السبت, أبريل 12, 2025
السبت, أبريل 12, 2025
Home » كتاب “قصة جريمة قتل” يبعث أدب الجريمة من مرقده

كتاب “قصة جريمة قتل” يبعث أدب الجريمة من مرقده

by admin

 

 الدكتور كريبن قتل زوجته وأخفى جثتها في منزله عام 1910 وهز بريطانيا

اندبندنت عربية / سناء عبد العزيز

ينشأ بعض الأنواع الأدبية من حاجتنا إلى تنظيم الفوضى، استجابة لرغبة العقل في استيعاب ما يبدو عصياً على الفهم. فكما برز أدب ما بعد الكولونيالية في أعقاب انهيار الإمبراطوريات، وازدهرت الـ”ديستوبيا” مع صعود الأنظمة الشمولية، خرج أدب الجريمة الحقيقية (True Crime) من هوس الإعلام بالعقلية الإجرامية،  فقامت الصحافة الشعبية خلال القرن الـ19 بدور محوري في صعود هذا النوع، وفتحت الباب أمام أدب يتغذى من الوثائق الرسمية والسجلات الجنائية وشهادات الشهود، وهو بعد أن يهضمها، يعيد ترتيب مسرح الجريمة في تلك المساحة الغائمة بين الحقيقة والتخييل.

يعد كتاب “بدم بارد” (1966) لترومان كابوتي بمثابة البداية لهذا النوع الهجين، إذ يعيد سرد جريمة قتل مروعة وقعت في ولاية كانساس، بعد أن قضى كابوتي وقتاً طويلاً مع القتلة الحقيقيين في السجن ودرس شخصياتهم بدقة متناهية. وعلى رغم أن الكتاب يوثق الوقائع بتفاصيل دقيقة، فإنه يُقرأ كعمل روائي بامتياز، مما يثير سؤالاً مهماً، هل يمكن للوثائق والمستندات أن تتحول إلى قالب روائي، حتى إن وافقنا على اصطلاح كابوتي الجديد “الرواية غير الخيالية”؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فهل يظل هؤلاء الرواة، في سياق التشويق والدراما، أوفياء للحقيقة؟

“قصة جريمة قتل” (أمازون)

 

مثل هذه الأسئلة وغيرها يعيد طرحها كتاب “قصة جريمة قتل: الزوجات والعشيقة والدكتور كريبن” لهالي روبنهولد، الصادر حديثاً عن دور نشر بريطانية وأمريكية، إذ إنه يتناول قضية “الدكتور هاولي هارفي كريبن” الذي اتهم بقتل زوجته وإخفاء جثتها في منزله عام 1910، وكانت واحدة من أكثر جرائم القتل إثارة للجدل في بريطانيا وتحولت إلى ظاهرة إعلامية هزّت الرأي العام آنذاك.

مطاردة في المحيط الأطلسي  

تبدأ القصة مساء الـ31 من يناير (كانون الثاني) عام 1910، عندما استضاف الدكتور كريبن وزوجته المغنية بيلا إلمور صديقين في منزلهما الكائن بهيلدروب كريسنت في لندن. وليس هناك شيء مهم يُروى عن تلك الأمسية عدا أن بيلا لم تظهر بعدها مطلقاً. في البداية، قال كريبن إن زوجته غادرت إلى أميركا على عجل، ثم ادعى أنها مرضت هناك وماتت. لكن شيئاً من الريبة تسلل إلى قلوب أصدقائها، بخاصة بعدما ظهرت عشيقته إثيل لو نيف ترتدي مجوهرات الزوجة وتعيش مكانها.

في هذا النوع من الأدب، ليس الكاتب بحاجة إلى خلق التشويق، فالواقع يملك بالفعل عناصره المثيرة التي تتولد من بطء انكشاف الحقيقة. ومع الأخذ في الاعتبار أن أحداث قصته معروفة سلفاً، يضطلع ترتيب الأحداث وتراكم الأدلة بالدور الرئيس في تحريك السرد، لتبدو لحظة العثور على بقايا جسد مقطع الأوصال مدفوناً في قبو المنزل، وعلى أنسجته آثار سم الهيوسين الذي كان الطبيب اشتراه قبل أسابيع، إلى جانب قصاصة من بيجامته، إحدى أكثر اللحظات إثارة في كتاب هالي.

