المدينة الفينيقية كما تجسدها صور (موقع مدينة صور) ثقافة و فنون مؤرخة بريطانية تشكك في مفهوم الأمة الفينيقية by admin 11 مارس، 2024 written by admin 11 مارس، 2024 180 في كتابها الإشكالي تعتبر فينيقيا اختراعا يونانيا في الأساس اندبندنت عربية / علي عطا بدءاً من العنوان، يذهب كتاب “الفينيقيون اختراع أمة” (سلسلة عالم المعرفة- الكويت)، تأليف المؤرخة البريطانية جوزيفين كراول كوين، وترجمة مصطفى قاسم، إلى أن الفينيقيين لم يكونوا أمة أو شعباً يعي ذاته. وهو استخلاص صادِم للمُسْتقَر في الأذهان. ولكن إن كان الأمر كذلك، فأين ومتى أصبح الفينيقيون “أمة” على النحو الشائع؟ يطرح المترجم السؤال في المقدمة، ويجيب عليه استناداً إلى قناعة بما ذهبت إليه المؤلفة، بالقول إن بعث الفينيقيين كأمة وشعب، حدث بعد انتهاء التاريخ الفينيقي تماماً؛ وبسقوط صُور أمام الإسكندر الأكبر في العام 332 قبل الميلاد، وقرطاجة أمام الرومان في العام 146 قبل الميلاد، ضمن موجات من الحماسة أبداها مفكرون هنا وهناك، لادعاء الانتساب الفينيقي لشعوبهم، بداية من البحر الأبيض المتوسط الهيلينستي والروماني، مروراً بدول ناشئة في أوروبا العصر الحديث المبكر، وصولاً إلى دول قومية معاصرة في حوض البحر الأبيض المتوسط”. وتؤكد المؤلفة، وهي مؤرخة وأثرية متخصصة في العصر القديم، لا سيما الرومان واليونانيين والفينيقيين، في مقدمة الكتاب، أن الهويات نالت اهتماماً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، وكانت الراية الأكاديمية في عدد من المعارك السياسية بالغة الأهمية من أجل المساواة والحرية. وتضيف أن الهويات ليست حقائق بسيطة وجوهرية ندخل عليها بالميلاد في هذا الشعب أو ذاك، بل تبنيها السياقات الاجتماعية والثقافية التي نعيش فيها، ويبنيها الآخرون، ونبنيها نحن، وإن كان ذلك لا يعني أن الأفراد يختارون الهويات بإرادتهم، أو أنهم لا يشعرون بأنها أصيلة وقوية”. وتوضح أن ذللك يرجع إلى أن وصف الشيء بأنه متخيَّل لا يعني استبعاده لكونه خيالياً. وتضيف في السياق ذاته أن الهويات متعددة، فنحن نعرف أنفسنا بالنوع الاجتماعي والطبقة والعمر والدين والكثير من الأشياء الأخرى؛ سواء كانت متوافقة أو متعارضة. كذلك تختلف الهويات عبر الزمان والمكان، إذ تؤدي أدواراً مختلفة، أو تُخصص لنا أدوار مختلفة، مع الأفراد المختلفين وفي السياقات المختلفة، وتتفاوت أهمية تلك الهويات لنا في المواقف المختلفة. الكتاب بالترجمة العربية (عالم المعرفة) من الثابت تاريخياً أن الفينيقيين انطلقوا من ساحل جبل لبنان وأسَّسوا بداية من القرن الـ 19 قبل الميلاد على الأقل، مستوطنات جديدة من قبرص القريبة حتى الساحل الأطلسي لإسبانيا، وذلك قبل زمن طويل من شروع اليونانيين في الهجرة غرباً. كانت المستوطنة الفينيقية الأشهر في الغرب هي قرطاجة التي أسّستها الأميرة الصورية ديدون، لتصبح قوة رئيسة في ذاتها، نافست روما على السيادة في الغرب، بل إنها كادت تنتصر عليها إبان عهد هنبعل برْقةHannibal Barca واعتبرها المؤرخ اليوناني بوليبيوس الذي شهد دمارها النهائي على أيدي الرومان في العام 146 قبل الميلاد، أغنى مدينة على وجه الأرض في زمانها. ولكن على الرغم من ذلك، لم ينل تاريخ الفينيقيين وثقافتهم الاهتمام الكافي لدى المؤرخين والأثريين المعنيين بالعصر الكلاسيكي الذين أظهروا اهتماماً أكبر بمجد اليونان وعظمة روما. قد يرجع ذلك كما تقول المؤلفة، لاعتبارات عملية، منها الحاجة إلى تعلم اللغات القديمة، وهو ما يحدث – إن حدث – في أقسام دراسات الشرق الأدنى أو الدراسات الشرقية، ومنها أيضاً أن البقايا المادية تدرَس غالبا ضمن علم آثار الكتاب المقدّس أو علم الآثار ما قبل التاريخي. علاوة على أن عدم بقاء أدب فينيقي يخرج الفينيقيين من دائرة اهتمام أغلب دارسي العصر الكلاسيكي الذين يُدرَّبون على النصوص اليونانية واللاتينية حصراً. اختراع يوناني لعل الكاتبة التي تعمل أستاذة للتاريخ القديم في كلية الدراسات الكلاسيكية في جامعة أوكسفورد، تقر هنا بأنها لا تنوي في كتابها هذا إنقاذ الفينيقيين من الإهمال المجحف بحقهم، بل ترغب – على العكس – في إثبات أن الفينيقيين لم يكونوا جماعة أو شعباً يعي ذاته أو واعياً بذاته، حتى إن الكلمة Phoenician (فينيقي) ذاتها اختراع يوناني، ولا توجد أدلة وجيهة في المصادر القديمة الباقية على أن الفينيقيين نظروا إلى أنفسهم أو تصرَّفوا بطريقة جماعية تتجاوز مستوى المدينة، وفي حالات كثيرة مستوى العائلة فقط. بل إن الشخص الأول والأوحد حتى الآن، الذي نعتَ نفسه بالفينيقي في العالم القديم، وهو الروائي اليوناني هيليودوروس الإيمسي، (نسبة إلى إيميسيا التي هي حمص الحالية في سورية)، كان بين القرنين الثالث أو الرابع بعد الميلاد؛ أي أنه من خارج الحدود الزمنية والجغرافية التقليدية للتاريخ الفينيقي. يتقصى الكتاب الجماعات والهويات التي كانت مهمة لذلك الشعب القديم، ويبحث في الحماسة التي أبداها شعب أو آخر لادعاء الانتساب الفينيقي؛ معتبراً أن بعث الفينيقيين على هذا النحو، هو الأساس وراء تصويرهم الحديث كـ “شعب”، وهي الفكرة التي عبَّر عنها إرنست غلنر بالقول “إن القومية لا تعني إيقاظ الأمم على الوعي بذاتها، بل تعني اختراع الأمم من العدم”! وفي حالة الفينيقيين تذهب كوين إلى أن الأيديولوجيا القومية الحديثة اخترعت أمة قديمة ثم غذَّت بقاءها. وترى المؤلفة أن الافتراض الإثني يضع المؤرخين في صعوبات منهجية، وتكمن الصعوبة في تسميات مثل “الفينيقيين” في أنها تقدم إجوبة عن أسئلة لم تُسْأل بشأن التفسير التاريخي. فهذه التسميات تفترض في الناس الذين تسميهم، قواسم مشتركة لا يمكن إثباتها بسهولة، وتخلق هويات جديدة لم تكن موجودة من قبل، وتجمد زمنياً هويات كانت في حقيقة الأمر في عملية تشكل دائم، من الداخل والخارج. منحوتة تمثل سفينة فينقية (صفحة فينيقيا – فيسبوك) تقر المؤلفة بوجود أدلة قديمة على تصورهم كجماعة، لكنها خارجية كلها. ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب. يضع الباب الأول الصورة المألوفة للفينيقيين كشعب أو ثقافة متماسكة في مقابل القصة المختلفة تماماً التي تحكيها مصادر قديمة. ويدرج الفصل الأول الصورة الحديثة للشعب الفينيقي، ضمن خطاب العصر الحديث وسياسته، إذ تبدأ كوين من دولتي لبنان وتونس القرن العشرين، اللتين وجدت الدولة القومية الجديدة فيهما نفعاً في استدعاء الفينيقيين كأسلاف فعليين وروحيين لهما. وتذهب إلى أن هذه الاستعمالات الحديثة للفينيقيين القدماء تقوم على تصور أساسي لهم كـ “أمة”، وهي فكرة كانت جديدة نسبياً في ذاتها، |إذ نشأت في أوروبا القرن ال 19 عن التفسيرات القومية للعصر القديم. وفي الفصل الثاني تبين كوين تهافت الأدلة القديمة على تعريف الفينيقيين لأنفسهم على أنهم جماعة إثنية، بالتعبير الحديث. وفي الفصل الثالث تتحول من التصورات الداخلية إلى الخارجية، تحديداً إلى أدب اليونانيين والرومان، لتوضح أنّه، حتى عندما عرَّف الفينيقيين كجماعة، استعمل الكلمة كتسمية مبهمة تثير العديد من التمييزات. في الباب الثاني تتحول كوين من النصوص إلى الأشياء والممارسات، لتتناول تصرف متحدثي الفينيقية وكيف تفاعلوا في الداخل والخارج، من دون الاختلافات الاجتماعية والثقافية، ومنها الاختلافات اللغوية، وليس للإشارة إلى جماعة إثنية مميزة يجمعها التاريخ أو الوطن أو التحدر. ثم تتحول كوين من النصوص إلى الأشياء والممارسات، لتتناول كيف تصرف متحدثو الفينيقية وكيف تفاعلوا في الداخل والخارج، من دون الانطلاق من افتراض أنهم كانوا يتصرفون كشعب. الانتساب الفينيقي تشرح الباحثة في الفصل الرابع حجتها في هذا الصدد ومفاده أنّ ليس ثمة أدلة من الثقافة المادية على وجود حضارة أو هوية فينيقية أكبر، إلى أن بدأت قرطاجة في نهاية القرن الـ 15 ق. م، تسك عملات نُقشت عليها نخلة. وحتى ذلك – تقول كوين – لم يكن ذلك تبنياً لهوية جامعة بقدر ما كان استغلالاً لفكرة خارجية بشأن الانتساب الفينيقي، بغية توطيد قوة قرطاجة الإقليمية المتنامية. وتذهب كوين في ختام فصول هذا الباب إلى أن المستوى الجديد من الترابط السياسي والديني والثقافي عبر البحر الأبيض المتوسط الناطق بالفينيقية خلال القرن الرابع ق. م، تزامن مع صعود تلك المدينة إلى مكانة القوة الإمبراطورية. يتناول الباب الأخير من الكتاب الانبعاث اللاحق القوي لهؤلاء الفينيقيين الوهميين، على حد تعبير كوين، التي تذهب إلى أنّ، على الرغم من الرؤية التي تتبناها معظم الكتب الدراسية، في أن التاريخ الفينيقي ينتهي مع غزوات الإسكندر الأكبر في الشرق ودمار قرطاجة في الغرب، فإن الاهتمام بالثقافة الفينيقية والماضي الفينيقي قد تنامى خلال الحقبتين الهيلينستية والرومانية. وهو اهتمام وقفت وراءه – كما تقول المؤلفة – تصورات الآخرين في الشرق والغرب، وقام على التماهي الثقافي، لا على الهوية الإثنية. ففي حين ظلت المدن والمستوطنات المشرقية الأصلية تركز على ماضيها المحلي ونزاعاتها المحلية، باتت “النزعات الفينيقية” تستخدم لمنازعة القوة الإمبراطورية للدول الكبرى أو توطيدها. وفي الختام تؤكد كوين أن صمت الأدلة ليس هو حجتها على الغياب، لكنها تتخذه أفقاً يمكن أن يفتح فضاءات أخرى للتقصي. ومن ثم فإنها ترى أن ذلك لا يعني تبني الباحث تعسفياً هوية من هذا النوع كافتراض عملي. فليس ثمة ما يلزم بتجسير هذه الفجوة في معرفتنا بإطلاق تسمية تعسفية توافق هوانا. ولكن يمكننا بدلاً من ذلك أن نستمع إلى الأدلة التي بحوزتنا والقصص التي تحكيها، مشددة على أن موضوع الكتاب ليس غياب الأدلة بشأن الهوية الفينيقية، “بل ما يمكن أن نفعله إزاء تلك الحقيقة”. المزيد عن: الفينقيونالأمةالمفهوم الإثنيالترايخالجغرافيالبنانتونسقرطاجةاليوناناللغة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post علي رضا نوري زاده يكتب عن: “نوروز” بعد النصر في إيران next post “قنبلة” كريسوفر نولان في “أوبنهايمر” تحصد جوائز الأوسكار You may also like مهى سلطان تكتب عن: جدلية العلاقة بين ابن... 27 ديسمبر، 2024 جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024 مطربون ومطربات غنوا “الأسدين” والرافضون حاربهم النظام 27 ديسمبر، 2024 “عيب”.. زوجة راغب علامة تعلق على “هجوم أنصار... 26 ديسمبر، 2024 رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري… الراسخ في... 26 ديسمبر، 2024 محمد حجيري يكتب عن: جنبلاط أهدى الشرع “تاريخ... 26 ديسمبر، 2024 دراما من فوكنر تحولت بقلم كامو إلى مسرحية... 26 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024