الثلاثاء, يونيو 3, 2025
الثلاثاء, يونيو 3, 2025
Home » “لعنة لبنان”: كتاب ينكأ الجرح القديم الذي لم يلتئم

“لعنة لبنان”: كتاب ينكأ الجرح القديم الذي لم يلتئم

by admin

 

هجين بين الاعتراف الأدبي والتوثيق الميداني والتحليل السياسي والنثر الشاعري

اندبندنت عربية / فيديل سبيتي كاتب وصحافي لبناني

يكتب اللبناني محمد أبي سمرا كروائي وصحافي في معظم أبحاثه ورواياته وتحقيقاته الصحافية كما لو أنه ينكأ الجرح القديم الذي لم يلتئم.

“لعنة لبنان” الصادر له حديثاً جاء كمرثية مفتوحة وشبيهة برسالة تحليل وفحص طويلة لأزمان وأحداث لبنانية بحتة، لأنه من الصعب أن تكون غير لبنانية أو أن تقع وتحدث في مكان آخر بالطريقة نفسها التي وقعت بها في هذه البلاد.

كأنها مرثية مكتوبة بلغة من عرف البلاد حين كانت لا تزال تحاول أن تكون “وطناً”، قبل أن تستسلم لمصيرها الذي بات بمرور الوقت هويتها الأقرب إلى كونها “خراباً” متسلسلاً دائرياً ولا فكاك منه، كما لا فكاك للعالق في دائرة تتكرر عليه الأحداث ونتائجها من دون أن يتمكن من ردها أو من الالتفاف عليها أو حتى البدء من نقطة جديدة على سطح تلك الدائرة.

ونقتبس من المقدمة توصيف الحال قبل الحرب، حين كتب أبي سمرا “كان التداخل يضعف ملامح ناتئة من هويات السكان، من دون أن يقوى على تذويبها أو محوها، ومع التوترات، طفا المترسب والمكتوم من الهويات”.

في كتابه “لعنة لبنان” ينطلق أبي سمرا من ذكريات شخصية وعائلية حميمية، من فترات الطفولة والمراهقة في قريته الجردية الجنوبية ومن ثم في ضاحية بيروت التي انتقل إليها مع أهله في فترة نزوح اللبنانيين نحو العاصمة التي كانت تتحول إلى مركز استقطاب منذ بداية الخمسينيات، حين راحت تظهر أحزمة البؤس حول العاصمة المزدهرة.

هجين بين الاعتراف الأدبي والتوثيق الميداني

جاء الكتاب هجيناً بين الاعتراف الأدبي والتوثيق الميداني والتحليل السياسي والنثر الشاعري، تتقاطع فيه “أنا” فردية مع “نحن” جماعية، يؤدي الكاتب فيه أدواراً مختلفة بين شاهد على المأساة ومحلل لميكانيكياتها وشاعر يشتهي أو ينتظر أو يبحث عن خلاص لا يأتي، أو يبدو آتياً لكنه لا يصل كالسراب في الصحراء الذي يبدو كالماء للعطشان، وفي هذه الصحراء يقدم أبي سمرا نصاً طويلاً من الاعتراف المتقطع تختلط فيه الشهادة الفردية مع المأساة الجماعية.

في الفصل الأول الذي يتناول جيل الستينيات والسبعينيات الذي حمل السلاح من دون أن يدري ما الهدف من ذلك، تناول أبي سمرا تجربته الشخصية كاتباً، “كنت أشعر بمذلتي ومهانتي إذا أبصرني أي من الأهالي أحمل السلاح، ثم إنه كان غريباً عني غربة بدنية، ويخيفني”.

تيمات لعنة لبنان الخمس

أحد أكثر التيمات قسوة في هذا الكتاب، تلك المتعلقة بالحرب التي تعاش بالجسد وتغيب عن الوعي، أي الحرب التي تعاش محفورة في لحم الأجساد وفي تفاصيل الحياة اليومية الواقعية لكن من دون أية محاولة لتحليلها أو فهمها أو فهم أسبابها ومنطلقاتها ونتائجها كي تبدأ المحاولة في وقفها أو العبور عنها إلى مراحل أخرى مختلفة وربما مضادة لها.

“الحرب”، كما يصفها في المقدمة، ليست فقط ماضياً سياسياً، بل غريزة طائفية أعيد إنتاجها في مكان وزمان، حتى صار الخوف هو الشكل الأخير من الوعي، والموت هو اللغة الوحيدة المفهومة. والحرب لا تصل وحيدة أو لا تنتج نفسها بنفسها، بل هناك أسباب رئيسة تجعلها واقعاً، وعلى رأس هذه الأسباب التي يضيء عليها هذا الكتاب هي الطائفية.

الطائفية اللبنانية ليست تيمة من تيمات الكتاب فقط بل هي روحه، ولا يتناولها الكاتب كما لو أنها حال ميتافيزيقية غير مفهومة أو بأنها مجرد انتماء شخصي وجماعي، بل بكونها بنية شعورية كاملة تبدأ من السكن واللباس وتنتهي بكيفية الموت، فاللبناني بكاميرا محمد أبي سمرا الكتابية والبحثية لا يعيش داخل طائفته وحسب بل يتنفسها ويتحرك بها وفيها ويخاف منها ومن أجلها، هو يقول ذلك صراحة في المقدمة، “بقدر ما لابس هذا المركب المتحول (الطائفي – الحربي) ملابسة حميمية وقوية حياة اللبنانيين… ظل هامشياً وضعيفاً فهمه، تعقله، تفسيره، التأريخ له”.

وجاء في الفصل الأول عن تصدع التعايش الطائفي “اضطربت العلاقات فتحولت إلى مناكفات وتراشق كلامي ومشاحنات، ثم انفجرت جولات الحرب أخيراً، وراحت تراكم النقمة والأحقاد والثارات”، فالحرب لم تكن نتيجة تحليل فكري، بل فعل انفعالي غريزي متوارث.

والطائفية ليست مجرد بنية حكم أو وسيلة سيطرة، بل شيء أعمق، هي جماليات الخوف ولهجات التمايز وأغاني الفخر الجماعي وحتى قصص الحب الفاشلة بين “أولاد الطوائف”، أما “الانتماء” فقد صار مفردة جوفاء، تقال بمرارة أو لا تقال أبداً.

لذا فإن توصيف الزمن اللبناني لا يكون إلا باعتباره زمن الطوائف لا زمن الأمة ولا الدولة. كل طائفة كأنها بوتقة خائفة تمشي على أطراف أصابعها، تخاف من الزوال ومن الذوبان، وتخاف من الآخر كخوفها من الله، لهذا فإن الطائفة ليست حماية، بل عزلة، وليست إيماناً بل نفي لكل إمكان وطني. وهي لا تفنى، لأن الناس يولدون فيها كما يولدون داخل اللغة الأم، لا فكاك منها إلا بالفقد أو الجنون. في وصف الطائفية وتشكلها في هويات الطوائف يكتب أبي سمرا “المسيحيون منكفئون على هويتهم الخاصة، يستعيدون فكرتهم القديمة عن الكيان اللبناني، على رغم يقينهم بأنهم خسروه، تعيش الطائفة في الماضي، في فكرة خاسرة لكنها مقدسة، في ذاكرة معلقة في حلم انتهى”.

أما “الدروز يعيشون في مناطقهم كأقلية خائفة من النزوح الشيعي”، و”السنة منقسمون بين تعاطف إنساني مع النازحين وغضب من التغيير الديموغرافي”، وهنا كان يتحدث عن نزوح الجنوبيين والبقاعيين نحو مناطق الطوائف الأخرى الآمنة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان والتي لما تنته فصولها بعد.

وبعد تيمات التكرار والحرب والطائفة يفرد الكتاب صفحات كثيرة لتحليل ظاهرة “حزب الله“، لا بوصفه تنظيماً سياسياً بل كنمط حياة وجهاز عقائدي كامل. الحزب، كما يصفه أبي سمرا، أعاد تشكيل المجتمع الشيعي على صورته، من اللباس إلى اللغة، من الأغاني إلى الأحكام الأخلاقية، ومن الطفولة إلى الشهادة.

