ماريا كالاس (حبيب فغالي) ثقافة و فنون “ماريا كالاس”… هوس السينما بـ”سِيَر” المشاهير! by admin 7 سبتمبر، 2024 written by admin 7 سبتمبر، 2024 76 تركت النشأة التعيسة ندوبها في المرأتين اللتين مالتا إلى الغموض والحساسية، والمغامرات والتجارب الجنسية والعاطفية والزيجات الفاشلة. مع ذلك أصبحت ماريا كالاس أعظم وأشهر مغنية أوبرا في العالم، وتربّعت أنجلينا على عرش هوليوود وصفت بأنها الأعلى أجرًا، قبل أن تتراجع مسيرتها. القاهرة- النهار العربي – شريف صالح مع بدء عرض فيلم “ماريا” عن سيرة مغنية الأوبرا العالمية ماريا كالاس (1923 ـ 1977)، يتجدّد النقاش حول رواج أفلام السِيَر ودوافع إنتاجها. مع التحفّظ على نعتها بـ “الذاتية”، لأن صاحب السيرة نفسه لا يكتبها، ولا يمثل فيها، فهي سِيَر مكتوبة عن طريق “الغير” ويتقمّصها ممثلون مختلفون. امرأة حساسة قضت ماريا كالاس حياة قصيرة نسبيًا، إذ توفيت عن 53 عامًا، لكنها عاشت ملء السمع والبصر. وليس غريبًا أن تذهب أنجلينا جولي (49 سنة) إلى سيرتها، ليس فقط للتقارب في العمر، بل لأنها تشبهها في الحساسية والضعف، على حدّ تعبير جولي: “لقد ارتبطت بالجزء منها الذي كان رقيقًا جدًا، كما كانت عاطفية، أعتقد أنني أشاركها ضعفها أكثر من أي شيء آخر”. تشترك المرأتان في ارتباكات تتعلّق بالهوية والطفولة وافتقاد السعادة والزيجات الفاشلة. ماريا ولدت لأبوين غير متوافقين، فالأب انعزالي وغير طموح على عكس الأم، وبعد الهجرة إلى أميركا ولدت ماريا في الحي اليوناني في نيويورك، وشعرت أمها بالإحباط لأنها ليست “ولدًا”! مع ظهور موهبة الغناء راحت الأم تجبرها وتضغط عليها للاستثمار في موهبتها، وهو ما لم يعجب الأب، وانتهى الأمر بعودة ماريا مع امها إلى اليونان في سن الثانية عشرة، والغريب أنها فشلت في إلحاقها في “كونسرفتوار أثينا” لأنّ صوتها غير المدرب لم يعجب اللجنة. آنذاك كانت تعاني من ضعف نظرها وترتدي نظّارة كبيرة، وتحاول إرضاء جموح والدتها، لكنها سرعان ما تخلّت عن خجلها وانطلقت. لا تختلف سيرة أنجلينا كثيرًا، صحيح أنها ولدت لأب ممثل معروف هو جون فويت، أتاح لها فرصة التمثيل منذ الطفولة، لكنّ العلاقة بينهما لم تكن على ما يرام. ربما أحست أنه أكرهها على التمثيل وأدخلها عالمًا صاخبًا قبل الأوان، مثلما فعلت والدة ماريا معها. إضافة إلى عدم توافق الأبوين، ما انعكس سلبًا على طفولة ماريا وأنجلينا. تركت النشأة التعيسة ندوبها في المرأتين اللتين مالتا إلى الغموض والحساسية، والمغامرات والتجارب الجنسية والعاطفية والزيجات الفاشلة. مع ذلك أصبحت ماريا كالاس أعظم وأشهر مغنية أوبرا في العالم، وتربّعت أنجلينا على عرش هوليوود وصفت بأنها الأعلى أجرًا، قبل أن تتراجع مسيرتها. ومن أشهر أعمالها “استبدال” Changeling إخراج كلينت إيستوود، عن قصة حقيقية لامرأة فقدت طفلها ثم اكتشفت حين أُعيد إليها أنه ليس ابنها الحقيقي، وعنه نالت ترشيحًا للأوسكار، بعد فوز يتيم بالجائزة عن Girl, interrupted. برغم نجاح المرأتين