الأربعاء, نوفمبر 13, 2024
الأربعاء, نوفمبر 13, 2024
Home » ماذا بات يعني الأمل في زمن الحروب اللاإنسانية؟

ماذا بات يعني الأمل في زمن الحروب اللاإنسانية؟

by admin

 

فلاسفة اعتبروه نوعا من التضليل والعجز عن مواجهة الوجود واخرون وجدوا فيه الوسيلة الوحيدة للتغلب على قيود الحياة

اندبندنت عربية / مارلين كنعان أستاذة الفلسفة والحضارات، كاتبة وباحثة @MARLKANAAN

كيف تنظر الفلسفة إلى الأملِ الذي من دونه يضيق العيش على ما قال الشاعر الطغرائي؟ وهل من اختلاف بين الأمل والرجاء؟ وكيف يتحدد هذان المصطلحان اللذان نظرت من خلالهما العامة إلى الوجود، بوصفهما يتكونان من رغبة في نتيجة ما أو من إيمانٍ باحتمال وقوع حدث يتمنونه، مما حصرهما في إطار الاحتمالات والمعتقدات والأمنيات؟ وما دور الأمل والرجاء في ما يتعلق بالدوافع البشرية أو المعتقدات الدينية أو السياسية؟

شكلت هذه الأسئلة محور بعض النقاشات الفلسفية عبر العصور. فصدرت كتب عدة حاولت الإجابة عليها. بعضها عمل على تحديد الأمل والرجاء والبحث في دورهما، والبعض الآخر تطرق إليهما في سياق السرديات التي طالت كل أوجه الوجود الإنساني. وقد قارب غالبية الفلاسفة هذين المفهومين من وجهات نظر مختلفة قدمت تحليلات وخلاصات مثيرة للاهتمام اندرجت في سياقاتٍ فكرية متعددة. فمن ناحية، نُظر إلى الأمل بوصفه هروباً أو موقفاً من الحياة يتبناه من لا يملك معرفة كافية أو يتأثر بسهولة بالتفكير الحالم، فينتظر مستقبلاً  أفضل. ومن ناحية أخرى، اعتبره البعض درعاً يقي من اليأس، فصنّفه ضمن المشاعر الإيجابية كما بيّن ثوسيديدس في كتابه “تاريخ حرب البيلوبونيز”، أو كما عبّرت عنه أسطورة باندورا وصندوقها المليء بكل الشرور، والذي حوى إلى جانب هذه الشرور الرجاء بوصفه خشبة الخلاص الوحيدة للبشر.

رسم على أحد الجدران في أوكرانيا (أ ف ب)

 

تتلاقى هذه الأسطورة الإغريقية، بمعنى ما، مع ما يقوله الفيلسوف الرواقي سينيكا عن علاقة الأمل بالخوف، وهما ينتميان بحسبه، إلى ذهن مترقب ينظر بقلق إلى المستقبل. ولئن اعتقد العديد من الناس أن الأمل يُبقي على الحياة، فإن غالب الفلاسفة يرون في الأمل خطأ يتمثل في الإعراض عن الحاضر وعيش اللحظة الراهنة. وهذا ما نجده أيضاً في كتابات سينيكا الذي دعا الإنسان إلى تجنب الخوف والأمل والتركيز على الحاضر وزرع السكينة في نفسه، كما لو أن الأمل يعبّر عن معرفة ناقصة للحياة. لكن الفلاسفة المسيحيين، أمثال أُغسطينوس وتوما الأكويني، عارضوا هذه النظرة إلى الأمل. فاعتبروه أحد أهم الفضائل التي يجب على المؤمن التحلي بها، واضعين إياه في إطار الثقة بما يرجى. ولعله جزء من الإيمان العقلاني القادر على تبرير الفعل بطريقة غير مرتبطة بالمعرفة.

بين الأمل والرجاء

ولكن قبل الدخول في شرح هذين المصطلحين من وجهة نظر فلسفية وعلاقتهما بالوجود، لا بدّ من الإشارة إلى أن عامة الناس يخلطون بين الأمل والرجاء. لذا كانت العودة إلى علم اشتقاق الألفاظ واجبة. ففي اللغتين اللاتينية واليونانية اللتين كانتا في أصل فلسفات الأمل والرجاء، تحيلنا أصول الكلمتين إلى معاني الانتظار والترقب كأنهما قفزة الإنسان إلى ما يتجاوزه، وامتداد إلى آفاقٍ لا حدّ لها. لكن في كلمة الرجاء يزداد هذا الانتظار ثقلاً، ولعله يمتد في الزمن. وهذا ما جعل استخدام المصطلح محصوراً في مجالي الدين والفلسفة. لذا كان الرجاء بنظر الأكويني فضيلة لاهوتية. أما الأمل فيشتمل على الإلمام بما هو ممكن وعلى معرفة الصعوبات لتحقيق النتيجة المرجوة.

