كلود ليفي ستروس (1908 – 2009) (غيتي) ثقافة و فنون كيف ولد كتاب ليفي ستروس الأشهر من رحم رواية ناقصة؟ by admin 13 أبريل، 2025 written by admin 13 أبريل، 2025 20 الدوافع الثلاثة التي أبدعت “مدارات حزينة” الذي ولد سجالات أكثر كثيراً مما استدعى ضروب الإعجاب اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب حتى وإن كان عالم الإناسة الفرنسي الأكبر خلال النصف الثاني من القرن الـ20، كلود ليفي – ستروس، قد ختم حياته بإرث من المؤلفات لا يقل عن 25 كتاباً كبيراً بقلمه وعشرات الكتب والدراسات التي كتبها عنه آخرون وبعضها يضعه في مصاف كبار الأنثروبولوجيين والمفكرين الإنسانيين في زمنه، فإن واحداً من كتبه الأولى، وهو بالتحديد “مدارات حزينة”، يبقى الأشهر في إنتاجه والأكثر متعة بالنسبة إلى قرائه، ولكن كذلك الأكثر إثارة للجدل بالنسبة إلى فقرات منه تبدت في زمنها ذات منطوق عنصري أنكره هو على أية حال ناسباً سوء التفاهم وسوء التقدير إلى تعميم مقصود لتلك الأفكار بينما كان قصده هو أن يعني بها حالات محددة. ومهما يكن من أمر هنا، فإن غايتنا ليست العودة إلى تلك السجالات التي لم تعد تثير اهتمام أحد بعدما دخل ليفي – ستروس مصحوباً بمجمل إنتاجه الفكري، عالم الخالدين. ففي الحقيقة إن ما يهمنا هنا في مجالنا هذا إنما هو العودة إلى “مدارات حزينة” الذي تحتفل الأوساط العلمية هذا العام بالذكرى الـ70 لصدوره بحيث كان الكتاب الرابع الذي يصدره ذلك المفكر الكبير في عام 1955 مباشرة بعد كتابه الصغير، إنما المهم الذي كتبه بطلب من اليونيسكو بعنوان “العرق والتاريخ” عام 1952، ولم يكن قد أصدر بعد أياً من كتبه التي ستصنع مكانته على رغم الكتابين المبكرين اللذين أصدرهما عامي 1948 و1949 تباعاً: “الحياة العائلية والاجتماعية لهنود النامبيكوارا” وبخاصة “البنى الأساسية للقرابة”. “الرواية” التي خلقت المدارات عام 1985 الذي أصدر فيه المفكر واحداً من آخر كتبه الكبرى وهو “الخزافة الغيورة” الذي اعتبر واحدة من صرخاته الكبرى ضد كل ضروب العنصرية وضد “الفرص التي ضيعها الغرب على نفسه كما على الإنسانية من خلال إساءة فهمه الاستقبال الترحيبي الذي خص به ‘الهنود’ الأميركيون كريستوف كولومبوس إبان ‘اكتشاف’ هذا الأخير القارة الأميركية”، أجرت مجلة “ماغازن ليترير” الفرنسية حواراً مطولاً مع المفكر بات منذ ذلك الحين معتمداً في مجال التعامل مع السيرة الذاتية الخاصة به بخاصة أن واحدة من المفكرتين اللتين أجريتا الحوار كانت كاترين كليمان التي ستعرف بكتب ودراسات عدة وضعتها حول ليفي – ستروس. ولقد كان لافتاً في الحوار كيف أن المفكر نفسه تعمد المرور في حديثه على كتابه “مدارات حزينة” وربما انطلاقاً من رغبات توضيحية سوف نتلمسها هنا في فقرات ذات دلالة من الحوار، فهو كان من بدأ الإشارة إلى الكتاب محدداً كيف أنه عند بداية سنوات الـ50 كان يمر بأزمة فكرية وقد راح يتمزق بين قناعات قديمة كانت