مهنيًا، لكنّ علاقتهما الأسرية والعاطفية ظلّت متوترة ولم تعرف الاستقرار، وانعكس ذلك عليهما صحيًا، فماريا عانت من فقدان نصف وزنها تقريبًا بعدما كانت أقرب إلى البدانة، ما أدّى إلى إجهاد صوتها، ولم تُنجب إلّا طفلًا واحدًا من شريكها أوناسيس، لكنه توفي بعد أيام من ولادته، تاركًا في نفسها جرحًا لا شفاء منه، وحين طالبت أوناسيس بالزواج رسميًا فوجئت به يتخلّى عنها ويتزوج جاكلين كينيدي. اضطرابات مشابهة تعرّضت لها أنجلينا التي فقدت وزنها، وأضطرت لإجراء جراحة إزالة الثديين والمبيض تخوفًا من إصابتها بالسرطان، واندفعت في تبني الأطفال مع شريكها براد بيت. كلا المرأتين تعرّضتا للخيانة، وافتقاد الاستقرار العاطفي، كما كانت لهما محاولات لتوسيع الحضور المهني، مثلًا ماريا جرّبت حظها في التمثيل في فيلمها الوحيد “ميديا” إخراج صديقها المقرّب بازوليني، واللافت أن الفيلم يقدّم أشهر تراجيديا نسائية عبر التاريخ! بينما وجدت أنجلينا نفسها أكثر في الأعمال الخيرية وزيارة الأماكن الموبوءة بالحروب والأمراض واللاجئين. عين على الأوسكار عندما يذهب الممثل إلى فيلم سيرة تكون عينه على الأوسكار، لأن معظم هذه الأعمال يُحتفى بها على منصات التتويج، وأشهرها “أوبنهايمر” 2023، الذي رشح لـ7 أوسكارات نال منها أفضل فيلم ومخرج وأفضل ممثل رئيسي وثانوي، و”لعبة المحاكاة” 2014 ورشح لـ5 أوسكارات، “نظرية كل شيء” 2014، ونال عنه إيدي ريدماين أوسكار أفضل ممثل، “الحياة الوردية” عن إديث بياف، أيقونة الغناء الفرنسي، ونالت عنه ماريون كوتيار أوسكار أفضل ممثلة، “فريدا” 2002، عن سيرة الرسامة الشهيرة فريدا كاهلو، و”عقل جميل” 2001، ورشح لـ5 جوائز نال منها 4، و”مالكوم إكس” 1992، عن الزعيم الأميركي ذي الأصل الإفريقي، وكيف تحول من عالم الجريمة إلى داعية للإسلام، “أماديوس” 1984، الفائز بـ4 أوسكارات عن صراع موتسارت ومنافسه سياليري، ونال ف.موراي أبراهام أوسكار أفضل ممثل عن شخصية “سياليري”، “غاندي” 1982 وهو أكثر فيلم سيرة رشح لـ11 جائزة نال منها 8 أوسكارات أهمها أفضل ممثل لبن كينسغلي. هذه عينة لأفلام سِيَر فازت ورُشحت لعشرات الأوسكارات، ونالت إطراءً غير مسبوق وتقييمات لا تقلّ عن 8/10، ما يعني أن صنّاعها ينفّذونها وعينهم على الأوسكار. وحين سُئلت أنجلينا عن حظوظها في الفوز اكتفت بالقول: “أهتم بشكل أساسي بتكريم إرث ماريا كالاس ومعجبيها”، وأضافت: “أخشى أن أخيّب آمالهم، سأكون ممتنة جدًا إذا حقق العمل ردود فعل طيبة، واعتنيت جدًا بتجسيد شخصية المغنية الأوبرالية. لم أرغب في إلحاق الضرر بهذه المرأة”. وبلغ من اهتمامها بالشخصية أنها قضت 7 أشهر في التدريب على الغناء بإشراف مخرج الفيلم بابلو لاراين. الأيقونية لا شك أن لدينا نوعًا رائجًا يُسمّى “أفلام السيرة” اشتهرت به السينما الأميركية أكثر من غيرها، في حين أن التجارب المصرية والعربية في هذا المجال قليلة وغير ناجحة. ليس لدينا مثلاً فيلم روائي عن نجيب محفوظ، العربي الوحيد الحائز نوبل في الآداب، وحتى الفيلم