ثقافة و فنونعربي ليونارد الزوج الكاتب الذي هيمنت عليه فيرجينيا وولف by admin 11 أبريل، 2023 written by admin 11 أبريل، 2023 15 كتب عنها بعد انتحارها “أعلم أنها غرقت ولكني ما زلت أسمع خطواتها عند الباب” اندبندنت عربية \ سناء عبد العزيز على رغم مسيرته الرائدة ككاتب وناقد وناشر فقد اشتهر ليونارد وولف برعايته لزوجته فيرجينيا وولف، إذ حمل على عاتقه حماية هذا الكيان الهش من تقلباته العاصفة وأشباحه المروعة ونوباته التي لا تعرف الهوادة طيلة ثلاثة عقود، انصب حرصه خلالها على توفير الأجواء المريحة لفرجينيا بما يمكنها من إنجاز أعمالها على أكمل وجه تراه، وهي التي لم يعجبها شيء! كان ليونارد أول قارئ لها مثلما كان محررها وناشرها الأمين وصديقها الوفي، حتى بعد حادثة انتحارها المأسوي نشر خمسة مجلدات من مقالاتها غير الصادرة في كتاب، وحرر مجموعة مختارة من يومياتها. وظل يلعب الدور نفسه مدافعاً عن سمعتها حيناً ومحتفياً بأعمالها في أحايين أخرى، غير مكترث بطغيان شهرة فرجينيا على إنجازاته وشخصيته المحورية في عصره. وهو الذي لامس بذكائه الشديد الأحداث الأدبية والسياسية الرئيسة التي شكلت العقود الأولى من القرن العشرين، وتردد صداها في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حد أن أخذ بها في ميثاق عصبة الأمم واندمجت انتقاداته للإمبريالية والرأسمالية في سياسة التعاون الدولية. نقطة الانطلاق والرجوع ولد ليونارد سيدني وولف في 25 نوفمبر 1880 في كنسينغتون، لندن، لعائلة يهودية لم يعرف أحد من أين أو متى أتت إلى إنجلترا، ربما خلال فترة تدفق اليهود الأشكناز من ألمانيا وهولندا وبولندا في أواخر القرن الثامن عشر. وحين مات والده، كان الصبي ذو العينين الزرقاوين في سن الحادية عشرة، وخاطرت والدته برأسمالها الصغير لتعليم أطفالها. تستحضر كاتبة السيرة الذاتية فيكتوريا غليندينينغ بشكل جميل ظهور وولف في مطلع القرن العشرين في لندن على النحو الآتي “كان الصبي الذي ينحدر من عائلة يهودية مزدهرة يشق طريقه عبر عالم المدرسة العامة البريطانية، مواجهاً معاداة السامية المستمرة في بريطانيا في العصر الإمبراطوري”. ليونارد الزوج الكاتب الذي غطت عليه نجومية فيرجينيا وولف (صفحة وولف – فيسبوك) التحق ليونارد بكلية ترينيتي، كامبريدج، وهناك تعرف إلى ساكسون سيدني تيرنر وليتون ستراشي وكليف بيل وثوبي ستيفن (ابن السير ليزلي، وشقيق فرجينيا)، وعقب تخرجه، انضم إلى الخدمة المدنية الاستعمارية في سيلان وخدم فيها لمدة سبع سنوات. وهو ما أتاح له التعرف إلى قسوة حياة القرويين عن قرب جراء سوء إدارة حكومته التي تفرض نفسها على حضارة أخرى. وبعد عودته في إجازة إلى إنجلترا عام 1911 انخرط مرة أخرى مع أصدقائه من الفنانين والكتاب وأقاربه من كامبريدج الذين شكلوا مجموعة بلومزبري، وكان لهذه المجموعة أثر بالغ في الأدب والاقتصاد والنقد، ومنهم فيرجينيا ستيفن التي طرقت أبواب قلبه أولاً بجمالها وثانياً بعقلها النادر. يصف ليونارد أول لقاء بفيرجينيا وشقيقتها فانيسا “رأيتهما لأول مرة بعد ظهر أحد أيام الصيف في غرف ثوبي، كل منهما ترتدي فستاناً أبيض وقبعة كبيرة، وتمسك بيدها مظلة، كان جمالهما حرفياً يحبس الأنفاس…”. ومع خيبة أمله في الإمبريالية ووقوعه في حب فيرجينيا، استقال ليونارد من الخدمة المدنية وتزوجا في 10 أغسطس (آب) 1912، وكانت ثمرة هذا الزواج ذيوع اسم وولف ولمعانه على نحو غير مسبوق حين أضيف إلى اسمها، غير أن خطيئة الفراشات الكبرى هو انجذابها للضوء. لم يكن لدى ليونارد أدنى فكرة عن مدى تعقيد شخصية زوجته الجميلة ذات العقل المبهر والمضطرب في الوقت نفسه وكيف يمكن