لديه وبين نوع من فكر جديد راح يتلبسه، مضيفاً أن “ثمة صفحات في القسم الأخير من ‘مدارات حزينة’ تحمل طابع ذلك التمزق، شاهدة على الجهد الذي رحت أبذله كي أوفق بين الموقفين”، مضيفاً أنه كان يشعر في ذلك الحين بـ”نوع من العجز يهيمن عليّ في عالم باتت التنويعات فيه من التعدد إلى درجة أنها باتت أكثر كثيراً من قدرتي على السيطرة عليها…”. وانطلاقاً من ذلك التحديد الذي شعرت محاورة ليفي – ستروس أنه إنما يرغب من خلاله بالحديث عن “مدارات حزينة”، وجدت نفسها تسأله كيف ولد لديه هذا الكتاب إذاً؟ tristes tropiques.jpg, by adel.ali فضل جان مالوري أساس والحال أن المفكر ما إن طُرح عليه السؤال حول الدوافع التي أدت به إلى وضع ذلك الكتاب حتى سارع إلى الجواب وكأنه كان يتوقعه قائلاً: “الحقيقة أن الدوافع شديدة التعقيد والتنوع، فهناك في المقام الأول دافع شخصي، إذ إنني كنت حينها قد أقدمت على الزواج للمرة الثالثة وبت أشعر أن حياتي قد تغيرت، ثم هناك بعد ذلك تلك الرسالة التي وصلتني من جان مالوري (عالم الإناسة الفرنسي من أصل اسكتلندي الذي كان قد بدأ يصدر لدى الناشر الباريسي بلون سلسلته التي ستصبح أشهر سلسلة فرنسية، بل حتى عالمية، في الدراسات الإنسانية، “أرض البشر”)، الذي طلب مني مدّه بكتاب ينشره ضمن إطار سلسلته العتيدة، ولكن هناك في المقام الثالث، رغبتي في كتابة رواية… بل إنني كنت قد بدأت بالفعل بكتابة تلك الرواية انطلاقاً من حادثة حقيقية تناولتها صحف تلك المرحلة فكتبت عشرات الصفحات التي لم ترضني على أية حال”، وهنا، إذ سُئل ليفي – ستروس عما كانت حبكة تلك الرواية أجاب مبتسماً: “كانت الحكاية تتعلق بضرب من الاحتيال قام به رجل وصل إلى بعض جزر أميركا اللاتينية مصطحباً معه أجهزة لبث الأسطوانات مع أسطوانة معينة سجلت عليها خطابات باللغات المحلية تتحدث عنه بوصفه السيد الجديد للكون، وتطالب كل واحد من السكان المحليين بتقديم قربان له يتألف من ثلاث ثمرات من جوز الهند، وهو بذلك تمكن من جمع ثروة هائلة. وفي “روايتي” عنه عمدت إلى إضافة كثير من العناصر التي تتحدث عن أفراد ذوي مصالح ورغبات تتقاطع في ذلك المكان النائي على الطريقة التي كان يمكن بها لجوزيف كونراد أن يتناول الموضوع نفسه روائياً”، وهنا تقول كاترين كليمان لليفي – ستروس: “إذاً من الواضح أن ‘مدارات حزينة’ إنما ولد من التقاطع بين الوقائع الثلاث التي عددتها: حياتك الخاصة التي تنطلق من جديد، الاقتراح الذي عرضه عليك جان مالوري، وأخيراً الرغبة في كتابة رواية انطلاقاً من حادثة حقيقية…”. الكتابة باستياء كبير هنا يصمت المفكر بعض الشيء محاولاً تفسير هذا “السؤال” باحثاً عما تعني به كليمان، وهو إذ يلاحظ صمتها ويفهم منه أنها تترك له استكمال كلامه، يتابع (بشيء من الارتباك كما ستوضح لاحقاً): “… نعم … نعم، لقد رحت أكتب يتآكلني قدر لا بأس به من الاستياء، وذلك إذ راح ينتابني الشعور بأن المشروع كله يبعدني عن