الأحد, يناير 26, 2025
الأحد, يناير 26, 2025
Home » كولن كاهل يكتب عن: أميركا تتصدر سباق الهيمنة على الذكاء الاصطناعي… حتى الآن

كولن كاهل يكتب عن: أميركا تتصدر سباق الهيمنة على الذكاء الاصطناعي… حتى الآن

by admin

 

على ترمب أن يبني على ما أنجزه بايدن كي يحتفظ للبلاد بتقدمها على الصين

اندبندنت عربية / كولن كاهل

  • كولن كاهل، زميل متقدم في مركز “ستيفن س. هايزي” التابع لـ”مركز الأمن والتعاون الدوليين”، والباحث بمركز “سيدني شتاين جونيور” في “معهد بروكينغز”، وعمل نائباً لوزير الدفاع عن الشؤون السياسية في إدارة بايدن بين عامي 2021 و 2023.

منذ إطلاق برنامج “تشات جي بي تي” في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2022، بات من شبه المستحيل على صناع السياسة مواكبة ركب الإيقاع المرهق لسرعة التطور في الذكاء الاصطناعي، ولكن ثورة الذكاء الاصطناعي لم تبدأ إلا للتو، واليوم باتت النماذج الأكثر قوة في الذكاء الاصطناعي، ويشار إليها باسم “الذكاء الاصطناعي الطليعي” frontier AI، قادرة على توليد الصور والمواد الصوتية وأشرطة الفيديو وشيفرات الكومبيوتر واللغة الطبيعية، والتعامل معها أيضاً. وحفز أداؤها المميز طموحات مختبرات الذكاء الاصطناعي بالتوصل إلى تحقيق ما يسمى “الذكاء الاصطناعي العام” artificial general intelligence، واختصاراً “إيه جي آي” AGI. وفقاً لعدد متزايد من الخبراء، تتساوى أنظمة “إيه جي آي” مع البشر أو تتفوق عليهم في مروحة واسعة من المهمات المعرفية. بالأحرى إنها تشبه أن تعمل ملايين الأدمغة المتألقة بلا كلل ولا توقف، عند المستوى الأعلى من حقول تخصصاتها، وبسرعة الآلات. وبالتالي ستغدو أنظمة “إيه جي آي” قادرة بسرعة على فتح مغاليق الاكتشافات العلمية، وتعزيز الانتاجية الاقتصادية والتعامل مع التحديات القاسية في الأمن القومي. ومع تحقيق تطورات اعتبرت ذات مرة أنها تنتمي إلى الخيال العلمي وباتت جزءاً من نطاق الممكن، لم يعد لدى الولايات المتحدة متسع من الوقت لتضيعه في صوغ استراتيجية متناسقة وعالمية بصورة فعلية.

ومع الأخذ في الاعتبار قدراتها الكامنة على تغيير قواعد اللعبة، فإن الدول الأكثر تمرساً في الابتكار والادماج والاستثمار في الذكاء الاصطناعي الطليعي، خصوصاً خلال اقترابها من مرحلة الـ”إيه جي آي”، ستجني فوائد اقتصادية وعسكرية واستراتيجية كبيرة. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن الفشل في التأثير في كيفية انتشار هذه التكنولوجيا عبر العالم، سيتضمن خطرين عظيمين. يتمثل الأول في إمكان أن يؤول الانتشار غير المنضبط للذكاء الاصطناعي المتقدم إلى تمكين أخطر الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية في العالم، وربما أنظمة الذكاء الاصطناعي المستقلة الخارجة عن السيطرة بحد ذاتها، من تطوير أسلحة سيبرانية وكيماوية كارثية، أو إفلات العنان أمام أخطار قومية وجودية أخرى. أما الخطر الثاني فهو أن القوى الاستبدادية، وعلى رأسها الصين، قد تهيمن على البنية التحتية العالمية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بطرق تفرض الرقابة والتتبع والرصد وغيرها من المبادئ المناهضة للديمقراطية، في المنظومات الرقمية التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا.

إن إدارة ترمب في موقع مناسب للاستفادة من سياسات الذكاء الاصطناعي التي وضعتها إدارة بايدن لضمان فوز الولايات المتحدة وحلفائها الديمقراطيين في المنافسة العالمية على الذكاء الاصطناعي، لكن تحقيق ذلك سيتطلب أكثر من مجرد مضاعفة التفوق التكنولوجي الأميركي. إذ سيستلزم أيضاً التعاون مع القطاع الخاص لتعزيز القدرات الأميركية في الذكاء الاصطناعي، سواء في المجال الطليعي أو “الجيد بصورة كافية”، والتفوق في التنافس مع الصين عبر أرجاء العالم كله. ويمكن لإدارة ترمب إما أن تختار قيادة تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي سريع التطور، أو أن تكتفي بالمراقبة بينما تبني بكين هذا العالم الجديد الجريء.