لاقتران كهذا أن يشكل مسار حياته بل ويشوهه. إننا نحب وكفى، ومهما بدا لنا من أخطار في تلك المنطقة المضببة بألوان قوس قزح، نخوضها بكل إرادتنا ومن دون ذرة وجل. على هذا الأساس خاض ليونارد حياته المحفوفة بالأخطار مع فيرجينيا، متحملاً تبعات حبه كاملة، وحين تدهورت صحة وولف، كرس ليونارد معظم وقته للعناية بها، على رغم ما كتبه في نهاية حياته “لا يمكنك الهرب من قدرك كما أن مصيرك لا يرتبط بالمستقبل بقدر ما يتعلق بالماضي”. روايته “القرية في الغابة” (أمازون) لا نستطيع الفكاك من حضور فيرجينيا الطاغي مع أن الهدف من الكتابة عن ليونارد هو تخليصه من ظلالها الكثيفة ووضعه لمرة واحدة تحت بؤرة الضوء، غير أن الحقائق تجذب فيرجينيا – شئنا أم أبينا – إلى بؤرة الضوء، حين يتبين أن أول رواية له “القرية في الغابة” The Village in the Jungle 1913 لم تكتب إلا بعد زواجه من أشهر كاتبة في القرن العشرين، المرأة التي قتلها الفن، لتعكس جانباً مضيئاً من المصير الذي تكلم عنه وولف. هو نفسه يصف تأثير مناقشات تلك المرأة الغريبة الأطوار في مذكراته “لقد كانت تجعلني دائماً أفكر في تكسر الينابيع وتدفقها في الخريف بعد هطول أول قطرات المطر”. خلال الحرب العالمية الأولى رفض وولف في الخدمة العسكرية لأسباب طبية، فالتفت إلى السياسة وعلم الاجتماع، وانضم إلى حزب العمل والجمعية الفابية، مقترحاً وكالة دولية لفرض السلام العالمي. بعد الحرب وجدت مناهضته للإمبريالية والاشتراكية والأممية تعبيراً عنها في عدد من الكتب والنشرات، بما في ذلك “الحكومة الدولية” و”إطار سلام دائم” و”الخوف والسياسة”، ولعل أهمها كتاب “الإمبراطورية والتجارة في أفريقيا” 1920، الذي حلل الإمبريالية الاقتصادية للاستعمار الأفريقي، وسرعان ما طور وولف نظرية في التاريخ السياسي معبراً عنها في كتب لاحقة، منها “الإمبريالية الاقتصادية” و”الإمبريالية والحضارة” و”الحرب من أجل السلام”. مطبعة هوغارث والرواية المعاصرة كتاب آخر له (أمازون) في عام 1915 انتقل الزوجان وولف إلى ريتشموند حيث المناظر الطبيعية والهواء النقي، أملاً في شفاء فرجينيا، وهناك راح ليونارد يكتب بغزارة، بمعدل كتابين في العام، ولم يمنعه هذا من القيام بأعمال البستنة ورعاية كلابه، وممارسة حبه للعب الكرة. مع فيرجينيا أسس وولف مطبعة “هوغارث” عام 1917، ليمارسا هوايتهما في طباعة الكتب كنوع من التخفيف من اكتئابهما والترويج لأعمالهما خلال فترة ما بين الحربين العالميتين. كان وولف مكتئباً بدوره لكن مسؤوليته تجاه فيرجينيا كانت تحثه على ألا يسقط، فهناك من يتكئ عليه. وعلى رغم نقص الخبرة وعدم وجود رأس مال اشترى الزوجان آلة طباعة يدوية مقابل 19 جنيهاً استرلينياً ووضعاها في غرفة الطعام وتعلما كيف يستخدمانها، متخذين من قيم بلومزبري هدفاً لمشروعهما الصغير، وذلك بنشر كتابات حداثية أحبها وولف ولم يحبها الناشرون الآخرون. وهكذا بدأت هوغارث بكتاب يضم قصتين للزوجين، وفي غضون عشر سنوات، أصبحت المطبعة دار نشر واسعة النطاق، واشتهرت بإصدارات مهمة لكتاب مختلفين من بينهم كاثرين مانسفيلد وتي أس إليوت وفورستر وبرتراند راسل وفيتا ساكفيل ويست وكريستوفر إيشيروود وترجمات فرويد وتشيخوف ودوستويفسكي، وبالطبع فيرجينيا وولف نفسها بأعمالها التجريبية الجريئة. مع مرور الوقت تخلت فرجينيا عن اهتمامها التجاري وقد استحوذت عليها هموم الكتابة وعانت ويلاتها وذاقت الأمرين، فأصبحت “هوغارث” عبئاً عليها ومصدراً لتشتيت أفكارها التي لم تكن تحتمل المزيد. باعت حصتها إلى جون ليمان، واستمر وولف كمدير للمطبعة حتى وفاته عام 1969. وفي عام 2011، أعيد إطلاق مطبعة هوغارث باعتبارها بصمة للرواية المعاصرة في شراكة بين تشاتو وويندوس في المملكة المتحدة ومجموعة كراون في الولايات المتحدة، والتي استحوذت عليها راندوم هاوس. المهم الرحلة وليس الوصول يومياته في سيلان (أمازون) لم يترك ليونارد كتباً مميزة في العلاقات الدولية فحسب، بل ترك أيضاً كتباً ساخرة ومجموعة كبيرة من المقالات الأدبية والسياسية ومسرحية وشعراً وقصصاً قصيرة، فضلاً عن روايتين، منهما سيرته الذاتية “العذراوات الحكيمات” التي سخرت من بلومزبري وأساءت إلى عائلته، مما جعل وولف يتحول إلى الصحافة، فتولى تحرير “إنترناشيونال ريفيو”، وأشرف على تحرير القسم الدولي من مجلة “كونتمبريري ريفيو”، وأسس مجلة “بوليتكال كورتيلي” متولياً رئاسة تحريرها. في عقده الأخير اتجه ليونارد إلى كتابة سيرته الذاتية على نحو مباشر، وصدرت في خمسة مجلدات وأكسبته الاحترام والتقدير. استهلها بمرحلة التكوين “البذر”، وتشمل فترة طفولته ومراهقته في لندن الفيكتورية وشبابه في كامبريدج. وفي العام التالي أتبعها بـ”النمو” التي تسرد تجربته على مدى سبع سنوات في سيلان وتستند إليها روايته الأولى “القرية في الغابة”، حين فقد الثقة في المهمة الإمبراطورية، وقرر التخلي عن سيلان، وهي التجربة التي كررها في الجزء الثالث “مذكرات في سيلان، وقصص من الشرق: سجلات مسؤول استعماري”. أما الجزء الرابع “لنبدأ من جديد: سيرة ذاتية للسنوات من 1911 إلى 1918″، فيستعرض فيه أحداث الحرب العالمية الأولى، ويؤرخ لمجموعة بلومزبري، وتأسيس مطبعة هوغارث، والأهم من ذلك كله يكشف مناطق مهمة في تطور حالة فيرجينيا، وهو ما عده النقد بمثابة مدخل ضروري في فهم إحدى رواد الحداثة وأعطى للمذكرات قيمة أكبر. يغطي الجزء الأخير “المهم الرحلة وليس الوصول”، سنوات غروب ليونارد منذ بداية الحرب العالمية الثانية وانتحار وولف في عام 1941 وعدم تصديقه لرحيلها: “أعلم أن فيرجينيا لن تأتي عبر الحديقة، ولكني أواصل التحديق في هذا الاتجاه بحثاً عنها. أعلم أنها غرقت ولكني ما زلت أسمع خطواتها عند الباب”. يتضمن المجلد أيضاً زيارته لسيلان مرة أخرى في عام 1960، وكيف فوجئ بدفء الترحيب، وبقي يتذكره حتى لحظة رحيله. وكما هو متوقع في نهاية الرحلة، يلخص وولف حياته على أنها “الكثير من اللغط حول لا شيء” – بعبارة أخرى، يرى أن رحلته كانت أفضل من محطة وصوله. توفي وولف في 14 أغسطس 1969 إثر سكتة دماغية، وحرق الجثمان المكدود من وعثاء الرحلة ودفن رماده بجانب فيرجينيا تحت شجرة الدردار في حديقة منزلهما في مونك، وحين سقطت الشجرة تم وضع تمثال نصفي من البرونز لتمييز رفات الزوجين الرائعين. يبدو هذا جميلاً ومفجراً لمشاعر شتى، غير أن مجموعة من الرسائل نشرت بعد وفاة ليونارد تكشف لنا عن تطور آخر للقصة، وكأن الحكايات لا تنتهي بمجرد موت أبطالها. فهناك مجموعة من الرسائل الحميمية جداً بين المصلح الاجتماعي، والمناهض العنيد، والزوج العاشق والصديق المتفاني، والفنانة المتزوجة تريكي بارسونز، التي عوضته في ما يبدو بمشاعرها السوية المتأججة عن سنوات الحرمان والمجاهدة والتحمل والفقد، وربما الغياب كما لو كان نجماً مظلماً في فضاء فيرجينيا المعمي للأبصار. المزيد عن: فيرجينيا وولفر\وائية بريطانية\الإنتحار\الزوج\الرواية الحديثة\إليوت\جيمس جويس 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post السجن أربع سنوات لأميركية في محاولة خطف معارضة إيرانية next post عالم يمضي 100 يوم تحت الماء ويكتشف “نوعا حيا جديدا” You may also like مستقبل مقاومة هوليوود الليبرالية بوجه ترمب 29 نوفمبر، 2024 نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024