ثقافة و فنونعربي كاتب إنجليزي قلب حياة المهاتما غاندي رأسا على عقب by admin 18 يناير، 2023 written by admin 18 يناير، 2023 28 جون راسكين من النقد الفني ومناصرة مواطنه تورنر إلى نظريات في العدالة الاجتماعية اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب يروي المهاتما غاندي في كتاب مذكراته كيف أن الصدفة وحدها جعلته يكتشف خلال رحلة قطار في جنوب أفريقيا حيث كان يعيش ويعمل محامياً قبل خوضه السياسة في وطنه الهند، كتاباً لم يفارقه منذ ذلك الحين “كتاباً سيطر عليَّ تماماً منذ فتحت أولى صفحاته وجعلني أقرر من فوري إحداث تبديل جذري في حياتي بشكل يجعل نمط حياتي الجديد يتطابق مع ما في هذا الكتاب”. وكانت النتيجة أن راح غاندي يحضر من فوره ترجمة الكتاب إلى اللغة الهندية المعروفة بلغة الغوجاراتي، بل إن مسعى غاندي لن يتوقف عند الترجمة بل نراه يشتغل في فصل أضافه إلى الكتاب على تكييفه وتكييف الأفكار التي يحملها مع الواقع الاجتماعي الهندي. وعلى هذا النحو كان يمكن لنا أن نستنتج كيف أن كاتباً إنجليزياً مسيحياً كان ذا تأثير كبير على فكر غاندي مؤسس الهند الحديثة الذي لم يقيض له أن يلتقي ذلك الكاتب إذ رحل في عام 1900، وكان الزعيم الهندي لا يزال في بدايات حياته النضالية غير دار بما سيكون عليه مصيره ولا مصير وطنه الهندي. كبير النقاد الفنيين أما ذلك الكاتب الإنجليزي فلم يكن مجهولاً لا في الهند ولا في بلاده طبعاً. هو جون راسكين المفكر والناقد الفني والرسام والعمراني، ولكن أيضاً المناضل في سبيل العدالة الاجتماعية، وإن كانت هذه الصفة الأخيرة لا تزال شبه مجهولة على رغم ما قام به غاندي في سبيل التعريف بها منذ اكتشف ذلك الكتاب الذي كان واحداً من كتب راسكين الأقل شهرة، والذي يتألف من أربع دراسات حملت معاً حين نشرت تباعاً في مجلة “كورنهيل” اللندنية في عام 1860 عنواناً جامعاً هو “الدراسات الأربع حول أول مبادئ الاقتصاد السياسي”، علماً بأن الأهم بين تلك الدراسات وأكثرها استفزازاً كانت تلك التي حملت عنواناً مستقلاً هو “إلى الباقي الوحيد”. ولنشر أول الأمر هنا إلى أن الدراسات التي سيتألف منها الكتاب لم تمر حين نشرت مرور الكرام، بل تسببت في قطيعة تامة -طالب بها قراء المجلة بإلحاح على أية حال- بين مجلة “كورنويل” وجون راسكين الذي كان حينها قد تجاوز الحادية والأربعين من عمره ويعتبر من كبار المدافعين عن الفنون المحدثة ولا سيما عن ويليام تورنر الذي سيعود إليه الفضل في ولادة الفن الانطباعي حتى في فرنسا. غير أن تلك المكانة لن تشفع لراسكين الذي في ابتعاد بعض الشيء حينذاك عن اهتماماته الفنية، آثر أن يدلي بدلوه في العلاقة بين الاقتصاد والمجتمع. وكانت تلك الدراسات التي جمعها الكتاب وسيلته إلى ذلك. فأثارت نقمة قراء المجلة، لكنها في المقابل ثبتت لراسكين مكانة كبيرة في الفكر الاجتماعي – الاقتصادي أواسط القرن التاسع عشر. جون راسكين (1819 – 1900) بين الفن والفكر الخيالي (الموسوعة البريطانية) العقلاني يرعب الإنجليز فما الذي خرج به عن المألوف ذلك العقلاني الكبير وأطلق في وجهه ثورة لم ينسها الإنجليز أبداً؟ بكل بساطة نسف كل الأفكار التي كانت في المجال الاجتماعي – الاقتصادي تعتبر فخراً للإنجليز ونوعاً من صمام الأمان لليبراليتهم ولا سيما منها تلك التي حملتها مؤلفات المفكرين الليبراليين الثلاثة: آدم سميث (1723 – 1790)، وجون ستيوارت مل (1806 – 1873) وديفيد ريكاردو (1772 – 1823). واللافت في الأمر هنا هو أن ستيوارت مل وحده كان على قيد الحياة حين نشرت الدراسات لكنه بدا غير مبال بحملة راسكين فيما كان سميث وريكاردو قد رحلا منذ زمن، بالتالي يمكننا أن نفهم أن أصحاب العلاقة لم يكونوا هم من حرك الدفاع عن الليبرالية الإنجليزية، بل قراء المجلة أنفسهم الذين من الواضح أن نصوص راسكين قد أرعبتهم في زمن كانت فيه أوروبا بأسرها تعيش تبدلات وحالات ثورية قد يكون الإنجليز اعتادوا مناصرتها ولكن بشرط أن تحدث في أماكن أخرى لا في بلدهم الذي كان ينعم بما ينهبه من ثروات مستعمرات