الجمعة, مارس 21, 2025
الجمعة, مارس 21, 2025
Home » كسر “الإله” أدونيس

كسر “الإله” أدونيس

by admin

 

عن علي أحمد سعيد الذي جاء من أرياف الساحل السوري إلى سماء الشعر والفكر فأسقطه منها مريدوه بهتافات الساحات والميادين

اندبندنت عربية / عادل علي كبير الصحفيين

الخميس 20 مارس 2025 16:35

لست أدونيسياً، ولن أكون.

عاد الرجل التسعيني إلى الواجهة، خلال الأيام الماضية، من خلال تعقيدات المشهد السوري. وهو المشهد نفسه الذي طوح بأدونيس بين محبيه وكارهيه، قبل 14 عاماً، فظهر “المكوعون” في الحالة الأدونيسية قبل زمن “التكويع”.

جاء علي أحمد سعيد إسبر من أرياف الساحل السوري إلى بيروت، فجعل من اسمه الجديد “براند” و”تريند” قبل سطوة العلامات التجارية على هواة الاقتناء، وذيوع صيت المؤثرين في عالم “السوشيال ميديا”. واحتضنته مجلة “شعر” التي كانت تمهد الطريق أمام حركة الشعر الحديث باللغة العربية، بما تحتاج إليه من تنظير وإطلاق الأسماء الرنانة. وهي المجلة التي اتهمت (بلا أسانيد دامغة) أنها تلقت منحاً مالية من “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية”، التي شطبها دونالد ترمب بسبب تبذيرها وليس بسبب دورها أو تأثيرها.

لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب من الذات الأدونيسية (يوتيوب)

 

زلزال ثقافي

انطلق أدونيس، الاسم الجديد لعلي أحمد سعيد، من بيروت على أجنحة “شعر” محدثاً زلزالاً ثقافياً بين الشعراء بطروحات حداثية تجريبية، وعبر ما سماه “تفجير اللغة”.

لم يفجر صاحب “أغاني مهيار الدمشقي” اللغة وحدها، بل اخترقت “ألغامه” الأسس التي قامت عليها الشعرية العربية، باعتبارها من تراث “مرذول”. وما نجا منه من الإدانة الأدونيسية، فإنه لا ينتمي إلى المرجعية الثقافية للعرب، أي الإسلام. يقول أدونيس “كل الذين كتبوا أعمالاً في مجالات الشعر والفلسفة والموسيقى… إلخ، أولئك الذين بنوا الثقافة الإسلامية أو الحضارة العربية، لم يكونوا مسلمين بالمفهوم التقليدي للكلمة”.

سيصدر لاحقاً “الثابت والمتحول” كتاب أدونيس المؤسس لإعادة نظر انقلابية في التراث، فهماً واستدلالاً. وسرعان ما أصبح الكتاب أيقونة (قل إنجيل) الأدونيسيين. فبات لصاحبه في كل ديرة ربع، وفي كل نخبة مخلصون انتحاريون مستعدون لتفجير أنفسهم باللغة ومنتجها الثقافي العربي، ومكوناتها من أفعال وأسماء وأدوات علة وجر.

لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب من الذات الأدونيسية. هو المرجع العصي على كل نقد خفر أو جريء. حاول فستقوم بوجهك جحافل الأقلام المسنونة، الشبيهة إلى حد التطابق مع جيوش الذباب الإلكتروني. وهذا ما جرى، على سبيل المثال، مع الباحث والناقد العراقي كاظم جهاد في كتابه “أدونيس منتحلاً”. فقد هبت عواصف أدونيسية عاتية في وجه الرجل، جعلته – ربما – يندم على ما كتب.

وأذكر أنني خلال ذلك الوقت، تسعينيات القرن الماضي، كتبت عرضاً مسهباً لكتاب كاظم جهاد في صحيفة “الشرق الأوسط”، فنالني ما ناله من أدونيسيين، وليس من أدونيس نفسه الذي قابلته يومها في محطة “كينغ كروس” اللندنية، فذكرته بأني كنت واحداً من تلاميذه في عامي الجامعي الأول، وأشهد أنه كان ودوداً كما كان أستاذاً مجلياً.

