رسم متخيل للسفينة التي نجت بعد الطوفان والتي استوحاها الشعراء (صفحة تراث - فيسبوك) ثقافة و فنون كيف يستوحي شعراء الحداثة أبعاد التراث الديني؟ by admin 10 مارس، 2025 written by admin 10 مارس، 2025 16 قراءة في أعمال صلاح عبدالصبور ومحمود درويش وأمل دنقل اندبندنت عربية / محمد السيد إسماعيل بدأت قصيدة التفعيلة، أو قصيدة الشعر الحر كما هو شائع، في أواخر الأربعينيات على يد نازك الملائكة وبدر شاكر السياب في العراق، ثم من جاء بعدهما في مختلف الأقطار العربية، واتهمت بالقطيعة مع التراث، وهي تهمة يكذبها عمق العلاقة بين شعرائها البارزين وتراثهم، خصوصاً في بعده الديني. ويعد صلاح عبدالصبور من أكثر شعراء تلك الموجة استلهاماً للتراث العربي، في شعره، وكذلك في تنظيره المتمثل في هذا الصدد في كتابه المهم “قراءة جديدة لشعرنا القديم”. ولإثبات عمق هذه العلاقة التي تقوم – شعرياً – على الاستلهام والاستدعاء والتناص، والتحول من التعبير عن التراث إلى التعبير به، يمكننا التوقف أمام التناص مع البعد الديني. ومن أمثلة ذلك استحضار صلاح عبدالصبور هجرة الرسول استلهاماً لا تسجيلاً، وهذا يعني أننا أمام هجرة أخرى تتناص مع الهجرة النبوية. ومن الطبيعي – في هذه الحالة – أن تتشابه الهجرتان في بعض الجوانب وأن يختلفا في البعض الآخر، ويظهر ذلك في قصيدة “الخروج”، وهو اختلاف أول بين دال “الهجرة” ودال “الخروج”، فعلى رغم أن حركة الانتقال من مكان إلى آخر جامعة بين الدالين فإن الخروج يوحي بالتمرد والرفض ومحاولة الخلاص. الهدهد الذي استوحاه محمود درويش (سوشيل ميديا) وهي دلالات لا توجد في فعل الهجرة الذي كان الرسول مضطراً إليه بسبب ما لاقاه من معاناة، لكن صلاح عبدالصبور يخرج بإرادته ناشداً التغيير: “أخرج من مدينتي من موطني القديم/ مطرحاً أثقال عيشي الأليم/ فيها وتحت الثوب قد حملت سري/ دفنته ببابها، ثم اشتملت بالسماء والنجوم/ أنسل تحت بابها بليل/ لا آمن الدليل حتى لو تشابهت عليَّ طلعة الصحراء/ وظهرها الكتوم”. ثنائية العلن والسر فعل الخروج – وهو أول دال في القصيدة – مسنود إلى الشاعر بإرادته الحرة، فليس هناك من أخرجه، لكنه يلمح إلى معاناته الذاتية وأثقال عيشه الأليم داخل هذه المدينة القديمة، ثم يأتي الفارق الثاني الذي يمكن تمثيله في ثنائية “العلن والسر”. فالرسول كان قد أعلن عن دعوته الجديدة وصدع لأمر ربه بالجهر بها وكان ذلك سبب معاداة مشركي مكة له، لكن شاعرنا يحمل سراً لا ندريه وهو حريص على إخفائه تحت الثوب أو دفنه بباب المدينة. وكلمة “السر” تقربنا من عالم التصوف الأثير عند عبدالصبور، فهناك أسرار وأحوال ومقامات ولكل صوفي سر لا يبوح به. لهذا فشاعرنا حريص على إخفاء هذا السر ودفنه لكي يخرج مشتملاً بالسماء والنجوم. “مأساة الحلاج” لصلاح عبد الصبور (دار الشروق) إنه يخرج من ضيق المدينة إلى براح الكون، ويختار الليل ظرفاً، رغبة في مزيد من الاختفاء، وخروجه حركة انسلال تتم خلسة. وهو لا يتخذ – على العكس من الهجرة – دليلاً حتى لو أدى ذلك إلى متاهته، فحس المغامرة دافعه الأساس: “أخرج كاليتيم/ لم أتخير واحداً من الصحاب/ لكي يفديني بنفسه فكل