إنه ليس تنظيماً سياسياً وعسكرياً فقط، بل تحول بمرور الوقت إلى نظام حياة مقفل لا يسمح بالاختلاف، بل يقبله كحالة شاذة. وحين يتناول الكاتب مهرجان تشييع أمين عام الحزب حسن نصرالله في خاتمة الكتاب، لا يحكي عن تشييع زعيم سياسي أو ديني، بل عن طقس تأسيسي لدين جديد في بلاد أنهكها الفقد والانتظار.

غلاف كتاب “لعنة لبنان” لمحمد أبي سمرا (مواقع التواصل)

 

إذاً إنها لعنة التكرار، ليس التكرار السياسي وحده بل التكرار الوجودي بمختلف وجوهه، فالحرب تعود كل عقد بالصور نفسها وبالتبريرات نفسها والأسباب والنتائج أنفسهما التي تتوالي كالتالي، الغضب ثم الخوف ثم نفيهما، ثم نسيان ما نتج منهما، على طريقة عفا الله عما مضى، هذا التكرار صار، بحسب أبي سمرا، نظاماً سياسياً متماسكاً تحرسه الطوائف وتغذيه السياسات الإقليمية، ويعيش ويقتات من جبل أنقاضه الإعلام والجمهور معاً، وكل إعلام وجمهور لبناني يرويه من منطلقات روائية خاصة به معاكسة ومناقضة للرواية والرؤية اللبنانية الأخرى للحدث نفسه.

كأن لبنان لا يعيش زمناً خطياً، بل يدور في حلقة مفرغة من الخراب إذ يعيش الأحياء نفسها والطوائف نفسها والسلاح نفسه، والموت نفسه، بينما وحده المشهد يتسع. ووسط كل هذه الفوضى، يغيب التحليل الحقيقي، فكما يقول الكاتب “الحرب مفهومة شعورياً، لكنها غائبة عن الفكر”.

هل لا يزال هناك ما نسميه المجتمع اللبناني

التيمات الخمس التي يدور حولها الكتاب، أي تكرار الحرب والطائفية و”حزب الله” وجيل السبعينيات وأحلامه المشتتة والانقسام المتأتي عن كل ذلك جعل السؤالين البارزين في مجمل الكتاب هما: هل لا يزال هناك ما نسميه المجتمع اللبناني؟ أم أن البلاد صارت مجرد أرض اختبار للمعارك الإقليمية؟ والإجابة التي يمكن أن يستخلصها القارئ هي بأن لبنان لم يمت فقط، بل فقد حتى قدرته على الحلم بالحياة في حاضر مسحوق، وماضٍ مسروق، ومستقبل لا يمكن رؤيته أو توقعه لأنه مرتبط وخاضع لمعادلات لا يملك أهل البلاد فيها لا الصوت ولا التصور ولا الخيار. ومن فصل إلى آخر في الكتاب يروح يكبر تساؤل القارئ، هل لا يزال هناك ما يمكن تسميته المجتمع اللبناني، أم أن البلاد صارت مجموعة أوانٍ مستطرقة، تستقبل كل معركة إقليمية وتنفجر بها؟ وهكذا يتحول الكتاب من شهادة إلى تشريح، ومن تأمل ذاتي إلى نقد بنيوي قاسٍ، لا يهادن أحداً.

“لعنة لبنان”، ليس مقاربة سطحية للمآلات اللبنانية المتكررة، بل جراحة مفتوحة في الجسد اللبناني، حيث الطائفة ليست فقط سياقاً للحرب، بل مادتها الأولية، ومحركها الأزلي، هي الهوية الأصلية الملعونة، القالب الذي صب فيه لبنان.

في توصيفه المشهد الراهن، يقول إن الجماعات اللبنانية لم يعد يجمعها شيء إلا الخوف. كل جماعة تعيش في صمتها العصابي، لا تنتظر من الداخل، بل من الخارج: أميركا وإيران وإسرائيل. هنا، لا تبرز الطائفية كاختلاف ديني، بل كـ”تمثيل كامل لدور الضحية”، وكأن كل جماعة تبني سرديتها على أنها الناجية الوحيدة من المجزرة التالية.

المزيد عن: لبنانلعنة لبنانمحمد أبي سمرافلسطينإسرائيلحزب الله

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili