مشهد من تقديم لأوبرا "حكايات هوفمان" لأوفنباخ (موقع الأوبرا) ثقافة و فنون قليل من الموسيقى وكثير من الغرائبية في حياة هوفمان by admin 28 يوليو، 2024 written by admin 28 يوليو، 2024 63 إبداع ضاع بين رغبات فنية موءودة وقصص من الواقع كتبها المبدع على مضض فكانت ملخصاً لسيرته اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب كان إرنست ثيودور هوفمان بالدرجة الأولى كاتباً اشتهر فقط في هذا المجال بعدد من تلك الحكايات الغرائبية التي سيقول فرويد، رائد التحليل النفسي، إنه ما كان من شأنه أن يضع كتابه “الغرابة المقلقة” لو أنه لم يستوح فكرته من قصصه، لكن هذا لا يلغي أن هوفمان من ناحيته كان يعتبر نفسه موسيقياً أكثر منه كاتباً هو الذي انطلاقاً من معاصرته موتسارت وبيتهوفن وصداقته مع غلوك، وهم الثلاثة الذين كانوا كبار موسيقيي أوروبا خلال حياته، قرر يوماً، إمعاناً في موسقة نفسه وتطلعاته أن يبدل اسمه العلم الثالث من فلهلم الذي كان عرف به منذ طفولته، إلى أماديوس فقط على سبيل التيمن بموتسارت الكبير. غير أن ذلك لم يجده نفعاً على أية حال. فهو في عالم الموسيقى لم يتمكن من تحقيق أية مأثرة. كل ما في الأمر في هذا المجال أن العمل الموسيقي الكبير الوحيد الذي ارتبط باسمه لم يكن في حقيقة الأمر سوى أوبريت “حكايات هوفمان” التي أبدعها الفرنسي جاك أوفنباخ عند بدايات القرن الـ20. ونعرف أن تلك الأوبريت لم تكن سوى مستلهمة من أعمال هوفمان القصصية كما من حياته وارتباط هذه الأعمال بتلك الحياة، لكنها التفتت في طريقها وبصورة عابرة لا أكثر إلى إخفاق هوفمان في جهوده الموسيقية. تقدرون وتضحك الأقدار ومن هنا حين يتم تناول هوفمان في مثل مجالنا هنا لا بد أولاً من الإشارة إلى أنه لئن كانت له بالفعل مكانة معتبرة في مجال تاريخ الإبداع فإن تبديل اسمه ليكنى باسم مبدع سالزبورغ الكبير في مجال الموسيقى لم يكن أمراً مهماً في حياته، لكنه يعتبر كبيراً على أية حال في مجال الأدب الذي كتبه وكان فريداً على أية حال، حتى وإن كان محدود الحجم كما ألمحنا: ثلاثة مجلدات صدرت باكراً لتترجم بالتدرج لاحقاً إلى عدد من اللغات الأوروبية الأخرى حافظة له مكانته الأدبية الكبيرة. ومع ذلك قد يساير التاريخ هوفمان بعض الشيء إذ يذكر بين الحين والآخر بأنه كان موسيقياً وكان رساماً وكان باحثاً لا سيما في الشؤون القانونية هو المتحدر أصلاً من عائلة من القانونيين نشأت في مدينة كونغسبرغ التي تعتبر اليوم ثغراً روسياً يجاور بحر البلطيق مع أنها تعتبر بولونية حيناً وألمانية في أحيان أخرى. وهوفمان الذي ولد عام 1776 في تلك المدينة ظهرت لديه مواهب فنية كبيرة منذ صباه المبكر لا سيما في مجالي الرسم والموسيقى، ومن هنا بدا له من الطبيعي أن يتجه نحو المجالات الفنية منذ وقت مبكر، لكن كبار عائلته لا سيما عمه كانوا يرون أنه يجدر به ضمن إطار التقاليد العائلية أن يتجه صوب دراسة الحقوق. وهكذا أرسله عمه باكراً إلى برلين للدراسة. عودة حرة إلى برلين لقد انصاع الفتى بالفعل لإرادة العائلة ولو على مضض مجهزاً نفسه لشغل مناصب متدرجة في الخدمة العامة للدولة البروسية. وهو بالفعل ما إن تخرج حتى شغل منصباً قضائياً مهماً في الإدارة. غير أن مشاغبته جعلته ينقل إلى منصب أدنى من ذلك في بولندا بعدما أنجز في برلين رسماً كاريكاتورياً يسخر من رؤسائه، لكنه في عام 1807 حين احتلت قوات نابليون وارسو قرر أن يعود إلى برلين ويكرس طاقاته وجهوده للفنون التي تستثير اهتمامه لا سيما منها الرسم والموسيقى. وهو ما حققه بالفعل في العاصمة البروسية حيث تمكن من الوصول إلى إدارة فرقة مسرحية وإخراج أعمال لها في وقت راح فيه يلحن أعمالاً أوبرالية تحقق لدى الجمهور البرليني العريض نجاحات متفاوتة ولكن غير ضخمة، بل ربما يمكننا أن نشير هنا إلى أن هوفمان لئن كان قد حقق نجاحاً حقيقياً ما فإن ذلك كان في المجال الذي لم يكن يثير لديه أي اهتمام، مجال الكتابة وبخاصة كتابة النقد الفني والموسيقي الذي سيقول دائماً إنه دخله بالصدفة ومن دون أي استعداد سابق. والغريب أن نجاحاته الكتابية بصفته ناقداً ولكن بالتوازي مع ذلك، بصفته مبدعاً في مجال كتابة القصص القصيرة والمتوسطة الطول التي ستشكل في نهاية الأمر متن الأجزاء الثلاثة لكتابه الأدبي الوحيد، تلك النجاحات تزامنت مع إدمانه المشروبات التي نعرف أنه ستحمل له نهايته التعيسة التي أبدعت أوبرا هوفنباخ في الحديث عنها ولكن طبعاً من خلال استعراضها كيف عبرت قصص هوفمان القصيرة عن تلك الحياة خلال المرحلة الثانية والأخيرة منها. سيرة مواربة للكاتب والحقيقة أن تلك القصص تكاد تكون سيرة مواربة لهوفمان، في مجملها، وهو ما يقترحه أوفنباخ على أية حال ويشير إليه فرويد من خلال حديثه المتشعب عن ارتباط كتابات أوفنباخ بحياته ما أهله –أي فرويد نفسه– لاتخاذ ذلك المبدع ذي الخيالات الجامحة منطلقاً له للحديث عن تلك الغرابة التي وجدها مقلقة بالنظر إلى أنها إنما تنطلق من شؤون الحياة البسيطة وتفاصيلها اليومية لتصل إلى أغرب النتائج والنهايات. هوفمان (1776 – 1822) (الموسوعة البريطانية) وإذا كان من العسير علينا هنا أن نتوقف عند عدد كبير من الحكايات التي تضمها مجلدات الكتاب أو عند مستخلصاتها التي يستخدمها هوفنباخ في أوبراه بوصفها جزءاً من تفاصيل التفاصيل المتعلقة بحياة هوفمان وتدهوره العقلي، فإن في الإمكان مع ذلك التوقف عند بعض اللحظات الأكثر دلالة والشخصيات الأكثر تأثيراً على السياق كله، من حكاية ذلك المريض الذي نراه يبلى من دائه بفضل دواء غريب من نوعه يصفه له شخص يقدم لنا شريراً أول الأمر “حكاية (إينياس دينير)”، إلى حكاية عازف الكمان الذي يتعامل بإعجاب غريب من نوعه مع القطع التي يعزفها على رغم كارثية هذا العزف “كما في حكاية (تلميذ تارتيني الكبير)” أو كما في حكاية “رجل الرمال” حول طالب يحدث له ذات يوم أن يولع بامرأة آلية. والحقيقة أن في مقدورنا هنا أن نستطرد في هذا السياق متوقفين عند العناوين التي تقدم لنا نحو 50 من تلك المواقف نفسها والتي تنطلق دائماً من مواقف قد تمتلئ بها الحياة اليومية لتوصلنا إلى عوالم شديدة الغرائبية. فضل فرويد في النهاية أنجز هوفمان خلال تلك المرحلة الأخيرة من حياته نحو 50 نصاً قسمها جامعو أعماله وناشروها في ثلاثة أجزاء حمل أولها عنوان “حكايات على طريقة كالو” (1815) والثاني “حكايات ليلية” (1817) والثالث والأخير “أخوية القديس سيرافيم” (1819). ولئن كانت قد تحققت شهرة متفاوتة لمعظم تلك الحكايات وليس فقط بوصفها نصوصاً مكتوبة ولكن كذلك في اقتباسات مسرحية وأوبرالية ثم سينمائية بالتأكيد في عصر السينما، فإن ثمة من بينها نصوصاً خلدت مثل “كسارة البندق” التي حولها الروسي الكبير بيوتر تشايكوفسكي إلى تلك الأوبرا التي تحمل العنوان نفسه، و”القط مور” التي لا تغيب عن الاقتباسات في شتى المجالات إلا لتعود إليها لا سيما في عالم الشرائط المصورة والرسوم المتحركة، و”الإناء الذهب” و”مناجم فالون”. ومهما يكن في الأمر سيبقى أن سيغموند فرويد هو صاحب اليد الطولى في تلك الجدية الفائقة التي غالباً ما أسبغت على أدب هوفمان في القرن الـ20 فهو الذي نقل ذلك الأدب من عالم الغرائبية والرعب والمغامرة إلى عالم التحليل النفسي الأكثر “جدية” وخطراً بالتحديد. ففي النهاية وحتى لو أن كثراً من كتاب القرن الـ20 وباحثيه عرفوا هوفمان وأعماله وأمعنوا فيهما تحليلاً وربطاً، فإن فرويد هو الرائد الذي كان أول من نوه بأهمية أن ندرك كيف أنه، من خلال تلك الأحداث العادية التي تبدو مثل أحداث تحصل بصورة يومية، يخرج ذلك المزيج الهائل بين الغرابة والرعب. ويقيناً إن مثل هذا التوصيف كان هو ما أسهم بصورة أساسية في ولادة الصفة المعروفة اليوم في عالم الأدب بـ”الهوفمانية” التي تبدو معادلة من ناحية ما لصفة “الكافكاوية” وتضفي على كل أدب تطلق عليه قيمة إضافية لا شك فيها. المزيد عن: هوفمانأوفنباخموتسارتبيتهوفنأوروباألمانيافرويدأوبرا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post هل بات الأدباء يستهدفون منتجي التلفزيون عوض القراء؟ next post ساعات “حساسة” تنتظر “حزب الله” ولبنان بعد حادثة “مجدل شمس” You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024