الكاتبة البريطانية هالي روبنهولد (صفحة الكاتبة – فيسبوك)

 

تتصاعد دراما الواقع حين يفرّ كريبن مع إثيل متنكرة في هيئة صبي، لكن القبطان هنري كيندال شك في أمرهما، وبفضل التلغراف اللاسلكي، ذلك الاختراع الثوري خلال العصر الإدواردي، أرسل برقية إلى سكوتلاند يارد، لتبدأ ما وصفته الصحف بـ”مطاردة المحيط الكبرى”، حيث لحق بهما المفتش ديو، متنكراً في زي طيار. وعندما صعد على متن السفينة، خلع قبعته وقال بهدوء “صباح الخير يا دكتور كريبن. هل تعرفني؟”، فردّ كريبن مستسلماً “الحمد لله انتهى الأمر.  لقد بلغت الإثارة في هذه القضية حداً لم أعد أتحمله”.

كان كريبن هو أول مجرم يُعتقل باستخدام هذه التقنية، في واقعة بدت كما لو أنها خرجت من رواية بوليسية، مؤكدة من جديد أن الواقع، أحياناً، يفوق الخيال، وأن هناك دوراً حقيقياً للتكنولوجيا في تعقب الجريمة.

تبديل زاوية الرؤية

منذ لحظة اختفاء إلمور وحتى لحظة شنقه، تحولت الجريمة إلى بث مباشر احتل القاتل فيه بؤرة الضوء بلا منازع، فركزت الصحف على تفاصيل حياة الدكتور كريبن كافة ودوافعه وهروبه وماضيه الغامض، بل صُنع له تمثال شمعي في متحف مدام توسو. أما في كتاب هالي، فإن الكاميرا تتحرك في الاتجاه المعاكس لترصد بيلا إلمور، المغنية المسرحية التي خذلها الحظ، من مسافة قريبة وتمنحها المساحة الأكبر من السرد، فتُعاد صياغة القصة من منظورها، مما ينسجم مع نهج هالي في كتابها السابق“The Five”  2019، حين أعادت الاعتبار لضحايا “جاك السفاح” اللواتي اختُزلن لأعوام في صورة “عاهرات مجهولات”. وتقول هالي في حوار مع صحيفة “ذا غارديان”، “أردت أن أحول التركيز عن القاتل، وأن أسأل، ما الذي نعرفه حقاً عن الأشخاص الذين خسروا حياتهم؟”.

من هذا المنظور تعيد هالي رواية واحدة من أشهر القضايا الجنائية خلال القرن الـ20، لتكشف عما جرى تجاهله عمداً أو عفواً، وتعطي صوتاً للغائبين عن المشهد. فهل كانت بيلا “امرأة صعبة المراس” كما قيل، أم فنانة محدودة الموهبة قادها الشطط إلى حتفها؟ وهل كانت إثيل لو نيف مجرد شابة مخدوعة، أم شريكة في الجريمة؟ ويفحص الكتاب حياة الزوجين من أقرب مسافة ممكنة، ليكشف عن أن الطبيب لم يكُن مجرد زوج مأزوم، بل كان محتالاً محترفاً تنقل بين المدن، مختبئاً خلف هويات مزيفة، فباع الأدوية المقلدة ونسج الأكاذيب، إلى أن جاءت الليلة التي قرر فيها أن يتخلص من زوجته إلى الأبد.

المحاكمة وصناعة الرأي العام

ألهبت عودة الدكتور كريبن لإنجلترا خيال الرأي العام، وسرعان ما تحولت محاكمته في أولد بيلي إلى وقود يومي للصحافة والإعلام ومحبي الإثارة والتشويق، وتقول هالي “كان الصحافيون في ذلك الوقت لا يقدمون التفاصيل التي تهمنا حول  الجريمة، بل يركزون على إثارة الفضول حول القاتل وماضيه الغامض”. لكن كتاب “قصة قاتل” لا يقتصر على نقد الإعلام في الماضي فحسب، بل يوجه كذلك أصابع الاتهام إلى الإعلام المعاصر الذي لا يزال يعزز الأساطير حول القتلة، مما ينبهنا إلى أهمية الرواية غير الخيالية في الكشف عن الحقيقة، بعيداً من التغطيات الإعلامية السريعة. وربما لهذا تتبنى الكاتبة أسلوباً استفزازياً في سردها، يعمد إلى طرح التساؤلات باستمرار حول “من المسؤول؟” و “ما الذي نعرفه حقاً؟”، فضلاً عن إثارة الشكوك بشهادات الشهود، والروايات الشائعة التي قد تكون مشوهة أو غير مكتملة.

