ثقافة و فنونعربي كيف لثقافة “منهارة” الترحيب بمهاجرين من حضارة تتداعى؟ by admin 13 مارس، 2023 written by admin 13 مارس، 2023 22 إيف لوبيسكور ينطلق من ظاهرة “النساء اللبنانيات الجذابات” ليقرأ الآثار السلبية للانفتاح على أوروبا اندبندنت عربية \ مارلين كنعان أستاذة الفلسفة والحضارات، كاتبة وباحثة @MARLKANAAN “لماذا النساء اللبنانيات جذابات، تاريخ الشرق الأدنى في القرن الـ20 مفسراً باختصار لأولادي” كتاب للناقد والكاتب الفرنسي إيف لوبيسكور صدر حديثاً عن دار لارماتان في باريس، يتبعه نص عنوانه “تقدمنا جيداً”. وسبق للكاتب أن نشر القسم الأول من كتابه هذا على هامش غزو العراق بين عامي 2003 و2004 واستعاده هنا كما هو من دون أي إضافة أو تحديث. أما القسم الثاني، فهو عبارة عن استرجاع لأفكاره المرتبطة بالعلاقات بين أوروبا والشرق الأوسط، لا سيما بعد تفاقم أزمة الهجرة واللجوء التي تشهدها اليوم القارة العجوز. ويتناول الكتاب في حركتين مسألة “جينيالوجيا الأخلاق” في الشرق، أو البحث عما خفي في سلوك وتصرفات الشرقيين. ولئن استعنا بهذا العنوان النيتشوي، فلأن لوبيسكور نفسه يستشهد بهذا الكتاب. ولعله على غرار نيتشه يحاول الكشف عن عالم مدفون تحت كم من الأعراف والتصرفات تتعلق، على ما يقول العنوان المستفز بما خفي وراء جرأة أو إغراء الشابات اللبنانيات. عمل إيڤ لويبسكور في سوريا ولبنان والسعودية وإيران، وهو كاتب ومؤلف ينشط في المجلة الأدبية المتخصصة بالرواية “لاتولييه دو رومان” L’Atelier du roman أو “محترف الرواية”. بيت القصيد في كتابه هذا تبيان أهمية الثنائية، لا بل التناقض الجدلي في مقاربة أحداث التاريخ، لا سيما تاريخ الشرق الأوسط الحديث والمعاصر، مقابل الفكر الآحادي الذي لا يقبل الاختلاف إطلاقاً. فمن منظور المؤلف لا توجد عناصر ثابتة أبدية في التاريخ، إنما الأحداث والأفكار والأشياء هي في حركة معقدة ومستمرة، ولا يمكن فصلها بعضها عن بعض وإن أي تبسيط للتاريخ ورده إلى وجهة نظر واحدة هما بحد ذاتهما كذبة. طريق الشرق الأوسط الكتاب الفرنسي (دار لارماتان – باريس) ولعل لوبيسكور كتب نصيه من جانبي المرآة التي سار بها أولاً على طول طرق الشرق الأوسط، ومن ثم سار بها على طول طرق فرنسا، بحيث انعكست في كتاباته أحداث ماض قريب ارتبطت بحرب الخليج الثانية التي شنتها قوات التحالف المكونة من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة ضد العراق، بعدما منح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تفويضاً بذلك لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، قرأها من منظور الشرق والغرب معاً. كما فتحت هذه الأحداث والأفكار الباب أمام موضوع مستقبلي يتمثل في أزمة الهوية. يعرف الكاتب الشرق الأوسط جيداً، ليس على المستوى السياسي والتاريخي فحسب، بل على المستوى الأدبي أيضاً. وهو كما دوماً، أمين لفكره الذي يسير على خط جدلي في ثنائية تأخذ في الاعتبار وجهات النظر المختلفة. فإيڤ لوبيسكور من الكتاب القلائل الذين فهموا سلوك الرجال والنساء في المشرق بعامة، والقائم بعرفه على حب التناقضات. ولعل العنوان الخفيف للقسم الأول من الكتاب “لماذا النساء اللبنانيات جذابات”، لا يمثل الكتاب حقاً، بل إن عنوانه الفرعي “تاريخ الشرق الأدنى في القرن الـ20 مفسراً باختصار لأولادي” هو أكثر تعبيراً عن مضمونه المعقد. وهو على تهكمه يبين لنا أن من الأسهل تفسير قصة معقدة إلى الذين لا يعرفون شيئاً مطلقاً عن موضوع ما كالأولاد، من تفسيرها إلى أنصاف العارفين أو المتشبثين بمعارفهم الجزئية. وهذا ينطبق على العاملين في الشأن السياسي الذين يتشبثون بأفكارهم