عملي العلمي الحقيقي. العمل الذي كنت أرى أن عليّ أن أكرس له كل وقتي وجهودي، ففي ذلك الحين كنت ما أزال أعتقد أنني حقاً سوف أكتب ذلك المؤلف الذي لم أنجزه هو الآخر أبداً وكان عنوانه ‘البنى المعقدة للقرابة’ باعتباره التابع المنطقي لكتابي السابق، لكنني في الوقت نفسه كان لدي كيس ضخم مليء بالأوراق والأفكار إضافة إلى رغبة كبيرة في التنويع… فكانت النتيجة أنني أنجزت ‘مدارات حزينة’ خلال ما لا يتجاوز الأربعة أشهر. أنجزته وأنا أشعر بأنه ينهكني، ومن هنا رحت أضع فيه كل ما يخطر على بالي من أفكار، من دون حيطة أو حذر أو تفكير بالعواقب!”. ويستطرد ليفي – ستروس عند هذه النقطة مفسراً: “الحقيقة أنني منذ إخفاقي عام 1949 في الوصول للتدريس في ‘الكوليج دي فرنس’ بات يهيمن علي شعور بالإخفاق التام!”، وهنا إذ تبدي كليمان دهشتها من كتاب يعتبره صاحبه “نصاً أنجز في أربعة أشهر لكن العالم يعتبره من أهم كلاسيكيات العلوم الإنسانية في القرن الـ20” يصر المفكر على القول إن “في الكتاب هنات لا يمكنني اليوم أن أقبل بها”… فتعلق: “ولكن ماذا عن الاستقبال الذي كان له حين صدوره؟” فيجيب: “مباشرة عند صدوره لم يعلق عليه أحد لا سلباً ولا إيجاباً” بينما تواصل هي التعبير عن دهشتها: “ولكني أعرف أن كثراً وجهوا تحياتهم إلى الكتاب بدءاً من محكمي جائزة غونكور الذين أبدوا علانية أسفهم لأنه ليس رواية ما كان من شأنه أن ينال عليه جائزتهم، وصولاً إلى جورج باتاي وموريس بلانشو وميشال ليريس وكلهم تحدثوا عنه بقدر كبير من الحماسة!… ترى أفلم تدفعك ردود الفعل هذه إلى تغيير موقفك من الكتاب؟”، أبداً أجاب ليفي ستروس، مردفاً “في أحسن الأحوال أعتقد أنها عززت من رغبتي في مواصلة الكتابة ولكن ليس في ذلك التوجه نفسه، ففي نهاية الأمر بالنسبة إليّ “‘مدارات حزينة’ ليس كتاباً علمياً… هو كتاب كنت أقول لنفسي إنني بنشره إنما أغلق دوني أبواباً كثيرة!”. المزيد عن: علم الإناسةكلود ليفي – ستروسالأنثربولوجيا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post خريطة “العودة إلى الحياة” بعدما سلبها العالم الرقمي next post الذكاء الاصطناعي لن يشكل خطرا على الفنون والآداب You may also like هاروكي موراكامي والرواية بوصفها مهنة 14 أبريل، 2025 عبده وازن يكتب عن: 50 عاما على الحرب... 13 أبريل، 2025 فيلم هادي زكاك يشهد على ماضي “سينمات” طرابلس 13 أبريل، 2025 أفلام هوليوودية تمجد الانعزالية الأميركية “العائدة” 13 أبريل، 2025 ما الذي يفتح شهية المنصات لدراما المراهقين؟ 13 أبريل، 2025 نقم… حضن صنعاء الملبد بالغيوم والنار والحديد 13 أبريل، 2025 الغزاة الاسبان واجهوا سكان أميركا الشمالية بوحشية 13 أبريل، 2025 خريطة “العودة إلى الحياة” بعدما سلبها العالم الرقمي 13 أبريل، 2025 عندما نعى جوزيف روث كابوس الإمبراطورية السعيد 13 أبريل، 2025 الفلسطيني أحمد منصور محترقاً: الواقع يهزم السينما 13 أبريل، 2025