السبت, نوفمبر 23, 2024
السبت, نوفمبر 23, 2024
Home » لماذا تتهافت الدول العظمى على “المستنقع” الأفغاني؟

لماذا تتهافت الدول العظمى على “المستنقع” الأفغاني؟

by admin
مسار اونلاين

طالبان

 ماذا تريد واشنطن من أفغانستان؟

تُطالعك الصحف بـ “مانشيت” عريض عنوانه “اتفاق وشيك بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في أفغانستان”، ثم تقرأ في نفس اليوم سلسلة تغريدات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعلن فيها إلغاء “محادثات السلام” التي يجريها منذ عام مع طالبان، بعد اعتراف الأخيرة بمسؤوليتها عن هجوم كابل الأخير الذي أسفر عن مقتل جندي أمريكي و11 شخصاً آخرين، ليرتفع عدد الجنود الأمريكيين الذين سقطوا في أفغانستان هذا العام إلى 16، فيما فشلت 9 جولات من المفاوضات انعقدت في العاصمة القطرية الدوحة بين واشنطن وممثلي الحركة.

بدورها ردّت الحركة الأفغانية وهددت بأن الغاء ترامب لمحادثات السلام معها، سيؤدي لإزهاق أرواح المزيد من الأمريكيين وخسارة مزيد من الأصول الأمريكية. وقد قُتل نحو 2400 جندي أمريكي، وعشرات الآلاف من القوات الأفغانية خلال النزاع الذي استمر 18 عاماً منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان في العام 2001 لملاحقة طالبان.

هذا وقد نصّت مسودة الاتفاق على انسحاب القوات الاميركية من 5 قواعد في أفغانستان مع تحديد جدول زمني لذلك، مقابل أن تتعهد طالبان بوقف اطلاق النار، وعدم السماح باستخدام الأراضي التي تسيطر عليها ملاذاً لمنظمات “ارهابية”. وبرغم رغبة الامريكان في الانسحاب، وسط تكهنات ومأزق بشأن مسألة وجود القوات الأمريكية في أفغانستان، إلا أنك تلمس تأرجح أمريكي ما بين الانسحاب والبقاء في أفغانستان لاسيما مع إعلان ترامب أن 8000 جندي أمريكي من أصل 14 ألف جندي سيبقون في البلاد حتى لو توصّلت واشنطن إلى اتفاق مع طالبان.

وإن ما يُثير الاستغراب هو دخول الأمريكان في مفاوضات مباشرة مع حركة كانوا يعتبرونها في السابق منظمة إرهابية، حتى أن ترامب كان مؤخراً قاب قوسين أو أدنى من دعوة الحركة إلى كامب ديفيد بولاية ماريلاند لعقد اجتماع سرّي مع قادتها في نفس شهر سبتمبر الذي جرت فيه أحداث نيويورك 2001 والتي على إثرها شنًت واشنطن غاراتها على طالبان نفسها.

والأغرب أن مفاوضات أمريكا مع طالبان أتت بعد أن اعترفت الصين بشرعية الحركة، واستضافت روسيا وفداً من الحركة الافغانية لبحث عملية السلام، فضلاً عن سعي الهند وإيران وغيرهما لنسج علاقات ودية مع طالبان.

وهنا يبرز السؤال:

لماذا كل هذا الاهتمام بأفغانستان التي كان يعتبرها الكثيرون مستنقعاً يصعب الخروج منه؟

ولماذا تخطب كل هذه الدول ودّ طالبان؟

موقع أفغانستان الاستراتيجي

تقارير عدة أشارت إلى موقع أفغانستان ووصفته بأنه أساس كل منعطف نشهده اليوم على الساحة الأفغانية في سياق اللعبة الاستراتيجية الكبرى، وأنه هو ما يفسر الديناميات التي تتحرك من خلالها قوى عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، سعياً منهم لتحقيق أهدافهم الجيوسياسية في تأمين موارد آسيا الوسطى، النفط وخطوط الأنابيب على وجه الخصوص.

ولكن ما الذي يمّيز أفغانستان وهي دولة “حبيسة” لا سواحل لها، جنوب آسيا؟ وما علاقتها بآسيا الوسطى؟ هل لأنها فقط تتشارك الحدود مع دول وازنة مثل الصين وباكستان وإيران وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان؟

إن موقع أفغانستان على مفترق طرق بين الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وشبه القارة الهندية جعل منها موطناً للنازحين إليها من الخارج، فتعددت فيها اللغات والثقافات والأعراق لكونها كانت جسراً بين آسيا الوسطى الغنية بالطاقة، وجنوب آسيا التي تعاني من شًحّ الطاقة. فترى ضمن المجتمع الأفغاني (ذو الغالبية المسلمة) عددًا كبيرًا من البشتون والطاجيك والتركمان والأوزبك والهزارة.

ومن الناحية الجغرافية، يتمثّل التحدي الأكبر لأفغانستان في قدرتها على مقاومة تدخلات القوى الخارجية بينما تحاول الحفاظ على سلطتها على مجتمع ريفي يعيش في منطقة جبلية وعرة، حيث الجبال هي السمة الجغرافية المهيمنة في البلاد، وأبرزها سلسلة جبال “هندوكوش” التي تمتد جنوب غرب البلاد لتقسمها تقريبًا إلى نصفين. أما حدود أفغانستان الأكثر إثارة للجدل، فهي مع دولة باكستان والتي تُعرف بخط “ديورند” الذي يقسم قبائل البلوش والبشتون، وتتنازع حوله أفغانستان مطالبةً بضم المنطقة ذات الغالبية البشتونية في باكستان إلى حدودها.

