يحضر بوتين قداس عيد الميلاد في كنيسة القديس جورج بموسكو وخلفه روسيات (أ ف ب) عرب وعالم لماذا تتقاعس حسناوات روسيا عن إنجاب فتيان لحروب بوتين؟ by admin 12 يناير، 2025 written by admin 12 يناير، 2025 8 يطالب القيصر الجهات الرسمية في موسكو بعلاج أزمة انخفاض معدل المواليد داخل البلاد اندبندنت عربية / سعيد طانيوس كاتب لبناني تنفذ روسيا عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا منذ ثلاثة أعوام تقريباً، تمكن خلالها رئيس البلاد فلاديمير بوتين من إغراء وإقناع الفتيان والرجال الروس بترك عائلاتهم والتوجه إلى جبهات القتال لقاء مبالغ مالية وتقديمات مجزية، لم يكونوا يحلموا بها في قراهم وبلداتهم ومدنهم، فحصدت الحرب كثيراً من الرجال في سن الإنجاب، لكن القيصر فشل في حث حسناوات البلاد الشاسعة على إنجاب الأطفال ومزيد منهم، على رغم كل السلطات الواسعة التي يمتلكها وكل التقديمات والإغراءات المالية والاجتماعية التي قدمها ولا يزال يعد النساء بها. وفي محاولة للهرب من الأزمة الديموغرافية التي تغرق فيها البلاد عاماً بعد عام منذ ما قبل الحرب في أوكرانيا، يحاول بوتين تحفيز نساء البلاد على زيادة معدل المواليد، كما أنه يقوم بإحياء مسابقة “هيا يا فتيات” التي جرى الإعلان عنها عام 2024 في روسيا، عام الأسرة، ولكن في الممارسة العملية أدى اهتمام الكرملين بالأسرة إلى فرض حظر على الإجهاض، وحتى البرامج التلفزيونية الترفيهية أصبحت جزءاً من الدعاية التي تروج لـ “الإنجاب بأي ثمن”، ومن هنا ولد برنامج الواقع “حامل في سن 16” في نسخته الروسية التي جاءت تحريفاً كاملاً للأصل الأميركي لهذا البرنامج الذي حاول إقناع الفتيات الأميركيات بعواقب الحمل في سن باكرة وما ينتج منه من مضاعفات صحية ومعنوية وعاطفية. الأزمة الديموغرافية أعلنت وكالة الإحصاء المركزية الرسمية في روسيا (روستات) خلال الفترة الأخيرة عن رقم قياسي آخر لانخفاض معدل المواليد في البلاد، فسارع بوتين إلى إصدار أوامره للوزراء والنواب وأجهزة الإعلام والدعاية وحتى لجهاز الاستخبارات (في آس بي) بالتأثير في الوضع، فتبنى هؤلاء مهمة إسداء النصح للنساء في وسائل الإعلام ودعوتهن إلى إنجاب أكبر عدد ممكن من الأطفال في مقابل الحصول على منح مالية كبيرة وتقديمات اجتماعية وفيرة، بما فيها الشقق والمساكن والطبابة والتعليم. وتسارع الانخفاض الطبيعي للسكان الروس خلال النصف الأول من عام 2024 بنسبة 12 في المئة وبلغ 321.5 ألف نسمة، وذكرت وكالة “روستات” أن عدد المواليد انخفض إلى 599.6 ألف خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى يونيو (حزيران) 2023 ليصل إلى 616.2 ألف. اهتمام الروسيات ينصب بالدرجة الأولى على رشاقتهن (أ ف ب) ففي ذروة الحرب الأوكرانية التي كان وقودها عشرات آلاف الشباب وجدت روسيا نفسها في فجوة ديموغرافية حقيقية، فقد انخفض معدل المواليد ل أعوام عدة اعتباراً من عام 2015، ومن غير المرجح أن يعود للنمو خلال الأعوام المقبلة، وهذا ليس نتيجة الحرب الحالية وحسب بل هو أيضاً نتيجة للتاريخ المعقد بأكمله للبلاد خلال العقود الأخيرة. وخلال مارس (آذار) 2024 انخفض معدل المواليد في البلاد، أي عدد الأطفال لكل 1000 شخص، بنسبة تزيد على ثلاثة في المئة، وانخفض أكثر من ستة في المئة خلال فبراير (شباط) السابق له. وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك، ففي نهاية عام 2022 انخفض سبعة في المئة تقريباً، ومنذ عام 2015 انخفض هذا الرقم كل عام من دون انقطاع، وآخر مرة ارتفع فيها معدل المواليد في روسيا لأعوام عدة كانت في أوائل العقد الأول من القرن الـ 21. ويحدث هذا التراجع في عدد السكان لسببين رئيسين، أولاً دخول جيل صغير جداً من التسعينيات سن الإنجاب، أي أن عدد الأشخاص في السن الذي يمكنهم فيه إنجاب طفل أصبح الآن أقل مما كان عليه من قبل، وثانياً تلد النساء أقل فأقل ويمكن ملاحظة ذلك في مؤشر مثل معدل المواليد، أي عدد الأطفال الذين تلدهم امرأة واحدة في المتوسط خلال فترة الإنجاب، وهنا تكون توقعات الديموغرافيين مثيرة للقلق، فقد ينخفض معدل المواليد هذا العام إلى مستوى أواخر التسعينيات. والأطفال الذين ولدوا خلال التسعينيات شكلوا جيلاً صغيراً من الآباء الحاليين، وكل هذا يؤدي إلى فجوة ديموغرافية