة من أعماق التاريخ وصولاً إلى اللحظة التي يكتب فيها، ليدخل، أي ذلك العالم، حقبة ما بعد الإنسان. فكيف يمكن أن يستقيم ذلك الجديد مع ما يؤمن به مارلو نفسه، وكان أعلنه بكل وضوح في أحد حوارات روايته “الغزاة” من أن “حياة ما، باتت لا تساوي شيئاً، ولكن لا شيء في حقيقة الأمر يساوي أي نزر من حياة”؟. في هذا المعنى من ثم تبدو لنا “غرقى الألتنبرغ” رواية مرعبة وربما بالنظر إلى أنها تفتتح عصر ما بعد الإنسان بكل وضوح، العصر الذي لم يعد في حاجة إلى الرواية التي هي ملكوت المجتمع والإنسان وبات على الكاتب كما على أي مثقف أن يكتفي بالتأريخ لماضيه… كإنسان يرصد اليوم ما لا بد له من اكتشافه وهو أن الإنسان وحضارته لا يؤرخان لذلك الماضي إلا بعد اختفائه. المزيد عن: أندريه مالروجائزة غونكورالجنرال ديغولالأدب الفرنسيالحرب الأهلية الإسبانية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post Canada’s top pensions have trillions in assets. Should they do more to fuel the energy transition? next post الادعاء الألماني يؤكد التحقيق مع رئيس مصرف لبنان السابق You may also like المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024 من هي إيزابيلا بيتون أشهر مؤثرات العصر الفيكتوري؟ 21 نوفمبر، 2024