خط “ديورند”
الموارد الطبيعية والاقتصاد  

يضم باطن أرض أفغانستان موارد طبيعية من نفط وغاز طبيعي، وثروات منجمية كالذهب والنحاس والحديد والكوبالت والليثيوم -(وهي مواد خام استراتيجية تستخدم في إنتاج بطاريات التكنولوجيا العالية لأجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف المحمولة والسيارات الكهربائية والأقراص المدمجة وشاشات العرض المسطحة والمحولات والألواح الشمسية)، إضافة إلى اليورانيوم والعناصر الأرضية النادرة والزنك والرصاص والكبريت والرخام والأحجار الكريمة وشبه الكريمة.

الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي كان قد قدّر قيمة ثروات بلاده بتريليون دولار، ورغم ذلك فإنها تعد واحدة من أفقر دول العالم. واستند كرزاي في تقديره هذا على عمليات مسح جغرافي قامت بها مؤسسات أمريكية في أواخر عام 2006، وقال في مؤتمر صحفي بالعاصمة الأفغانية كابل عام 2010 إن تلك الثروات لو اُستغلت سترتقي بأفغانستان إلى مراتب الدول الغنية.

وتقول صحيفة “نيويورك تايمز” أن مذكرات البنتاغون الداخلية لعام 2007 تشير إلى أن أفغانستان يمكن أن تصبح مثل “السعودية في الليثيوم”. وبينما يستغرق الأمر سنوات عديدة لتطوير صناعة التعدين، فإن الإمكانيات كبيرة لدرجة أن المسؤولين والمديرين التنفيذيين في هذه الصناعة يعتقدون أنها يمكن أن تجتذب استثمارات ضخمة …وقال الجنرال ديفيد بترايوس قائد القيادة المركزية للولايات المتحدة سابقا “هناك امكانات مذهلة هنا”.

اللافت أن قاعدة الموارد الطبيعية كانت معروفة لدى كل من روسيا (من زمن الاتحاد السوفياتي) والصين منذ السبعينات. وفي الوقت الذي دعت فيه حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني الرئيس دونالد ترامب لتعزيز الاستثمارات الاميركية في التعدين، والليثيوم، كانت الصين في طليعة المطورين لمشاريع التعدين والطاقة هناك، فضلاً عن مشاريع خطوط الأنابيب وممرات النقل.

ولكن رغم الثروات المعدنية، فإن أقل من 12% من الأراضي الأفغانية صالحة للزراعة، والمنتجات الزراعية الرئيسية في أفغـانستان هي القمح والفاكهة والمكسرات ونبات الخشخاش الذي يُستخرج منه مادة الأفيون المُسَبِبة للإدمان والتي تُستخدم لصناعة الهيروين. وتُعَدْ أفغانستان المصدر الأول للأفيون في العالم. وتقدر قيمة صادرات منتجات الأفيون بنحو 1,9 مليار دولار، وقيل أنها تغذي سوق الهيروين الأمريكي غير المشروع.

المنظور الجيوسياسي إذن هو ما يفسّر اهتمام الدول الكبرى بأفغانستان. فتأثير الموقع الجغرافي للدولة ومواردها هو ما يحكم منظومة النفوذ والسيطرة. لذا تجد الولايات المتحدة تخوض حربها ضد منافسيها، الصين وروسيا، لتظفر بأفغانستان لتحقيق أهدافها الجيوسياسية. ومشروع اورآسيا الكبرى هو الهدف الأسمى الذي تسعى إليه الدول العظمى، فإذا ما فازت الولايات المتحدة في هذا النزاع، ستضعف روسيا والصين. أما إذا فازت روسيا أو الصين، ستواجه أمريكا منافسًا هائلاً قادراً على سحب زعامتها الدولية.

التنافس على أفغانستان: أورآسيا هي الجائزة الكبرى

بحسب التصنيف الأمريكي، تضم أورآسيا قارتي أوروبا وآسيا معاً، أما آسيا الوسطى فهي جزء من أورآسيا الأكبر، ووقوع  أفغانستان وسط المناطق الآسيوية الرئيسية مثل آسيا الوسطى وجنوب آسيا وغرب آسيا والشرق الأقصى، يجعل منها ومن ومنطقة آسيا الوسطى منطقتان محوريتان للسيطرة على مختلف المناطق الأخرى.

وعلى حد تعبير زبيجنياو برزيزنسكي (Zbigniew Brzezinski) في كتابه رقعة الشطرنج الكبرى (The Grand Chessboard) الذي نشره عام 1997، فإن كلاً من أفغانستان ومنطقة آسيا الوسطى يمثّلان محوران جيوسياسيان، والمحاور الجيوسياسية هي الدول “التي لا تُستمد أهميتها من قوتها ودوافعها، بل من موقعها الحساس ومن عواقب ظروفها الضعيفة التي تجعلها عُرضة لسلوك اللاعبين الجيواستراتيجيين”. ووفق منظوره، اللاعبون الجيواستراتيجيون هم الدول التي لديها القدرة على ممارسة السلطة أو التأثير خارج حدودها من أجل تغيير الوضع الجيوسياسي الحالي. ويمكن بهذا المفهوم اعتبار الولايات المتحدة وروسيا وإيران والهند والصين وباكستان من اللاعبين الجيواستراتيجيون.