ما أريد قتل نفسي القديمة/ ولم أغادر في الفراش صاحبي يضلل الطلاب/ فليس من يطلبني سوى “أنا” القديم/ حجارة أكون لو نظرت للوراء/ حجارة أصبح أو رجوم/ سوخي إذاً في الرمل سيقان الندم/ لا تتبعيني نحو مهجري نشدتك الجحيم”. رحلة خلاص تبدأ هذه السطور بدال “اليتم”، وهو صفة مشتركة بين الرسول والشاعر، لكن الاختلافات تتوالى بعد ذلك. فالشاعر لم يتخير واحداً من الصحاب كما فعل الرسول حين اختار أبا بكر رفيقاً لرحلته. وهو – أي الشاعر- لا يريد من أحد أن يفديه بنفسه، فصراعه داخلي بين نفسه القديمة التي يريد قتلها ونفسها الجديدة التي ينشدها. ومناشدته “سيقان الندم” أن تسوخ في الرمال يتناص مع أقدام سراقة التي سخت وهو يطارد الرسول. وتتحول رحلة الصحراء في السطور اللاحقة إلى رحلة خلاص من أعباء العيش القديم وثقل الذات القديمة، وتتحول آلام الرحلة إلى حال من التطهر، والموت في الصحراء إلى بعث دائم كما يبدو في قوله، “تحجري كقلبك الخبيء يا صحراء/ ولتنسني آلام رحلتك/ تذكار ما أطرحت من آلام/ حتى يشفى جسمي السقيم/ إن عذاب رحلتي طهارتي/ والموت في الصحراء بعثي المقيم”. زرقاء اليمامة التي استوحاها أمل دنقل (ملف المسلسل) وهكذا تتحقق الطهارة بعد آلام الرحلة وعذابها ويشفى الجسم السقيم ويبعث بعثاً جديداً ويصبح الشاعر مُهيَّأً لدخول “المدينة المنيرة”. غير أن الأمر كله مشروط بموت نفسه القديمة الثقيلة، ولنتأمل صفات هذه المدينة التي يستشرفها الشاعر: “لو مت عشت ما أشاء في المدينة المنيرة/ مدينة الصحو الذي يزخر بالأضواء/ والشمس لا تفارق الظهيرة/ أواه يا مدينتي المنيرة/ مدينة الرؤى التي تشرب ضوءاً/ مدينة الرؤى التي تمج ضوءاً”. وسوف نلحظ أن “النور” في مقابل ظلام الليل الذي كان يهيمن على بداية القصيدة هو أبرز سمات المدينة المنيرة. قصة يوسف يستعير محمود درويش في قصيدة “أنا يوسف يا أبي” قصة يوسف عليه السلام مع إخوته الذين ألقوه في الجب وجاءوا على قميصه بدم كذب واتهموا الذئب فيه. يوظف درويش هذه القصة ليعبر عن الانشقاقات التي حدثت بين القوى الفلسطينية، أو بين “إخوة” النضال. وعلى رغم إشارة الشاعر الصريحة إلى هذه القصة، فإن القصيدة تحمل كثيراً من ملامح التجربة المعاصرة. إنه يستعير – فقط – غيرة الإخوة من يوسف لقربه من أبيه، ثم يتوسع في هذه التيمة ليعبر عما هو معاصر: “أنا يوسف يا أبي، يا أبي، إخوتي لا يحبونني، لا يريدونني بينهم يا أبي، يعتدون عليَّ ويرمونني بالحصى والكلام، يريدونني أن أموت لكي يمدحوني”. إن الرمي بالحصى والكلام ومدح الميت بعد رحيله، هو سلوك معاصر يحكم غالب علاقاتنا الراهنة، وهذا عدول عن القصة القديمة، الذي يستمر فيما يلي: “وهم أوصدوا باب بيتك دوني وهم طردوني من الحقل/ هم سمموا عنبي يا أبي وهم حطموا لعبي يا أبي”. غير أن القصيدة تتطابق في نهايتها مع القصة القديمة حين نقرأ: “وهُمو أوقعوني في الجب واتهموا الذئب/ والذئب أرحم من إخوتي/ أبتي هل جنيت على أحد عندما قلت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين”. طوفان نوح شهدت فترة السبعينيات في مصر تحولات كثيرة، مما ترتبت عليه هجرة عديد من المفكرين والأدباء. وعندما