يمكن اختصارها بأن عدد المواليد أقل من عدد الوفيات، مما يعني ليس فقط عدم وجود نمو سكاني طبيعي بل تراجعاً متواتراً في عدد مواطني البلاد عاماً بعد عام. وتطور الاتجاه نحو انخفاض معدل المواليد في روسيا منذ العصر السوفياتي وأصبحت فترة ما بعد الحرب في روسيا فجوة ديموغرافية كبيرة ثم جاءت الثغرة التالية في التسعينيات، أما الآن فإن جيل أواخر التسعينيات، وهو في حد ذاته جيل قليل العدد بعيد انهيار الاتحاد السوفياتي وغرق روسيا في أزمات متلاحقة، هو في سن الإنجاب، ولا يمكن تصحيح الوضع. روسية وقبلة الوداع لزوجها قبل توجهه إلى جبهة القتال (غيتي) وتقول رئيسة المختبر العلمي بجامعة بليخانوف الروسية للاقتصاد، إيلينا إيغوروفا، إن تدفق المهاجرين الشباب فقط هو الذي يمكن أن يساعد، مضيفة “لا يسعنا إلا أن ننتظر ونأمل في أن يقترب الجيل الأكبر من أوائل العقد الأول من القرن الـ 21 بالفعل من سن الإنجاب”. وفي فبراير الماضي كلف بوتين الحكومة بمهمة تحقيق النمو المستدام في معدل المواليد على مدى الأعوام الستة المقبلة، وبعد ذلك بدأ الوزراء والنواب وأعضاء مجلس الشيوخ والعلماء في التحدث بصورة أكثر نشاطاً حول حل المشكلة الديموغرافية. مقترحات غريبة للحل وتعتقد نائبة مجلس الدوما عن الحزب الشيوعي في الاتحاد الروسي، إيرينا فيلاتوفا، أن “مفتاح تكاثر السكان ليس المال بل التعليم والأطر الدينية، وتصور المجتمع للأطفال كجزء لا يتجزأ من الحياة الطبيعية للإنسان”، مضيفة أن “أفكار عدم الإنجاب والعلاقات غير التقليدية واستبدال القيم العائلية التقليدية بالنزعة الاستهلاكية والتنمية الذاتية والقطط والكلاب يجب أن تختفي من مجال المعلومات على جميع المستويات”. ويرى نائب مجلس الدوما عن حزب “روسيا الموحدة” فيتالي ميلونوف أن حلّ المشكلة الديموغرافية بإغلاق وسائل الإعلام التي تقدم مشاهد إغراء وحظر تعقيم الإناث لزيادة معدل المواليد، ويقول “يمكننا الآن إنقاذ عشرات ومئات آلاف العائلات الروسية من الطلاق والمآسي والصراعات، إذا قلنا إننا لم نعد ندعم ذلك في مجتمعنا”، مضيفاً أنه “كلما زادت الإثارة الجنسية لدينا في المجتمع كلما زاد تشريع هذا الزنا وقل عدد الأطفال الذين يولدون”. وفي العام الماضي تحدث البرلماني لمصلحة حظر تعقيم الإناث بحسب الرغبة، لكن فقط لأسباب طبية مرتبطة بتهديد الحياة، واقترح فرض حظر كامل على تعقيم الذكور وأرسل النداء إلى وزير الصحة ميخائيل موراشكو، كما يرى أن ارتفاع معدل المواليد يمكن أن يتأثر بالتخلي عن النزعة الاستهلاكية. وقال “إن النزعة الاستهلاكية والفقر هما العدوان الرئيسيان لمؤسسة الأسرة، فليست هناك حاجة إلى الوقوع في نشوة غير الاستحواذ والتبشير بالتخلي الكامل عن البضائع كدافع لإنجاب كثير من الأطفال، ونحن بحاجة فقط إلى الابتعاد من هذا النموذج”، متابعاً “لقد واجهنا هذه الصورة النمطية على وجه التحديد خلال فترة الاتحاد السوفياتي”. واقترح نائب دوما الدولة من الحزب “الليبرالي الديمقراطي” فاليري سيليزنيف إشراك السجناء في حل المشكلة، وقال “يمكن للدولة أن تقدم لهم نوعاً من الصفقة التي تنقطع بموجبها مدة قضاء المرأة لعقوبتها، وإذا ولدت خلال هذه الفترة فيُلغى ما بقي من المدة، وإذا كان هذا يبدو ساخراً بالنسبة إليك فأعد قراءته مرة أخرى وتنفس وفكر في الأمر”، ويعتقد أن اعتماد مثل هذا القانون سيساعد في حل المشكلات الديموغرافية والاجتماعية الإنسانية في روسيا. أما وزير الصحة في إقليم بريمورسكي، يفغيني شيستوبالوف، فيرى أن الحمل أثناء فترات الراحة من العمل يمكن أن يسهم في حل الأزمة الديموغرافية في روسيا، وعندما سأله أحد الصحافيين عما إذا يمكن أن يكون لدى النساء اللاتي يعملن في نوبات عمل مدتها 12 ساعة الوقت الكافي لإنجاب الأطفال، أجاب بإيجاز “خلال فترات الراحة”. ووفقاً للوزير شيستوبالوف فإن الانشغال الشديد ليس عذراً للتخلي عن الأطفال، إذ يمكنك اصطحابهم معك إلى العمل، وذكر أيضاً أنه “ينبغي أن تلد ما شاء الله”. ونصحت نائبة مجلس الدوما من منطقة سفيردلوفسك زانا ريابتسيفا الطلاب بالبدء في إنجاب الأطفال في سن الـ 18و19 عاماً، وقالت إن “الشيء الأكثر أهمية هو أن هذه ليست مجرد هواية، حتى يفهموا أنهم يسيرون مع بعضهم بعضاً”. واعتبر مدير معهد الاقتصاد المركزي