هاك أيضاً من وصف أورآسيا بأنها “منطقة تقارب” تتلاقى فيها خمسة من مراكز القوى الجيوسياسية في العالم- أوروبا البحرية وروسيا والصين والهند واليابان. فتكون هذه البلدان في نطاق منطقة التقارب عبارة عن طرق عبور وممرات برية وجوية ومائية لتدفقات رؤوس الأموال والأفراد والتكنولوجيا والسلع والصناعات والطاقة وغيرها. وبالنظر إلى الموارد الطبيعية غير المستغلّة في أوراسيا، وخاصة النفط والغاز الطبيعي، والزراعة، والخدمات السياحية، والأجور المنخفضة نسبيًا للتصنيع، فقد تضاعفت أهمية المنطقة بالنسبة للاعبين الجيواستراتيجيين. وربما الجانب السلبي فقط هو عندما تتحول مناطقها إلى قواعد للإرهابيين وتهريب الأسلحة والمخدرات.

ما يهمنا في هذا التقرير هو التركيز على اللاعبين الجيواستراتيجيين الثلاث: الولايات المتحدة والصين وروسيا. ويبدو أن هذه الدول تتبع في استراتيجيتها نظرية السير هالفورد جون ماكيندر، الأب المؤسس للجغرافيا السياسية والاستراتيجية الجغرافية، والتي اعتبر فيها أن أورآسيا هي قلب الأرض، فيما أورآسيا وأفريقيا معاً يمثلان ما اسماه “الجزيرة العالمية”. ووفقا لرؤيته، يكون من يحكم أوروبا الشرقية يسيطر على قلب الأرض ؛ ومن يحكم قلب الأرض يسيطر على الجزيرة العالمية ؛ ومن يحكم الجزيرة العالمية يسيطر على العالم… ويعيش حوالي 75 في المائة من سكان العالم في أورآسيا، وتوجد فيها معظم ثروات العالم أيضًا، وتمثل حوالي ثلاثة أرباع موارد الطاقة المعروفة في العالم. وبالتالي إذا تمكنت دولة ما من السيطرة على أورآسيا ، فإن موقعها السياسي والعسكري لا يمكن اختراقه لأن الجغرافيا تمنع المنافسين لها من الوصول إليها.

وبالانتقال إلى دراسة أدوار القوى الخارجية، لنبدأ أولاً بالولايات المتحدة، ونطرح الأسئلة التالية:

أولاً: لماذا تتأرجح واشنطن ما بين الانسحاب والبقاء في أفغانستان؟

تقارير عدة أشارت إلى أن المفاوضات بين أمريكا وطالبان جاءت عقب قناعة أمريكية بأن حربها في أفغانستان غدت كأنها حرب “فيتنام” أخرى أو حرب عصابات تورطت فيها، وكبّدتها جنوداً وأموالاً طائلة، بينما فشلت استراتيجيتها العسكرية عن كسر شوكة طالبان حتى في ذروة وجود القوات الأمريكية حين بلغ عددها مائة ألف جندي عام 2011. وبحسب الأرقام التي نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية، بلغ مجموع ما أنفقه الأمريكيون عسكرياً في أفغانستان، منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2001 إلى آذار/ مارس 2019، نحو 760 مليار دولار، فيما ذكرت دراساتٌ أخرى أن هذه الارقام لا تعكس الواقع وبأنها أكثر من ذلك وأقرب إلى تريليون دولار، وأن عدد الجنود الأمريكان الذين قضوا منذ اندلاع الحرب بلغ 3200 قتيلاً ونحو 20,500 جريحاً منذ 2001، وهو رقم يتجاوز مرتين حجم خسائر دول التحالف هناك.

ازداد الوضع سوءاً مع ولادة تنظيم الدولة “ولاية خراسان، الأكثر عنفاً وتشدداً من طالبان، الأمر الذي دفع واشنطن للنظر إلى طالبان كحركة وطنية وليس منظمة إرهابية وآثر الأمريكان التفاوض معها لإنهاء الحرب. هذا بالإضافة إلى ان تعجّل ترامب بالانسحاب قبل الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2020، يأتي أيضاً في إطار سعيه الشخصي للفوز بولاية حكم ثانية.

خلاصة القول، كلفة الحرب الباهظة وحسابات الربح والخسارة كانت وراء مفاوضات أمريكا مع طالبان لتقوم واشنطن بانسحاب جزئي من البلاد حيث أن قرار الانسحاب الكلي، كما ذكرت النائبة الجمهورية ليز تشيني، دون تعهّد واضح من طالبان بالتنصّل من تنظيم القاعدة، ودون آليات للتحقق من تنفيذ تعهداتها، لن ينهي الحرب.

ثانياً: لماذا تبقى واشنطن في أفغانستان؟

بمعنى: لماذا القواعد العسكرية الأمريكية في أفغانستان؟ ولماذا الانسحاب الجزئي وبقاء القوات؟

هناك سببان: الأول ويأتي في إطار حرب أمريكا على الإرهاب حيث كان الهدف المباشر إزالة طالبان من السلطة وطرد القاعدة من البلاد، أما الثاني فهو الهدف الجيوسياسي غير المعلن ويجيء في إطار سياستها لاحتواء الصين والروس وإبقاء منافسيها خارجاً، والسيطرة على الموارد الطبيعية في أفغانستان وآسيا الوسطى لمنع ظهور قوى إقليمية منافسة، وعرقلة أي محاولات صينية روسية لإقامة علاقات تجارية واستثمارية مع افغانستان تهدد مصالحها وتضعف من نفوذها كقوة عظمى مسيطرة على العالم . فالصين تحديداً تعتبر شريكاً تجارياً واستثمارياً رئيسياً مع أفغانستان (إلى جانب روسيا وإيران)، مما قد يهدد المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الأمريكية في آسيا الوسطى.

