"الغزال الجريح" بريشة الرسامة فريدا كاهلو (متحف كاهلو) ثقافة و فنون قصص “نحر الغزال” تواجه الجرائم البشرية واقعا وفانتازيا by admin 23 يونيو، 2024 written by admin 23 يونيو، 2024 149 الكاتبة بسمة الخطيب بين النوستالجيا والحنين وقسوة العصر الراهن اندبندنت عربية / كاتيا الطويل @katiatawil في 21 قصة قصيرة، تجسد الكاتبة اللبنانية بسمة الخطيب مشاعر إنسانية متعارضة تدخل في حقل الحزن والانتظار من ناحية، وفي حقل الجريمة الإنسانية تجاه الطبيعة والحيوانات من ناحية أخرى. 21 قصة قصيرة تشكل المجموعة القصصية “نحر الغزال” الصادرة حديثاً عن منشورات المتوسط، التي تكتبها صاحبة المجموعتين القصصيتين “دانتيل” و”شرفة بعيدة تنتظر” ورواية “برتقال مر”. ويلاحظ القارئ منذ العنوان القسوة والوحشية والعنف التي تريد بسمة الخطيب تسليط الضوء عليها، فعملية النحر هي عملية قتل وذبح وضرب من العنق، وهو فعل بحد ذاته يرمز إلى الوحشية في التعاطي، لكن ما يزيد من قسوته هو أن الكائن المنحور هو الغزال، هذا الحيوان الذي يرمز إلى الجمال والرشاقة والنعومة. من بين الحيوانات كلها تختار الخطيب نحر حيوان معروف بهشاشته وجماله ليكون ضحية النفس البشرية، مركزة بذلك على قبح هذا العالم ولا إنسانية الإنسان وهي موضوعة تتكرر في عدة قصص. مشاعر إنسانية المجموعة القصصية (منشورات المتوسط) صدمة أولى يتلقاها القارئ عندما يكتشف راوي القصة القصيرة الأولى “العمياء”، ليتطور هذا الشعور بالمفاجأة مع نهاية كل قصة، فبسمة الخطيب تحفر في سردها أحداث القصص وطباع الشخصيات وظروفها لتأتي النهاية في كل مرة صادمة غير متوقعة مغرقة تارة في النوستالجيا الإنسانية، وطوراً في الفانتازيا الغرائبية. تعتمد الخطيب في قصصها القصيرة كثيراً من عناصر الخارق أو المتخيل السحري. ففي القصة الثالثة مثلاً، “أبناء النهر”، تحمل الخطيب قصتها رمزية وعمقاً، فما مجرى النهر سوى مجرى الحياة وما خوضه سوى خوض غمار الحياة بمآزقها وهمومها وكوارثها، فتكتب الخطيب مثلاً في هذه القصة على لسان راويها الذي يقول عن والديه: “هم، كجميع الأهالي الآخرين، يريدون لأولادهم حياة أفضل، لذا يصنعون لنا قوارب، ويرموننا في النهر فور اشتداد عودنا”. (ص: 18) ثم تضيف برمزية صادقة تحفل بها القصص كلها: “العالم مقسوم إلى قسمين، قسم يأتي بنا إلى الحياة، وقسم يأخذنا منها. والقسمان يتقاذفاننا ريثما ينتهي أمرنا”. (ص: 19). مشاعر إنسانية كثيرة تتمكن من توظيفها بسمة الخطيب في مجموعتها هذه، أبرزها الحنين والوحدة والحزن والفقد والعجز عن الإمساك بالوقت والبحث عن الخلاص والتحرر عبر الموت، فتكتب في القصة السادسة “المصح” بكل صدق ووجع: “في أول حديث لنا، أخبرتني أن البشر لا يتعافون، لا في المصح ولا في خارجه”. (ص: 36)، لتعيد تكرار هذه الجملة مع اقتراب نهاية قصتها وكأنها حقيقة لا مفر منها: “لا يتعافى أحد مع الوقت”. (ص: 40). نفي قاطع مؤلم مؤرق حارق، يظهر ضعف الإنسان وعبثية وجوده. الكاتبة بسمة الخطيب (صفحة فيسبوك) ويشعر القارئ أن قصص الخطيب تنتهي نهايات صادمة مفعمة بالمشاعر الإنسانية العميقة والموجعة والحقيقية التي تسربها. مشاعر الصراع مع الذات الإنسانية، مع الآخر، مع الزمن، مع الموت. تضع الخطيب الإنسان بمواجهة كل ما يحيط به وتضعه موضع الخاسر في كل مرة. من المشاعر التي يقع عليها القارئ كذلك في هذه المجموعة، يظهر شعور الانتظار واضحاً جلياً في قصص كثيرة. فهو إما انتظار وقوع حدث وإما انتظار مجيء أحد، ليبقى الانتظار الأكبر هو انتظار الموت. فيتحول الانتظار إلى الحدث الجوهري في عدد من القصص كما في القصة الثانية مثلاً التي تحمل في عنوانها كلمة انتظار: “في انتظار سرطان البحر”، أو كما في القصة الرابعة “الحقيبة” التي تجسد انتظار أن يأتي أحد ليفضح الحقائق وليخلص الراوية من أعبائها، أو أخيراً كما في القصة الـ17 “الوعد” التي تنتظر فيها المرأة الرجل المسن، أي الموت ليأتي إليها وينقذها من وجعها، فتقول الراوية: “إنني أجلس كل يوم عند العتبة رغم البرد والقيظ والرطوبة العفنة. ألن تأتي لتأخذني كما أخذتهم؟ ألن…؟” (ص: 84). ويلاحظ القارئ أن الراوي في كل قصة يختلف، فهو إما حيوان وإما رجل وإما امرأة. تارة هو راو داخلي يستعمل ضمير المتكلم وتارة أخرى هو راو خارجي يستعمل ضمير الغائب، لتكون القصة الـ19 القصة التي تجسد هم كل كاتب وكل راو وكل إنسان في مجال الأدب، فتقول الشخصية: “حلمي، أيها المارد أن أكتب أروع كتاب في الدنيا!” (ص: 90). وكأن الخطيب تحمل شخصيتها حلمها وحلم كل كاتب بكتابة الكتاب الذي سيجعله خالداً. وفي نهاية هذه القصة القصيرة يبدو أن هذه الكاتبة الحالمة لم تنل ما تطلبه، بل بلغت النهاية المعاكسة، فيقول الراوي عنها بكلمات تنحر لما فيها من حزن وخيبة: “في طريقها نحو حلمها فقدت رشدها”. (ص: 94). وحشية الإنسان في مقابل المشاعر الكثيرة التي تتخبط فيها شخصيات بسمة الخطيب، من عجز عن الإمساك بزمام الأيام إلى الحزن مروراً بالخوف من الوحدة والعزلة والانتظار وصولاً إلى انتظار الموت، تظهر وحشية الإنسان كموضوعة بارزة أخرى أساسية في هذه المجموعة ومنذ العنوان. وقد تكون أجمل قصص هذه المجموعة هي القصة الخامسة وعنوانها “المسخ” وهي قصة تقيمها الخطيب بكل حنكة وبراعة كمرآة معاكسة للنوفيلا “التحول” أو “المسخ” التي وضعها الكاتب التشيكي فرانز كافكا (1883- 1924). ففي نوفيلا كافكا يتحول الإنسان إلى صرصار، إلى مسخ، أما لدى بسمة الخطيب فيتحول المسخ إلى إنسان. وبدلاً من أن يفرح هذا الكائن بإنسانيته المكتسبة، نراه قد تحول إلى كائن قاس أسوأ من المسخ بتصرفاته وأخلاقه وتعامله مع الآخرين، فتبدأ القصة بجملة: “حين استيقظ الوحش ذات ظهيرة من أحلامه المزعجة، اكتشف أنه قد تحول إلى إنسان.” وهي بداية موازية تماماً لبداية رائعة كافكا، لتكمل الخطيب بصورة غير متوقع: “راح يراكم مشاعر الكراهية لإخوته والحقد على قطيعه، حتى إنه أشعل فتيل القتال الضاري بين قطيعه وقطيع آخر، طالما تشاركا الكلأ والمستنقع بسلام”. (ص: 34). وكأن تحول المسخ إلى إنسان صار لعنة وتراجعاً على سلم الكائنات، وكأن المسخ أكثر إنسانية من الإنسان بمفهوم الإنسانية السامية. أما القصة الـ14 التي تحمل المجموعة القصصية عنوانها “نحر الغزال” فهي تظهر وحشية الإنسان وطمعه وتوظيفه الكائنات المحيطة به كلها لخدمته وتنفيذاً لأهوائه ونزواته، كقتل الحيوانات النادرة الجميلة البديعة لمجرد تحويلها إلى أحذية. “نحر الغزال” مجموعة قصصية بديعة عميقة موجعة، فيها مشاعر إنسانية كثيفة كثيرة متشابكة، فيها الحزن والانتظار والقسوة، فيها الخوف والفراغ والعجز عن الهرب من الوقت. يقوم أسلوب بسمة الخطيب على جمل ثاقبة تمر في القصص مرور ومضة لكن من يتوقف عندها يتألم لواقعيتها كمثل جملة هادئة في القصة الثالثة مثلاً، تكتب فيها الخطيب: “وبما إن الأيام تأتي في موعدها هي” (ص: 24) مكملة السرد من بعدها بعادية لا تشوبها شائبة وكأنها جملة عادية لا تحمل حقيقة ألم الواقع الإنساني. ولا تكتفي بسمة الخطيب بتناول المشاعر الإنسانية كما هي بل توظفها في نصوص رمزية وحكايات شعبية كما في قصة “الصبر” مثلاً. وتظهر هذه النزعة إلى عالم الحكايات الشعبية في القصة السابعة التي تبدأ بجملة “ذات دهر بعيد،” (ص: 41) وهي موازية مثلاً لجملة: “كان ما كان، في قديم الزمان” التي تبدأ بها القصص الشعبية وحكايات الأطفال. قصص جميلة هادئة تراوح ما بين الصفحتين والتسع صفحات تنقل فيها الخطيب قارئها من القرية إلى المدينة، من الحكاية الرمزية إلى القصة الواقعية، من راو حيواني إلى راوية حزينة، من سحرية واقعية إلى واقعية مغرقة في السوداوية، ليكون الإنسان هو محط الكلام والاهتمام، بعلاقته بنفسه وبالآخر وبالعالم المحيط به، كما بموقفه الضعيف من الوقت والنوستالجيا والموت: هذا الصديق القديم المنتظر. المزيد عن: مجموعة قصصيةقصص قصيرةالعصرالفسادالعنفالإنسانالجماعةالسردكافكا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “مونتايو” للمؤرخ الفرنسي ليروا لادوري حدث نادر ومدهش في تاريخ الكتب العلمية next post بيزنس الحج في مصر… ذهاب بلا عودة You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024