والرياضيات التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ألبرت بختيزين، أن نقل الناس إلى الأرياف هو الحل، وقال “لقد أدركت كثير من البلدان هذه المشكلة بالفعل وهم يدفعون المال للانتقال من المدينة إلى القرية، ففي اليابان مليون ين (6.5 ألف دولار) لكل طفل، وفي دول الاتحاد الأوروبي ما بين ثلاثة إلى 4 آلاف يورو (3.11 إلى 4.15 ألف يورو) لكل طفل”، وكي ينجح هذا الأمر يجب على القرى توفير فرص عمل بأجور جيدة وبناء الأندية والمستشفيات ومراكز القبالة. أما نائب حاكم منطقة سفيردلوفسك بافيل كريكوف فاقترح جعل الولادة مثيرة لاهتمام الفتيات، موضحاً أن “الوضع الديموغرافي في المنطقة تحسن، والآن في منطقة سفيردلوفسك لم يكن الوضع سيئاً للغاية، ولكنه ببساطة سيئ، وكي تكون الأسرة صالحة فيجب أن يكون لديها ثلاثة أطفال في الأقل”. يتحدث مسؤولون روس عن حوافز كبيرة للأسر الصغيرة لزيادة الإنجاب (أ ف ب) وقال، “عندما تحدث الولادة الأولى قبل سن 25 عاماً فإن ذلك عادة ما يؤدي إلى ظهور طفل ثان أو ثالث، ويعتبر هذا هو الأمثل”، وأوضح كريكوف أن “مهمتنا هي أن نجعل من المثير للاهتمام بالنسبة إلى النساء والفتيات أن يلدن في هذا العمر”. ولتحقيق ذلك اقترح فتح رياض أطفال للطلاب الذين ينجبون أثناء دراستهم في الجامعات، وخيار الدعم الآخر هو تأمين فوائد رخيصة للرهن العقاري للطلاب. عضو مجلس الشيوخ عن منطقة تشيليابينسك، مارغريتا بافلوفا، اعتبرت بدورها أن الحل بإعادة توجيه الفتيات من التعليم العالي إلى الأسرة، وتقول “نحن بحاجة إلى التوقف عن تشجيع الفتيات على الحصول على التعليم العالي، ونحن بحاجة إلى التوقف عن زيادة عدد الشباب الذين يتلقون التعليم العالي مما لا يؤدي في الواقع إلى أي شيء، فإما أن يبدأوا العمل في تخصصات مختلفة تماماً،= أو أي شيء آخر”، مضيفة أن “البحث عن الذات يستمر لأعوام عدة، ونتيجة لذلك يجرى فقدان وظيفة الإنجاب”. قلق السياسيين وأصبح الموضوع السياسي الرئيس في روسيا هو معدل المواليد، إذ يتنافس السياسيون والشخصيات العامة على المبادرات الرامية إلى حث النساء على إنجاب مزيد من الأطفال، وتتراوح مجموعة الأفكار من حظر الإجهاض إلى الدعوة إلى عدم حصول الفتيات على التعليم، ولكن إذا تعمقنا في المشكلة فسنرى أن الدولة نفسها تخلق الظروف عندما لا يكون الناس في عجلة من أمرهم لإنجاب كثير من الأطفال. ولا فائدة من سرد جميع التصريحات الصادرة عن الشخصيات العامة الروسية التي أصبحت فجأة تشعر بالقلق من انخفاض معدل المواليد في البلاد، فأعلى التصريحات جاءت من بطريرك موسكو وعموم روسيا البطريرك كيريل الذي يعتقد أنه بعد حظر الإجهاض سيرتفع معدل المواليد “كما لو كان بالسحر”. ومن الغريب أن الممارسة العالمية تظهر أن الحظر المفروض على الإجهاض ليس له في الواقع تأثير يذكر في معدل المواليد، فمثلاً في بولندا وفي ظل سياستها الحكومية الصارمة ضد الإجهاض، لم يكن من الممكن تحقيق زيادة كبيرة في معدل المواليد على رغم أنها دولة أكثر تديناً من روسيا. وتبدو العلاقة بين التعليم والخصوبة أكثر منطقية، فإذا تلقت المرأة التعليم فبعد ذلك مباشرة تريد البدء في بناء ترقيها الوظيفي، وفي هذه الحال ستؤخر ولادة طفلها الأول 30 عاماً وبالتالي يقل احتمال إنجابها ثلاثة أطفال أو أكثر. هل يتعلق الأمر بالتعليم فقط؟ التعليم ليس سوى أحد مكونات إستراتيجية الحياة الأساس للروس المعاصرين، وهذا في إحدى الطبقات وليست حتى الطبقة الرئيسة، إذ تعد الدراسة في إحدى الجامعات والتقدم الوظيفي، بالمعنى الواسع، جزءاً من نمط الحياة الحضري، وفي هذه المرحلة بالتحديد يجب فهم جوهر المشكلة. وتشير كثير من الدراسات إلى أن معدل المواليد في المدن، وبخاصة الكبيرة منها، أقل منه في المناطق الريفية، إذ إن التحضر وتراجع الخصوبة يسيران جنباً إلى جنب وهذا ما تؤكده الإحصاءات الرسمية، فقد كان معدل المواليد في المدن الروسية دائماً ولا يزال أقل منه في القرى والأرياف، ولا توجد استثناءات هنا، فنمط الحياة الحضري لا يُعنى كثيراً بالأسرة التقليدية إذا كنا نعني عائلة مكونة من أجيال عدة تعيش تحت سقف واحد، وفي الواقع من الصعب تخيل مثل هذه العائلة التي تعيش في شقة عادية في المدينة فهي ستفتقر دائماً إلى المساحة، وبصورة عامة فإن إيقاع الحياة