وبنظرة خاطفة على الوثائق الأمريكية والنهج السلوكي لأمريكا في أجزاء مختلفة من العالم، يتضح لنا أن واشنطن تعتبر روسيا والصين أهم تحدي رئيسي لها على مستوى القوى العظمى، ونتيجة لذلك، فإنها تحاول انتهاج سياسات تسعى إلى تحديد وتقليص دائرة نفوذ موسكو وبكين داخل حدودهم الجغرافية وعدم تعدّيهما اياها.

الموارد الرئيسية في آسيا الوسطى هي النفط والغاز وخطوط الأنابيب. ولمنع ظهور الصين كقوة مهيمنة إقليمية، اتبعت الولايات المتحدة ثلاثة مسارات شملت المعادن النادرة الأرضية وخطوط الأنابيب والتحالفات.

  1. تمتلك الصين أكبر احتياطي في العالم من المعادن النادرة للأرض وتتحكم في 97 في المائة من إمدادات العالم. وإذا كانت التقديرات الأولية صحيحة، فإن أفغانستان لديها سادس أكبر احتياطي في العالم لهذه المعادن. وإن تحكّمت واشنطن في هذا المصدر البديل، ستكون الولايات المتحدة وبقية العالم الصناعي أقل اعتمادًا على الصين. ومن شأن ذلك أن يعزز الموقف الجيوسياسي لواشنطن مع إضعاف موقف بكين في وقت واحد.
  2. يحتاج اقتصاد الصين المتنامي إلى الوصول إلى احتياطي النفط والغاز في آسيا الوسطى. لذا كان الهدف الجيوسياسي للولايات المتحدة في آسيا الوسطى هو السيطرة على خطوط الأنابيب هذه. وقبل انهيار الاتحاد السوفيتي، كانت موسكو تحتكر الوصول إلى المنطقة. وتم نقل جميع خطوط السكك الحديدية وأنابيب الغاز والنفط، وحتى النقل الجوي للمركز. فالروس يعلمون أن كل من يسيطر على المنطقة أو يهيمن عليها هو الأكثر احتمالاً للفوز بالجائزة الجيوسياسية والاقتصادية، والجائزة هي أورآسيا. ولأن منطقة آسيا الوسطى وحوض بحر قزوين يحتويان على احتياطيات من الغاز الطبيعي والنفط التي تفوق الكويت أو خليج المكسيك أو بحر الشمال، لذا فإن تقييد وصول الصين إلى تلك الاحتياطيات وخطوط الأنابيب وإضعاف النمو الاقتصادي الصيني يصبح ضرورة. فإذا ما تم تحجيم النمو الاقتصادي الصيني، ستفتقر بكين إلى التمويل اللازم لتحديث وتوسيع قدراتها العسكرية. ومن دون زيادة القوة الاقتصادية والعسكرية، ستفتقر الصين إلى القدرة على النفوذ السياسي، وبالتالي منعها من الظهور كقوة إقليمية مهيمنة.
  3. للحد من نفوذ الصين السياسي والاقتصادي، تشجّع الولايات المتحدة التحالفات بطريقتين: سياسة الاحتواء وتوازن القوى. وتتألف استراتيجية الاحتواء من سلسلة من “التحالفات” بين الولايات المتحدة والبلدان المطلّة على الصين والممتدة من شمال شرق آسيا إلى جنوب شرق آسيا إلى جنوب آسيا إلى آسيا الوسطى. معروفٌ أن اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان هم حلفاء أمريكا التقليديين بناء على معاهدات الحرب الباردة. لكنَ واشنطن وسّعت هذا “التحالف” ليشمل أفغانستان وفيتنام، كما تسعى إلى ضم كلاً من لاوس وكمبوديا وتايلاند وماليزيا والهند وكازاخستان وأوزبكستان وقرغيزستان في هذا “التحالف”. أما استراتيجية توازن القوى فتعتمد على دعم الهند، كنموذج بديل للصين للتنمية الاقتصادية في آسيا. فالهند هي فقط من يملك المساحة الإقليمية وعدد السكان والإمكانات الاقتصادية لتكون المنافس للصين، لاسيما مع استمرار التوتر في العلاقات الهندية الصينية بشأن النزاعات الحدودية، ودعم الصين لباكستان، ودعم الهند للدالاي لاما وحكومة التبت .

وبالتالي يكون تواجد القواعد العسكرية الأمريكية في افغانستان أمراً متوقعاً لتأكيد سيطرة الولايات المتحدة على الثروة المعدنية الافغانية، اضافة إلى مهمتها الرسمية “بمتابعة” حركة طالبان وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة “داعش” كجزء من “الحرب على الارهاب”. كما أن إنشاء قواعد عسكرية في أفغانستان على الحدود الغربية للصين هو جزء من عملية أوسع لتطويق الصين ومنافسة أي عمليات انتشار بحري في بحر الصين الجنوبي.

وفي ظل هذا التنافس، نشأت تحالفات مضادة فتكون لدينا قطبين رئيسيين: معسكر الولايات المتحدة ومعها الهند وأوروبا الغربية واليابان في طرف، ومعسكر الصين ومعها روسيا وباكستان وإيران على الطرف الآخر. باكستان كانت في البداية حليفة للولايات المتحدة، إلا انها انحازت بعد ذلك إلى معسكر الصين، حيث تعارض ما تريده لأفغانستان مع مصالح الهند، فشنّت الأخيرة هجومها المضاد عبر تمتين علاقاتها في بادئ الأمر مع روسيا وإيران. ولكن بعد انتخاب الرئيس الهندي ناريندرا مودي غيّرت الهند وجهتها وتحالفت مع معسكر الولايات المتحدة.

التنافس الأمريكي مع معسكر الصين وروسيا

إبّان الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة مهيمنة بشكل واضح من ناحية المؤشرات الاقتصادية والقدرات الجوية والبحرية. وقد أدى انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 إلى تأسيس 5 جمهوريات مستقلة في منطقة آسيا الوسطى، وهي كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وتركمانستان وطاجيكستان. وبعد انتهاء الحرب الباردة، متى ما ذكر اسم اسيا الوسطى، تبرز أسماء هذه الجمهوريات الخمس المستقلة.

في عام 1992 ، أعلن البنتاغون الهدف الجديد للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في أورآسيا  وهو منع عودة ظهور منافس يشكل تهديدًا على أراضي الاتحاد السوفيتي السابق، ومنع أي قوة معادية من السيطرة على هذه المنطقة والحيلولة دون ظهور أي منافس عالمي محتمل في المستقبل. لذا تسعى واشنطن لأن تكون القوة المسيطرة الوحيدة على هذا الفضاء الجيوسياسي، بحيث لا تحقق أي دولة أو مجموعة من الدول مكاسب أو أن تمتلك القدرة على طرد الولايات المتحدة من أورآسيا.

الانهيار في الاتحاد السوفييتي بدوره منح الصين فرصة التوسّع المتزايد والنفوذ في منطقة آسيا الوسطى، وسعت بكين بطريقة ما لملء الفراغ الحاصل. مع الأخذ في الاعتبار أن الصينيين لديهم تعريف وتفسير يختلف عن الروس فيما يخص آسيا الوسطى الكبرى. فبالنسبة لهم، تضم آسيا الوسطى الكبرى، بالإضافة إلى الجمهوريات الخمس الحالية، منغوليا وأفغانستان وباكستان وإيران كذلك. أما من وجهة نظر الأمريكان، فإن آسيا الوسطى الكبرى تضم بالإضافة إلى الجمهوريات السوفييتية السابقة، أفغانستان وباكستان والهند.

وفي سياق هذه المنافسة، أفاد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في إشارة لقرب الولايات المتحدة من دول آسيا الوسطى: ان هدف الولايات المتحدة المتمثل في اقامة علاقات مع دول المنطقة ليس النمو الاقتصادي لهذه الدول، بل ان مساعيها تصب في مسار تحقيق اهدافها الجيوسياسية وخلق آسيا وسطى كبرى.

ويسعى مشروع آسيا الوسطى الكبرى الأمريكي الى السيطرة على روسيا من ناحية، والحد من زيادة نفوذ الصين من ناحية اخرى. والعنصر الرئيسي لهذا المشروع هو أن تُغيِّر جمهوريات آسيا الوسطى مسارها نحو جنوب آسيا مع اجتناب اتباع النهج السياسي لروسيا والصين. لافروف عبرّ عن ذلك في تصريحاته حين قال بأن “طبيعة مشروع آسيا الوسطى الكبرى هو تغيير مسار جميع مشاريعها إلى الجنوب دون مشاركة روسيا”. على عكس الصينيين، تسعى الولايات المتحدة ومن خلال مشروعها هذا، لتمرير أهداف جيوسياسية أكثر من حرصها على التنمية الاقتصادية.

وإذا ما تم تنفيذ مثل هذا المشروع، فإن الروس سوف يتضررون بلا شك أكثر من غيرهم من الدول، لأن الجمهوريات السوفياتية السابقة هي من بين شركاء موسكو الأكثر موثوقية في النظام الدولي، ولقد شعرت موسكو بأنها أصبحت محاصرة من الغرب وأن مشروع آسيا الوسطى يستهدفها تحديداً.

إدراك روسيا لهذا التهديد جعلها تحاول أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة لمنع تنفيذ المشروع الأمريكي، وبالتالي، يمكن القول أنها هي العقبة الرئيسية أمام تنفيذ مشروع واشنطن. وكاستراتيجية للدفاع، احتضنت روسيا مشروعاً بديلاً وهو مشروع أورآسيا. وقد أخذ الكرملين بعين الاعتبار الرؤية الطموحة لمجموعة متحدة من الاتحادات الاقتصادية والسياسية الأورآسيوية، ويسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ فترة طويلة لتحقيق هذا الهدف.. “أورآسيا كبرى”.

وفي حين أن الأدوات الصينية لتوسيع نفوذها في آسيا الوسطى هي أدوات اقتصادية، لكن الولايات المتحدة وضعت الأولويات الأمنية في الدرجة الأولى بسبب تواجدهم في أفغانستان. الروس بدورهم لم يتفاعلوا على الأقل في الظاهر بالوجود الاقتصادي للصين، بعكس ردود أفعالهم الشديدة على أي تحرك من قبل الولايات المتحدة وأوروبا.

وفي هذا السياق، تتبع موسكو مبدأً مشابه لمبدأ “مونرو” الأمريكي في التفوق البحري للسيطرة على المساحة الأوراسية، ولكن في صورته الروسية؛ أي “مبدأ مونرو روسي” والذي يركّز على مجموعة الدول السوفييتية اليسارية، ورؤيتهم الاستراتيجية لمنع تأثير القوى العظمى الأخرى في آسيا الوسطى.

