كين لوتش- وريث السينما الحرة و مسرح الغضب البريطانيين (أ ف ب) ثقافة و فنون كين لوتش يكتشف قدرة السينما على فضح مساوئ التحليل النفسي by admin 10 سبتمبر، 2023 written by admin 10 سبتمبر، 2023 128 “حياة عائلية” يضع العاملة جانيس في مهب التفاقم الحتمي لأزمتها الداخلية اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب كان ذلك في عام 1972، في زمن كان فيه التحليل النفسي يبدو طارئاً على الفن السابع على رغم أنهما ولدا معاً مع بدايات القرن الـ20، وسيتمكن كل منهما من الاغتذاء من الآخر بعد عقود من التنافر بينهما. في ذلك الوقت كان فقط هتشكوك يعد متوغلاً في التحليل النفسي في أفلامه، لكن على طريقته الخاصة، كما بالكاد كانت هناك شرائط سينمائية تدنو خارج الألعاب الهتشكوكية من تلك الممارسة. صحيح أن الأميركي صامويل فولر عرف كيف يخص التحليل النفسي بفيلمه الكبير “ممر الصدمة”، وأن جون هستون توغل في حياة فرويد في فيمه “الشغف السري” الذي كان من المفترض أن يحقق عن سيناريو كتبه جان بول سارتر، لكن هذا السيناريو بدا كما أنجزه الفيلسوف الوجودي الكبير يشغل ثماني ساعات سينمائية، ومن هنا كان على التحليل النفسي السينمائي أن ينتظر فورة مقبلة لن تتأخر طويلاً على أية حال. كذلك كان على الاستخدام الاجتماعي الاحتجاجي للتحليل السينمائي أن ينتظر فترة أقصر ليظهر بكل قوته لدى ميلوش فورمان في “واحد طار فوق عش الوقواق”، لكن خاصة، وقبل ذلك لدى مخرج شاب لم يكن أحد يحسب له حساباً حينها هو كين لوتش الذي سيخوض عبر “حياة عائلية” عالم السينما الاحتجاجية ومن باب التحليل النفسي بصورة خاصة. إرث ثمين في عام 1972 إذاً عرض لوتش فيلمه الروائي الطويل الثالث هذا، بعد “كيس” و”يا للبقرة المسكينة”، فاتحاً آفاقاً عريضة للاستخدام الاجتماعي السينمائي للتحليل النفسي، ولكن مفتتحاً في الوقت نفسه تلك السينما الاحتجاجية القاسية التي لم يوقف إنتاجها حتى اليوم. وهو إنتاج كان من علاماته تحف لافتة في تاريخ السينما، عبر مواضيع ستطاول خلال السنوات التالية عدداً كبيراً من المواضيع الاجتماعية سياسية كانت أو غير سياسية، ودائماً انطلاقاً من تلك المواقف الاحتجاجية التي جعلت للوتش ذلك اللقب الذي يحمله منذ عقود طويلة ويفخر به، “آخر اليساريين المحترمين”. مشهد من فيلم “حياة عائلية” لكين لوتش (1972) (موقع الفيلم) وكيف لا يكون أمره على هذا النحو وهو الذي يعتبر، ومنذ بداياته، الوريث الأكبر لتيار “السينما الحرة البريطانية” الذي أتى بدوره، في الستينيات المباركة وريثاً لمسرح الغضب البريطاني المعبر، كما حال أغاني البيتلز على أية حال، عن أحوال وخيبات الطبقة العاملة البريطانية، ومن ثم كل الفئات المهمشة والمستغلة في أي مكان في العالم. وللمناسبة لا يمكن أن يكون من الصدفة هنا أن يجعل كين لوتش من نفسه النصير الأول للسينما الفلسطينية في عروضها البريطانية، حيث نجده دائماً في مقدمة حضور العروض التي تقام هناك لأفلام مي مصري أو إيليا سليمان أو هاني أبو أسعد، ما يثير دائماً غيظ اليمين الإسرائيلي الذي يعتبر كين لوتش شخصاً غير مرغوب به. بدايات نخبوية لكن الأمور لم تكن قد وصلت إلى هذا الحد أيام “حياة عائلية” وكان لوتش لا يزال في بداياته بالكاد يعرف خارج حلقات نوادي السينما وهواتها الأكثر التصاقاً بها، ولا شك أن “حياة عائلية” قد أسهم كثيراً في خروجه من ذلك الغيتو، حيث إن الفيلم وجد طريقه ليس فقط إلى الجمهور العريض في بريطانيا وخارجها، بل راح وبسرعة يصنف، وتحديداً بحسب الناقد والمؤرخ السينمائي الفرنسي كريستيان زيمر في كتابه “السينما والسياسة”، كواحد من أهم 100 فيلم سياسي في تاريخ الفن السابع، ومع هذ استغرب كثر يومها أن يعتبر “حياة عائلية” فيلماً سياسياً. من الواضح أن المستغربين لم يكونوا قد قرأوا المنظر الإيطالي أنطونيو غرامشي، لو كانوا قرأوه لكان من شأنهم أن يفهموا باكراً البعد السياسي للفيلم. وهو البعد الذي انطلق من “حياة عائلية” ليسم سينما كين لوتش بين سينمات أخرى بدءاً من تلك السنوات التي تبدو اليوم وكأن سنوات ضوئية تفصلنا عنها. لكن لماذا غرامشي؟ بالتحديد لأن هذا المناضل الإيطالي الذي لم يخرجه موسوليني من المعتقل، إلا إلى القبر، كان من أوائل الباحثين الذين دمجوا التحليل النفسي في البنية الفوقية للمجتمع كجزء من الفكرانيات الأيديولوجية التي تشتغل سياسياً في حراكات المجتمع، مؤثرة على البنية التحتية، الاقتصادية بين أمور أخرى، فتنفعل بها كما تؤثر عليها جذرياً. وطبعاً لن نتوغل هنا في هذا التحليل، بل نعود إلى الفيلم نفسه. ضغوط عائلية “حياة عائلية” يتحدث في حبكته عن جانيس الصبية المنتمية إلى الطبقة العاملة البريطانية، التي تعيش وسط عائلة شديدة العادية، لكن جانيس التي تعيش تحت سيطرة صراع ذي طابع ذهني سكولوجي تجد نفسها ذات مرحلة من صباها مضطرة إلى خوض صراع في وجه المجتمع الذي لا يتوقف عن محاولة قمعها وأداته في ذلك، أهلها أنفسهم. العائلة التي بدورها لا تتوقف عن الضغط عليها حتى من دون أن تدري هذه العائلة وسط أزمات حياتها اليومية، أنها إنما تشارك في دفع جانيس وقد باتت خاضعة لشتى عمليات التحليل النفسي، إلى الغرق أكثر وأكثر في تأزمها وصولاً إلى مزيد من المرض والجنون، بل حتى إلى حافة الموت. لئن كانت جانيس تبدو أول الأمر قادرة على الانسجام ولو المحدود مع وضعها في تصديها لعناصر الضغط العائلية والمجتمعية، فإنها ستبدأ بالعجز تدريجاً عن مواكبة تصديها الاجتماعي، وستعجز كذلك عن التصدي لعجزها الفردي وأزمتها الخاصة، بالتالي ستبدأ تصرفاتها بالانطباع بقدر من الغرابة يستشري تدريجاً. ولعل الفيلم يكون أكثر وعياً بكثير من المحيطين المباشرين بها من أهل ومجتمع وحتى أصدقاء حين يرى أن الذنب في ذلك الاستشراء يقع تحديداً على أسلوب المعالجة السيكولوجية كما على قسوة وخطل “الحنان العائلي” الذي تحاط جانيس به من قبل ذويها العاجزين تماماً عن فهم ما بها. نظرة جديدة إلى الجنون طبعاً نعرف أن تطورات كثيرة قد طرأت منذ ظهور “حياة عائلية” عند بدايات سنوات الـ70، على هذا النوع من المعالجة التي تحاول “إنقاذ” الأفراد، ولا سيما الأكثر شباباً من بينهم من تأزماتهم، لكننا نعرف أيضاً أن السينما نفسها كانت لها مساهمات أساسية في تلك التطورات، التي لعل أهم ما فعلته أنها أخرجت المتعرضين للضغوط الاجتماعية وقد عجزوا بصورة عامة عن الإفلات من فخها، أخرجتهم من خانة “المجانين” إلى آفاق أكثر رحابة، وربما أيضاً بتأثير من كتابات ميشال فوكو وغيره من الذين تصدوا لموقف المجتمع من الجنون، وكان في ذلك واحد من أهم التغيرات التي طرأت على بحوث السلوك البشري في العصور الحديثة. طبعاً لن نصل هنا إلى حدود الزعم أن فيلم “حياة عائلية” يعكس ذلك كله أو يسايره، لكنه أتى بالتأكيد جزءاً من حراك فكري – سلوكي جديد يتجاوب مع ثورة الستينيات الذهنية. ومن هنا، بقدر ما جرى التعامل مع الفيلم كعمل فني يستوعب تماماً تجديدات “السينما الحرة” على صعيد اللغة السينمائية، أتى مستوعباً على صعيد فكرنيته، تلك التجديدات الذهنية، ومن هنا، بقدر ما شوهد الفيلم واعتبر بداية حقيقية لسينمائي خلاق، سيثبت طوال العقود التالية وحتى هذه السنوات الأخيرة تفوقه ونزاهته وتفاعله مع العصر وقضاياه، نوقش الفيلم من قبل النخبة وعرض خاصة في نوادي السينما ومهرجاناتها. بانوراما محلية وعالمية أما بالنسبة إلى كين لوتش فإنه، وانطلاقاً من “حياة عائلية” بشكل خاص، واصل استخدام إبداعه السينمائي لخوض معاركه الاجتماعية، بل حتى السياسية، بشكل يمكن معه لأفلامه العديدة التي حققها ولا يزال يواصل تحقيقها على رغم تقدمه في العمر، وعلى رغم المعارك التي تشنها الأوساط المحافظة ضده، يمكنها في تنوع مواضيعها أن تشكل نوعاً من بانوراما متكاملة تلقي نظرات حادة ليس فقط على الحياة الاجتماعية البريطانية بشكل عام، كما على القضية الإيرلندية التي تبناها المخرج تماماً في شرائط أعطته “سعفة ذهبية” من هنا، أو “أوسكار” من هناك، بل كذلك على شؤون العالم وشجونه وأحياناً من منطلقات تخلط الجدية بالدراما وحس المرح بالمأساة، كما مثلاً في فيلمه الأكثر طرافة عن “حصة الملاك” على سبيل المثال. المزيد عن: بريطانياكين لوتشالتحليل النفسيحياة عائليةالسينماالفن السابعهتشكوكصامويل فولر 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post وليد الحسيني يكتب عن: السعودية – إيران ..”السلام الخدعة” next post مخرج وموسيقي أميركيان يدهشان مهرجان البندقية You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024