في المدينة يدفع الناس إلى إنجاب عدد قليل من الأطفال، وستحتاج الأسرة التي لديها أربعة أطفال في المدينة إلى كثير من الجهد حتى يتوافر لها الوقت لنقل الجميع إلى رياض الأطفال والمدارس والمستشفيات والذهاب إلى المتاجر والعمل، وفي هذه الحال يجب ألا يعمل أحد الوالدين، وفي الأرجح الأم، ولكن في الاقتصاد الحالي لا يستطيع الجميع تحمل كلف ذلك، ومن حيث المبدأ فالمدينة هي المكان الذي يعمل فيه الناس. ووراء الانتقال إلى نموذج عائلي جديد هناك تحول قيمي ونفسي، وينظر الشباب المعاصرون إلى أنفسهم بصورة مختلفة فهم لا يريدون العيش مع والديهم لفترة طويلة ويبحثون عن كل فرصة لبدء العيش بصورة مستقلة وفي أقرب وقت ممكن، وبعد حصولهم على وظيفة مستقرة يحاولون شراء منزل خاص بهم حتى لو كان صغيراً وبرهن عقاري مدة 20 عاماً، لكن مثل هذا السكن غير مناسب لتربية أسرة كبيرة هناك. وبصورة عامة فمن الواضح أن نمو المدن الكبيرة يؤدي إلى انخفاض معدل المواليد وهذا ليس خبراً، لكن ماذا تفعل الدولة الروسية في هذه الحال؟ امرأة ترتدي زياً عسكرياً سوفياتياً خلال معرض للدبابات السوفياتية في موسكو (غيتي) الدولة الروسية تبني مدناً كبيرة وتبلغ السلطات بانتظام عن ملايين الأمتار المربعة من المساكن الجديدة، ففي عام 2023 تجاوزت المساحة الإجمالية للمساكن المبنية في المدن 100 مليون متر مربع، وقال نائب رئيس الوزراء مارات خوسنولين أخيراً “إذا قارنا 10 أشهر من هذا العام بمدة مماثلة من العام الماضي فسنجد أن المساكن متعددة الشقق في روسيا زادت 7.6 في المئة”، وعلى رغم أن معدل المواليد في المدن أقل منه في المناطق الريفية لكن حصة سكان الحضر باتت آخذة في النمو وتجاوزت بالفعل 75 في المئة، مما يعني أن الناس يواصلون الانتقال بنشاط إلى المدن. وتحفز الدولة تطوير الشقق المتعددة في المدن بطرق مختلفة، وقبل بضع أعوام جرى إقرار قانون “التنمية المتكاملة للمناطق” الذي يسمح، وفقاً لمخطط مبسط، بهدم المباني السكنية القديمة وبناء مبان سكنية جديدة شاهقة الارتفاع في مكانها. وتعتقد الدولة الروسية أن الناس يريدون أولاً الحصول على نوع من السكن في الأقل ثم إنجاب الأطفال، ومن وجهة النظر هذه فمن خلال بناء مساكن متعددة الشقق فإنهم يشجعون الناس على تكوين أسر وأطفال، وهذا يشمل أيضاً الأمومة لتحسين الظروف المعيشية، وهذا هو المنطق الصحيح، لكن مع التعديل سيجرى إنشاء أسر حضرية متراصة في سكن حضري متراص، أي أسر لديها طفل أو طفلان، وفي هذه الحال سيكون إنجاب كثير من الأطفال أمراً مستغرباً. وبينما يتنافس السياسيون على أفكار زيادة معدل المواليد والعودة للأسرة التقليدية، فإن السياسة الاقتصادية للدولة تخلق في الواقع الظروف اللازمة لبقاء معدل المواليد منخفضاً، وهناك طريقة واحدة فقط للعودة للأسرة التقليدية الكبيرة، لا من خلال بناء المساكن في المدن ولكن من خلال تشجيع المواطنين على العودة للريف وتقديم الحوافز لهم للقيام بذلك، ومن الواضح أن هذا لن يحدث. ولكن لا ينبغي لنا أن نتعجل في إلقاء اللوم على الدولة في تدمير الأسرة التقليدية، إذ إنه يتبع فقط المنطق الموضوعي لتنمية المجتمع والاقتصاد، واليوم أصبحت المدينة هي مركز الحياة الاقتصادية، ولهذا السبب يميل الناس إلى الانتقال إلى المدن وتساعدهم الدولة من خلال تحفيز بناء المساكن، وإذا أعادت الجميع للقرية فسيزيد معدل المواليد لكن الاقتصاد سينهار، ولذلك لا يوجد بديل للتنمية الحضرية. ويتضح أن قانون التطور الاقتصادي والرفاه الاجتماعي يحكم على البلاد عفوياً بالانقراض التدريجي، وهذه قضية معقدة لا تواجه روسيا فقط، ويمكننا القول إن هذه واحدة من أهم مشكلات العالم الحديث، وحتى الآن لم يتوصل أحد إلى كيفية حلها بصورة فعالة، لكن بالتأكيد ليس بفرض حظر على الإجهاض أو فرض قيود على التعليم العالي للنساء، إذ تناقش روسيا تشريعاً يفرض قانونياً ضرائب عالية على النساء اللواتي لا يرغبن في إنجاب الأطفال. وفي روسيا قد يكون من غير القانوني عدم الرغبة في إنجاب الأطفال، وقالت رئيسة مجلس الاتحاد (مجلس الشيوخ) فالنتينا ماتفيينكو إنها تدعم فرض حظر كامل على “الحركة الخالية من الأطفال”، وسبق أن قالت وزارة العدل الروسية إنها أعدت بالفعل مشاريع قوانين في شأنها حظر “أيديولوجية عدم جواز الإنجاب”. بوتين والشعر وهموم الإنجاب عام بعد آخر تحدث الرئيس الروسي في كل خطاب عام تقريباً عن الأزمة الديموغرافية في البلاد والحاجة الماسة إلى مزيد من إنجاب الأطفال وضرورة دعم الأسر المتعددة الأطفال، ولتحقيق ذلك اتخذت السلطات مجموعة كاملة من التدابير والتقديمات المالية والامتيازات الخاصة لذوي الأسر الكبيرة، لكن البلاد لا تزال تجد نفسها في حفرة ديموغرافية ليس من الواضح كيفية الخروج منها، فعدد السكان يواصل الانخفاض فقط.