من وجهة نظر الروس، تعد الجمهوريات الحالية في آسيا الوسطى والقوقاز، وحتى أوروبا الشرقية، في حكم “دول الجوار الأجنبية القريبة” وتحتل الأولوية القصوى في السياسة الخارجية الروسية. ويمكن رؤية ذلك في الحرب الروسية الجورجية في عام 2008 وانفصال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، فضلا عن التطورات في أوكرانيا والقرم، التي أظهرت أن موسكو حساسة لأي تلاعب غربي في هذه المنطقة ولا تقبل بتجاوز الخطوط الروسية الحمراء.

ويرى الكرملين أن أورآسيا الكبرى يمكن أن تشمل أيضا دولاً مثل الصين والهند وباكستان وإيران. وعلى الرغم من أن موسكو لا ترى مشروع أورآسيا مناهض للغرب، وصرّحت بأنها تريد مشاركة الدول الأوروبية في هذا المشروع، إلا أن الروس يعرفون جيداً أن هذا الأمر ليس واقعياً أو مصدّقاً من قبل الأوربيين. ويأمل الروس أن تصبح أورآسيا الكبرى قوة عالمية، ولكن من غير الواضح إلى أي مدى يمكن أن ينافس المشروع الروسي المشروع الأمريكي في المنطقة.

في شأن أفغانستان، تمكنت واشنطن بعد الحرب الباردة من حشد الدعم من حلفائها في الشرق الأوسط والأوربيين الرأسماليين لحمايتهما من التهديد الايديولوجي العقائدي الذي واجهته من قبل الجماعات الدينية المتشددة، إلا أن حقبة ما بعد الحرب الباردة شهدت تغيراَ في الظروف الجيوسياسية وبالتالي في نوع المخاطر التي تهدد مصالحها مع تصاعد النفوذ الصيني والروسي في المنطقة.

في هذا السياق، كانت الولايات المتحدة على استعداد للاعتراف بطالبان كنظام شرعي، ليس حباً في طالبان ولكن لأنه صدر وقتها تقرير سياسة الطاقة عن إدارة الرئيس السابق جورج بوش بعد فترة وجيزة من وصوله إلى السلطة والذي شدد على أهمية استغلال موارد الطاقة في بحر قزوين من خلال اعتباره أحد الأهداف الأمنية الرئيسية للولايات المتحدة.

تغيّر الوضع بعد هجوم القاعدة على نيويورك في 11 سبتمبر 2001. ودعت واشنطن إلى حملة عالمية لمكافحة الإرهاب وغزت أفغانستان. وكان هذا الغزو بمثابة الحجة والفرصة لأمريكا لتتمكن من “إدارة” أوراسيا، لكن مع اختلاف الاستراتيجية هذه المرة، فبدلاً من “العلاقة التعاونية” مع الصين، انصبّ التركيز على احتواء الصين.

 ولتأمين موطئ قدم قوي في آسيا الوسطى، أقامت الولايات المتحدة قاعدة مؤقتة في أوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، وعزّزت مشاركتها الاستراتيجية في المنطقة أيضًا من خلال الوصول إلى المجال الجوي واستخدام القواعد في كازاخستان وتركمانستان، إضافة إلى الزيارات الرسمية الأمريكية المتكررة إلى آسيا الوسطى، وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

وفي الوقت الذي شدّدت فيه الإدارة الأمريكية السابقة تحت قيادة الرئيس باراك أوباما على سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، أبرمت اتفاقية أمنية أفغانية أمريكية مكّنت الولايات المتحدة وشركائها في حلف شمال الأطلسي لإقامة وجود عسكري دائم في أفغانستان. وسمحت الاتفاقية للولايات المتحدة بالحفاظ على تسع قواعد عسكرية دائمة على طول الجانب الأفغاني من الحدود المشتركة مع الصين وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى مثل تركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان.

ولكن مع إطالة أمد الحرب واستمرار غرق الأمريكان في المستنقع الأفغاني، انتهز الروس الفرصة للدخول في السوق الأفغاني، فموسكو ترى في عمليات تهريب الهيروين الضخمة، المفسدة والمدمرة للشباب الروسي، خطراً على أمنها القومي، أكبر من انتشار حركة طالبان في آسيا الوسطى، لذا أطلقت نسختها الخاصة بإعمار أفغانستان، مستثمرةً في البنى التحتية والموارد الطبيعية، ومحققة، بطريقتها أرباحاً مالية من هذه الاستثمارات.

تحركات الصين المضادة
  1. إلى أن يتم استخراج المعادن النادرة في أفغانستان تجاريًا ، لا تزال الصين تحتكر هذا المورد الاستراتيجي.
  2. من خلال امدادات الحالية والمقترحة لخطوط الأنابيب الكازاخية والروسية، والتي تقع خارج سيطرة الولايات المتحدة، لا تزال امدادات الصين من الطاقة مستمرة – حتى الآن.
  3. تأتي واردات الصين النفطية عن طريق البحر وكذلك عن طريق البر. ولحماية خطوط الشحن هذه، أنشأت الصين قواعد في المحيط الهندي يشار إليها باسم “سلسلة اللؤلؤ”. وهذه المنشآت البحرية ممتدة من باكستان إلى جزر المالديف- سريلانكا- بنغلاديش – بورما ثم إلى تايلاند، فيما الطرق التي تم بناؤها أو التي يجري بناؤها لربط الصين بباكستان وبورما وبنغلاديش تطوّق الهند تمامًا. وهي تشكل مجتمعة سياسة الاحتواء الصينية للهند. مما يعني ان الصين هي المنتصرة في لعبة الشطرنج الجيوسياسية هذه،  فيما الهند المهزومة صارت في خانة “كش ملك”. ولقد اتّبع الصينيون في نهجهم هذا نصيحة الخبير الصيني الاستراتيجي التكتيكي العسكري الشهير صن تزو (Sun Tzu): “إن فنّ الحرب الأسمى هو إخضاع العدو دون قتال”.

