ثقافة و فنونعربي “كاليغولا” ألبير كامو بحسب رؤية يوسف شاهين by admin 24 يوليو، 2020 written by admin 24 يوليو، 2020 110 سيّد السينما وعاشق الخشبة في تجربته المسرحية الوحيدة اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب يعرف المطّلعون على حياة المخرج المصري الكبير الراحل يوسف شاهين أن المسرح كان دائماً عشقه الأول وحلم حياته، بل إنه حين اتجه أواخر أربعينيات القرن العشرين إلى باسادينا/ كليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية لدراسة الفنون وعاد منها مخرجاً سينمائياً، لم يدرس هناك السينما أو الإخراج السينمائي، بل درس المسرح. قد يكون هذا مفاجئاً لكثر لكنه الحقيقة التي أسرّ شاهين بها أمامنا غير مرة. ويعني هذا أن كبير السينمائيين العرب، والمبدع الذي كان من أكثر السينمائيين العرب ابتكاراً للغة السينمائية، كان هواه مسرحيّاً في المقام الأول. بل لنقل بشكل أكثر وضوحاً: كان هواه شكسبيريا. كان حلمه أن يخرج للخشبة مسرحية “هاملت” بالتحديد فللسينما إن لم يُقيّض له ذلك. ونذكر نحن الذين كنا نعرفه عن قرب أنه في كل مرة ينجز فيها فيلماً من أفلامه ونسأله عن مشروعه التالي كان يجيب بشكل غامض وتساؤليّ: ألا ترون أن الوقت قد حان للوصول إلى هاملت؟ فنسأله: للمسرح أو للسينما؟ فيبتسم ولا يجيب. لقد رحل شاهين وعينه على اثنين: المسرح وهاملت. وهو لئن كان مرّر شيئاً من هاملت في فيلم له من هنا أو آخر من هناك، فإن المسرح ظلّ عصياً عليه، على الأقل حتى العام 1992 ولكن ليس في أي بلد عربي ولا حتى باللغة العربية، من دون أن يكون لشكسبير أو لهاملت يد في الأمر. والحكاية حكاية فرنسية خالصة على أية حال. ففي تلك الآونة وكان شاهين يجد بعض الصعوبة في إنجاز فيلمه “المهاجر” (1994)، جاء من يقترح عليه في العاصمة الفرنسية أن يُخرج لأحد المسارح الباريسية الكبرى ولحساب “الكوميدي فرانسيز”، مسرحية “كاليغولا” للكاتب ألبير كامو. قبل شاهين العرض على الفور، غير آبه بالصراخ الذي عمّ في الأوساط الثقافية الفرنسية متسائلاً عن جدوى قيام مخرج سينمائي “من العالم الثالث” بالدنوّ من قدس أقداس الفنّ الفرنسي: المسرح؟ بيد أن الصراخ سرعان ما خبا حين ردّ القائمون الفرنسيون على العمل وغالباً بلسان الوزير الاشتراكي جاك لانغ الذي كان من كبار أصدقاء شاهين والثقافة العربية وجرى في عهده كوزير للثقافة دعم عدد كبير من السينمائيين العرب (وهو الآن يتولى رئاسة معهد العالم العربي في باريس): شاهين سيخرج كاليغولا للمسرح الفرنسي تحديداً لأن هناك حرب الخليج ولأن هناك دكتاتوريين كثراً في هذا العالم ولأن شاهين لديه هنا أشياء كثيرة يمكنه قولها. مشهد آخر من المسرحية الشاهينية (أرشيفية) مسرح عبثي أم فكر وجوديّ؟ ومن المعروف أن مسرحية “كاليغولا” التي كتبها ألبير كامو بدءاً من العام 1938 لينجز نسختها الأولى عام 1938 وتنشر للمرة الأولى بعد ذلك بخمس سنوات معتبرة إلى جانب نصوص أخرى لكامو نفسه، “سوء تفاهم” و”أسطورة سيزيف” و”الغريب”، تعود معاً إلى الحقبة نفسها تقريباً، “حلقة العبث” في كتابات كامو حتى وإن كان ثمة نقاد يعتبرونها كتابات وجودية ما يرفضه كامو على أية حال. وتتألف المسرحية من أربعة فصول اتّبع فيها الكاتب شذرات من سيرة الإمبراطور الروماني الطاغية كايوس تشيزاري الملقب بكاليغولا، كما كتبها المؤرخ سويتون في كتابه “حياة 12 قيصراً”. ولئن كان كامو قد أبدى أمانة في رسم مشاهد معينة ونقاط مفصلية من سيرة كاليغولا، فإنه أعطى نفسه حرية حركة فكرية كبيرة في مجال التفسير بحيث لا تعود