وتظهر براعة هالي في بناء شبكة معقدة من الشخصيات والأحداث التي ترتبط بصورة وثيقة بمقتل بيل إلمور. فإلى جانب تسليط الضوء على حياة بيلا وكريبن وإثيل، تدمج الأصدقاء المقربين والزملاء في مجال الموسيقى والمسرح، إضافة إلى أفراد العائلة الذين تأثروا بالجريمة. وليس هذا فحسب، إنما تغطي أيضاً الخلفية الاجتماعية والطبية التي شكلت سياق تلك الفترة، فهي تأخذ القارئ إلى أوائل القرن الـ20، فترة التحولات الكبرى في المشهد الاجتماعي، خصوصاً في ما يتعلق بمكانة المرأة داخل المجتمع، والتفاعلات المعقدة بين الطب والمجتمع، إلى جانب التطورات في ممارسات الطب الشرعي واستخدامه كأداة لتفسير وتحليل الجرائم.

لا يفوتها أن تستعرض في “قصة قاتل”، مشهد المسرح في لندن، حين كان الفن والموسيقى يشكلان جزءاً رئيساً من حياة بيل إلمور، مغنية الأوبرا، والذي استُغل من قبل الصحافة في تصوير حياتها وأحداث الجريمة بصورة خاصة. وكان هذا الحقل الفني في تلك الفترة مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمفهوم “المرأة الجديدة” الذي بدأ يشق طريقه خلال تلك الحقبة.

لكن المفاجأة الكبرى في كتاب هالي هو قلبها لحقيقة العشيقة التي ظهرت أمام القضاة والجمهور في ثوب البراءة، كيف يمكن لمخلوقة بهذه النعومة أن تتواطأ في جريمة قتل بشعة؟ هكذا تساءلت الصحافة وهكذا اقتنعت هيئة المحلفين، ليُدان كريبن وحده ويشنق في سجن بنتونفيل، بينما يطلق سراح إثيل.

وفي مقارنة غريبة، تشير هالي إلى “الجمعة السوداء” التي وقعت بعد ثلاثة أسابيع فقط من تبرئة إثيل، حين خرجت نساء بريطانيا للمطالبة بحقهن في التصويت، فقوبلن بالضرب والسحل، بل الاعتداء الجنسي من الشرطة والمارة، وكأن النظام يكشف عن وجهه الحقيقي الذي لا يرى في المرأة المتمردة إلا تهديداً يجب القضاء عليه.

تختتم هالي كتابها بما يشبه مشهداً من رواية بوليسية كلاسيكية، في عشرينيات القرن الماضي، أجرت إثيل عدداً من المقابلات الصحافية لتبريء نفسها، لكنها من دون أن تدري فتحت باباً للشك على مصراعيه، إذ إنها عاشت حياة جديدة تحت اسم مستعار، تزوجت وأنجبت وماتت عام 1967 من دون أن يعرف أبناؤها شيئاً عن حقيقتها. حتى جاء يوم تلقى فيه أحدهم اتصالاً من كاتب جرائم حقيقية، ليكتشف فجأة أن والدته هي نفسها الشابة التي شغلت إنجلترا قبل نصف قرن. وعلى رغم أنها لم تثبت براءتها يوماً، فإنها أتقنت أداء هذا الدور ببراعة.

لعل اكتشاف أبناء إثيل لماضيها يضيف بعداً جديداً إلى أدب الجريمة الحقيقية، فهو سلاح ذو حدين، من جهة يحقق العدالة ويقتص للمغدورين، ومن جهة أخرى يعكس مفهوم “الذنب الموروث”، فلا تقتصر الجرائم على فاعليها وحدهم، بل تمتد كذلك إلى الأجيال المقبلة، كما لو أن للتاريخ ظلاً ثقيلاً، يظل كامناً في مكان ما، متحيناً الفرصة ليتلبس أبناء القتلة عملاً بمبدأ “الذنب الموروث”.

المزيد عن: أدب الجريمةبريطانياقتل الزوجةلندن1910القاتلالضحيةالإعلامالمحكمةالعدالة

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili