ليبيات المستطيل الأخضر يكسرن “التابو” ويتحدين الحرب

الكرة النسائية تشق طريقها استعداداً للدوري المحلي ولاعبات: “ما زالت الأندية تغلق أبوابها دوننا خشية المجتمع”

اندبندنت عربية \ كريمة ناجي صحافية @karimaneji

لا تزال رياضة كرة القدم النسائية في ليبيا تتلمس طريقها في بلد تحكمه العادات والتقاليد الاجتماعية من جهة، وتكبله صور نمطية مستهلكة عن ممارسة الجنس اللطيف لهذه اللعبة التي ما زالت تصنف على أنها حكر للرجال فقط من جهة أخرى، على رغم أن ليبيا تمتلك منتخباً لكرة القدم النسائية منذ عام 1997.

هذه الصعوبات لم تمنع لجنة كرة القدم النسائية في ليبيا من العمل على توسيع مشاركة الفتيات من مختلف أنحاء البلاد في اللعبة، بحيث أعلنت اللجنة الأحد الماضي عن تمديد فترة قبول ملفات المتقدمات لنيل الرخصة (د) إلى 11 مارس (آذار) المقبل، فيما يواصل المدير الفني بالاتحاد الليبي لكرة القدم الإسباني رامون تاكالا متابعة التدريبات الاختبارية لمنتخب الفتيات، وهكذا تشق الكرة النسائية طريقها استعداداً للدوري المحلي على رغم أزمة التمويل.

صعوبات وتحديات

عن قصة عشقها للساحرة المستديرة، تقول المنسقة العامة للجنة كرة القدم النسائية ولاعبة المنتخب الليبي هنادي السنوسي لـ”اندبندنت عربية”، “عندما عدت إلى مدينة بنغازي شرق ليبيا على إثر مشاركتي للمرة الأولى مع المنتخب الوطني في بطولة أفريقيا عام 2018 أردت مواصلة التدريب، لكنهم أخبروني أن ليس هناك من يتبنى هذه المبادرة، فطلبت الدعم من رئيسة لجنة كرة القدم النسائية للإشراف على تدريب الفتيات في بنغازي”.

وتضيف أن “المبادرة انطلقت بدوري المدارس لتشمل في ما بعد تجمعات تدريبية، حتى عرف الجمهور رويداً رويداً نشاطات فريق بنغازي وانتشر خبر وجود فريق لكرة القدم النسائية في ليبيا، وهي خطوة أسهمت بدورها في تسليط الاتحاد الدولي للعبة (فيفا) الضوء على كرة القدم النسائية في البلد، لتأتي حرب 2011 التي سقط على إثرها نظام معمر القذافي وتنسف كل المجهودات السابقة، حتى ظن ’فيفا‘ أنه لم يعد للفريق الليبي لكرة القدم النسائية أي أثر”.

وتوضح أن “اهتمام رئيس الاتحاد الليبي وتوفيره الإمكانات والمعدات اللازمة للتدريب بث الروح من جديد في الفريق النسائي لكرة القدم الذي ما زال يفتقر إلى حد الآن طاقماً فنياً متكاملاً”.

وحول تقبل المجتمع الليبي لممارسة الفتيات لهذه الرياضة، تؤكد السنوسي أن “تقدم 26 فتاة للحصول على الرخصة (د) يدل على انتشار هذه اللعبة وحضور الأولياء مع بناتهم الحصص التدريبية خير دليل على تشجيعهم إياهن لدخول عالم المستطيل الأخضر”.

وحول زيارة وفد “فيفا” لليبيا نهاية العام الماضي، توضح أن “الاتحاد الدولي لم يأت لتقييم المنتخب النسائي لكرة القدم ظناً منه أن هذا المنتخب اضمحل مع الحرب، بل حضر لبحث شراء مقر للاتحاد الليبي لكرة القدم، فاستغلت لجنة كرة القدم النسائية وجوده وقدمت فكرة عن نشاط الفريق النسائي”.

وتواصل “بمجرد علم الوفد بوجود النادي النسائي لكرة القدم تم التنسيق مع إحدى المسؤولات عن وضع استراتيجيات كرة القدم النسائية في الدول العربية، حيث حضرت إلى ليبيا في ما بعد وساعدتنا على رسم استراتيجية لنتمكن من الحصول على دعم مالي من الاتحاد الدولي لمصلحة لجنة كرة القدم النسائية”.

الاضطهاد الرياضي

توضح السنوسي أن “حصول لجنة كرة القدم النسائية على دعم فيفا مرتبط بفتح باب المشاركة من قبل الأندية الليبية المعروفة (الأهلي والاتحاد وغيرهما) حتى ينتظم الدوري الليبي ويعتمدنا الاتحاد الدولي كفريق نسائي يمارس كرة القدم، وهو موضوع صعب باعتبار أن الأندية الليبية تماطل دوماً في تبني هذه الفكرة خوفاً من رد فعل المجتمع، بخاصة جماهير هذه الأندية التي ما زالت تعتبر كرة القدم حكراً على الذكور فقط”.

وتعليقاً على التنمر والاضطهاد اللذين تتعرض لهما لاعبات كرة القدم في ليبيا تشير السنوسي إلى أن “المجتمع الليبي يضطهد أية رياضة تشارك فيها المرأة وليس فقط كرة القدم، بخاصة إذا كان الزي الرياضي يبرز مفاتن المرأة”، مضيفة أن “اضطهاد لاعبات كرة القدم النسائية يأتي بالدرجة الأولى من قبل رؤساء الأندية، فعلى سبيل المثال لو احتجنا إلى ملعب لتدريب اللاعبات سيتم رفض طلبنا من قبل رؤساء الأندية الكبيرة خوفاً من رد فعل المجتمع”.

وتوضح أنه “في الفترة الماضية تطوع مدرب لتدريب فتيات كرة القدم في بنغازي، فتم تشويه سمعته حتى انتهى به الأمر إلى الانسحاب”، مستدركة أن “من الطبيعي أن نجد مثل هذه الانتقادات مثل ’مكانك في المطبخ وليس على الملعب‘، لكننا مستمرون لأن نشاطنا رياضي ومن شأنه أن يبعد الفتيات عن ممارسات أخرى غير أخلاقية”.

الوالد هو السند

علي الأمين، والد اللاعبة فاطمة الزهراء الفاطمي (14 سنة)، قرر ضرب عرض الحائط بالصورة النمطية التي رسمها المجتمع في ليبيا حول لاعبات كرة القدم النسائية وكان أول من شجع ابنته على ممارسة اللعبة.

تقول فاطمة إنها “بفضل مساندة والدها ومتابعته لها تمكنت من انتزاع لقب أفضل لاعبة في بطولة شمال أفريقيا للمدارس التي أقيمت في مصر في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي وشارك فيها كل من تونس ومصر والمغرب والجزائر”.

وحول اكتشاف موهبتها الكروية، توضح فاطمة أن والدها كان يصحبها معه لمشاهدة مباريات كرة القدم فاكتشفها أحد المدربين وضمها إلى أكاديمية رياضية لكرة القدم، وكان يأخذها في جولات تدريبية خارج ليبيا مع فرق الذكور نظراً إلى تمتعها بفنيات عالية مكنتها من التتويج بالقلادة الذهبية في دورة جرجيس بتونس في صيف 2022.

تؤكد فاطمة لـ”اندبندنت عربية” أنها تعشق الساحرة المستديرة وترغب في تقديم إضافة إلى المنتخب الليبي لكرة القدم النسائية والوصول به إلى العالمية، بخاصة أنها تعتبر لاعبة المنتخب السويسري لكرة القدم أليشا ليمان قدوة لها.

أول صافرة نسائية

تهاني عمران بدورها تعرضت لحملة تنمر بسبب لباسها على رغم أنها تحرص على ارتداء زي رياضي يليق بها كامرأة محجبة، لكن هذا لم يقف من دون تحقيق حلمها بأن تكون أول محكمة كرة قدم في تاريخ اللعبة بليبيا.

تروي عمران قصة عشقها لكرة القدم قائلة إنها اكتشفت شغفها باللعبة في شوارع مدينة طبرق الساحلية (شرق البلاد)، ومن ثم دخلت في ممارسة التحكيم الكروي لمباراة الرجال منذ عام 2020 على إثر اجتيازها دورات تدريبية خاصة بالتحكيم.

وتقول إن أول تجربة لها في مجال التحكيم الكروي كانت داخل القاعات المغطاة في بطولة طبرق “الخماسيات” للذكور، ثم انتقلت إلى الملعب الكبير بطبرق كحكم رابع في مباراة جمعت بين فريقي “الهلال” و”الشباب” في الدور المحلي، كما شاركت أيضاً في مباراة “الصقور” و”المختار” وقريباً ستشارك كحكم ساحة.

وتؤكد أن “هناك تقصيراً من الاتحاد الفرعي للحكام في ترتيب الدورات والبرامج، فضلاً عن عدم وجود مشاركات مكثفة ومستمرة على المستوى الدولي”، مشيرة إلى أن صفة أول محكمة في كرة القدم بليبيا هي مسؤولية ثقيلة لأنها صارت قدوة لبقية الفتيات اللاتي يجب أن يقتحمن هذه الرياضة بقوة لأن عددهن يبقى ضعيفاً مقارنة بعدد لاعبات ومحكمات كرة القدم في دول الجوار مثل تونس والمغرب”.

المزيد عن: ليبيا\كرة القدم النسائية\مصر\تونس\المغرب\الفيفا\الدوريات المحلية\العادات والتقاليد