بالنسبة لأفغانستان، لم يمنع الوجود العسكري الأمريكي توسع العلاقات التجارية والاستثمارية بين أفغانستان والصين. فقد تم توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية بين كابل وبكين في العام 2012. كما تتمتع أفغانستان بمركز مراقب في منظمة شانغهاي للتعاون. علاوة على ذلك، اقامت باكستان المجاورة – التي هي حاليا عضو كامل العضوية في منظمة شانغهاي للتعاون – علاقات ثنائية وثيقة مع الصين. الأمر الذي أغضب الرئيس الأمريكي ترامب فأطلق في كانون الثاني (يناير) 2018 تصريحات تحذيرية لباكستان، ثم حذّرها مرة ​​أخرى مع ظهور رئيس وزراء باكستان الجديد عمران خان وطلب من باكستان أن توقف ” الإرهاب” المنبثق من الأراضي الباكستانية ضد جيرانها. وقطعت واشنطن جميع المساعدات العسكرية عن باكستان.

بعبارة أخرى، حدث تحوّل في التحالفات الجيوسياسية الأمر الذي أدّى إلى إدماج أفغانستان جنباَ إلى جنب مع باكستان في محور التجارة والاستثمار والطاقة في أوروبا الآسيوية.  وتتعاون باكستان وافغانستان وايران والصين في مشاريع خطوط انابيب النفط والغاز. وتتيح منظمة شانغهاي للتعاون التي تضم تركمانستان واوزبكستان وطاجيكستان لأعضائها منبراَ جغرافياً سياسياً لدمج افغانستان في ممرات الطاقة والنقل في اورآسيا. وتعتزم الصين في نهاية المطاف دمج افغانستان بشبكة النقل غرب الصين كجزء من مبادرة الحزام والطريق عبر ممر تاريخي يُسمّى ممر “واخان”  يربط أفغانستان بمنطقة شينجيانغ ذاتية الحكم في أويغور.

كذلك تمكنت شركة التعدين الصينية المملوكة من الدولة، وهى شركة ميتالورجيكال الصينية المحدودة، عام 2010 من السيطرة على أحد المناجم النحاسية الضخمة “ميس ايناك” الواقع في ولاية لوغر على مسافة 30 كلم جنوب كابل في منطقة تسيطر عليها حركة طالبان، وأبرمت عقداً بقيمة ثلاثة مليارات دولار لهذا المنجم، وكانت واشنطن تخشى من أن تحاول الصين أن تهيمن على تنمية الثروة المعدنية في أفغانستان، إلا أنه بعد الفوز بمنجم النحاس “ايناك” في مقاطعة لوغار، تبيّن أن الصين تريد المزيد. وقُدرت مخزونات النحاس في هذا المنجم بأكثر من 11 مليون طن. وهناك مناجم أخرى يجري استغلالها في مناطق أفغانية أخرى كما هو الحال في باميان الواقعة شمال كابل.

حصلت الصين أيضاً على أول امتيازات التنقيب عن النفط الأفغاني الممنوحة للأجانب منذ عقود. وتتطلع أيضا إلى خامات الليثيوم، التي يتم استخدامها في البطاريات والمكونات النووية. كما يستثمر الصينيون في أعمال الطاقة المائية والزراعة والبناء بأفغانستان. وهناك خط طريق مباشر للصين عبر الحدود البعيدة بين البلدين البالغ طولها 76 كيلومترا. وتجدر الاشارة الى ان افغانستان لديها احتياطيات نفطية واسعة اكتشفتها شركة البترول الوطنية الصينية. سورس مينينغ نيوس، عام 2010.

في شأن التحالفات، مصالح الصين وشراكتها مع أفغانستان لم تنفصل مطلقًا عن المصالح الاستراتيجية لباكستان. حافظت الصين على اتصالات دبلوماسية مع حكم نظام طالبان في كابول، وانضمت روسيا في السنوات الأخيرة إلى الجغرافيا السياسية لأفغانستان، لاسيما من حيث تضامنها مع الصين من الناحية الاستراتيجية. ويسعى الحلف الثلاثي المكون من الصين باكستان وروسيا لإمالة الميزان في أفغانستان وأورآسيا ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

معركة أنابيب الطاقة

تتمتع أفغانستان بموقع جغرافي يجعلها ممر ترانزيت مهماً لصادرات النفط والغاز الطبيعي من وسط آسيا إلى بحر العرب. جيوسياسيون يقولون” أن من يسيطر على الطرق النفطية لوسط آسيا سيؤثر مستقبلاً على كميات تدفق النفط وتوزيع إيراداته“.

بالنسبة لخطوط أنابيب الطاقة في أفغانستان، هناك خط تابي «TAPI» وهو امتداد خط أنابيب الغاز الطبيعي من تركمانستان عابراً أفغانستان إلى باكستان، ثم الهند. والخط الثاني هو خط إيران- باكستان- الهند «IPI».

استراتيجية واشنطن طويلة المدى في أفغانستان بدت واضحة تحت إدارة ترامب عندما تم في عام 2018 إطلاق مشروع “خط أنابيب السلام” النفطي عبر أفغانستان والذي تدعمه الولايات المتحدة (وهو جزء من مشروع خط أنابيب TAPI) – وحضر إطلاق المشروع الرئيس الأفغاني أشرف غني وانضم إليه قادة من تركمانستان وباكستان والهند والجنرال جون نيكولسون، قائد القوات الأمريكية في أفغانستان وبعثة دعم الحلف التابعة لحلف الناتو.