تجاوز المعايير

تتشارك المختبرات الريادية للذكاء الاصطناعي على غرار “آنثروبيك” و”ديب مايند، غوغل” و”أوبن إيه آي”، مع صناع المعايير المتفوقة في أميركا كـ”خدمات أمازون الشبكية” Amazon Web Services، و”سحابة غوغل” Google Cloud ومنصة “آزور مايكروسوفت” Microsoft Azure. وتفضي تلك الشراكة إلى تقديم الموارد الحسابية (أو ما يعرف بـ”الحوسبة”) اللازمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الطليعي وتشغيلها، بينما تعتمد”ميتا” [المالكة لـ”فيسبوك” و”واتساب” وغيرهما] و”إكس إيه آي” xAI [ذراع الذكاء الاصطناعي في منصة “إكس”/”تويتر” سابقاً]، على مزيج من مراكز البيانات الخاصة والخدمات السحابية الخارجية. وبصورة كثيفة، تعتمد تلك المراكز على أشباه الموصلات المتقدمة، خصوصاً وحدات التعامل مع الرسوم المجسمة والصور “جي بي يو” GPU. وبالأصل، وضعت الشركتين الأميركيتين “إنفيديا” Nvidia و”إيه أم دي” AMD، تصاميم رقائق الـ”جي بي يو”، وطورتها أيضاً، من أجل التعامل بسهولة مع رسوم ألعاب الفيديو. ولاحقاً وجدت مختبرات الذكاء الاصطناعي أن تلك الرقائق تتفوق في أداء مهمة التعامل مع أعداد كبيرة وكثيفة من عمليات الحسابات المتزامنة اللازمة لتدريب نماذج التعلم العميق للآلات، وصممت شركتا “غوغل” و”أمازون” رقائق متخصصة خاصة بهما في محاولة لجعل عمليات الذكاء الاصطناعي أكثر كفاءة.

وبصورة مكثفة، استند التطور في الذكاء الاصطناعي الطليعي على توسيع نطاق الحوسبة والبيانات، وتعتمد الشركات الأميركية على استمرار هذا الاتجاه.  ففي العام الماضي، شيدت “إكس إيه آي” التي يملكها إيلون ماسك، مركزاً للبيانات حمل اسم “كولوزوس” Colossus [بمعنى الهائل الضخامة] في ممفيس بولاية تينيسي الأميركية، ويضم 100 ألف وحدة معالجة رسوميات من طراز “إتش 100” التي تصنعها “إنفيديا” بهدف تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي لتلك الشركة المسمى “غروك”  Grok. وخصصت “إكس إيه آي” 5 مليارات دولار لزيادة مجموعات رقائق الـ”جي بي يو” في مركز بيانات “كولوزوس”، بمقدار 10 أضعاف. وتنكب مختبرات ريادية أميركية أخرى في الذكاء الاصطناعي ومزودو الخدمات السحابية العملاقة على تصميم مراكز بيانات ضخمة شبيهة بـ”كولوزوس”.

لقد تحدت النماذج الرائدة الناشئة القاعدة الشائعة بين خبراء الذكاء الاصطناعي بأن عملية الاستدلال – أي استخدام النماذج المدربة للرد على الاستفسارات، وتقديم التنبؤات، وتوليد المخرجات بناء على بيانات جديدة غير مرئية – تتطلب قدرة حسابية أقل من عملية التدريب [وهي المرحلة التي يتم فيها تعليم نموذج الذكاء الاصطناعي كيفية أداء مهمة معينة من خلال تعريضه لمجموعة كبيرة من البيانات وتحسينه بمرور الوقت ليكون قادراً على تقديم استجابات دقيقة]. أصبحت نماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة تعتمد على “الحوسبة أثناء الاختبار”، إذ يخصص النموذج مزيداً من الموارد خلال مرحلة الاستدلال للقيام بعمليات “التفكير المتسلسل” بهدف تحسين أدائه في المهمات المعقدة. كما أن الانتشار المتزايد للنماذج ذات النوافذ السياقية الأكبر (أي كمية النص التي يمكن للنموذج الاحتفاظ بها في ذاكرته)، إلى جانب النمو السريع لقاعدة المستخدمين، يؤديان إلى زيادة متطلبات الحوسبة بصورة متسارعة.

وبسبب مركزية الحوسبة في نماذج الذكاء الاصطناعي الطليعي، ركزت واشنطن على تقييد وصول الصين إلى الرقائق الإلكترونية المتقدمة، وكذلك الحال بالنسبة إلى الآلات التي تصنعها. ووضعت إدارة ترمب هذه الاستراتيجية المسماة “الحرمان” في عامي 2018 و2019، عندما نجحت الولايات المتحدة في الضغط على هولندا لمنع الصين من الحصول على معدات التصوير الضوئي بالأشعة فوق البنفسجية الشديدة. وهي آلات معقدة للغاية تلعب دوراً حاسماً في تصنيع أشباه الموصلات المتقدمة، التي تصنعها الشركة الهولندية “إيه أس أم ال” ASML. وبداية من أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2022، عمل “مكتب الصناعة والأمن” Bureau of Industry and Security، التابع لوزارة التجارة الأميركية، على حظر بيع وحدات معالجة الرسوميات المتقدمة، مثل رقائق “إتش 100″ H100 و”إيه 100” A100 اللتين تصنعهما “إنفيديا”، إضافة إلى مسرعات الذكاء الاصطناعي الأخرى. ولتمديد نطاق هذه القيود إلى خارج الولايات المتحدة، فرضت إدارة بايدن أيضاً قانون المنتج الأجنبي المباشر، الذي يغطي العناصر المصنوعة في الخارج التي تعتمد على تكنولوجيا أشباه الموصلات الأميركية. وبعد عام من ذلك، وسعت الإدارة الأميركية تلك الإجراءات كي تغطي الأنواع المتطورة من رقائق “جي بي يو” التي قامت الشركات المصنعة بإدخال تعديلات طفيفة عليها لتتوافق من الناحية الفنية مع القيود التي فرضتها الحكومة الأميركية في السابق.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2024، أضافت إلى قائمة المنتجات التي تنطبق عليها الضوابط رقائق الذاكرة عالية النطاق الترددي، وآلات التصوير الضوئي بالأشعة فوق البنفسجية العميقة (DUV) الأقدم، إضافة إلى برامج وأدوات أخرى أساسية في صناعة الرقائق. وقد تطلب تنفيذ هذه القيود مفاوضات معقدة وأحياناً مثيرة للجدل مع حلفاء الولايات المتحدة، وخصوصاً هولندا واليابان، اللتين تعدان موطنين لشركات تصنيع المعدات مثل “طوكيو إلكترون” و”نيكون”، وكوريا الجنوبية التي تشكل الموطن لاثنين من منتجي أشباه الموصلات هما “سامسونغ” و”إس كيه هاينيكس”، وتايوان التي تشتهر بأنها موطن المؤسسة الرائدة عالمياً في صناعة الرقائق، “الشركة التايوانية لصناعة أشباه الموصلات” TSMC.

