إميل زولا (1840 - 1902) يتحدث في مؤتمر بلندن عام 1893 (غيتي) ثقافة و فنون قرن قبل أن يكتشف الباحثون أن إميل زولا لم يكن مجرد روائي بارع by admin 6 أغسطس، 2024 written by admin 6 أغسطس، 2024 112 ألوف الملفات والمعلومات الأنثروبولوجية والزيارات الميدانية قبل كتابة سيرة “روغون – ماكار” اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب طوال الجزء الأكبر من القرن الـ20، وفي الأقل منذ رحيل إميل زولا المأسوي في حريق بمنزله في عام 1902 حتى منتصف ثمانينيات القرن نفسه، كان السائد في أوساط الأدب والنشر الفرنسيين أن إصدار كامل أعمال هذا الكاتب الكبير قد تم منذ زمن بعيد، إذ لم تعد هناك زيادة لمستزيد. بالتالي فإن زولا برحيله المبكر بعض الشيء (عن 62 سنة بالتحديد) خلف وراءه في رحيله متناً أدبياً كبيراً يتألف أساساً من “ساغا آل روغون – ماكار”، إضافة إلى عدد كبير من نصوص أخرى جعلته الاستمرار الكبير لسلسلة روائيي القرن الـ19 الفرنسيين الكبار من غوستاف فلوبير وستندال إلى موباسان وفكتور هوغو، وبالطبع أونوريه دي بلزاك الذي لا شك أن زولا قد سار أساساً على خطاه. غلاف كتاب “دفاتر التحقيقات” لإميل زولا (أمازون) غير أن الأهم من ذلك كما راح القراء المولعون بروايات زولا يؤكدون، خلف أيضاً عدداً كبيراً من أسئلة يفعم طرحها بدهشة تتعلق بخاصة، بتلك التفاصيل الاجتماعية والتاريخية والأخلاقية والجغرافية التي لا شك يطرحها قراء “آل روغون – ماكار” على أنفسهم في كل مرة حيرتهم فيها تلك الروايات، وفحواها الجوهري سؤال جامع مانع هو: من أين لزولا أن عرف كل ذلك الكم الهائل من المعلومات حول حياة عائلتين ومورفولوجيا أماكن إقامة أفرادهما ومواصفاتهما الأخلاقية وتطور حياتهما طوال سنوات النصف الثاني من القرن الـ19 الذي يتناول تاريخه الاجتماعي على عهد الإمبراطورية الثانية، حيث شهد انتقال فرنسا المدينية، وبخاصة الباريسية، إلى حداثة القرن الـ20؟ سؤال لقرن بأكمله ظل هذا السؤال وعشرات الأسئلة المتفرعة عنه مطروحاً بتعجب واستغراب في الأقل حتى أواسط القرن الـ20 كما أشرنا. ففي ذلك الحين كان ثمة هم لدى سلسلة كتب “أرض البشر” الأدبية – الأنثروبولوجية الفرنسية الرائعة التي كان يصدرها جان مالوري، عالم الإنسان الفرنسي من أصل اسكتلندي منذ الخمسينيات، وكان الهم يدور من حول إبراز الجانب العلمي – الأنثربولوجي من نشاط كبار الروائيين، وذلك تحديداً من خلال اتباع مقولة لكارل ماركس أبداها وهو في بداية شبابه يدعو فيها دائماً إلى تأمل الحياة الحقيقية للبشر، وإن من طريق الأدب الروائي الواقعي وربما على خطى “بلزاك الذي ما انفك يذكر بأن الكتابة الأدبية إنما هي مباغتة المعنى المخبوء في ذلك التجميع للوجوه والأحداث”، وكذلك على خطى فلوبير الذي كان قد بدأ يؤكد أن “الأدب بات يؤكد أكثر فأكثر اتخاذه سمات العلم”، والحقيقة أن ما حدث خلال ذلك الربع الأخير من القرن الـ20 بعد موت زولا بكل تلك العقود أن اكتشف الباحث الفرنسي في التاريخ الأدبي، هنري ميتران، في محفوظات المكتبة الوطنية ما سيعد مذاك وصاعداً ليس فقط كنزاً أدبياً هائلاً، بل كذلك جواباً واضحاً لا لبس فيه على مجمل الأسئلة الحائرة التي كانت مطروحة من حول أدب إميل زولا. إنجاز لمجمل الحياة المثمرة والاكتشاف الذي قال ميتران يومها إنه “أعظم إنجاز حققته في حياتي” لم يكن في الحقيقة سوى ألوف الصفحات المدونة بخط إميل زولا موزعة بكل عناية على ملفات مفهرسة بصورة جيدة، ويمكن أن يعطى لها عنوان عام هو “كراسات زولا”، وهو على أية حال الاسم المصطلحي نفسه الذي حملته لدى نشرها في سلسلة جان مالوري التي أشرنا إليها. ولا بد أن نذكر أن مديرها ومؤسسها لم يفته أن يقول قبل رحيله قبل أشهر من الآن إنه لا يزال يرى أن المجموعة من تلك الكتابات لزولا التي نشرها هنري ميتران في “أرض البشر” هي بالتأكيد من أهم ما نشر، وذلك بالتحديد لأنها أجابت عن كل الأسئلة كما كشفت عن أن زولا لم يكن روائياً كبيراً فحسب، بل كان عالم أنثروبولوجيا أيضاً. فهل كان بإمكان أحد أن يقول غير ذلك، وهو يراجع تلك الملفات الفظيعة؟ أو في الأقل منها ما يتعلق بالعدد الأكبر من أجزاء “آل روغون – ماكار”، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، 1250 ملفاً لرواية “جرمينال”، و953 ملفاً لـ”ثروة آل روغون”، هذا لكي لا نوزع اهتمامنا هنا ليشمل ملفات تتعلق بأعمال أخرى لزولا غير تلك الـ”ساغا”: 4233 ملفاً لسلسلته “ثلاث مدن” أو 3158 لمجموعته عن الأناجيل. ومهما يكن من أمر سنحصر كلامنا هنا بـ”آل روغون – ماكار” لنذكر أن ملفات زولا المتعلقة بها تزيد على 10 آلاف ملف اضطر هنري ميتران إلى أن يختصرها بالنسبة إلى كتاب “دفاتر التحقيقات” الذي نشرته سلسلة “أرض البشر” في عام 1986، في نحو 680 صفحة كانت كافية لقلب النظرة إلى إميل زولا رأساً على عقب. نتائج تحقيقات ميدانية وذلك بالتحديد انطلاقاً من الجواب الشافي عن السؤال المركزي في هذا المجال: ما الذي تضمه هذه الصفحات؟ ببساطة تضم عدداً هائلاً من الملاحظات والتحليلات ونتائج اللقاءات مع الناس العاديين ونسخاً لعبارات شعبية متداولة وتوصيف تلك الأماكن الحقيقية التي سنجدها في الروايات من أسواق الهال الشعبية وسط باريس، ولا سيما منها رواية “أحشاء باريس”، إلى الحانات، إلى مظاهر الحياة في محطات القطارات، إلى العلاقات العائلية، إلى الحدائق العامة، والأعياد الوطنية التي تقام فيها، إلى حياة المهاجرين، فعمال السكك الحديد، وموظفي المخازن الكبرى، كما في الرواية الرائعة “سعادة النساء”، وصولاً إلى عمال المناجم الشمالية وحياتهم اليومية، ولكن مروراً بما يحدث بالتفصيل في أروقة بورصة باريس، وفي بيوت الهوى والملاهي الليلية، ولكن أيضاً خلال المعارك العسكرية، ولا سيما معارك “الكومونة” الباريسية، والحرب بين فرساي وباريس بالتواكب مع نشوء التجارة