أراد أمل دنقل التعبير عن ذلك لم يجد أنسب من استحضار “طوفان نوح” وتوظيفه مع قلب دلالاته القديمة. فهو يرى أن ركوب سفينة النجاة نوع من الهرب وتخلٍّ عن مواجهة طوفان التحولات التي أغرقت الوطن، بينما ظل شباب الوطن المناضلون يواجهون هذا الطوفان مستعصمين بجبل يسمونه الشعب. ويبدأ دنقل تصوير هذا الطوفان في بداية قصيدته “مقابلة خاصة مع ابن نوح”: “جاء طوفان نوح/ المدينة تغرق شيئاً فشيئاً، تفر العصافير والماء يعلو على درجات البيوت – الحوانيت – مبنى البريد – البنوك – التماثيل (أجدادنا الخالدين) – المعابد – أجولة القمح – مستشفيات الولادة – بوابة السجن – دار الولاية – أروقة الثكنات الحصينة”. إننا أمام مدينة حديثة، مما يعني أن دنقل يوسع دلالة الطوفان القديم ويجعل منه رمزاً لما يحدث في الواقع الراهن. ويستمر العدول عن القصة القديمة حين يغير الشاعر من هوية الفارين إلى السفينة فهم الآن الحكماء، وهي صفة يطلقها سخرية على الحريصين على مصالحهم الذاتية فحسب ولا يأبهون بمصالح الوطن: “ها هم الحكماء يفرون نحو السفينة: المغنون – سائس خيل الأمير – المرابون – قاضي القضاة (ومملوكه) – حامل السيف – راقصة المعبد (ابتهجت عندما انتشلت شعرها المستعار) – جُباة الضرائب – مستوردو شحنات السلاح – عشيق الأميرة في سمته الأنثوي الصبوح”. يجمع هذا المقطع بين ما هو قديم وما هو حديث وما هو مشترك بين العصرين مثل المغنين والمرابين، وهذا يعني أن هؤلاء الحكماء الذين يتمتعون بخيرات الوطن ثم يتخلون عنه في محنته موجودون في كل العصور. لهذا فإن الشاعر يكشف عن وجههم الحقيقي في نهاية المقطع: “جاء طوفان نوح/ ها هم الجبناء يفرون نحو السفينة”. على النقيض من شباب المدينة الذين كانوا “يلجمون جواد المياه الجموح/ ينقلون المياه على الكتفين/ ويستبقون الزمن/ يبتنون سدود الحجارة/ علهم ينقذون مهاد الصبا والحضارة/ علهم ينقذون الوطن”. وهنا نلاحظ مدى استفادة الشاعر المعاصر من البعد الديني بوصفه مكوناً أصيلاً من مكونات الشخصية القومية. المزيد عن: الشعر الحديثالرموز الدينيةالاستيحاءمحمود درويشصلاح عبد الصبورامل دنقلالتراثالمعاصرة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مهى سلطان تكتب عن : عبد الحميد بعلبكي بين واقعية الحرب وما بعد الحداثة next post أحداث سوريا… أمور دبرت بليل أم أخطاء فردية؟ You may also like مهى سلطان تكتب عن : عبد الحميد بعلبكي... 10 مارس، 2025 “المنتفضون” لغوته… نظرة خارجية إلى الثورة الفرنسية 10 مارس، 2025 متخيل الصويرة المغربية في الرواية العالمية 10 مارس، 2025 “سينماتيك بيروت” يجدد الأمل بإنعاش مجتمع السينما في... 10 مارس، 2025 ثلاث مجموعات قصصية جديدة بتوقيع برادة والمديني والأشعري 10 مارس، 2025 ألف ليلة وليلة: قصة الكتاب الأكثر سحرا في... 10 مارس، 2025 لبنان: نجاة شرف الدين… أول «ناطقة باسم الرئيس» 10 مارس، 2025 ندى حطيط تكتب عن: «مشروع 25» وفيلسوف وراء... 10 مارس، 2025 كيف أصبحت صناعة الزجاج في العصر الإسلامي جسراً... 10 مارس، 2025 لماذا تشعر إسرائيل بالتهديد من الفيلم الفائز بالأوسكار؟ 10 مارس، 2025