من رسوم بانكسي على جدار في غزة (أ ف ب)

 

قد يحفّز الأمل المرء على تكريس طاقته لتحقيق ما يصبو إليه، لكنه يدرك أن نتيجة عمله غير مؤكدة. هذا يعني أن الأمل والقلق متلازمان دائمًا. هكذا فسّر ديكارت مفهوم الأمل حين حدّده كرغبة تحكم تصرّف النفس، فتقنعها بأن ما تتمناه سيتحقق. وكذلك فعل هوبس حين اعتبر الأمل عاطفة معقدة تترافق مع “متعة عقلية”، تنشأ من التفكير وليس من الإحساس، أساسها الرغبة في الحصول على شيء ما.

على غرار ديكارت وهوبس عرّف الفيلسوف الهولندي سبينوزا الأمل كشكلٍ من أشكال المتعة، ولو لم يكن للعقل دور فيها. وقد اختلط الأمل بحسبه، بالحزن بسبب من شك الإنسان في قدرته على تحقيق ما يأمل به. لذا لفت انتباه قرّائه في كتابه المسمّى “رسالة في اللاهوت والسياسة” إلى أن القول إن الناس محكومون بالأمل يجعل منهم ضحايا سهلة للخرافات والمعتقدات الخاطئة.

كذلك أولى كانط التفكّر بالأمل اهتماماً كبيراً في سياق إجابته على سؤال “ماذا يجوز لي أن آمل؟”. كان هذا السؤال محاولة للمصالحة بين الحتمية والحرية الإنسانية، بين وجود الشر المطلق والإرادة الحرّة التي تتطلع إلى تحقيق السعادة. ففي كتابه “نقد العقل المحض” تحدث كانط عن الحمامة التي تحلق بسرعة وترتفع أكثر فأكثر في أعالي السماء، كما لو أن لا حدّ لسرعة تحليقها. والحمامة في نصّه رمزٌ للأمل. لكنه سرعان ما قال لنا إننا إن أنعمنا التفكّر في طيران هذه الحمامة، لفهمنا أنها لا تطير، وذلك بسبب الضغط الجوي وكثافة الهواء الذي يحملها. هذا يعني أن كانط يذكرنا بأن الأمل والرجاء، على أهميتهما في حياة الإنسان، لا يلغيان الواقع. ولعله يحذرنا من ضرورة عدم الاستغراق في الآمال التي تقود الإنسان إلى عالم من الأحلام البعيدة عن الواقع، وتمنعه من عيش اللحظة الراهنة، ولو كانت هذه اللحظة في معظم الأحيان مساحة للتعبير عن الشكوى.

الفيلسوف كيركغارد ومفهوم الامل (صفحة فلاسفة)

 

هذا التفسير للأمل والرجاء سرعان ما بدأ يتغير، إذ أن مسار الأحداث والحروب التي حصلت فيما بعد في أوروبا، قادت غالبية مفكري وفلاسفة القرنين التاسع عشر والعشرين إلى إعادة النظر بهذين المفهومين، لا بل إلى رفضهما. يمكننا تحديد نهجين مختلفين في مقاربة هذين المفهومين. فمن ناحية، هناك مفكرون وفلاسفة رفضوا الأمل، كشوبنهاور ونيتشه وكامو لكونه يعبّر عن علاقة مضلِلة بالعالم، عاجزة عن مواجهة متطلبات الوجود. ومن ناحية أخرى، رأى مفكرون عديدون، أمثال سورين كيركغارد وغابريل مارسيل، أن الأمل هو الوسيلة الوحيدة للتغلب على قيود الحياة. ولئن ربط كيركغارد الأمل أو الرجاء بالإيمان الديني، فإنه حرص في الوقت عينه على التأكيد أن الأمل يتجاوز كل شيء. هو “ترياق اليأس” الذي يلعب دورًا إيجابيًا في حياتنا، وهو أيضاً على علاقة باحتمال حدوث الخير.

نيتشه فيلسوف التشاؤم (صفحة فلاسفة)

 

كتب كيركغارد قائلاً :”إن ربط المرء نفسه بترقب احتمال حدوث أمر جيد يسمى أملًا”. لكن مع تنامي تيار العدمية التي سبق أن عبّر عنه كل من نيتشه وشوبنهاور، وفيما بعد، كافكا وسيوران وكامو وسارتر وغيرهم، ومع اندلاع الحربين العالميتين ومعاركهما الوحشية كمعركة فردان إبان الحرب العالمية الأولى، وظهور معسكرات الاعتقال النازية كأوشفيتز وتدمير مدينتي هيروشيما وناكازاكي بقنبلتين ذرّيتين قتلتا أكثر من 100 ألف شخص، أصبح الإنسان “سيد الرؤى”، على ما يقول المفكر غونتر أندرس (1902-1992) المعروف بانتقاداته اللاذعة للتقنية الحديثة والتكنولوجيا ومعارضته الشديدة لاستخدام الطاقة النووية، واصفاً إياها بالكارثة، قائلاً إن أوشفيتز وهيروشيما ما هما إلا رمزان للمأزق الذي يعيشه الإنسان منذ بدايات القرن العشرين. فإنسان العصر النووي قد وضع نفسه بحسب أندرس، تحت سيف مصلت، يهدد باستمرار حياته على المستوى الجماعي. ولعل هذا التهديد يقضي على مبدأ الأمل وعلى الإنسانية، ذلك أن الإنسان قد بات مشيّأً وأصبح الأمل أو الرجاء فكرة مجنونة أو هدية سامة.

هنا لا بدّ من الإشارة إلى أطروحة الفيلسوف الألماني إرنست بلوخ (1885-1977) الذي عاصر وصول النازيين إلى السُّلطة، مما اضُطره إلى الهرب إلى الولايات المتحدة الأميركية والذي وضع، رغم معاناته، كتاباً مؤلفاً من ثلاثة أجزاء سمّاه “مبدأ الأمل”. فيه بيَّن، خلافاً لأندرس، أن الوعي الإنساني الغارق في عالَم مستلب والمتعثر أخلاقيا،ً قادرٌ على تخطي واقعه من خلال رسم ملامح عالمٍ طوباويٍ أفضل. ذلك أن الاستلاب والتعثر والتوترات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعية التي تُعيّن في وجهٍ من الوجوه مستقبلَ البشريّة ليست بنظره واقعاً مُغلَقاً والانعتاق منها ممكن. لذا اجتهد بلوخ في تسويغ القدرة الاستشرافيّة التي يمتلكها الوعي الإنسانيّ، والتي يستخدمها في تخيّل عوالم أفضل وأنظمة مثاليّة متحرّرة من أثقال الدسائس والمؤامرات البشعة. هذه الأوتوبيا أو الاستشراف الطوباويّ الذي يحمل الإنسان على تخيّل عالمٍ أفضل من العالم الذي يعيش فيه، قائمة بحسب بلوخ، بفضل طبيعة الإنسان وكيانه.

هي التي تدفعه إلى الحلم والتخيّل، وهما في قاموسه تعبير عن انتفاضة الوعي الإنسانيّ وثورته على الواقع القائم، كما لو أن الوعي هو منبع الإمكانات والاستعدادات التي تخوّله تصوّر الوجود في هيئاتٍ لا تحصى، فيركّب العالم تركيباً مثاليّاً، مما يجعل من الأمل دافعاً إلى التغيير والإنجاز الإصلاحيّ. وبما أن النفس الإنسانية تواقة دوماً إلى الأفضل وتزخر بطاقةٍ رجائية، يصبح التفكّر الفلسفي تطلعّاً نحو المستقبل وخروجاً إلى ما ليس بعد. فليس الأمل بالنسبة لبلوخ، تصوّراً لاواقعياً للعالم وتجاوزاً لحدّه، هو حلم بالممكن بدلاً من الكمال، وحلم بالتحرّر من المعاناة والقلق والاغتراب، هو قفزٌ من حيث الإنسان قائم إلى حيث لم يصل بعد.

باختصار، إن الأمل وسيلة من وسائل اعتراض الإنسان على انسحاقات الحياة وأزماتها. ولعله يتحول في بعض الأحيان إلى ضرب من ضروب الإيمان. إنه لغزٌ كطبيعة الأمل المراوغة ذاتها، والتي نظر إليها بول ريكور ليس كتعبيرٍ عن نقص في الحاضر، بل كتعبيرٍ عن امتلائه بشعور “الإمكان”.

المزيد عن: الأملالرجاءالإنسانيةالحروبالفلسفةالعدميةالإيمانالفكرالحياةالوجودالتضليلالنضال

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00