الإثنين, نوفمبر 25, 2024
الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Home » قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون

قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون

by admin

 

الحياة الثورية للفردوس المفقود” للباحث البريطاني أورلاندو ريد

اندبندنت عربية / سناء عبد العزيز

يبدو الصراع بين الإنسان والشيطان في ملحمة جون ميلتون “الفردوس المفقود” لا وزن له إذا ما قورن بالجدل الجوهري حول بصيرة الخالق والإرادة الحرة. ومع أن المعركة تنتهي بدحر فريق المنشقين وتتبع فلولهم حتى الدرك الأسفل من الجحيم، فإن الثورة التي انجرف إليها ثلث سكان السماء، لم تستطع الهزيمة أن تخمد جذوتها، إذ يعلن إبليس بصلف بدء عهد جديد أصبح فيه زعيماً على مملكة الجحيم، مؤطراً صولجانه بتلك الحكمة المحرضة “سيد في جهنم خير من عبد في الجنة”. لأجل هذا وغيره اتجهت أصابع الاتهام صوب ميلتون وأفكاره المسمومة باعتبارها دعوة إلى حرب أهلية أفضت إلى سقوط الضحايا مثل آدم وحواء، ناهيك بما دفعته ذريتهما من أثمان باهظة جراء طردهما من الجنة.

في مديح القارئ الحر

على مدار 272 صفحة مقسمة إلى 12 فصلاً يحاول ريد منح فردوس ميلتون حياة جديدة من خلال أعين القراء عبر ثلاثة قرون ونصف القرن تقلبت فيها صورة الشيطان من نموذج للإمبريالية البيضاء إلى المناضل المطلق في سبيل الحرية بصفته قبل التحدي مع إله قدير لا يمكن هزيمته، وهو ما يجعل الكائن الساقط يرتقي إلى مصاف الثائر الأسطوري، مع كل ما يحمله مصيره من تحذيرات في شأن الآمال الزائفة للثورات.

كتاب “ما في داخلي مظلم” (امازون)

أسند ريد دور البطولة في كل فصل لشخصية شهيرة متتبعاً ميولها الميلتونية مع ربطها بفصل من الملحمة، ومن بينها الثائر الأميركي توماس جيفرسون والشاعر ويليام وردزوورث وأخته دوروثي، جورج إليوت وفرجينيا وولف، وهانا أرندت. وما يجمع بين هذه الشخصيات هو استجابتها لقصيدة ميلتون بطرق مختلفة تكشف عن مدى ثراء النص، بقدر ما تنبهنا إلى قدرة القارئ على مضاعفته مع كل قراءة، سواء اعتبره تحريضاً على الثورة المسلحة أم استخدمه كأداة لفحص معضلات نفسية واجتماعية عبر العصور.

لقد نظر جيفرسون إلى الفردوس المفقود كدعوة خالصة للحرية باعتبارها خصيصة للبشر من كل جنس ولون، واتخذها مالكولم إكس، دافعاً للانغماس في نشاطه السياسي، بعدما قرأها في زنزانته في ماساتشوستس عام 1948 ووجد فيها انتقاداً لحكام الغرب. أما ويليام وردزورث وأخته، فقد أثارت القصيدة شغفهما حيال كل ثائر، وأشعلت حماسة الثوار في هايتي وكوبا على نحو دعا ريد إلى إفراد فصل كامل عن الثورة الهيتية من خلال شخصية المناضل الهايتي بومبي فاستي، وذلك بجمل سهلة وصور طريفة تمزج بين التحليل الأدبي والتاريخ الاجتماعي والثقافي والسياسي، مع تقديم كم هائل من المعلومات، ولكن باقتصاد شديد.

من غاليليو إلى ثورات الربيع

شرع ميلتون في كتابة فردوسه عام 1658، واضطر إلى استكمالها شفاهياً بعدما أصيب بالعمى. وكان يخبر من حوله أن روح القدس هو من يلهمه أثناء الليل كل الأشعار التي يمليها عليهم طوال النهار، فهل نحن حيال خيال إلهي انتقل في جنح الظلام إلى عقل ميلتون أم أنها مجرد حيلة سياسية من رجل هزمته الأيام؟

لو لجأنا إلى المنهج التاريخي في تحليل النص، لتمكنا من الوصول إلى إجابة منطقية، لا سيما مع قيام ثورة إنجلترا التي أطاحت تشارلز الأول ونجحت في إعدامه خارج دار المآدب في وايتهول عام 1649. إنه الحدث الأهم في تاريخ إنجلترا حتى القرن الـ17، إذ انقسمت البلاد بين مؤيدي الملكية ومعارضيها الذين لم يروا فيها إلا مرادفاً للطغيان. وكان ميلتون من الفريق الثاني روحاً وجسداً، وما إن توالت الانقسامات والاضطرابات مطيحة النظام الجمهوري الوليد، وعادت الملكية عام 1660 إلى عقر دارها، انتابته خيبة أمل عظيمة لتنتقل معها أفكاره عن الحرية إلى موضع التساؤل.