أدونيس كان حالة ثقافية راسخة ثابتة تؤسس مرجعيتها الفكرية فيلتف حولها المريدون من عرب وأعاجم (أكاديمية الشعر)

 

هل انتهت الأدونيسية؟

كذلك أذكر أني بعد أعوام طويلة من صدور “أدونيس منتحلاً”، طلبت من كاظم جهاد المساهمة في ملف عن أدونيس، في المعنى الذي انطوى عليه كتابه، فاعتذر (…).

كان ذلك خلال عام 2007، عندما أسست وأشرفت على صدور “الاتحاد الثقافي” (ملحق صحيفة “الاتحاد” الإماراتية). لاحظت يومها خمولاً ما أصاب الظاهرة الأدونيسية سببه صاحبها نفسه. فقد توقفت إضافاته الثقافية المثيرة، مكتفياً بمقالاته الأسبوعية في “الحياة” اللندنية ومشاركاته في ندوات مستنسخة هنا وهناك، يكرر فيها (قل يعيد تدوير) الطروحات النظرية التي أطلقها قبل عقدين أو أكثر (فقط… أو فحسب… أو ليس إلا…، اختر ما تشاء واملأ الفراغات بما تشاء).

أعددت يومها، مع زملاء أكفاء، ملفاً حمل على الغلاف عنوان “هل انتهت الأدونيسية؟” شارك فيه العشرات من الأسماء اللامعة في الساحة الثقافية العربية، منهم من حافظ على ولائه لصاحب “الثابت والمتحول”، وبعضهم طرح تجربته بالكامل تحت مجهر النقد. ومع ذلك ثارت ثائرة الأدونيسيين، فانطلقت حملة تمجيدية من بيروت تردد صداها في القاهرة والرباط، وتناثر منها رذاذ وصل إلى عواصم ودساكر عربية أخرى…

هذا عن أدونيس الماضي. أدونيس الذي كان حالة ثقافية راسخة ثابتة، تؤسس مرجعيتها الفكرية فيلتف حولها المريدون من عرب وأعاجم.

لكن أدونيس اليوم، عام 2025 وما قبله بعقد أو أكثر قليلاً، حالة سياسية متحولة. تحلل الشاعر والمفكر من شعريته وفكرانيته، ودخل إلى المشهد السياسي السوري بعد عام 2011 من أضيق أبوابه: الانتماء في صيغته ما قبل الوطنية. انتقد المنتفضين ضد النظام، وقال إن “الثورة التي تخرج من الجامع ليست ثورة”. كان يعاكس تياراً متنامياً في بلاده. تصدى له مثقفون وكتاب برعوا في تلميع حضوره سابقاً. علمانيون سابقون، أو مع وقف التنفيذ، أخذوا يهشمون صورة الأدونيسية بخناجر الثورة. وفي خضم المعركة الكلامية فات أدونيس وخصومه أن مسألة الثورة والجامع لا يمكن مقاربتها على طريقة الهتافات التي يطلقها المتظاهرون داخل الساحات والميادين.

مساجد المسلمين، عبر التاريخ، كانت دور عبادة ومؤسسات ذات دور مدني واجتماعي في الوقت نفسه. وأن ينطلق منها متظاهرون أو محتجون لا يشكل عنصر إدانة لهم أو لغاياتهم، في مجتمعات تحمل مواصفات المجتمعات العربية المسلمة. وخلال انتفاضة المصريين ضد نظام حسني مبارك عام 2011 كانت المساجد وأيام الجمعة “دينامو” الحراك. وفي الإدراك الجمعي يشكل اليوم (الجمعة) والمكان (الجامع) عنصر حماية أمام تغول السلطة، لما له من رمزية وقدسية. ولم يحل ذلك دون مشاركة قوى مدنية وعلمانية وازنة، وشرائح كبرى من المسيحيين، في الحراك الذي أدى في نهاية الأمر إلى إسقاط نظام مبارك.