الإمبراطورية البريطانية، حتى وإن كان الأدب البريطاني يظهر، على خطى ديكنز بالتأكيد ولكن في تعبيرات كثيرة منه أن أحوال البلد ليست في خير. ولا شك أن مفكراً متعدد الاهتمامات من طينة راسكين لم يكن هذا الواقع يفوته، ومن هنا كان يكظم الثورة والغضب على تلك الأوضاع في صدره حتى فجره في تلك الكتابات. وكانت كتابات جريئة بالمقياس الفيكتوري وتتناول بشكل خاص أوضاع الطبقة العاملة في المدن الإنجليزية الكبرى وقد راحت الثورة الصناعية تتكشف عن عورات ستؤدي بذلك المجتمع إلى الجحيم. وهذا ما قاله راسكين وبرهن عليه. دفاعاً عن الحياة البسيطة غير أنه لم يكتف بذلك بل انطلق من مبدأ في منتهى البساطة حدد به الطريق التي ينبغي أن تتبع للوصول إلى خلاص. وكان ذلك المبدأ يتلخص في شعار بسيط: ليس ثمة في الوجود ثروة تفوق في قيمتها الحياة نفسها. ومن هنا نراه يتهم الاقتصاديين الليبراليين “الجشعين” في نظره بأنهم يدمرون تلك الحياة حين يدافعون وبالعبارات والأسلوب أنفسهما عن تلك الرغبة في تجميع الثروة وتحقيق الثراء من خلال استغلال عمل العمال البائسين، مما يجعلهم مدافعين عن “فكر يقوم على إيجاد أكبر قدر من اللامساواة والتفاوت الطبقي بين البشر”، بالتالي رأى راسكين أن ما ينبغي عمله إنما هو “إيجاد نوع من المساواة في الأجور بين جميع العمال إلى أية طبقة أو فكر انتموا، والتخلي تماماً عن مبدأ الدفاع عن الثراء كما يشتغل عليه أولئك الاقتصاديون الليبراليون”. بالنسبة إلى راسكين وفي اندفاعة لم يصل إليها لا ماركس ولا الذين على يساره من أمثال برودون وسان سيمون وباكونين، ولا حتى أوين أو فورنييه، “لا شك أن قيمة أي شيء لا ينبغي أن تكون مرتبطة بندرته بل بالفائدة المتوخاة من الحصول عليه”، مما يجعل “حصول شيء ما على قيمة خاصة به يعني أنه يخدم الحياة نفسها” ويعني بالتالي أن “الثروة ينبغي أن تقتصر على الحصول على أشياء مفيدة يمكننا استعمالها لا اقتناؤها لمجرد أن نقتنيها”. في عمق الفكر الخيالي والحال أن هذه الأفكار على قوتها وجمالها لا تخرج عن كونها أفكاراً خيالية، لكن الأهم من هذا التصنيف هنا هو أن راسكين إنما يجعل من نظريته التي يشرحها على أية حال شرحاً وافياً في صفحات كتابه، نوعاً من الدعوة إلى ما يمكن أن نسميه “الحياة البسيطة والقنوعة” التي ما برحت ومنذ سقراط ربما تغري المفكرين الكبار دافعة إياهم إلى أن يبدوا في تجليات تلك الفكرة خياليين بسطاء لا يدركون أن تلك الحياة التي يدعون إليها لا تتماشى لا مع الطبيعة البشرية ولا مع حراك التاريخ، لكنها تتماشى مع النتائج التي يستخلصها راسكين في الدراسة الأخيرة من دراسات ذلك الكتاب الذي يبدو اليوم منسياً إلى حد كبير. ومع ذلك لا بد من التنويه هنا بأن قراءة المهاتما غاندي للكتاب وهو في قطاره الجنوب أفريقي ثم اعترافه بأن هذا الكتاب قد جعله يغير حياته، كان كافياً لعودة الكتاب إلى الواجهة بخاصة أن الزعيم الهندي قد أقرن القول بالفعل وثنى على الوعد الذي قطعه لنفسه باتباع أسلوب الحياة الذي دعا إليه راسكين جاعلاً منه العمود الفقري لفكر سياسي لاقى على رغم اشمئزاز كثر منه، مناصرين كثراً، ولكن من دون أن يسأل هؤلاء أنفسهم: لماذا لم يعش جون راسكين (1819 – 1900) نفسه تلك الحياة التي دعا إليها، ولماذا ناصر في الزمن الذي عاشه وكان واحداً من كبار وجوهه ومفكريه، كل أولئك الفنانين والكتاب الذي كانت أعمالهم تعتبر قيم ثروة ومقتنيات تفخر بها بيوت كبار القوم ولا سيما منهم كل أولئك الذين ما إن أصدر تلك الدراسات حتى راحوا يرجمونه من دون هوادة أو رحمة؟ المزيد عن: المهاتما غاندي\جنوب أفريقي\االهند\لغة الغوجاراتي\جون راسكين 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post How much alcohol is too much? New guidance for Canadians out today next post نصائح توم كروز لمخرج “تار” أنقذته من تدخلات هارفي واينستين You may also like مستقبل مقاومة هوليوود الليبرالية بوجه ترمب 29 نوفمبر، 2024 نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024