المسرحية سرداً موضوعياً لحياة حاكم، بل تحليلاً “وجودياً” عميقاً لمفهوم السلطة نفسه وارتباط حياة الحاكم بذلك المفهوم. أما بالنسبة إلى كاليغولا بالتحديد، فإنه لم يكن بالنسبة إلى كامو، ذلك الشرير المطلق الذي يمكن تصوّره، بل هو كائن يطرح تساؤلاته على نفسه كما على وجوده. إنه بالدرجة الأولى يعيش في مسعى منه للبحث عما يراه مستحيلاً. وهو إذ يثق بأنه كائن خالد لا يمكن للموت أن ينال منه، يفعل كل ما يفعل، بما في ذلك علاقته الحرام مع أخته التي يفقدها في أول المسرحية واستناده إلى عشيقته القديمة جيسونيا التي تساعده في كل الجرائم التي يقترفها بدءاً من قتله الإمبراطور سلفه وتصديه لكل المؤامرات التي تحاك ضده من أقرب الناس إليه، ومن الواضح أنه إنما يفعل كل هذا تأكيداً لقدرته على الخلود. إلى درجة أنه حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة في نهاية المطاف، يضحك ساخرا من الموت صارخاً به صرخة المنتصر: أترى كيف أنني نلت منك؟ كتاب ألبير كامو (دار النشر) عن “الكاليغولات” العرب والحقيقة أن تلك هي الصورة التي تبناها يوسف شاهين بحذافيرها حين نقل تلك الشخصية إلى الخشبة الباريسية متسائلاً عما إذا كان مشاهدو المسرحية سيدركون أنه في نهاية الأمر لا يتحدث عن أي إمبراطور روماني، سواء كان كاليغولا أو غيره، بل عن “ذلك العدد المتزايد من الكاليغولات العرب” الذين “يحكموننا وكل منهم معتقد أنه باق هنا للنهاية” بحسب تعبيره. والحقيقة أن النقد الفرنسي أدرك هذا حين شاهد المسرحية في عرضها الباريسي وعلّق عليها بشكل إيجابي واضعاً حداً لكل تلك التساؤلات التي استنكرت في البداية تسليم نصّ كامو إلى “مخرج من العالم الثالث”. وهكذا إذاً، خاض شاهين تجربته المسرحية الوحيدة في تاريخه الفني الطويل بنجاح فني ولكن سياسي لافت في تلك الأزمنة الانعطافية، وكان يحلو له حين يجري الحديث عن هذا العمل أن يذكّر كم أن ألبير كامو، كان مهتماً شخصياً بالمسرحية وتفسيرها تفسيراً معاصراً هو الذي كتب ذات يوم ملحقاً لها يقول فيه: “أبداً إن كاليغولا لم يمت. إنه موجود هنا وهنا وهناك. موجود داخل كل واحد فينا، نحن الذين إن أعطيت لنا السلطة، إن جرؤنا على ذلك، إن همنا بالحياة، سنراه وقد انفلت من عقاله في داخلنا، ذلك الشيطان أو ذلك الملاك الجاثي في دواخلنا. لقد أفنى زمننا نفسه لفرط ما آمن بأن الأمور يمكنها أن تكون حلوة وتكفّ عن أن تكون عبثية. وداعاً سوف أعود إلى داخل التاريخ الذي حبسني فيه أولئك الذين لطالما أبقوني في داخله كل أولئك الذين يخشون أن يحبّوا أكثر مما ينبغي”. اقرأ المزيد الترميم الرقمي يعيد يوسف شاهين إلى شاشات العالم “احكيلي”… ميراث النساء في عائلة نجمها يوسف شاهين تفسير لاحق هكذا تعامل يوسف شاهين مع مسرحية كامو، ليس انطلاقاً من النص المسرحي في حدّ ذاته في صيغتيه اللتين أنجزهما كامو خلال حياته، ولكن انطلاقاً من هذا النصّ الملحق الذي سيقول لاحقاً أن ميشال بيكولي قد أعطاه إياه كنوع من التفسير “فكان أن اعتمدته في تفسيري لعمل تعودت أن أحبه وأتبناه” ولكن فقط بعد حين من تقديم المسرحية على تلك الخشبة الباريسية التي شهدت ذات شتاء عودة المخرج السينمائي العربي الغاضب دائماً إلى هواه المسرحي الأول، عودة لم يكن لها غد. ومهما كان من أمر شاهين كان لا بأس بالنسبة إليه مبدئيّاً على الأقل، أن يكون كاليغولا بديلاً من هاملت وألبير كامو بديلاً من شكسبير وإن نغّص عليه عيشه أن المسرحية إنما قُدّمت فقط للجمهور الفرنسي لا للجمهور العربي. أمامنا وعد شاهين نفسه حينها بأن يقدّم العمل في القاهرة وبيروت “حين تسنح الظروف”. لكنها لم تسنح وبقي ذلك التقديم إسهامه الوحيد في المسرح. لكنه بقي كذلك إسهامه الضائع. فالحال أن العرض الذي قُدّم ضمن إطار برنامج مسرحي عنوانه “الكاباريه الشرقي” بمبادرة من “الكوميدي فرانسيز” بدءاً من يوم 15 فبراير (شباط) 1992، لم يعد يوجد له أي أثر اليوم. فسيّد السينما لم يقم بتصوير مسرحيته الوحيدة في شريط سينمائي، ولا يعرف أحد اليوم ما إذا كان الفرنسيون أنفسهم قد صوّروا شيئاً. فهل كان هذا التقاعس من شاهين نوعاً من الاحتجاج على عجزه عن تصوير هاملت؟ ربما. المزيد عن: ألبير كامو/يوسف شاهين/كاليغولا/المسرح الفرنسي/سينما 22 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كورونا باق إلى الأبد وكذلك لقاحه next post “موت الموت” طوباوية جديدة أم ديستوبيا غير مسبوقة؟ You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 22 comments зарубежные сериалы в хорошем HD качестве 25 مارس، 2024 - 12:21 ص Saved as a favorite, I really like your blog! Reply глаз бога бот 11 أبريل، 2024 - 6:04 ص Hi, i feel that i saw you visited my weblog so i got here to go back the favor?.I am trying to in finding things to improve my website!I guess its good enough to use some of your ideas!! Reply cs2 gamble websites 2024 8 مايو، 2024 - 8:43 ص It’s going to be finish of mine day, except before finish I am reading this wonderful article to increase my knowledge. Reply University 16 مايو، 2024 - 9:53 ص ГГУ имени Ф.Скорины Reply гостиничные чеки Санкт Петербург 25 مايو، 2024 - 1:18 ص Howdy! Quick question that’s completely off topic. Do you know how to make your site mobile friendly? My website looks weird when viewing from my iphone4. I’m trying to find a theme or plugin that might be able to correct this problem. If you have any suggestions, please share. With thanks! Reply купить удостоверение тракториста машиниста 31 مايو، 2024 - 4:05 ص We stumbled over here different page and thought I may as well check things out. I like what I see so now i’m following you. Look forward to going over your web page yet again. Reply hot fiesta казино 14 يونيو، 2024 - 9:10 ص I truly love your blog.. Pleasant colors & theme. Did you create this site yourself? Please reply back as I’m wanting to create my own blog and would like to know where you got this from or exactly what the theme is called. Many thanks! Reply Теннис онлайн 29 يونيو، 2024 - 12:34 ص Hey I know this is off topic but I was wondering if you knew of any widgets I could add to my blog that automatically tweet my newest twitter updates. I’ve been looking for a plug-in like this for quite some time and was hoping maybe you would have some experience with something like this. Please let me know if you run into anything. I truly enjoy reading your blog and I look forward to your new updates. Reply Теннис онлайн 1 يوليو، 2024 - 4:27 ص This is the right web site for anyone who wants to find out about this topic. You understand so much its almost hard to argue with you (not that I personally would want toHaHa). You definitely put a new spin on a topic