، ولم تسفر الحرب إلا عن تفاقم المشكلات الديموغرافية. وخاطب بوتين في تهنئته لحسناوات بلاده لمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف الثامن من مارس كل عام قائلاً “أنتن أيتها النساء العزيزات قادرات على تحويل العالم بجمالكن وحكمتكن وكرمكن الروحي، ولكن قبل كل شيء بفضل أعظم هدية وهبتكن إياها الطبيعة، ولادة الأطفال، فالأمومة مصير مذهل للمرأة وأهم شيء بالنسبة إلى أي امرأة، بغض النظر عن المهنة التي تختارها والارتفاعات التي تصل إليها هنا، هي الأسرة”. يتحدث بوتين دائما بوقار عن الروسيات في مناسبات مختلفة (تاس) ووعد بوتين ببذل كل ما في وسعه لضمان شعور الأسر التي لديها أطفال بالرعاية والمساعدة من قبل الدولة، كما توجه إلى النساء الموجودات في منطقة العمليات الخاصة واللواتي يقمن بمهمات قتالية ويساعدن المقاتلين في الخطوط الأمامية في المستشفيات والهياكل التطوعية، منشداً “أنتن تثبتن مراراً وتكراراً ما هي القوة التي لا تقاوم والتي يتمتع بها قلب المرأة الذي يعطي مثالاً على المثابرة والثقة في أن الخير والحقيقة في جانبنا”. وتابع، “أنتن تتعاملن مع كومة كبيرة من المشكلات والمتاعب وتبقين ساحرات وجذابات”، ثم خلص إلى أنه “من المستحيل عدم الإعجاب بكن”. وتحدث بوتين مرة أخرى عن “القيم العائلية التقليدية” واقترح أن تنجب المرأة الروسية ثمانية أطفال، إذ يثير انخفاض معدل الولادات قلقاً كبيراً لدى السلطات الروسية نظراً إلى وجود أزمة ديموغرافية في البلاد، فاقمها مقتل عشرات آلاف والشباب في الحرب في أوكرانيا. لماذا ينخفض معدل المواليد في روسيا؟ هناك عوامل لا تتعلق فقط بالحرب مع أوكرانيا أو الوضع الحالي في البلاد، بل إن انخفاض عدد المواليد هو صدى للأعوام الماضية وتاريخ البلاد المعقد، ويوضح الديموغرافي إيغور إفريموف أن “انخفاضاً يحدث الآن في أجزاء متساوية تقريباً بسبب البنية العمرية وتغيرها، أي عامل موضوعي لا يمكننا فعل أي شيء تجاهه، والنصف الثاني من الانخفاض هو انخفاض في شدة معدل المواليد”، وببساطة هناك عدد قليل من الشابات والشبان في روسيا الآن، وهم ليسوا مستعدين لإنجاب كثير من الأطفال. ويرتبط الجزء الأول من هذه المعادلة بالتحديد بتاريخ البلاد، فمنذ الحرب العالمية الثانية انحرفت معدلات السكان والمواليد، وهناك جيل كبير يحل محل جيل صغير، ويمثل الديموغرافيون ذلك على أنه موجة جيبية، أي رسم بياني به موجات. ويفسر عالم الديموغرافيا المستقل أليكسي راكشا ذلك بالقول إنه “بينما كانت الموجة تنحسر حدثت أزمة انهيار الاتحاد السوفياتي أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات ثم وُلد عدد قليل من الأطفال، ونتيجة لذلك فإن الموجة الديموغرافية لم تختف وحسب، بل اشتدت وتطاول أمدها”. تخشى روسيا على مستقبلها الديموغرافي مع تراجع معدلات الإنجاب (أ ف ب) وعلاوة على ذلك سيجرى الآن تتبع هذا التأثير لأجيال عدة من عام 2010 إلى عام 2030، وسينخفض عدد النساء المؤهلات عمرياً لإنجاب الأطفال 40 في المئة لأنهن لم يولدن في التسعينيات، كما يشير أليكسي راكشا. وخلال مايو (أيار) 2022 أفادت نائبة رئيس الوزراء تاتيانا غوليكوفا أن عدد النساء في سن الإنجاب على مدى الأعوام الـ 10 الماضية، من 2010 إلى 2021، انخفض 4.5 مليون ويبلغ الآن 7.5 مليون، ويؤدي انخفاض عدد الأمهات المحتملات إلى انخفاض عدد الأطفال المولودين بنحو 2.5 إلى ثلاثة كل عام. دعم الأسر والتدابير الديموغرافية إذا لم يكن من الممكن زيادة عدد الشابات جسدياً فيمكن للدولة معالجة المجموعة الثانية من الأسباب، أي بالمعنى التقريبي إقناعهن بإنجاب مزيد من الأطفال، وهذا هو على وجه التحديد ما كانت السياسة الديموغرافية التي تنتهجها الحكومة تهدف إلى تحقيقه خلال الأعوام الأخيرة، فالرئيس بوتين يتحدث بانتظام عن مشكلة الانخفاض الطبيعي في عدد السكان وتدابير دعم الأسر التي لديها أطفال، بل إن البلاد لديها مشروع وطني كامل الديموغرافيا ويعتمد على الوعود التي قطعها بوتين قبل إعادة انتخابه عام 2018. وتحاول السلطات في معظم الأحيان زيادة معدل المواليد من خلال التدابير الاقتصادية، وكان أشهرها وأكثرها فعالية ما يسمى برأسمال الأمومة، وبعبارة أخرى، المدفوعات المستهدفة عند ولادة الأطفال، وقد جرى الإعلان عنه خلال خطاب الرئيس أمام الجمعية الفيدرالية عام 2006، ودخل البرنامج الذي يمنح كل امرأة تلد طفلاً ثانياً مبلغ 10 آلاف يورو (10.37 ألف دولار) حيز التنفيذ عام 2007. وفي البداية جرى دفع رأسمال الأمومة للعائلات التي لديها طفلان أو أكثر، لكن في عام 2020 أصبح متاحاً بعد ولادة الطفل الأول أو تبنيه، وجرى تمديد البرنامج نفسه حتى عام 2026 بناء على اقتراح بوتين في رسالته إلى الجمعية الفيدرالية، وفي منتصف عام الحرب 2022، أمر بوتين مرة أخرى باتخاذ تدابير إضافية لزيادة معدل المواليد. وبحلول منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي قال بوتين في اجتماع لمجلس التنمية الإستراتيجية والمشاريع الوطنية “لقد تمكنا من التغلب على عواقب جائحة فيروس كورونا وخفض معدل الوفيات، لكن انخفاض معدل المواليد أبطل هذه الإنجازات”. وفي الواقع انخفضت الوفيات 22.1 في المئة خلال عام 2022 مقارنة بعام 2021، لكنها ارتفعت عام 2021 مقارنة بعام 2020، ثم خلال ديسمبر 2022 أعلن بوتين إعانات شهرية موحدة للأسر المحتاجة التي لديها أطفال منذ الولادة وحتى 17 عاماً، وفي نهاية يناير 2023 أمر بوتين مرة أخرى بوضع “مجموعة إضافية من الإجراءات التي تهدف إلى زيادة معدل المواليد”. روسيتان ترتديان أغطية الرأس التقليدية “كوكوشنيك” خلال سيرهما في أحد شوارع موسكو (أ ف ب) وبالعودة لمايو 2012 فقد حدد بوتين الذي عاد آنذاك مجدداً لمنصب الرئاسة مهمة زيادة معدل الخصوبة الإجمالي إلى 1.7، وجرى تحديد المهمة نفسها عام 2018، وكانت النسبة أعلى من هذا المستوى من عام 2013 إلى عام 2015، ولكن في عام 2017 بدأت في التراجع وانخفضت إلى 1.6. ولم تنجح التدابير المالية في أحايين كثيرة وليس دائماً بالطريقة التي تريدها السلطات، فعلى سبيل المثال أدى نقل منح رأسمال الأمومة من الطفل الثاني للأول إلى انخفاض معدل ولادة الطفل الثاني، في حين جرى دفع رأسمال الأمومة بصورة أساس للطفل الثاني، إلا أنه زاد باستمرار معدل المواليد أو حافظ عليه، كما يشير عالم الديموغرافيا المستقل أليكسي راكشا، وبعد مرور بعض الوقت على تحويل الجزء الأكبر من المبلغ إلى الطفل الأول بدأت فعالية الإجراء في الانخفاض كما كان متوقعاً، أي أن رأسمال الأمومة لا يزال له تأثير إيجابي في الخصوبة، ولكن هذا التأثير آخذ في التناقص لأن معدل ولادة الأطفال الأوائل يكاد يكون من المستحيل تحفيزه لأنه أمر طبيعي، كما يشير راكشا. تأثير الحرب مع أوكرانيا في معدل المواليد وتزامن هجوم روسيا على أوكرانيا والعقوبات والأزمة الاقتصادية الناجمة عنها في تراجع الموجة الديموغرافية حتى الآن، ووفقاً لبيانات عام 2022 فلم يكن للعمليات العسكرية أي تأثير تقريباً في المؤشرات الرئيسة، كما يقول عالم الديموغرافيا إيغور إفريموف. وخلال فبراير ومارس عام 2022 ساد الذعر وانخفض سعر صرف الروبل بصورة حادة، وبدأت الشركات الأجنبية مغادرة البلاد، ويشير إفريموف إلى أنه “في هذه الحال كان من الواضح أنه لا يزال هناك انخفاض طفيف في معدل المواليد، وليس انخفاضاً دائماً بل تحول قصير المدى”. ويتفق راكشا مع ذلك قائلاً إنه “في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 شهدت البلاد انخفاضاً طفيفاً في معدل المواليد، وبخاصة في موسكو، ولكن في المجمل يبلغ هذا العدد 5 آلاف طفل فقط”، وبالتالي فإن بداية الحرب لم تكن سبباً لرفض الغالبية العظمى من الروس إنجاب الأطفال، وهذا ما يؤكده علم الاجتماع. لكن بحلول أبريل (نيسان) عام 2022 عندما استقر سعر صرف الروبل قليلاً وأصبح من الواضح أنه جرى تجنب تسريح العمال بصورة جماعية، عاد الناس لخططهم لإنجاب الأطفال، ويمكن ملاحظة ذلك في بيانات يناير 2023 حين ارتفع معدل المواليد 0.4 في المئة، وهذا التحول لم يجلب أية تغييرات جدية، وكانت موجات مماثلة من الولادات خلال الأعوام الماضية مصحوبة بإدخال الحجر الصحي لفيروس كورونا. ويشير أستاذ العلاقات الدولية بجامعة نورث كارولينا في تشابل هيل، كلاوس لاريس، إلى أنه خلال الفترة من مارس إلى أبريل 2022 ربما لم يكن الجزء الأكبر من الروس على علم بالحجم الحقيقي للحرب، ووفقاً لذلك لم يؤثر ذلك في خططهم، مضيفاً أنه “خلال الشهرين الأولين من الحرب كان هناك كثير من القتلى لكن لم يكن أحد يعلم عنهم، باستثناء أولئك الذين كانوا في الجيش نفسه، لكن في الوقت التالي انتشرت هذه المعلومات وتراكمت الوفيات والعقوبات وعواقب العقوبات”. ويتحدث إفريموف أيضاً عن التراكم التدرجي للآثار السلبية للعمليات العسكرية قائلاً إنه “ومع ذلك فإذا حكمنا من خلال استطلاعات الرأي نفسها فإن بداية التعبئة كانت بمثابة صدمة للروس”. ويمكن أن تؤثر خسائر الحرب أيضاً في معدل المواليد، إذ سيكون هناك عدد أقل من الآباء المحتملين في البلاد، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تعميق الأزمة الديموغرافية التي يتقلب فيها معدل المواليد في روسيا، وبصورة عامة سينخفض عدد السكان بسبب الخسائر العسكرية. تمثل الحرب الأوكرانية كابوسا حتى الآن لكثير من الروس (أ ف ب) ويقول أليكسي راكشا إن الخسائر البشرية تنعكس بصورة أساس في إحصاءات الوفيات لعام 2022، ولكن ليس بصورة كاملة، وعلى سبيل المثال فإذا لم يجر الإعلان عن وفاة شخص ما حتى أبريل من هذا العام فلن يجرى تضمينه بيانات عام 2022. وكما كتب راكشا عبر قناته على “تيليغرام” فإن الإحصاءات شملت بحسب البيانات الأولية مطلع مارس 2023 من 30 في المئة إلى 50 في المئة من الذين قتلوا خلال حرب 2022. الهجرة ومعدل المواليد وأثارت الحرب أكبر موجة من الهجرة من روسيا منذ عقود عدة، ويتفق علماء الديموغرافيا على أنه من المستحيل حساب عدد الأشخاص الذين غادروا روسيا بصورة موثوقة، وبحسب كثير من التقديرات فقد يصل هذا العدد إلى أكثر من مليون شخص، وقدرت وزارة الدفاع البريطانية العدد المحتمل للأشخاص الذين يغادرون روسيا بما يصل إلى 1.3 مليون شخص، كما قدمت وسائل الإعلام الروسية تقييمات مماثلة. كما ينجب الروس أطفالاً في المنفى ويجري تسجيل هؤلاء الأطفال في إحصاءات المواليد، ولكن ليس في الجريدة التشغيلية التي تُنشر شهرياً بل في الجريدة السنوية، أي أن إحصاءات عام 2022 يجب أن تأخذ في الاعتبار الأطفال الذين ولدوا في الخارج، وحتى الأطفال الذين ولدوا في المنفى خلال الأشهر الأولى من الحرب. ويشير علماء السكان إلى أنه يكاد يكون من المستحيل تحديد عدد الأطفال المولودين في الخارج من خلال هذه البيانات، ويمكن تقييم المقياس فقط، وكتب رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين في فبراير 2023 أنه في عام 2022 سافرت 25 ألف امرأة روسية إلى بلدان أخرى فقط لإنجاب الأطفال هناك والحصول على جنسية ثانية لهم، وإذا كان هذا الرقم صحيحاً فإنه يصل إلى ما يقل قليلاًُ عن اثنين في المئة من جميع الأطفال الذين يولدون في العام، وفي نهاية سبتمبر (أيلول) 2022، أي بعد إعلان التعبئة، قررت موجة جديدة من الروس مغادرة البلاد. ويقول راكشا إنه “من المحتمل أن أكثر من اثنين في المئة من الرجال الذين تراوح أعمارهم ما بين 20 و 40 عاماً غادروا روسيا، ولقد جرى إرسال أقرانهم إلى الحرب كأفراد عسكريين نظاميين كمتطوعين ومجندين” وبعد بدء الحرب، وفقاً للأمم المتحدة، في بداية أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، انتهى الأمر بـ 2.9 مليون لاجئ أوكراني في روسيا.، وقد تمكن عدد قليل منهم من إضفاء الشرعية على وجودهم، وبناء على بيانات وزارة الداخلية عام 2022 فقد أصبح 300 ألف أوكراني مواطنين روس، وهو رقم صغير جداً ضمن الصورة العامة. وإذا كان اللاجئون، بغض النظر عما إذا كانوا قد حصلوا على الجنسية أم لا، لديهم أطفال على الأراضي الروسية، فإنهم ينعكسون في إحصاءات الخصوبة الروسية إذ يجرى تضمين جميع الأطفال المولودين على أراضي البلاد هناك. الحفرة الديموغرافية إلى أين؟ إن معدل الخصوبة الذي يقل عن 2.1 لكل امرأة لا يضمن تكاثر السكان، فكل جيل جديد سيكون أصغر وأقل عدداً من الجيل السابق، وهذا بالضبط ما يحدث في روسيا، وفي نهاية عام 2022 بلغ معدل الخصوبة الإجمالي، بحسب حسابات “روستات”، 1.42 طفل لكل امرأة في مقابل 1.5 عام 2021، ويشير علماء السكان إلى أنه قد تجري الاستهانة بهذه البيانات قليلاً لأنها تعتمد جزئياً على التعداد السكاني، وكان التعداد الأخير ذو نوعية رديئة، ووفقاً لحسابات أليكسي راكشا فقد يكون المعامل الحقيقي ما بين 1.47 و 1.48. ويوضح راكشا أنه “في أواخر التسعينيات، أوائل العقد الأول من القرن الـ 21، كان لدينا 1.2 في مقابل 1.16 عام 1999، وكان هذا المستوى ( 1.2) في أسوأ الأعوام، والآن هذا المستوى هو السائد في إسبانيا وإيطاليا، بل كان أقل في ألمانيا الشرقية بعد إعادة التوحيد، ويوجد الآن في عدد من البلدان في شرق وجنوب شرق آسيا”. ووفقاً لتوقعات الديموغرافيا فإن المعامل يمكن أن ينخفض إلى هذا المستوى داخل روسيا الحديثة فقط في ظل السيناريو الأكثر حدة، وهو أكثر سلبية بكثير مما هو عليه الآن، وبحسب للتوقعات الأساس لـ “روستات” والتي اعتمد إجراؤها في خريف عام 2019، يمكن أن يصل معدل الخصوبة الإجمال في روسيا إلى 1.4 طفل لكل امرأة، وحتى الآن هذه التوقعات تتحقق. بوتين في مركز الرعاية ما قبل الولادة في كالينينغراد عام 2011 (أ ف ب) وفي عام 2022 ولد 1.306 مليون شخص في روسيا، وتقدر “روستات” في توقعاتها الأساس أن 1.292 مليون ولدوا عام 2023، وفي الوقت نفسه فإن الحد الأدنى المطلق في التاريخ الحديث للبلاد هو 1.25 مليون عام 1999، وتتضمن هذه البيانات إحصاءات عن شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، وجرت إضافتها بأثر رجعي. ويضيف راكشا أنه “إذا كان هناك أقل من 1.25 مليون عام 2024 فمن المؤكد أنه سيكون أقل من أي عام سلمي بصورة عامة، وعلى الأرجح حتى أقل مما كان عليه عام 1943، والعام السابق من هذا القبيل هو في مكان ما مطلع القرن الـ 18”. ويمكن رؤية نمط مماثل في بلدان أوروبية أخرى، والنقطة المهمة هي أن الناس لديهم عدد أقل من الأطفال لكنهم يستثمرون مزيداً من الموارد في تنميتهم، وعدم اليقين حيال الوضع الاقتصادي والمستقبل بصورة عامة سيؤثر، وفقاً لعلماء السكان، في وضع معدل المواليد في البلاد لأعوام عدة، لكن إذا كانت هناك هدنة في الحرب الأوكرانية وجرى التوصل إلى نوع من الاتفاق على رفع العقوبات جزئياً، فيفترض أن البيانات السكانية ستتعافى تدريجاً أيضاً. الحروب تلتهم الشباب يؤكد المحللون أنه لا يوجد عدد كاف من الجنود على الجبهة من الجانب الروسي، حيث يتعين على قيادة الأركان نقل القوات من قطاعات إلى أخرى في الجبهة، ولا سيما في منطقة كورسك، وعلاوة على ذلك يمكن للمتطوعين المتعاقدين جذب أقل من 1000 شخص يومياً، والحديث هنا لا يدور عن أشخاص جدد ولكن أيضاً عن أولئك الذين يعيدون توقيع العقد. ويميل المحلل السياسي العسكري يوري فيدوروف إلى الاعتقاد بأن بوتين ومستشاريه يخشون حقاً حدوث تغيير في موقف الشعب الروسي تجاه الحرب بعد إعلان التعبئة التالية، ولذلك يجرى تأجيلها باستمرار، والكرملين الذي يمثله بوتين بطموحاته في تأديب ومواجهة الغرب في أوكرانيا المجاورة، يدافع بجنون عن الديموغرافيا عبر رأسمال الأمومة والفوائد والوعظ والكنيسة، لكن الناس لا يريدون أن ينجبوا أطفالاً بناء على خطط حكومية أو متطلبات عسكرية لأن هذا يتطلب ظروفاً معيشية طبيعية. المزيد عن: روسياروسياتالإنجابفلاديمير بوتينالحرب الأوكرانيةإحصاءاتحمل 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عندما يتحول التأويل الثقافي حافزا على عدم الفهم You may also like لماذا يضطر مارك زوكربيرغ إلى إرضاء ترمب؟ 12 يناير، 2025 أميركا تتيح لنحو مليون مهاجر من أربع دول... 12 يناير، 2025 بـ 178 مليون .. السلطان هيثم يأمر بمكرمة... 12 يناير، 2025 الرياض تستضيف اجتماعا حول سوريا وميقاتي والشرع يتفقان... 11 يناير، 2025 المقاتلون الأجانب في سوريا الجديدة… معضلة الوجود والمصير 11 يناير، 2025 معركة رئاسة الحكومة في لبنان على نار حامية... 11 يناير، 2025 السعودية “أول مقصد” للرئيس اللبناني ورسائل نارية إسرائيلية... 11 يناير، 2025 “هباء منثور”.. غضب في إيران من خسائر بالمليارات 11 يناير، 2025 مأساة “وليمة” الجامع الأموي.. من هو الشيف أبو... 11 يناير، 2025 إسرائيل “تخطط للسيطرة العسكرية والاستخباراتية” على منطقة جديدة... 11 يناير، 2025