اعتمد التقدم في الذكاء الاصطناعي الطليعي بكثافة على البيانات ومضاعفة قوة الحوسبة

هذه القيود بلا شك أبطأت وصول الصين إلى الرقائق المتقدمة وأعاقت قدرتها على إنتاج بدائل محلية، إذ استخدمت شركة SMIC، أكبر مصنع للرقائق في الصين، ما توفر لديها من آلات DUV لتصنيع بعض عقد الرقائق المتقدمة للهواتف الذكية. كما يقال إنها أنتجت رقائق الذكاء الاصطناعي Ascend 910 الخاصة بشركة “هواوي”، التي تؤكد “هواوي” أنها تضاهي أداء رقائق Nvidia A100 واسعة الاستخدام. ومع ذلك، فإن تصنيع مثل هذه الرقائق محلياً باستخدام آلات DUV القديمة مكلف، ويقلل من الإنتاجية، ويؤثر في موثوقية المنتج. علاوة على ذلك، فإن مجموعة رقائق Ascend 910B التي يزعم أن SMIC أنتجتها تحتوي في الواقع على رقائق صنعتها TSMC التايوانية، التي قامت ببيعها من دون علمها إلى إحدى المؤسسات التي تعمل كواجهة لـ”هوواي”، مما أثار شكوكاً حول القدرات الحقيقية لـ SMIC. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، أصدرت وزارة التجارة الأميركية توجيهات إلى TSMC بوقف جميع مبيعاتها من رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى الصين، كما أدرجت منذ ذلك الحين شركة “سوفغو” Sophgo، الواجهة التابعة لـ”هواوي”، على القائمة السوداء.

وفي الوقت نفسه، واصل مصممو الرقائق في الولايات المتحدة التقدم إلى الأمام، إذ تعد رقائق H100 وH200 الرائدة من Nvidia، التي تصنعها TSMC، إلى جانب رقائق Blackwell الجديدة، أسرع بكثير من أفضل الرقائق الصينية. ويقدر الخبراء أن الصين متأخرة بما لا يقل عن خمس سنوات عن الشركات الرائدة في إنتاج الرقائق المتقدمة، إذ تؤدي قيود التصدير إلى إبطاء جهود بكين للحاق بالركب.

ومع ذلك، لم تمنع فجوة القدرة الحاسوبية عمالقة التكنولوجيا الصينيين مثل “علي بابا” و”تينسنت”، إضافة إلى الشركات الناشئة مثل”01.إيه آي” 01.AI ، و”ديب سييك” DeepSeek ، و”موون شوت إيه آي” Moonshot AI ، و”كزيبو إيه آي”  Zhipu AI من إطلاق نماذج ذكاء اصطناعي توليدية عالية الأداء، إذ استفادت الشركات الصينية من مراكز البيانات المجهزة برقائق Nvidia  التي حصلت عليها قبل فرض قيود التصدير الأميركية، كما استخدمت رقائق أقل كفاءة لم تشملها تلك القيود، وعملت على تحسين البرمجيات لتعظيم الاستفادة من الأجهزة محدودة القدرات. والأهم من ذلك، أن عدداً من نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية الناجحة في الذكاء الاصطناعي على النماذج المفتوحة المصدر التي أطلقتها المختبرات الأميركية بالفعل، أو أنها تستخدم مخرجات النماذج الأميركية من أجل التدرب عليها.

وعلى رغم هذه الإنجازات، من المرجح أن تستمر مختبرات الذكاء الاصطناعي الأميركية متقدمة على سواها بعام أو اثنين في مجال الذكاء الاصطناعي الطليعي، خصوصاً أن كثيراً من النماذج غير المعلنة حتى الآن، تعمل بأسلوب المصدر المغلق، مما سيصعب على الشركات الصينية تقليده. وما دام أن توسيع القدرة الحاسوبية المتطورة يظل أمراً حيوياً لتقدم الذكاء الاصطناعي الطليعي، فإن الشركات الأميركية ستواصل تعزيز تفوقها. كما أقر الرئيس التنفيذي لشركة “ديب سييك” ليانغ ونفنغ، فإن الصعوبات التي تواجهها الصين في التنافس مع شركات الذكاء الاصطناعي الأميركية تتلخص في تطبيق واشنطن “الحظر على شحنات الرقائق المتطورة”.

إغلاق الأبواب الخلفية

مع عدم رضاها عن الحلول في المرتبة الثانية، حاولت الكيانات الصينية الالتفاف على الضوابط الأميركية. وشمل ذلك تهريب آلاف من أشباه الموصلات، وشراء رقائق عبر وسطاء لا يخضعون لضوابط التصدير وكذلك، ولعله الأكثر تأثيراً، الاستفادة من ثغرات في نظام ضوابط التصدير بغية الوصول إلى مقدمي خدمات تقنية “حوسبة السحاب” خارج الصين. وبحسب وكالة “رويترز”، نجحت بعض الكيانات الصينية المدعومة من الدولة والمعاهد البحثية من الوصول إلى موارد الحوسبة ونماذج الذكاء الاصطناعي باستخدام تقنية حوسبة السحاب في “خدمات أمازون الشبكية” ومنصة “آزور مايكروسوفت”. وفي بعض الأحيان، بدا أن زبائن صينيين أخفوا هوياتهم الحقيقية كي يستخدموا مراكز البيانات الأجنبية من أجل تدريب الذكاء الاصطناعي فيها.