أدونيس وخصومه المستجدين أغرقوا أنفسهم في اللحظة وغضوا النظر عن تالياتها (أكاديمية الشعر)

الثابتون والمتحولون

في سوريا اختلف الأمر جذرياً. اطمأن المنسلون من عباءة أدونيس، والمنقلبون عليها، كثيراً إلى حصانة “الثوار” من وباء التطرف والتطيف. وكانت طهارة الغايات في عرفهم أنصع من دناءة الأدوات. واستمعوا بشغف وطرب إلى هتافات الميادين، عن الوحدة، وعن الحرية، وعن كرامة الإنسان، وصموا آذانهم كثيراً… كثيراً… عن هتافات أخرى انطلقت من الميادين نفسها تصدح بكلمات مرعبة: “بالذبح جيناكم…”.

يبدو أن الطرفين، أدونيس وخصومه المستجدين، أغرقوا أنفسهم في اللحظة وغضوا النظر عن تالياتها. هل كان العطب في افتقادهم لأدوات التحليل، أم في عصبية غائرة، نافرة، ومستنفرة في خضم الاصطفافات؟

سيتعمق انشقاق المثقفين السوريين عن “معبودهم” مع كل محطة من محطات ثورتهم، وسيصنفونه في خانة النظام الذي يثورون عليه. وبعد التصنيف سيصل الأمر إلى الرجم بعد أن سقط النظام. ووفر هو لهم الحجارة التي سيصوبونها على هالته قبل قامته. قال غداة هرب بشار الأسد إن “التغيير الحقيقي لا يكمن في استبدال نظام بآخر، بل في معالجة البنية الثقافية والاجتماعية” التي يرى أنها أساس الأزمات. وكان أدونيس بتصريحه هذا يحلق بعيداً من الواقع السوري، ويقرأ في متن كتاب عن نظرية التغيير وليس في وقائع تراكمت طبقات فوق طبقات، وأهدرت خلال أعوام تراكمها دماء ودموعاً ومصير بلد وشعب.

ثم ما لبث أدونيس أن ارتكب المعصية الكبرى، فقد رصدته الكاميرات بين مجموعة من السوريين وغير السوريين يتظاهرون في إحدى ساحات باريس، احتجاجاً على المجزرة (= المحرقة؟)، التي ارتكبت في مدن وبلدات وقرى الساحل السوري، أي المنطقة التي ولد فيها صاحب “هذا هو اسمي”.

العلمانيون “الثابتون” السابقون سرعان ما أصبحوا “متحولين” أمام مشهد الساحل، أصبحوا ناكرين للمجزرة!!! وفي أحسن الأحوال مهونين من وقعها الصادم. اختار هؤلاء تجاهل ما حدث (بحسب تسمية أحدهم بديلاً عن عبارة المأساة)، للتصويب على صورة أدونيس في تظاهرة باريس الضامرة. وتتالت السهام هذه المرة بوضوح أكبر، مستهدفة شعرية الشاعر وليس مواقف السياسي. تعرضت لتنظيراته الفكرية في الحداثة والوعي وليس لرؤيته حول ما جرى في بلاده. وعيرته بانتظاراته السنوية لجائزة نوبل التي لم تأت أبداً. وغالب الظن أن كثراً من الذين يهاجمون أدونيس اليوم كان يرابطون مع هواتفهم ليكونوا أول المهنئين فور صدور الإعلان من الأكاديمية السويدية.

قصة أدونيس في التراجيديا السورية معبرة عن الشخص، وعن الجموع في آن واحد. الشخص الذي رفعه مريدوه إلى مرتبة إله الشعر والفكر، ثم حدث ذلك الزلزال المدمر، فتجردت الجموع من كل مسلماتها السابقة، وتجرأت على آلهتها، تماماً كما كان يفعل الأعرابي القديم الذي يداهمه الجوع في متاهة صحراوية فيجد نفسه مضطراً لأكل إلهه، الذي كان صنعه من تمر…

المزيد عن: أدونيسعلي أحمد سعيدسورياسقوط النظام السوريأحداث الساحل السوريالثابت والمتحولمجلة شعرالحداثة

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili