رسم مستوحى من مسرحية "إنما الحياة حلم" (موسوعة الأدب الإسباني) ثقافة و فنون كالديرون الكاتب والقسيس الإسباني النهضوي يحير جمهوره by admin 1 يناير، 2025 written by admin 1 يناير، 2025 44 صاحب “إنما الحياة حلم” يرمي في أوساط المسرح الشعبي فكرة احتاج انتشارها خمسة قرون اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب تحكي قصيدة صينية قصيرة عن فتاة حلمت ذات ليلة أنها فراشة، وحين أفاقت في اليوم التالي لم تعد تدري أهي فتاة حلمت أنها فراشة أم فراشة تحلم الآن أنها فتاة. هذه القصيدة التي “استعارها” عدد من الشعراء والكتاب ونسبوها إلى أنفسهم، وبينهم شعراء عرب، تكاد تلخص الموضوع الأساس الذي تحمله واحدة من أروع المسرحيات التي عرفها الأدب الإسباني، وربما العالمي، في تاريخه: مسرحية “إنما الحياة حلم” لبيدرو كالديرون دي لاباركا. وأكثر من هذا، ربما يصح أن نقول إن هذا الموضوع هو الذي حرك كالديرون دائماً لكي يكتب، مورثاً إياه من بعده إلى عدد كبير من الكتاب باللغة الإسبانية، وصولاً إلى خوليو كورتاثار الذي سيطر موضوع العلاقة الجدلية بين الواقع والحلم على معظم أعماله، بما فيها قصته “ابن العذراء” التي اقتبس المخرج أنطونيوني منها فيلمه “انفجار”. كالديرون ديلا باركا (1600 – 1681) (غيتي) إنه السؤال الأساس سؤال كالديرون كان أساسياً ومقلقاً: هل نحن نعيش الواقع أو أننا نعيش الحلم؟ أين الحياة في حقيقتها وأين الحلم؟ بالنسبة إليه كان لا بد له من أن يتوصل يوماً إلى الاستنتاج بأن الحياة البشرية ما هي سوى حلم، بمعنى أن كل شيء في هذه الحياة الدنيا ليس أكثر من وهم، وإن الثابت المؤكد الوحيد إنما هو “سراب أحاسيسنا وأفكارنا حين تدين بوجودها إلى إدراكنا الحسي لها لا أكثر”. والحال أن كالديرون، أكبر كتاب العصر الذهبي الإسباني بعد لوبي دي فيغا، وأكثرهم إنتاجاً. سخر كثيراً من كتاباته (المسرحية الخاصة) للتحدث عن هذا الأمر الذي كان يقلقه. وهو لئن كان أكثر وضوحاً في عنوان وموضوع مسرحيته “إنما الحياة حلم”، فإنه لم يفته أن يعنون مثلاً مسرحية أخرى له بـ”في هذه الحياة، كل شيء هو، معاً، حقيقي ومزيف”. ورأى كثيرون أن كالديرون في هذا العمل الأخير، الذي كتبه بعد نحو ثلاثة عقود من كتابة “إنما الحياة حلم”، شاء أن يكون أقل حسماً مما كان في الماضي، ومع هذا عاشت “إنما الحياة حلم” ولا تزال، وهي تشكل حتى اليوم عملاً أساساً من أعمال المسرح العالمي، وتحديداً بوصفها مسرحية “باروكية فلسفية” تطرح على الإنسان سؤالاً لم يكن طرح عليه، منذ أساطير ما قبل الأديان التوحيدية. إنتاج في القمة كتب كالديرون “إنما الحياة حلم” LA VIDA ES SUENO بين عامي 1631 و1632 وكان بلغ قمة مجده الأدبي، لكن أسئلته كانت بدأت تصبح أكثر مدعاة للقلق. والمسرحية حققت على الفور نجاحاً استثنائياً، لغرابة موضوعها ولكن لقوته أيضاً. وتتحدث “إنما الحياة حلم” التي عرفت بكونها “هزلية فلسفية” عن بازيليو ملك بولندا، الذي قيل له حين ولد ابنه سيغسموندو، من قارئي الطالع، إن هذا الابن سيصبح طاغية حين يكبر ويحكم، فيقرر الملك أن يربي الابن في سجن معزول يقع في برج جبلي ولا يرى فيه السجين سوى مربيه وسجانه كلوتالدو. وبالفعل يربى الابن هناك بحيث أنه، بعد 20 عاماً، يصبح نصف إنسان/ نصف حيوان ونراه في مناجاة شهيرة يحسد الحيوانات على حريتها. في ذلك الحين يكون بازيليو أضحى عجوزاً وبدأت تقلقه مسألة ولاية عهده، فيرى أن الوقت حان لاختبار ما آلت إليه حال سيغسموندو. فيقرر أن يحضر الشاب إلى القصر وهو نائم، فإذا أفاق وتبين أنه قادر على السيطرة على أهوائه وعواطفه سيسلمه الحكم. أما إذا ظهر أنه إنسان قاس لا يرحم، فسيعاد لسجنه ويقال له إن ما اختبره في القصر لم يكن أكثر من حلم. حين يفيق سيغسموندو في القصر، يقال له، للمرة الأولى، إنه ذو منبت ملكي، وبما أنه ربي كحيوان، يقرر أن يتصرف كحيوان فيحاول قتل كلوتالدو، ويرمي خادماً من النافذة، ويصرف اهتمامه إلى روزارا، المرأة التي جاءت تشكو إغواء دوق موسكوفي لها. إزاء هذا كله يخدر سيغسموندو ويعاد لسجنه. غلاف إحدى طبعات “إنما الحياة حلم” (أمازون) ما الذي عاشه حقاً؟ حين يفيق سيغسموندو، تستبد به الحيرة: هل ما عاشه في القصر كان مجرد حلم أم ماذا؟ وهل تراه الآن يحلم أنه في سجن أم ماذا؟ في القصر يكون على بازيليو الآن أن يختار لخلافته بين دوق موسكوفي، وبين الأميرة الزائرة استريلا، لكن الجيش يتمرد ضد اختيار الدوق باعتباره أجنبياً، ولأن الجيش لا يريد امرأة في الحكم، ينتهي به الأمر إلى تحرير سيغسموندو من سجنه وإعلانه ملكاً. ويحاول هذا، ما أن يفهم كل ما حدث له أن يثأر من الملك العجوز بازيليو، لكنه سرعان ما يرتمي عند قدميه طالباً صفحه. ثم يجبر دوقا موسكوفيا على الزواج من روزارا التي سرعان ما يتبين أنها، في حقيقتها، ابنة كلوتالدو. أما سيغسموندو فإنه يطلب لنفسه يد الأميرة استريلا، وهكذا تبدو السعادة مكتملة وتصل الأحداث إلى مستقر لها. غير أن هذا كله لا يبدو أنه مريح لسيغسموندو، لأنه في ما تبقى له من أيام سيعيش وقد استبدت به فكرة قاتلة: هل تراه الآن يحلم بأن هذا كله حدث له، وأن الواقع سيوقظه بعد أن ينتهي الحلم، وهو قابع في سجنه؟ أم أن ما يحدث له الآن هو الحقيقة؟ سؤالان في سؤال واحد أين الحقيقة؟ أين الحلم؟ سؤالان، أو سؤال واحد، ليس من شأن كالديرون أو مسرحه أن يجيبا عنه أو عنهما. وذلك بكل بساطة لأن كالديرون نفسه، إنما يريد أن يقول لنا وبكل وضوح، إنه لا يعرف ما إذا كان وجوده حقيقياً أو مجرد حلم. ومن الواضح أن هذا السؤال الصارخ والحائر، ينتمي إلى القرن الـ20، أكثر من انتمائه إلى تلك العصور التي عاش فيها كالديرون وكتب. وإن هذا السؤال إنما هو واحد من أسئلة الحداثة، وواحد من هموم الإنسان المعاصر. بالنسبة إلى كالديرون كان الهم التعبير عن استحالة التمييز بين الوهم والحقيقة. وكان يرى أصلاً أن الحياة نفسها ليست سوى حلم سنفيق منه ذات يوم على إيقاع الموت والحشر والحساب، لكنه أبداً لم يطرح الأمر ضمن إطار وعظي – أخلاقي، حتى وإن كان هو أمضى الجزء الأكبر من حياته في العمل الديني قسيساً، وكتب كثيراً من المسرحيات الدينية. صراعات الذات والآخر ولد بيدرو كالديرون دي لاباركا في عام 1600 في مدريد لأسرة ثرية وأرستقراطية تعمل في البلاط الملكي، وتلقى علومه في سالامانكا. وهو عاش حياة صاخبة مملوءة بالتقلبات والصراعات، مع نفسه ومع عائلته، قبل أن يرسم كاهناً في عام 1651، وكان كتب عشرات من المسرحيات. وانضم لاحقاً إلى البلاط الملكي، إذ انصرف إلى كتابة مسرحيات دينية استقى مواضيعها من الكتب المقدسة. غير أن أعماله الكبرى هي تلك الدنيوية التي كتبها خلال القسم الأول من حياته، ويربو عددها على 100 مسرحية، لا تزال “إنما الحياة حلم” أقواها وأشهرها. ومع ذلك ثمة دائماً مسرحيات كثيرة له تنافس تلك في قوتها، بل وفي كون الأجيال التالية لجيل كالدرون، وحتى وصولاً إلى هذا الزمن الذي نعيشه ولا يزال يحتفظ بهذا الكاتب الكبير بمكانة لا تضاهى في تاريخ المسرح، من يفضلون هذه المسرحية أو تلك على “إنما الحياة حلم” على اعتبار أن هذه حيرت الجمهور في الزمن الذي ظهرت فيه وبدت عصية على أن تفهم، ولا سيما بالنسبة إلى جمهور كان اعتاد على بساطة مسرحيات الكاتب وعادية المواضيع فإذا بهذه المسرحية تربكه وتغرقه في أفكار عميقة كان دائماً في غنى عنها! المزيد عن: الأدب الإسبانيبيدرو كالديرون دي لاباركاخوليو كورتاثارلوبي دي فيغا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post السلطة الفلسطينية مصرة على إنهاء حال المجموعات المسلحة في مخيم جنين next post أي علم اجتماع عربي بعد ابن خلدون؟ You may also like الباتيك في إندونيسيا.. فن تقليدي يعكس روح جاوا... 4 يناير، 2025 المقاومة بالسرد الجميل.. تجربة القصة الفلسطينية القصيرة من... 4 يناير، 2025 رجوع أوديسيوس برفقة كفافيس وريتسوس في فيلم “العودة” 4 يناير، 2025 ديبوسي يخوض الحرب العالمية الأولى بموسيقى وطنية 4 يناير، 2025 “الحملُ الطاهر” رواية نيتشوية تضطهد الأم فيها وليدها... 4 يناير، 2025 بول تسيلان الذي كتب الشعر بحبر الذاكرة 3 يناير، 2025 الإيزيديات الأسيرات يتحررن شعرياً في “يوتوبيا بحجم الكف” 2 يناير، 2025 مخرج كشميري يتحدى سردية بوليوود حول إقليمه المضطهد 2 يناير، 2025 تولستوي الصغير يكتب روايته بعيدا من الأرض الروسية 2 يناير، 2025 أي علم اجتماع عربي بعد ابن خلدون؟ 1 يناير، 2025