وتسود خشية لدى المسؤولون أميركيون من أن التوسع العالمي في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي قد يوفر مسارات غير مباشرة للتكنولوجيا المقيدة بضوابط الحظر. على سبيل المثال، تخطط شركة “بايت دانس” ByteDance الصينية، مالكة تطبيق “تيك توك”، لإنفاق 7 مليارات دولار بغية الوصول إلى رقائق “إنفيديا” المقيدة بالضوابط، بما في ذلك الجيل التالي من رقائق “بلاك ويل”. وتعتزم الشركة الصينية تنفيذ ذلك عبر استخدام خدمات حوسبة السحاب في جنوب شرقي آسيا ومناطق أخرى لا تشملها الضوابط الأميركية. كما أن الاقتراحات لبناء تجمعات تدريب الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في السعودية والإمارات العربية المتحدة جذبت اهتماماً كبيراً. وعلى رغم الروابط الأمنية الوثيقة مع الولايات المتحدة، تحتفظ كلتا الدولتين بعلاقات اقتصادية وتكنولوجية عميقة مع الصين، مما يجعل كثيرين في واشنطن يقلقون من أن طموحاتهما الكبرى في الذكاء الاصطناعي قد تنتهي لمصلحة بكين.

وبغية تقليص هذه المخاوف، وسع “مكتب الصناعة والأمن” الأميركي قيود التصدير في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ومرة أخرى في أبريل (نيسان) 2024 بهدف تقليل خطر وصول منتجات محظورة إلى الصين، من خلال توسيع القيود الشاملة نفسها التي كانت تطبق على الصين لتشمل مجموعة مختارة من البلدان الأخرى، خصوصاً في الشرق الأوسط. وفي ذلك السياق، طلب من الكيانات المحلية في تلك البلدان الحصول على تراخيص وإثباتات عن عدم وجود روابط لها مع الصين. وأظهرت تلك الإجراءات نجاحها. وبضغط من إدارة بايدن وأعضاء من الكونغرس، أزالت شركة “جي 42” G42 للذكاء الاصطناعي، مقرها أبو ظبي، معدات شركة “هوواي” من بنيتها التحتية، وابتعدت من الشركات الصينية، والتزمت بالتجاوب مع ضوابط التصدير الأميركية، ووافقت على إجراءات أمنية صارمة تهدف إلى منع الوصول غير المشروع للصين إلى تقنياتها المتقدمة. ومهدت تلك الإجراءات الطريق أمام “مايكروسوفت” كي تستثمر 1.5 مليار دولار في “جي 42”. وأعلنت الشركتان مبادرة بمليار دولار لتوسيع الاتصال بالإنترنت في كينيا، إضافة إلى إجراء أبحاث في الذكاء الاصطناعي، وتطوير نماذج ذكاء اصطناعي باللغات المحلية، وبناء مركز بيانات “آزور مايكروسوفت” المتطور في كينيا لإنشاء منصة “سحابة منطقة شرق أفريقيا” East Africa Cloud Region الجديدة.

وفي سبتمبر (أيلول) 2024، عقب عام من المفاوضات، أطلق “مكتب الصناعة والأمن” برنامج “فاليديتد إند يوزر”  Validated End User [المستخدم النهائي المصادق عليه]، VEU، المتعلق بمراكز البيانات، بهدف تسهيل شحن رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الشرق الأوسط. وسمح القانون للمنشآت الحائزة على الموافقة بأن تتلقى المنتجات التي تطلبها بناء على تخويل عام، بدلاً من طلب ترخيص لكل شحنة على حدة. وبهدف الحفاظ على وضعية “VEU”، يتعين على مشغلي مراكز البيانات تقديم معلومات مفصلة عن عملائهم، وأنشطتهم التجارية، وضوابط الوصول للمرافق، وتدابير الأمن السيبراني، والسماح بمراجعات ميدانية من المسؤولين الأميركيين، والالتزام باستخدام الرقائق بصورة آمنة ومسؤولة.

حاولت الشركات الصنية الالتفاف على ضوابط تصدير الرقائق الأميركية

مهدت هذه القاعدة الأخيرة الطريق للإجراءات والقرارات النهائية التي ستتخذها إدارة بايدن في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، وفي أيامها الأخيرة أصدرت الإدارة قانوناً طال انتظاره حمل تسمية “إطار عمل عن ضوابط التصدير عن انتشار الذكاء الاصطناعي” Export Control Framework for the Diffusion of Artificial Intelligence. ورسم ذلك الإطار الخطوط العريضة عن الكيفية التي تعتزم واشنطن اتباعها في إدارة الوصول العالمي للتقنيات المحورية في الذكاء الاصطناعي. وقد يعتمد مستقبل قيادة الولايات المتحدة في الذكاء الاصطناعي على مدى تصميم إدارة ترمب في اتباع ذلك الإطار القانوني.

في جوهره، يقدم الإطار نظام ترخيص عالمي من ثلاثة مستويات لرقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة. يشمل المستوى الأول الولايات المتحدة و18 من حلفائها وشركائها الأمنيين المقربين، عدد منهم يلعبون أدواراً حاسمة في سلسلة الإمدادات العالمية للذكاء الاصطناعي. لا تواجه هذه الدول أي قيود على رقائق الذكاء الاصطناعي ومن المتوقع أن تساعد في تنفيذ الإطار. المستوى الثاني، الذي يشمل معظم دول العالم، يحصل على وصول إلى رقائق ذكاء اصطناعي متقدمة، بطريقة مدارة وعبر وساطة مناسبة. ويضم المستوى الثالث بلداناً كالصين وروسيا وإيران كوريا الشمالية وفنزويلا. وتقع كلها تحت قوانين حظر وصول السلاح الأميركي إليها، وتبقى قيد ضوابط تصدير صارمة.