يُذكر ان العمل في خط أنابيب السلام الأفغاني (TAPI) جاء بعد أن أكّدت حركة طالبان الأفغانية دعمها للمشروع بالنظر إلى قدرتها على تدمير خط الأنابيب. وقال متحدّث عن طالبان  أن الحركة ستضمن أمن خط الانابيب في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

يأتي هذا المشروع في ظل العقوبات الأمريكية على إيران لمنعها من مد خط أنابيب بين إيران وباكستان والهند. منعت واشنطن أيضاً الهند من التعاون مع إيران لإكمال وتشغيل ميناء تشابهار الذي يصل إلى أفغانستان. وبالمثل، فشلت باكستان وإيران أيضًا في الاستمرار في مشروع خط أنابيب IPI.

الخلاصة

وظفت السياسة الأمريكية أفغانستان ومنطقة قلب آسيا لخدمة الأهداف الأمريكية. شعار (فرق تسود) وسياسة الاحتواء والعزل عوضاً عن سياسة التكامل والتوحيد، هي ما اعتمدت عليه السياسة الأمريكية في أفغانستان وأورآسيا لتقليص أو الإطاحة بنفوذ القوى الأخرى المناوئة لها خاصة الصين وروسيا وإيران.

تعيد واشنطن ترتيب وهيكلة مناطق مختلفة من العالم على قاعدة” التحكم في الموارد الطبيعية و تدفق إمدادات النفط والغاز” لتحقيق الأهداف الأمريكية.

التواجد الأمريكي في أفغانستان ومناطق آسيا الوسطى وأورآسيا إنما يهدف إلى التحكم في هذه الثروات المعدنية والنفطية وتوظيفها، كوسائل ضمن اللعبة الاستراتيجية العالمية في السيطرة، والتحكم في المنافسين المحتملين واللاعبين الذين يشكلون تحدياً للهيمنة الأمريكية، بمعنى أن الحرب الأمريكية على الإرهاب، والتي بدأت من أفغانستان، تحمل أجندة جيوسياسية-اقتصادية، تتعلق بالسيطرة على منابع ومصادر الطاقة، والتحكم في خطوط النقل، من شمال إفريقيا حتى شرق أفغانستان.

غزو أفغانستان لم يكن مجرد رد فعل تلقائي على أحداث 11 سبتمبر 2001م، إنما حدث بالنظر لأهمية وضع أفغانستان في الجغرافيا السياسية، للنفط والغاز الطبيعي لمجمل المنطقة في آسيا الوسطى وبحر قزوين.

الحرب على أفغانستان أتاحت الفرصة للولايات المتحدة، لاختراق آسيا الوسطى بما تشكله أفغانستان من نقطة فاصلة في التوازنات العالمية والإقليمية، لكونها تشغل مركزاً استراتيجياً هاماً بين القوى النووية العالمية والإقليمية في آسيا: روسيا، والصين، وإيران، والهند، وباكستان، فضلاً عن قربها من نفط بحر قزوين.

وبالتالي فإن الولايات المتحدة وجدت في غزو أفغانستان الآلية الفعالة لفرض الهيمنة والسيطرة العالمية الأمريكية تحقيقاً للمصالح الاستراتيجية الأمريكية في العالم ولتحقيق أهدافها في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز وإحكام قبضتها على العالم سياسياً، وعسكرياً، واقتصادياً، واستكمال حلقة الحصار الأمريكي على المحور الصيني- الروسي الساعي لتحقيق التعددية القطبية، إضافة إلى تطويق إيران ومراقبتها وتحييد نفوذها على منطقة  الخليج .

باختصار أمريكا أصرّت على تواجدها العسكري في أفغانستان وتلك المناطق، لتحقيق هدفها الحقيقي وهو خشيتها من سقوط ثروات المنطقة في يد منافسي الولايات المتحدة مثل الصين وروسيا وإيران.

مسار أونلاين للدراسات الجيوسياسية ..

You may also like

5 comments

busy do danii 17 أغسطس، 2021 - 1:26 ص

It’s remarkable in support of me to have a web site, which is beneficial designed for my experience.
thanks admin

Reply
the web hosting 28 أغسطس، 2021 - 8:40 ص

Howdy would you mind sharing which blog platform you’re working with?
I’m going to start my own blog in the near future but I’m having a
difficult time choosing between BlogEngine/Wordpress/B2evolution and Drupal.
The reason I ask is because your layout seems different then most
blogs and I’m looking for something unique. P.S My
apologies for getting off-topic but I had to ask!

Reply
t.co 30 أغسطس، 2021 - 8:42 ص

Hi! I could have sworn I’ve been to this site
before but after reading through some of the post I realized it’s new to me.
Anyhow, I’m definitely happy I found it and
I’ll be bookmarking and checking back frequently!

Reply
t.co 31 أغسطس، 2021 - 8:25 م

I enjoy what you guys tend to be up too. This sort of clever work and exposure!
Keep up the terrific works guys I’ve incorporated you guys to my blogroll.

Reply
bit.ly 5 سبتمبر، 2021 - 1:01 ص

With havin so much written content do you ever run into
any issues of plagorism or copyright infringement?
My blog has a lot of unique content I’ve either created myself or outsourced but it appears
a lot of it is popping it up all over the internet without
my agreement. Do you know any solutions to help protect against content from being ripped off?
I’d definitely appreciate it.

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00