الحديثة وظهور العمران “الهوسماني” الذي بدلاً من الهندسة الباريسية وأنماط الحياة في وسط العاصمة. ومن الطبيعي ألا يكون هذا كل شيء، ففي الحقيقة أن الأجزاء الـ20 وأكثر التي تتألف منها سلسلة “آل روغون – ماكار” التي تتابع تفاصيل التغيرات، بل الانقلابات التي طرأت على الحياة الفرنسية، وبخاصة الباريسية طوال العقود الأخيرة من القرن الـ19، إنما تقرأ، وحتى لزمن طويل جداً قبل ظهور “دفاتر زولا”، كتأريخ علمي لتلك المرحلة التغييرية الهائلة، وهذا الواقع لم يكن أبداً موقع نقاش بل فقط موقع دهشة. ولقد أتت الكراسات لتفسر عظمة ذلك المشروع وكيف تمكن مبدعه من التوصل إلى تحقيقه. أما الآن فها هو كل شيء يبدو واضحاً ومفهوماً مبدلاً في طريقه النظرة إلى إميل زولا نفسه بالتأكيد، ولكن مبدلاً في طريقه كذلك صيغ التعامل مع ما يمكننا أن نسميه هنا حقاً، الأدب الواقعي الطبيعي بمعنى كونه يحكي عن الوقائع كما تلوح في النصوص مقارنة بما يسميها في الحياة اليومية للبشر من أصحاب العلاقة، وطبيعية، بمعنى أنها مأخوذة ميدانياً حقاً مما يعرفه الناس جميعاً، لكن مؤلفاً عبقرياً هو وحده القادر على نقله إلى أوراقه، ولكن بمساعدة حس علمي وملاحظة تسجيلية لا شك فيهما. على ضوء علم الاجتماع ومن هنا يمكننا أن نوافق كل أولئك الباحثين الذين لا يتوقفون منذ صدور “دفاتر التحقيقات”، كما بات العنوان النهائي في نهاية المطاف، لا يتوقفون عن القول إن باريس، ومناطق فرنسية عديدة تعيش حياتها وتاريخها بصورة متواصل على صفحات أجزاء “ساغا” سلسلة “آل روغون – ماكار”، لم تحظَ في تاريخها بعالم اجتماع أو بباحث في الأنثروبولوجيا، المدينية، ولكن غير المدينية أيضاً، رسم صورتها المورفولوجية والطوبوغرافية والاجتماعية والبشرية بتلك الدقة مستنداً إلى أشهر طويلة من العمل الدقيق الذي تضمن آلاف الصور الفوتوغرافية والاسكتشات المرسومة ميدانياً، والحوارات المنقولة كما هي بلغاتها الشعبية. ومن هنا “فإنه سيكون من الخطأ عدم النظر اليوم إلى إميل زولا إلى جانب كونه واحداً من أكبر الروائيين الفرنسيين على مدى الأزمان، والنموذج الأدبي الذي احتذاه عدد كبير من كتاب العالم، ولا سيما كتاب الروايات المدينية في هذا العالم، عدم النظر إليه بوصفه، من ناحية أخرى موازية، عالم أنثروبولوجيا بالمعنى الحقيقي والعلمي وربما كذلك بالمعنى الأكاديمي للكلمة”، كما أكد هنري ميتران صاحب الفضل الأول في ذلك الكشف الأدبي التاريخي – الاجتماعي الهائل والذي تحقق قبل 40 سنة من الآن، ويمكن الاحتفال به احتفالاً كبيراً يستحقه. المزيد عن: إميل زولاآل روغون – ماكارتأدب الفرنسيجان مالوريكارل ماركس 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post تقنية «ذكية» يمكنها تفادي الأزمات القلبية مبكراً next post “الصحة العالمية” تفكر في اتخاذ إجراء بشأن فيروس “أم بوكس” You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024