أكثر جوانب الإطار إثارة للجدل هو نظام الحصص المخصص للدول من الفئة الثانية، الذي يتطلب من المستخدمين النهائيين المعتمدين العمل كحراس بوابة للوصول إلى رقائق الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. يحدد الإطار نوعين من المستخدمين النهائيين المعتمدين “في إي يو”: “المستخدمون العالميون المعتمدون” وهم الشركات المصرح لها عالمياً التي يقع مقرها الرئيس في دول المستوى الأولى، مثل شركات الحوسبة السحابية الأميركية، و”المستخدمون الوطنيون المعتمدون”، وهم الشركات المصرح لها التي يقع مقرها الرئيس في دول المستوى الثاني. ويتحتم على النوعين الإيفاء بالمعايير الصارمة نفسها في الأمن والسلامة، لكنها تواجه قيوداً مختلفة.  ويتوقع من الـ”في إي يو” الدوليين الإبقاء على 75 بالمئة من إجمالي قدراتها في الحوسبة ضمن بلدان المستوى الأول، مع ملاحظة أن الشركات تضمن بقاء 50 في المئة من تلك القدرات داخل الولايات المتحدة، ولكن يمكنهم تخصيص ما يصل إلى سبعة في المئة من قدرتهم العالمية لأية دولة من المستوى الثاني. وكذلك يستطيع الـ”في إي يو” الدوليون تخزين “الأوزان” من نماذج متقدمة محمية ضمن بلدان في المستوى الثاني، شرط تفعيل إجراءات صارمة في الأمن السيبراني فيها، ويشير تعبير “أوزان” إلى مؤشرات رقمية يستخدمها نموذج الذكاء الاصطناعي في صوغ توقعات وقرارات.

أما المستخدمون الوطنيون المعتمدون فيواجهون حداً أقصى يقيد وارداتهم من الرقائق في كل دولة من دول الفئة الثاني، بما لا يزيد على 320 ألف رقاقة حتى عام 2027، ولا يسمح لهم بتخزين “الأوزان” الخاصة بالنماذج المتقدمة المغلقة المصدر للذكاء الاصطناعي. أما الشركات الموجودة في دول الفئة الثانية التي لا تتمتع بوضع المستخدم المعتمد، فيجب عليها التنافس للحصول على تراخيص لاستيراد كمية أقل من رقائق الذكاء الاصطناعي، بحد أقصى إجمالي يبلغ 50 ألف رقاقة من نوع يعادل “إتش 100” لكل بلد، بين عامي 2025 و2027. ومن المستطاع مضاعفة ذلك الرقم كي يصل إلى 100 ألف رقاقة من ذلك النوع، شريطة أن توقع الحكومات التزامات تجاه واشنطن تقضي بأن تتوافق ضوابط التصدير والطاقة والتكنولوجيا فيها مع اتفاقاتها الأمنية مع الولايات المتحدة. وأخيراً، ستتيح تراخيص الاستثناء المجال أمام تلك الدول أن تستورد بصورة أكثر تقييداً (نحو ألف و700 من موازيات رقائق “إتش 100”)، التي تغطي معظم الحاجات المعقولة لغايات البحوث الأكاديمية والاحتياجات الحكومية في بلدان المستوى الثاني.

رغبات واحتياجات

يفترض بكل استراتيجية شاملة للذكاء الاصطناعي أن تضمن تدريب النماذج الأكثر تقدماً في مراكز آمنة للبيانات تستقر في الولايات المتحدة والبلدان الحليفة لها، مع حرمان الصين وبقية المنافسين من امتلاك قوة حوسبة تتيح لهم اللحاق بها. وفي الوقت نفسه، يتوجب على تلك الاستراتيجية أن تظهر الحزم في تعزيز التبني العالمي لتقنيات الولايات المتحدة وحلفائها في الذكاء الاصطناعي، وذلك بهدف صوغ صورة توظيف الذكاء الاصطناعي ومعاييره. ولا يوجد مكان تبرز فيه أهمية تحقيق هذا التوازن بين المنع والانتشار أكثر من الدول في أفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، التي تتجه نحو الذكاء الاصطناعي كمحفز للنمو الاقتصادي لتحقيق أهداف تنموية مثل الأمن الغذائي والصحة العامة والتعليم وأمن الطاقة، والقدرة على التكيف مع تغير المناخ، وتقديم الخدمات بكفاءة. إن المنافسة على التفوق في الذكاء الاصطناعي ليست مجرد قضية تكنولوجية، بل ستعتمد أيضاً على ما إذا كانت واشنطن أو بكين ستنجح في إقناع دول الجنوب العالمي برؤيتها لمستقبل الذكاء الاصطناعي.

واستكمالاً محلية للذكاء الاصطناعي بهدف حماية الخصوصية، والامتثال للوائح التنظيمية، وتقليل الاعتماد على البنية التحتية الأجنبية. كما أن استضافة نماذج الذكاء الاصطناعي محلياً تتيح أداء أكثر موثوقية في التطبيقات المهمة، مثل المعاملات المالية عالية التردد ومراقبة البنية التحتية الحيوية، مقارنة بمراكز البيانات الواقعة في الخارج. وتنظر أمم عدة إلى إنشاء وتشغيل مراكز بيانات محلية، بوصفها محفزاً لتوفير فرص العمل وتطوير نظم بيئية محلية للذكاء الاصطناعي.

لكن بناء مراكز بيانات متقدمة وواسعة النطاق للذكاء الاصطناعي في كل دولة أمر غير ممكن مالياً ولوجستياً نظراً إلى التكاليف الأولية الهائلة، والتفاوت في توفر العمالة الماهرة، والمتطلبات العالية من الأراضي والطاقة والمياه. علاوة على ذلك، من منظور تكنولوجي بحت، فإن الأمر غير ضروري، إذ يمكن لمعظم الدول الوصول إلى نماذج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي عن بعد عبر الحوسبة السحابية. وستستفيد عدد من الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط بصورة أكبر من تركيز مواردها المحدودة على تحسين استقرار الكهرباء، وتوفير الإنترنت عالي السرعة، والأجهزة الصغيرة المتصلة التي تتيح الوصول إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي.