الذي قدّمه محمود يس عن طه حسين “قاهر الظلام” 1978، وكذلك “كوكب الشرق” 1999 الذي قدّمته فردوس عبد الحميد، كلاهما فشل، ومعظم مسلسلات السِيَر العربية فشلت أيضًا، باستثناءات قليلة من بينها “ناصر 56″، بسبب كاريزمية شخصية عبد الناصر وبطله أحمد زكي، كما نجحت بعض المسلسلات مثل “أم كلثوم” لصابرين، و”رأفت الهجان”، و”الزير سالم” السوري. قد يكون النجاح مرتهنًا بقوة اقتناع المتلقي بتقمّص الشخصية شكلًا وروحًا، مع الميل إلى تطويب الشخصيات المستعادة كنماذج بطولية في مجالها، والابتعاد عن المناطق الهشة والمعتمة والجدلية، في معظم الأحيان. ولو فشل العمل في تجسيد “الأيقونية” وتثبيت الشخصية في الوعي والوجدان، فغالبًا لن ينجح ولن يحظى بأي تعاطف مهما بلغت الدعاية له. لذلك أصعب مرحلة في التنفيذ هي اختيار الممثل الملائم للشخصية. ومعظم الأعمال التي فشلت مثل سِيَر عبد الحليم وسعاد حسني وإسماعيل يس والريحاني، كان السبب الرئيس إخفاق الممثل/ة في المقارنة مع الأصل، وعجزه عن تكريس أيقونيته، وشعور الجمهور أنه إزاء عملية مبتذلة تستثمر في صاحب السيرة. فجوة تاريخية أحيانًا يكون الدافع وجود سيناريو محكم يسدّ فجوة تاريخية خاصة بالشخصية، خصوصًا أن الأجيال الجديدة تتلقّى معظم معارفها عبر شاشات ذكية وليس كتيب السيرة، فتصبح الأفلام والمسلسلات بديلًا جيدًا يسدّ فجوة تاريخية ويردّ على أسئلة عالقة. فمن يشاهد فيلمًا عن مارلين مونرو، يتوقع بالضرورة إجابة عن المناطق الغامضة في سيرتها. يُضاف إلى ذلك، أن ماكينة إنتاج الأفلام في هوليوود مولعة بتأسيس هوية للمجتمع الأميركي وتمجيد لحظاته ورموزه، وتطويب ممثلي الحلم الأميركي، عبر التخييل السينمائي. ولا يتفوق الغرب في تكريس أيقونية رموزه، لكنه يتميز أيضًا باتساع نماذج السير من شتى المجالات. لا ينبغي أن نغفل أيضًا جمالية وأخلاقية النموذج المستعاد وكفاحه الإنساني، وتعلّمه من عثراته، وعظمة منجزه. هنا لا يكون القصد استدعاء السيرة في ذاتها، وإنما منح الأمل من ورائها، وطرح مثل أعلى للشباب. فأي سيرة تُستعاد عبر التخييل السينمائي والتلفزيوني، يتوقف نجاحها على مدى قوتها البصرية والدرامية، وتعبيرها عن كل الدوافع التي أشرنا إليها. المزيد عن: ماريا كالاس ماريا الاوبرا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post حلمي التوني… رحيل رسّام الحب والخير والجمال next post رامي الامين يكتب سيرة “تمثال” بيروت في “الباكيتان” You may also like المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024 بغداد: قصة مدينة عربية بُنيت لتكون عاصمة إمبراطورية... 15 نوفمبر، 2024 أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لنوفمبر 2024 15 نوفمبر، 2024 “بناء العقل الثاني” يواجه أخطار التكنولوجيا وإدمان الإنترنت 15 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: التشخيص والتجريد يتآلفان في... 15 نوفمبر، 2024 عندما لاعب التلفزيون الذكي كاسباروف على رقعة الشطرنج 15 نوفمبر، 2024