في ضوء هذه الصراعات كتب ميلتون فردوسه المفقود بكل ما يحمله من تناقضات وعلى رغم أن قصة الخلق الأول والسؤال الجوهري عن طبيعة الإرادة الحرة من صميم قضايا الدين، فإن المدهش حقاً أن يكون التأثير السياسي للكتاب هو الأكثر هيمنة عبر العصور.

عرف ميلتون بولعه بالحرية واتضحت في كتاباته التي اتخذت من لغة التمرد وسيلة لها واستطاعت أن تجسد أزمة الإنسان بعيداً من لعنة الأخطاء وشجرة الذنوب الناجمة عن الخطيئة الأزلية، فالصراع في رأيه مادي نشأ بين إنسان صالح وآخر ظالم اغتصب حقوقه عنوة. عرف الرجل أيضاً بأفكاره الراديكالية، لا سيما أثناء عمله في مجلس الدولة، إذ سمح بأول ترجمة للقرآن الكريم، وطالب بحق المرأة في تطليق زوجها.

أثناء محاكمة غاليليو تبنى ميلتون موقفاً صارماً حيال محاكم التفتيش التي وجهت له تهمة الهرطقة لأنه أعلن أن الأرض، الكوكب الذي استخلف الإنسان عليه، ليست إلا مجرد جرم صغير يدور حول الشمس مثل غيره من الكواكب. عندما أجبر غاليليو على التراجع عن أفكاره الهدامة وزاره ميلتون في آخر أيامه، أدرك ما دفعه العالم الجليل من ثمن فادح لمجرد أن تجرأ على قلقة الثوابت التي ما لبث زيفها أن اتضح بعد سنوات قليلة، مبرهنة على دقة غاليليو وعبقريته ومدى قصر نظر رجال الدين في عصره.

يرصد ريد تغلغل أفكار ميلتون في القرنين الـ17 والـ18 بمستعمرات أميركا الشمالية، وانتشارها الواسع مع اندلاع الحرب بين بريطانيا والمستعمرات الـ13 سنة 1775، حين “بدأت الإشارات إلى الفردوس تنبت مثل فطر عقب هطول المطر”. هكذا طفقت أفكار الكاتب بعد موته تواصل العبور من بوابات الزمن حتى وصلت إلى ثورات الربيع العربي، وهو ما يفسر حظر دول مثل الكويت أعمال ميلتون نهائياً، لكن المدهش حقاً أن تدرجها بلد مثل أميركا ضمن الكتب المحظورة في ولاية فرجينيا والولايات المجاورة خلال العامين الماضيين.

الحرية هي جوهر الشعر

لم يقتصر خطاب ميلتون على السياسيين فحسب، فقد أدرك بعض الكتاب مثل وردزوورث الدرس الموجه للشعراء بتقديم نموذج يحرر الشعر من “الهموم المصطنعة المجردة”، وهو ما فطن إليه إليوت واستلهمه في قصيدته ميدل مارش، “قصة رعب عن الزواج” وتحدثت عنه فرجينيا وولف في كتابها الذي يدعو المرأة إلى الاستقلال “غرفة تخص المرء وحده”.

يقفز الكتاب من قارئ إلى قارئ ليرصد تنويعات عن مفهوم الحرية عبر المكان والزمان، حتى يصل إلى سجون نيوجيرسي، ليرصد الفترة التي تطوع فيها ريد للتدريس يوماً في إصلاحية للشباب ويوماً لطلاب الجامعات العريقة، وهنا تبلورت نظرته عن المعايير المزدوجة بين “طرفين من المجتمع الأميركي: مجموعة تحظى بالاهتمام والثناء والفرص، وأخرى تتعرض للمضايقة والإذلال والعقاب”. لقد كانت مسرحية هاملت لشكسبير هو المنهج المقرر على شباب الإصلاحية، وعندما أحسوا حياله بالسأم، جرب ريد فردوس ميلتون المفقود، وكانت النتيجة مذهلة.

استفاد ريد من آراء قرائه الجدد أيما استفادة، سواء في تطعيم كتابه باستجابات حية ومعاصرة عن تأثير النص المستمر حتى وقتنا هذا أم باستكمال دائرة الحوار بين الكاتب ومفسريه. لقد عبر السجناء في عصرنا عن افتنانهم بملحمة ميلتون لا باعتبارها نصاً أدبياً، وإنما كشيء مهم يفسر ما وصلنا إليه الآن من معاناة.

هكذا يبدأ الكتاب بموجز لأحداث الفردوس المفقود مع إيراد بعض الاستشهادات المؤثرة من النص بغرض توعية القراء الذين لم يطلعوا عليها، ثم يتنقل بخفة، عبر الزمن التاريخي والفضاء الجغرافي لتشكيل حياة أخرى لملحمة ميلتون من خلال أعين القراء.

المزيد عن: جون ميلتونكتابباحث بريطانيالحريةملحمة شعريةالفردوس المفقودطريق الشعر

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00