وفي المقابل ليس من المستطاع أن ينشأ في البلدان كلها مراكز بيانات واسعة المدى ومتمرسة بالمستويات الأكثر تقدماً في الذكاء الاصطناعي، ويرجع ذلك إلى التكاليف الهائلة، والتوزيع غير المتساوي للعمالة الماهرة، والاحتياجات المرتفعة في مجالات الأراضي والطاقة والمياه. وأبعد من ذلك، من وجهة نظر تقنية محضة، إن ذلك الأمر ليس ضرورياً. ويرجع ذلك إلى أن غالبية البلدان تستطيع الوصول من بعد إلى نماذج الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها، عبر تقنية حوسبة السحاب ستحقق عدداً من الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط أكبر فائدة من تركيز مواردها المحدودة على تحسين موثوقية الكهرباء وتوفير خدمات الإنترنت عالية السرعة، إضافة إلى الأجهزة الطرفية الصغيرة المتصلة التي تتيح الوصول إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي.

إن التنافس على التفوق في الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على كونه شأناً تكنولوجياً

إن النهج الهجين الذي يجمع بين تركيز أبحاث الذكاء الاصطناعي الأساسية في مراكز الحوسبة السحابية المتقدمة، مع إنشاء مراكز بيانات إقليمية ومحلية للتعامل مع المهمات المتخصصة، من شأنه تحقيق توازن أفضل بين الكلفة والأداء واحترام مخاوف السيادة، فضلاً عن الحاجة إلى وصول أكثر إنصافاً إلى الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم. وسعت استراتيجية إدارة بايدن إلى تشجيع ظهور مثل هذا الهيكل.

يجادل منتقدو نهج بايدن بأن تقييد صادرات رقائق الذكاء الاصطناعي سيزعج شركاء الولايات المتحدة الطامحين في هذا المجال، لا سيما في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وجنوب شرقيها، مما قد يدفعهم إلى أحضان الصين. وكما لاحظت ريفا غوجون عبر مجلة “فورين أفيرز”، فإن فرض سقف على مبيعات رقائق الذكاء الاصطناعي الأميركية في الخارج قد يضعف النفوذ الأميركي على المدى الطويل في الأسواق سريعة النمو. كما جادل مستشار الأمن القومي السابق لدونالد ترمب روبرت أوبراين، إلى جانب شركتي “إنفيديا” و”أوراكل” الرائدتين، بأن تقييد قدرة الشركات الأميركية على بيع رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة بحرية قد يمنح الصين فرصة للاستحواذ على السوق.

لكن هذا النقد يغفل نقطتين رئيستين، أولاً، لا يزال الإطار الذي وضعته إدارة بايدن يسمح بإنشاء مراكز بيانات في دول المستوى الثاني يمكن أن تضم مئات الآلاف من الرقائق المتقدمة، مما يترك فجوات محدودة فقط يمكن للصين أن تملأها نظرياً. ثانياً، نظراً إلى أن القيود الأميركية على التصدير أعاقت قدرة الصين على إنتاج رقائق “جي بي يو” من الأنواع الأكثر تطوراً، فإن الشركات الصينية، التي تفتقر إلى التكنولوجيا والقدرة على تصنيع رقائق عالية الجودة بكميات كبيرة، لا تستطيع بسهولة تزويد السوق العالمية بالرقائق المتقدمة المطلوبة في مجالات الذكاء الاصطناعي المتطورة.

بين المثالي والجيد بصورة كافية

التحدي الحقيقي الذي يواجه واشنطن لا يكمن في تلبية الطلب العالمي غير المشبع على الرقائق المتطورة، بل في السيطرة على أنظمة الذكاء الاصطناعي “الجيدة بما يكفي” المنتشرة حول العالم. فعلى رغم أن وحدات معالجة “جي بي يو” الصينية منخفضة الأداء والرقائق المنتجة محلياً أضعف من نظيراتها المتقدمة من “إنفيديا”، إلا أنها تظل كافية لمعظم المهمات التجارية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. حتى لو فضل العالم في النهاية الشركات السحابية الأميركية والحليفة لتدريب النماذج واسعة النطاق وتنفيذ استنتاجات عالية السعة (إذ تظل أحدث الرقائق أمراً بالغ الأهمية)، فقد تبقى الرقائق الصينية خياراً جذاباً لعدد من دول الجنوب العالمي.

تتمتع الصين بالفعل بموقع قوي في هذا السوق المتوسط المستوى، لا سيما في دول الجنوب العالمي، إذ ساعدت الشركات الصينية في بناء مدن “ذكية” تتكون من شبكات مترابطة من الكاميرات وأجهزة الاستشعار ووسائل الاتصال، إضافة إلى شبكات الموانئ والخدمات اللوجستية الرقمية التي تدمج النماذج الصينية للذكاء الاصطناعي وقدرات المراقبة. كما دربت الصين آلاف المهندسين المتخصصين في الذكاء الاصطناعي في أكثر من 20 دولة من خلال برنامج “ورش عمل لوبان” Luban Workshop، مما يعكس تركيزاً على تنمية المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي تفتقر إليه الولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، تقوم الشركات الصينية بإتاحة نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها بصورة مفتوحة، مما يشجع الدول والشركات حول العالم على البناء والتطوير باستخدام البرمجيات الصينية.