المجتزأة والذين لا يلمون بالتفاصيل والتعقيدات كافة في المسائل التي يقررونها والآراء الكثيرة التي يفترض معرفتها قبل أخذ القرارات. الباحث الفرنسي إيف لوبيسكور (دار لاراماتان) وعنوان الكتاب الرئيس يأتي من سؤال طرح في سياق محادثة عادية جرت بين الكاتب ومحدثه في أحد مقاهي نيجيريا. فانطلاقاً من سلوك اللبنانيات وطرق لبسهن ولغة جسدهن المزدوجة التي بقدر ما تكشف تحجب، وبقدر ما تظهر تخبئ، يحيلنا أولاً إلى التفكير في الوضع الذي يجد لبنان نفسه فيه في هذه المرحلة من التاريخ بخاصة، ويحيلنا ثانياً إلى التفكير في حال الشرق الأوسط بعامة. هذا يعني أن أسئلة الإغواء والإثارة الجنسية تقودنا بحسب كتاب لوبيسكور، إلى قلب التاريخ والحضارة وأسئلتهما الكبرى. تأريخ جدلي من منظور لوبيسكور، يبدو تاريخ الشرق الأوسط في القرن الـ20 كتاريخ مستمر للتأرجح الجدلي الدائم، القائم على إنكار الذات الشرقية لمصلحة القيم الغربية، وهذا ما نراه عند النخب الرأسمالية، وعلى العودة الدورية لهذه الذات والهوية المدفونتين تحت بهرجة الحداثة الاستهلاكية الغربية. ويرى لوبيسكور أن ليس من أحد في الشرق الأوسط في الحقبة التاريخية التي يتناولها الكتاب استطاع مقاومة الحركات السياسية والاجتماعية والأيديولوجية الأوروبية التي سعت، ومن دون أي استثناء، إلى “أورَبة” الشرق ووضعه في خانات المعايير الدولية. وليس لمصطلح “الشرق الأوسط” المعنى نفسه عند الباحثين والسياسيين. ولعله مصطلح متحرك بالمعنى التاريخي يبدأ تحركه من خلال التسميات المختلفة التي تطلق على هذه المنطقة الجغرافية، بدءاً من “الشرق الأوسط”، مروراً “بالشرق الأدنى” وصولاً إلى “المتوسطية الأوروبية” وغيرها من التسميات التي تعبر عن تباين الأفكار والرؤى السياسية والاقتصادية والثقافية لهذه البقعة من العالم. ولعل هذه المسألة برأيه مسألة حضارية خطرة للغاية، إذ تطرح على الأوروبيين سؤالاً أساسياً هو هل ما زال الأوروبيون يحملون رسالة ثقافية عالمية، أم أنهم تحولوا إلى مجرد مستهلكين في عالم معولم؟ بغية الإجابة عن هذا السؤال يعود الكاتب لعصر النهضة العربية أو حركة التنوير التي هدفت إلى تحديث ثقافي للشرق العربي من خلال الانفتاح على الغرب. أرادت هذه الحركة في منتصف القرن الـ19 إحياء الآداب العربية، غير أنها من وجهة نظر الكاتب كانت حركة متناقضة للغاية. فهي وإن ادعت التجديد والانفتاح على الحداثة، شكلت في الوقت عينه تحجيماً للشرق الذي بدأ منذ ذلك الحين الركض واللهاث وراء الغرب. لم يتردد كاتبنا إذاً في أن يرى في النهضة العربية خدعة فحسب، لأن هذا التمجيد للهوية العربية وبعثها مقابل الهوية العثمانية أدى بكل بساطة إلى إضعافها، حين اختلطت هذه الهوية بالأفكار الغربية، تاركة المكان، كل المكان، لـ”ـثقافة هوياتية” تناست الماضي. يقول لوبيسكور إن الهوية تعارض “الهوياتية”. الأولى معقدة، تتكون من طبقات تاريخية متشابكة وهي عبارة عن تراكم وتغيير وانتقال. أما الثانية، فهي أولاً وقبل كل شيء “تحديد وإدراك لما يريد المرء أن يكون”. و”إذا أردنا أن نكون، فهذا يعني أننا لسنا كذلك”. فليس شرقياً كل من تزيا بزي عربي. والعكس صحيح، ليس كل من تزيا بزي الغرب غربي. على هذا المستوى من التفسير نفهم عنوان الكتاب. فالمرأة اللبنانية ولو تزيت بلباس الغرب، تبقى امرأة شرقية، تعبر صورتها أحسن تعبير عن الواقع التاريخي لهذه البقعة من العالم. غير أن الكاتب ولحسن الحظ، يعترف بأن الشرق وإن تبع الغرب وتبنى بعضاً من أنماط سلوكه، لم يدمر نفسه بالكلية، إذ إنه أبقى، ولو على خفر، على بعض من حضارته وثقافته وما فيها من تنوع وإبداع وبهجة حياة. الشرق المنهار لكن هذا الشرق المنهار والغاضب الذي تماهى من دون نجاح بالنموذج الأوروبي، لم يعد يشكل تهديداً لأوروبا بعد أن “دُمر” إلى حد ما على يد الغرب “المميت”، مما أدى إلى موجة هجرة ولجوء جماعي لأبنائه، لا سيما أولئك الآتين من سوريا والعراق. لكن هؤلاء المهاجرين لم يتم استقبالهم في أوروبا كما يجب، ذلك أن الترحيب بالآخر يتطلب بحسب المؤلف لقاء ثقافتين قويتين، على غرار ما حصل إبان لقاء العرب والإسبان في العصور الوسطى على الأراضي الأيبيرية. فكيف إذاً لثقافة أوروبية غربية هي أيضاً منهارة في زمن ما بعد الحداثة أن ترحب بمهاجرين من ثقافة وحضارة أخرى في طور التداعي؟ هذه هي أطروحة الكتاب الأساسية التي عاد إيف لوبيسكور في معالجتها إلى كتاب الفيلسوفة الفرنسية سيمون ڤايل (1909-1943) “التجذر، تمهيد لإعلان الواجبات تجاه الكائن الإنساني” التي أظهرت فيه تصدعات العالم الحديث وتفكك المجتمع المعاصر ودرست الروابط بين الفرد والجماعة، مؤسسة شروط اندماج متناغم للإنسان في كل متوازن بغية رد الاعتبار إلى إنسانيته. باختصار يقول لوبيسكور في هذا الكتاب إن هذا المهاجر واللاجئ الشرق أوسطي الجديد الذي حملته أوضاع بلاده إلى تركها، لم يلقَ في أوروبا حضارة وثقافة وقيم أجنبية قوية ولعله فقد الإيمان بقيم الحضارات، لذا أصبح بإمكانه أن يصبح أرضاً خصبة للإرهاب، من دون الحاجة إلى أيديولوجيا، كما كانت الحال في السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم. ولعل “إرهابيي” العقد الأول من القرن الـ21 بنظر المؤلف، أعجب الأمر الأوروبيين أو لم يعجبهم، لم يقرأوا بمعظمهم القرآن الكريم، ولم يلتزموا فروضه وشرائعه، بل هم على العكس من ذلك، أبناء المجتمع الاستهلاكي الأوروبي نفسه الذي فرضه الاستعمار الغربي على بلدانهم في مثاقفة غير ناجحة. يخرج كتاب إيف لوبيسكور عن الأفكار المألوفة في معالجة قضية الهجرة واللجوء والإرهاب وتعاطي الغرب مع الشرق ويتوسع في مواضيع متشابكة متناقضة، لا سيما في قسمه الثاني حين يدرس الأشكال المتعددة للهجرة التي تتخذ لها تسميات ومصطلحات مختلفة “كتنقل المديرين التنفيذيين”، أو “التنقل الدولي للطلاب”، أو “المرونة”، وغيرها من المصطلحات والتسميات التي تنتمي إلى المجال الدلالي نفسه، وإن أتخذت في بعض الأحيان معنى إيجابياً. ويشيد لوبيسكور في كتابه هذا بالثقافة والحضارة العربية في عصرها الذهبي يوم أثمرت عن لقاءات حقيقية وتلاقح بين الحضارات. وها هو يستشهد بحديث نبوي شريف حث المسلمين على طلب العلم ولو في الصين. وها هم العرب المشارقة بحسبه، يبحثون عن العلم والمعارف والتلاقح مع الآخر في غرناطة وإشبيلية ومالقة وغيرها من المدن والبلدان… يخلص الكتاب إلى الدعوة إلى الدفاع عن الحضارة والثقافة الأوروبية والفرنسية الأصيلة وهي بنظر الكاتب الأساس الوحيد الممكن للقاء حقيقي مع الآخر الشرقي. فتأسست الحضارة الفرنسية على تحديد للإنسان، أجمع عليه كل المفكرين والفلاسفة وهو أن الإنسان كائن عاقل حر. ولعل هذه الحرية الإنسانية بالذات وهذا التضامن المطلق بينها وبين العقل، تضفي على الإنسان طابعاً مقدساً. وهذا ما يعني أن لوبيسكور ينتقد السياسات الغربية المتبعة في الشرق، داعياً في كتابه هذا إلى فهم أكبر للحضارة العربية. المزيد عن: الحضارة الغربية\مشكلات العصر\الهجرة\العنصري\ةمشكلة الشرق\الثقافة\الهوية\المهاجرون 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post وفاة الياباني كنزابورو أوي الحائز على “نوبل” في الأدب next post كيف ضاع إسهام زيلدا فيتزجيرالد الأدبي؟ You may also like نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024