that has been written about for a long time. Excellent stuff, just excellent! Reply Прогнозы на футбол 2 يوليو، 2024 - 9:20 م Undeniably consider that that you stated. Your favourite justification appeared to be at the net the simplest thing to be mindful of. I say to you, I definitely get irked even as folks consider worries that they plainly do not recognise about. You controlled to hit the nail upon the top as smartlyand also defined out the whole thing with no need side effect , folks can take a signal. Will likely be back to get more. Thank you Reply строительство автомоек под ключ 7 يوليو، 2024 - 1:39 م Автомойка самообслуживания под ключ – наше предложение для тех, кто ценит эффективность и инновации. С нашей помощью вы войдете в рынок быстро и без проблем. Reply строительство автомойки под ключ 8 يوليو، 2024 - 1:42 ص Строительство автомойки под ключ – это наша доменная зона. Мы создаем проекты, которые приносят прибыль и радуют клиентов. Reply мойка самообслуживания под ключ 8 يوليو، 2024 - 1:11 م Автомойка самообслуживания под ключ становится всё популярнее. Это экономичный и простой способ начать своё дело с минимальными вложениями. Reply автомойка самообслуживания под ключ 9 يوليو، 2024 - 12:57 ص Строительство автомоек под ключ – наша специальность. Мы заботимся о каждой детали, чтобы обеспечить надежное и прибыльное хозяйство. Reply Прогнозы на футбол 10 يوليو، 2024 - 3:18 ص You can definitely see your expertise in the article you write. The world hopes for more passionate writers like you who aren’t afraid to mention how they believe. All the time go after your heart. Reply Прогнозы на футбол 10 يوليو، 2024 - 6:06 م I am actually thankful to the owner of this web site who has shared this wonderful article at at this place. Reply Прогнозы на футбол 11 يوليو، 2024 - 7:13 ص Yes! Finally something about %keyword1%. Reply Прогнозы на футбол 11 يوليو، 2024 - 8:10 م It’s actually a nice and helpful piece of information. I’m satisfied that you shared this helpful info with us. Please stay us informed like this. Thanks for sharing. Reply строительство автомойки 15 يوليو، 2024 - 2:40 م 1Строительство автомойки – это инвестиция в стабильный бизнес. Мы сотрудничаем только с проверенными поставщиками и используем самые современные технологии. Reply купить JAC 19 أغسطس، 2024 - 11:43 م We are a gaggle of volunteers and starting a new scheme in our community. Your web site provided us with helpful information to work on. You have performed an impressive task and our whole community can be grateful to you. Reply theguardian 24 أغسطس، 2024 - 4:30 ص Aw, this was a really nice post. Finding the time and actual effort to create a great article but what can I say I procrastinate a lot and never seem to get anything done. Reply theguardian.com 24 أغسطس، 2024 - 8:34 م Hi there, just wanted to mention, I enjoyed this post. It was inspiring. Keep on posting! Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.