وكثيراً ما روجت بكين لحلول الذكاء الاصطناعي من خلال مبادرة “الحزام والطريق”. وفي وقت قريب، اتخذ الزعيم الصيني شي جينبينغ من “مبادرة الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي”  Global AI Governance Initiativeالصينية، ركناً أساساً في الاستراتيجية الكبرى لبلاده. وبينما لا تزال الصين متأخرة عن الولايات المتحدة في المجال المتقدم، من المرجح أن تكثف جهودها في تقديم مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي متوسطة المستوى حول العالم، وتشجيع دول الجنوب العالمي على تبني نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية وخدماتها السحابية. وفي محاولة لاختراق هيمنة الشركات الأميركية مثل “خدمات أمازون الشبكية” و”سحابة غوغل” ومنصة “آزور مايكروسوفت” التي تستحوذ على نحو 70 في المئة من سوق الحوسبة السحابية العالمي، تخطط الشركات الصينية مثل “علي بابا” و”هواوي” و”تينسنت” لتوسيع مراكز بياناتها المتخصصة في الذكاء الاصطناعي بصورة كبيرة في أفريقيا وأميركا اللاتينية وجنوب شرقي آسيا. كما تتمتع شركات الهواتف الذكية الصينية مثل “شاومي” و”أوبو” و”فيفو” بمراكز قوية في عدد من دول الجنوب العالمي، مما يمنحها فرصة لدمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي مباشرة في الأجهزة الاستهلاكية المحلية.

جعلت الصين من حاضنات الذكاء الاصطناعي في الجنوب العالمي أولوية في السياسة الخارجية

على رغم أن قوة الصين في أنظمة الذكاء الاصطناعي “الجيدة بما يكفي” قد تمنحها موطئ قدم، إلا أن النماذج المتقدمة للذكاء الاصطناعي الأميركية، بفضل قابليتها العالية للتعميم والتكيف، يمكن أن تقدم عرضاً مغرياً لعدد من دول الجنوب العالمي، خصوصاً إذا تم تقديمها مع البنية التحتية المناسبة. ولا شيء في إطار العمل التشريعي الذي قدمته إدارة بايدن في شأن انتشار الذكاء الاصطناعي، يحول دون قدرة الشركات الأميركية على الإمساك بتلك الميزة التنافسية. ومع ذلك فإن قوى السوق وحدها لن تضمن قدرة الولايات المتحدة على مواجهة عروض الصين في مجال الذكاء الاصطناعي بصورة فاعلة.

واستكمالاً، تستثمر الشركات التكنولوجية الأميركية الكبرى بصورة متزايدة في دول مثل البرازيل والهند وإندونيسيا وكينيا وماليزيا وجنوب أفريقيا. ومع ذلك لا تزال الشركات الأميركية مترددة في الدخول في مشاريع طويلة الأجل ومرتفعة الكلفة في الأسواق الناشئة التي تفتقر إلى الحجم أو القوة الشرائية التي تبرر استثمارات كبيرة من دون دعم خارجي. وعلى النقيض من ذلك، جعلت الصين من إنشاء مراكز الذكاء الاصطناعي في الجنوب العالمي أولوية في سياستها الخارجية، إذ تقدم تمويلاً مدعوماً وقروضاً حكومية لتمويل تطبيقات الذكاء الاصطناعي الميسورة الكلفة والبنية التحتية الأساسية اللازمة، بما في ذلك إمدادات ثابتة في الكهرباء والإنترنت، بأسعار تنافسية للغاية.

أدركت إدارة بايدن الحاجة إلى منافسة الصين في هذا المجال، إذ أطلقت في سبتمبر 2024 “الشراكة من أجل الشمولية العالمية في الذكاء الاصطناعي” بالتعاون مع كبرى الشركات الأميركية لتوسيع نطاق الوصول إلى نماذج الذكاء الاصطناعي، ومزايا الحوسبة، والأدوات المفتوحة المصدر، بالترافق مع ضخ مليارات الدولارات كاستثمارات في البنية التحتية الرقمية. ومع ذلك، فإن غياب التعاون المستمر بين القطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة، وافتقار السياسات المستهدفة، قد يمنح الصين الهيمنة على هذه الأسواق الناشئة، حتى مع احتفاظ الولايات المتحدة بتفوقها التكنولوجي.

تسليم الشعلة

ساعدت استراتيجية بايدن في مجال الذكاء الاصطناعي الولايات المتحدة في الحفاظ على تفوقها على الصين في مجال الذكاء الاصطناعي الطليعي، وهو إنجاز يحمل تداعيات اقتصادية وأمنية وطنية وجيوسياسية هائلة. ومع ذلك، قد يعارض بعض المنتقدين، بمن فيهم أعضاء في إدارة ترمب، على أجزاء من هذه الاستراتيجية، لا سيما إطار الانتشار العالمي، بحجة أن تقليل القيود على الصادرات قد يفتح المجال لشراكات مع دول غنية وذات موارد طاقة وفيرة مثل السعودية والإمارات، مما قد يكون عاملاً حاسماً في التفوق على بكين.

ومن جهة أخرى، قد يؤدي تفكيك القيود الحالية إلى تأثيرات عكسية وسلبية، إذ إن إغراق الأسواق بأفضل شرائح الذكاء الاصطناعي في العالم من دون وضع ضوابط لمنع النقل غير المشروع وسوء الاستخدام من خصوم الولايات المتحدة قد يؤدي إلى تدفق تلك الشرائح، وما توفره من قدرات حوسبة عالية الأداء عن بعد – مرة أخرى إلى الصين.

بدلاً من ذلك، ينبغي على إدارة ترمب العمل على تحسين ضوابط التصدير باستمرار للبقاء في الطليعة أمام سياسة التكيف الصينية، من خلال التنسيق الوثيق مع الحلفاء، وتقديم مسار واضح وصارم للبلدان الراغبة في الانضمام إلى منظومة الذكاء الاصطناعي الأميركية للحصول على وضع “المستوى الأول”. ويمكن للمفاوضات مع شركاء في الشرق الأوسط ودول محورية مثل البرازيل والهند وماليزيا أن تمنح إدارة ترمب نفوذاً مفيداً لتوجيه سلوك الشركاء وحماية الأمن القومي الأميركي.

في الوقت نفسه، ينبغي على إدارة ترمب اتخاذ إجراءات طموحة بصورة أكبر لتوزيع فوائد النماذج الأميركية المتقدمة للذكاء الاصطناعي، والتنافس مع مبادرات الصين في تقديم الذكاء الاصطناعي “الجيد بما يكفي” والبنية التحتية الرقمية عبر دول الجنوب العالمي. وكبداية، يجب على الإدارة الجديدة أن تقيم شراكات أكثر عمقاً مع القطاع الخاص، والحكومات الحليفة، والمنظمات الدولية، والمؤسسات الخيرية لتقديم اعتمادات أكثر سخاء للحوسبة السحابية لرواد الأعمال والباحثين في الجنوب العالمي. سيتيح الوصول إلى هذه المزايا تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وتطويرها عبر مزودي الخدمات السحابية الموثوقين في الولايات المتحدة وحلفائها، مما يعزز جاذبية الذكاء الاصطناعي الأميركي عالمياً، وفي الوقت ذاته يتيح مراقبة الاستخدامات الضارة التي قد تهدد الأمن القومي الأميركي.

ساعدت استراتيجية بايدن في الذكاء الاصطناعي الولايات المتحدة للاحتفاظ بتفوقها على الصين في الذكاء الاصطناعي الطليعي

وكذلك يستطيع فريق ترمب التصدي بفعالية لجهود الصين في نشر الذكاء الاصطناعي في دول الجنوب العالمي من خلال تشجيع مزيد من الاستثمارات من الشركات الأميركية في قطاع الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية ذات الصلة، يمكن لـ”مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية”، و”بنك التصدير والاستيراد”، وغيرها من المؤسسات المالية المدعومة من الحكومة الأميركية، زيادة ما تقدمه من قروض بفوائد منخفضة، وضمانات الاقتراض، وأرصدة التصدير، والاستثمارات العادلة في المشاريع الرقمية، بغية تحرير ما قد يصل إلى مليارات الدولارات كي تستخدمها في التنافس مع المبادرات الرقمية للصين. وكذلك يمكن توفير التأمين ضد الأخطار السياسية وضمانات الائتمان الجزئية لتخفيف المخاوف المتعلقة بالمصادرة أو التغييرات التنظيمية أو تحويل العملات، مما يسهم في جذب رؤوس الأموال الخاصة التي قد تتردد في الاستثمار بسبب هذه العوامل.

وعلى النحو نفسه، تستطيع الوكالات الحكومية الأميركية دعم أو تمويل دراسات الجدوى، والتقييمات البيئية، وأبحاث السوق لتوفير المعلومات اللازمة وخفض تكاليف المشاريع للشركات التي تفكر في الاستثمار في البنية التحتية لدول الجنوب العالمي، كما ينبغي على إدارة ترمب النظر في تقديم مزايا ضريبية لتشجيع الشركات الأميركية وتعويض أخطار التوسع في الأسواق الجديدة.

وفي المقابل قد يشكك المرتابون في ما إذا كان ترمب، بنزعته إلى الصفقات والمعاملات، سيعطي الأولوية للاستثمارات في دول قد لا تحقق أرباحاً فورية للولايات المتحدة. ومع ذلك،هناك سوابق تشير إلى أن ترمب يدرك أهمية الدول غير المنحازة في المنافسة مع الصين. ففي عام 2019، أطلقت إدارته الأولى مبادرة “بلو دوت نتورك” Blue Dot Network لتعزيز مشاريع التنمية المستدامة وعالية الجودة في دول الجنوب العالمي، بهدف مواجهة مبادرة “الحزام والطريق” الصينية. قام بايدن بتوسيع هذه الجهود من خلال “شراكة مجموعة السبع للاستثمار في البنية التحتية العالمية”، التي تهدف إلى تعبئة مئات المليارات من الدولارات من رؤوس الأموال العامة والخاصة للاستثمارات في البنية التحتية، بما في ذلك المشاريع الرقمية، عبر دول الجنوب العالمي.

لقد حان الوقت الآن كي يبني ترمب على مقاربة بايدن، الفوز في المنافسة العالمية على الذكاء الاصطناعي يتطلب حماية وتعزيز التفوق التكنولوجي الأميركي، ولكنه يستدعي أيضاً تعزيز الانخراط الأميركي النشط مع الدول التي ستحدد في نهاية المطاف كيفية، ولمن، سيتم نشر تقنيات الذكاء الاصطناعي عالمياً. إن الفشل في تحقيق هذا التوازن قد يؤدي إلى مستقبل قاتم بصورة متناقضة، إذ تتفوق الولايات المتحدة على الصين في مجال الذكاء الاصطناعي، لكنها تخسر القيادة العالمية للنظام العالمي الناشئ في هذا المجال لصالح بكين.

مترجم عن “فورين أفيرز” يناير (كانون الثاني) / فبراير (شباط) 2025

المزيد عن: تشات جي بي تيأزمة الرقائق الإلكترونيةحرب الرقائقالذكاء الاصطناعيالخلافات الأميركية الصينيةالضوابط الجمركيةميتاغوغلالحوسبة السحابيةالذكاء الاصطناعي الطليعيفورين أفيرزإدارة بايدنتايوان تي أس أم سيشي جينبينغجو بايدندونالد ترمبأشباه الموصلاتالشرائح الإلكترونيةالحرب التجاريةالتفوق التكنولوجيالجنوب العالميالإنترنت فائق السرعةالشركات الأميركية

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00